فقهاء السلطان والتشريعات السلطانية١
قبل قيام الدولة الإسلامية لم يكن للعرب في جزيرتهم معرفة بأساليب الإدارة الحكومية، ولا دواوينها المعقَّدة، ولا مجالسها التشريعية، ولا نظام الأمن والشرطة المتطور، وكان اعتماد الفرد في أمنه وسلامة ماله وروحه على نسبه القبلي وحمايته العشائرية، ومن كان يتم خلعه من قبيلته يصبح نهبًا مباحًا مهدور الدم؛ ومن هنا نشأ نظام الإجارة لدى قبائل بدو الجزيرة، حيث كان بإمكان المخلوع أن يلجأ إلى الاستجارة بقبيلةٍ أخرى يعيش في ذمتها آمنًا في جوارها وحماها.
ومع قيام حكومة أول دولةٍ عربية في يثرب، أمكن لقبائل العرب المتشرذمة في جزيرتها أن تتوحد في دولةٍ مركزيةٍ واحدة، ومع تهاوي إمبراطوريتي الفرس والروم بعد حربهما السبعينية، خرج العرب من جزيرتهم يملئون الفراغ الناشئ في المنطقة، ليقيموا إمبراطورية شاسعة، بدأها الأمويون الذين نقلوا عاصمة الدولة من مدينة الرسول المنورة إلى دمشق الشام، لكن ليجدوا أنفسهم في ظرفٍ جديد أكثر تعقيدًا مما ألفوه في بداوتهم البسيطة الأولى، بين شعوبٍ عريقة بحضاراتها ولغاتها وأنظمتها الإدارية والاجتماعية، لها تاريخها الممتد في دولٍ مركزية منذ فجر التاريخ، وهنا واجه الأمويون أول المشاكل الكبرى؛ فهم لا يحملون معهم من فيافي جزيرتهم من ثقافة سوى القرآن الكريم وبعض الأشعار وعلوم الأنساب وما من قبيلها، وهو زاد كان غير كافٍ إزاء متغيرات شتى تختلف عن بيئة البداوة في البلاد المفتوحة بكل جديدها المتعدد، خاصةً أن القرآن الكريم كان يحمل مجموعة تنظيمات وأحكامٍ عامة دون تفاصيل.
وهكذا لم يجد الفاتحون من حلٍّ سريع سوى نقل نظم الإدارة الرومانية في شئون الإدارة والدواوين والحكم؛ مما أدى إلى ظهور مشكلةٍ أخرى تتعلق بمدى شرعية الحكم الأموي، الذي ادعى أنه امتداد لدولة يثرب النبوية، بينما كان الواضح أمام الصحابة والتابعين والأتقياء، أن تلك الأساليب الرومانية في إدارة شئون البلاد تخالف القرآن الكريم مخالفاتٍ جمةً وصريحة.
والمعلوم أن الأمويين قد حولوا دولة الخلافة إلى مُلكٍ وراثيٍّ عضود، لكن حتى يمكنهم الزعم بامتداد دولتهم لدولة الخلافة، تحايلوا بالمراسم الصورية والطقوس الشكلية؛ فكانوا يأخذون البيعة للملك الجديد ولو بالقوة وإسالة الدماء الزكية، كما حدث في أخذ معاوية البيعة لابنه الفاسق يزيد، وذبح حفدة الرسول ﷺ بلا خشية ولا ورع، وهو الأمر الذي لم يسلم من معارضة الصحابة والتابعين والأتقياء، وهي المعارضة التي قوبلت بعنفٍ معلوم في التاريخ العربي، هذا بالطبع مع ما بات ظاهرًا للجميع من اختلافات تأسيسية بين نظامٍ ملكيٍّ قائم على قوة الحراب والسيوف يملك الأرض ومن عليها، وبين موقف القرآن الكريم من النظام الملكي، ومن الملوك الذين إذا دخلوا قرية أفسدوها.
وبين تراكم التناقضات بين النظام الجديد المعقَّد وبين العموميات المقدَّسة، أصبح الأمويون بحاجة لإلباس نظامهم لبوسًا مقدسًا، فقاموا يشترون الذمم ومن يمكنهم اختراع الأحاديث المنسوبة للنبي ﷺ تلك الأحاديث التي كانت تتضارب مع صريح الآيات، وتخالف القرآن الكريم وروحه مخالفة بيِّنة، ولم يتم ذلك إلا بعد أن دربوا الأجيال الجديدة التي لم تحضر الزمن النبوي الجليل، ومسلمي البلاد المفتوحة على قبول مبدأ قدسية السُّنة القولية، وهنا لمعت أسماء وظهرت في أفق التاريخ الإسلامي مع رواية السُّنة القولية، ليس لها من مآثر كمآثر الصحابة الأوائل الذين كانوا وقود الدعوة ونجاحها، وكل مأثرتهم أنهم كانوا رواة لأحاديث يقف وراءها كثير من الأغراض وبخاصةٍ الأغراض السياسية، وتم إكساب السُّنة القولية قدسية الوحي التي لا تقبل اعتراضًا بحكم قدسيتها، ولم يعدم المعارضون الوسيلة؛ فلجئوا لذات الأسلوب كما فعل الشيعة مثلًا، فقاموا يخترعون الأحاديث النقيضة ويوثقونها بالإسناد وبالتواتر، معارضة لما كان يفعله فقهاء السلطان والتشريعات السلطانية؛ وهنا كانت بداية تقديس أمر لم يكن مقدسًا؛ السُّنة القولية!
وواجهت الإدارة الإسلامية مشكلةً أخرى، وجدت حلها عن طريق السُّنة القولية، فهي عندما نقلت نظم الإدارة الرومانية رفضت أي مشاركة في الحكم برفض مجلس السوناتو، وأصبحت دولةً ثيوقراطية لا تملك هيئةً تشريعية تسن القوانين، ومن هنا تم توزيع مسئولية التشريع والإجراءات الجزائية بين طرفَين: الحكام الذين اخترع لهم رعاة شئون التقديس سلطة (التعزير) لإصدار الأحكام فيما لم يأت به نصٌّ قدسيٌّ واضح، ورجال الحديث والفقه الذين قاموا على تفصيل التشريعات العامة بالسُّنة القولية، وتضافرت فوق رءوس العباد ثلاث سلطات: سلطة النص، سلطة الحاكم، سلطة رعاة التقديس (رجال الدين)، لكن سلطة رجل الدين حينذاك كانت تبنى ويعترف بها على صحابيته أو تابعيته أو علمه وتقواه، ثم أضيف لها مدى تمطط ذمة بعض هؤلاء وفق مطالب السلطة السياسية، ومع الزمن أضيف إليها مع إنشاء الأزهر اليونيفورم المشيخي وشهادة التخرج الأزهرية، التي ظنوا بها أنهم ورثة السابقين لامتلاك السلطان على رقاب العباد حتى اليوم، وهو ما يمثله قول الدكتور عبد العظيم المطعني في صحيفة عقيدتي بتاريخ ٢٠ / ٤ / ١٩٩٩م وهو يفسر قوله تعالى: أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ بقوله «إن المقصود بأولي الأمر الذين أمر الله بطاعتهم هم: الحكام أو الأمراء ثم العلماء، يطيعون الحكام في سياسة الدنيا ويطيعون العلماء في شئون الدين.»
لكن على الجانب الآخر، وإبان محاولات توفيق الشرع مع الواقع الجديد المتغير بالفتوحات، كان هناك المخلصون من أبناء الأمة، العقلانيون، الذين لم يبتغوا عرض الدنيا ولا تاجروا بالدين، فقالوا رأيهم دون أن يخترعوا حديثًا أو يكذبوا على رسول الله ﷺ، قالو رأيهم كرأيٍ بشريٍّ قابل للمناقشة والصواب والخطأ، ولم ينسبوه للقرآن، ولم يلبسوا أنفسهم عصمة ولا قداسة، ولا طلبوا لأنفسهم الطاعة، فاحترموا الدين واحترموا أنفسهم واحترموا مصالح الناس، ولم يتاجروا بفقههم لصالح السلطان، لكن تاريخنا كدأبه يعلن أن من اخترع ولفَّق ونسب للنبي هو الفريق الذي فاز بذهب المعز وجلس عن يمين السلطان، وأن من أخلص الغرض لله وللناس تم تبديعه وتكفيره لأنه لم يستمد سلطانه من الكذب على النبي وربه، وهو الفريق الذي اختفى من ساحة تاريخنا، ولم يبقَ في ساحة هذا التاريخ سوى فقهاء السلطان الذين يطلبون الطاعة لأنفسهم مرافقة لطاعة الحكام والأمراء لأنهم أولي الأمر منا (؟!).
هذا ما كان عن الأسباب الموضوعية لظهور رواية السُّنة القولية وإلباسها القدسية في واقع التاريخ العربي، أما تدوينها فله أسبابٌ أخرى يتفق حولها الجميع، وهي تكاثر الكذب على النبي ﷺ، حتى تضاربت الأحاديث المروية عنه باختلاف الأغراض ومصالح السلاطين وسادة الفرق، حتى إن بعضها تناقض مع كتاب الله العزيز، ومع التكاثر الهائل في الروايات المكذوبة، لجأ السلطان التقي عمر بن عبد العزيز إلى إصدار أوامره بجمع السُّنة وتدوينها، ومنع الرواية عن النبي بعد التدوين، لوضع حد لهذا التراكم المتضارب المكذوب، لكن هذا التدوين لم يسلم من معارضة الأتقياء الذين كانوا يعلمون بأمر النبي عدم تدوين سنته حتى لا تتحول إلى مقدس بجوار المقدس القرآني، وحتى قال الزهري بلسان فصيح: «كنا نكره كتابة السُّنة حتى أَكرهَنا عليها هؤلاء الأمراء.»
ولا نقول هنا جديدًا، بل المعلوم لكل مهتم بالتاريخ الإسلامي وتراث الإسلام عندما نؤكد أن تكاثر الحديث المكذوب قد جاء أولًا، نتيجة اتساع رقعة الدولة بالفتوحات، ودخول شعوبٍ مغايرة بنظمها وثقافاتها تحت ربقة الحكم العربي، مما احتاج إلى تفاصيل أوسع من العموميات القرآنية؛ ومن ثم كان اللجوء إلى اختراع الأحاديث التي تتناسب والمطلوب للأوضاع الجديدة، هذا بالطبع مع أسبابٍ تأسيسيةٍ معلومة، تتمثل في انقسام المسلمين حول نظام الحكم/الخلافة، الذي لم يأتِ به نص، فكان أن اخترع كل مذهب وكل فرقة أحاديث لَبِست القدسية لتأييد توجهاتها، وهو الواضح الجلي بين السُّنة والشيعة، والواضح أيضًا أن تلك الاختراعات المكذوبة لم تكن تقصد وجه الله بقدر ما كانت لأغراض ومصالحَ دنيويةٍ بحتة، وساعد على ترسيخ قدسية الحديث بمكذوباته أن القضاة في ظل عدم وجود هيئة تشريع تمثل الأمة، وفئاتها ومصالحها، قاموا يستقون أحكامهم من اجتهاد أئمة المذاهب كلٌّ حسب المذهب الذي يشايعه، ومن الأحاديث المعتمدة لدى هذا المذهب، وبمرور الوقت تحولت تلك الأحاديث واجتهادات الأئمة الظرفية في أزمانهم، إلى شريعةٍ مقدسة رغم اختلاف شواهدها وأحكامها بين الفرق والمذاهب.
ووجه المشكلة هنا أن الحديث قد أصبح مصدرًا من مصادر التشريع إلى جوار النص الأصلي (القرآن الكريم) إضافة إلى الإجماع والقياس، بل تم إلباس المصادر الأربعة قدسية القرار الإلهي رغم أنها جميعًا إنسانيةٌ بشرية تتفق ومعارف الزمن الذي انتهى إليها وأقرَّها، فالقرآن الكريم رغم أنه النص الصحيح الثابت الأول، فإن من يفهمه بشر ومن يطبقه بشر، ومن الطبيعي أن يختلف البشر في فهمه وتطبيقاته، فهو كما قال الإمام علي لا ينطق بلسان لكي ينطق به الرجال، كما أن فيه اجتهادًا بشريًّا مسموحًا به يتمثل في اجتهادات الخليفة ابن الخطاب بشأن المتعة وسهم المؤلفة قلوبهم، وحدِّ السرقة عام الرمادة … إلخ. والحديث قد علمنا بشأنه ما قد علمنا فهو لم يدوَّن إلا في القرن الثاني الهجري، وتعرضت نصوصه للتحريف والتزوير، ومعظمه أحاديث آحاد لا تصلح للتشريع الجماعي، وقامت فيه البشرية بدورٍ واضح لا يجادل فيه إلا صاحب مصالح مكابر، أما الإجماع فمختلف بشأنه هل هو إجماع الصحابة أم الفقهاء أم الأمة؟ وهو في النهاية وعلى أي وضع، إجماع بشر غير معصومين، غير مقدسين، لا يأتيهم وحي من السماء، أما القياس فمستعار من الفيلسوف اليوناني أرسطو طاليس وله قواعد عقلية مقبولة في بعض الأمور وغير مقبولة في أمور أخرى تجاوزها الزمن بتجاوز القياس إلى الاستقراء التجريبي، وبمبادئ وقوانين هذا القياس نفسه المعتمدة لدى العاملين بشئون التقديس لا يصح إسباغ القدسية على السُّنة القولية جميعًا، فمن أهم أشكال القياس قاعدة تقول إنه إذا كذب الجزء كذب الكل، وإذا كذب البعض يصبح الحكم على الكل مجهولًا، أي أنه إذا كذب حديثٌ واحد فإن الشك وعدم اليقينية ينسحب بالضرورة على البقية، ولا يمكن إصدار حكمٍ إطلاقي بالصدق على كله أو بعضه، وهنا يطرح السؤال نفسه: إذا كانت مصادر الشريعة في نهاية الأمر إنسانية في مجملها، فلماذا تثبيتها بإلباسها ثوب القداسة؟ وإذا كان الإنسان ابن زمنه، وأن تقعيدات تلك الشرائع قد وضعت في زمن يناسبها؛ فما الحكمة في تثبيتها بزعم قدسيتها وشموليتها لكل زمان ومكان دون مراعاة للمتغيرات؟
وأضرب مثلًا واحدًا لنماذج ذلك الثبات المدهش، ففي قوانين الأحوال الشخصية لم يزل الطلاق عند السنة يقع لفظًا حتى اليوم، فتحول اللفظ إلى كلامٍ سحري يتحول بمجرد نطقه إلى فعل مدمر يشتت أسرة ويهيل بنيانها هباءً، وهو ما كان يقع لفظًا في الزمن القديم إلا لانتشار الأمية المعمَّمة وعدم وجود العقود الضرورية في دواوين وأرشيف يحفظها ويتابع نتيجتها ويعاقب على انتهاك بنودها، واليوم انتهى ذلك الوضع الجهول بواقعٍ جديد، وزمنٍ مخالف، ومع ذلك تصرُّ تلك القوانين حتى اليوم على وقوع الطلاق لفظًا في فعلٍ سحريٍّ منتكس إلى مرحلة ما قبل الأديان، عندما كانت الألفاظ تحمل في داخلها قدراتٍ سحريةً فاعلة.
هذا ناهيك عن كون أي قانون أو تشريع لا قيمة له في ذاته بعيدًا عن مصالح الناس، وتلك المصالح تتغير بتغير الظروف عبر المكان وبتغير الزمان، وقد وعى المذهب المالكي هذا الأمر مبكرًا فقال إنه بالإمكان التخلي عن قاعدة تشريعية إذا تغيرت الظروف وتطلبت مصالح الناس حكمًا مغايرًا.
وهنا يلحُّ موقف مشايخ الرقابة والتكفير والسلطان الكهنوتي الذين قاموا بهجمتهم العنترية على زميلتهم الأزهرية؛ لطعنها في صدق حديث المرأة ناقصة عقل ودين، ومثله حديث لا يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة، وهو الحديث المعتمد في الموقف المعلن ضد تعيين المرأة في مناصب الولاية والقيادة والرئاسة، كمنصب القضاء مثلًا، والإصرار على أن تغير الزمن لا يعطي المرأة حق الولاية، هذا رغم علمهم أن حديث لا يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة قد رواه البخاري وقال إن الصحابي أبا بكرة قد تذكره عقب هزيمة فريق السيدة عائشة في موقعة الجمل، وأن النبي كان قد سبق وقاله عندما آل عرش فارس إلى امرأة زمن الدعوة، وفي هذه الحالة أيضًا نجد السادة العاملين بشئون التقديس يميلون كل الميل نحو التشدد والتعصب والوقوف صفًّا واحدًا وراء حديث أبي بكرة، هذا رغم أن السيدة عائشة أم المؤمنين قد أخذت الولاية فعلًا، وليس قولًا ولا رواية قد تصدق أو تكذب، وقادت بنفسها الجيوش والمعارك وتحدثت للرجال في شئون العلاقات الجنسية. فبأيهما نقتدي: بالحميراء وعنها يمكن أن نأخذ نصف ديننا كما نصح رسول الله ﷺ؟ أم بأبي بكرة وموقفه السياسي المعلَن بعد انكسار جيش السيدة عائشة؟ وهو الأمر الذي يستدعي التساؤل: هل يقف هذا التعصب الذكوري وراء موقف الدكتور إسماعيل حبلوش من زميلته العميدة وقوله إنها «المرأة العميدة التي لا يصلح حديثها إلا للمطابخ؟» والإصرار على نقص المرأة عقلًا ودينًا، ذلك النقص الذي أرجعه الدكتور عبد العظيم المطعني إلى مشاعر المرأة الرقيقة التي قد تجعلها تخطئ في الحكم إذا تولت رياسة أو قضاء، بينما أرجعه الدكتور حبلوش لحيضها الذي يمنعها من أداء الفروض الدينية، فهل إذا بلغت المرأة يأسها وانقطع حيضها بلغت مبلغ الرجال وانتفى عنها نقص الدين؟
إن المشكلة التي لم يرها كلا الأستاذين عفا الله عنهما أن الإقرار بنقص المرأة عن الرجل يترتب عليه الانتقاص من حقوقها، وهذا هو لب القصيد وجوهره.
ولا شك أن عدم رؤية هؤلاء الأزاهرة اللوامع لمكمن المشكلة الحقوقية، والإصرار على أحاديثَ مشكوكٍ بأمرها من باب الإصرار على هذا الانتقاص الحقوقي، يؤدي إلى حزنٍ عميق، على مناهج الرجال اللوامع، ويزداد هذا الحزن عندما تراهم يعلنون أنفسهم رعاة للمقدس، وحماة له، وولاة للأمر منا في شئون العقيدة، وفي الوقت نفسه تجدهم في غاية الضعف ومنتهى العي مع تهافتٍ شديد في المنطق عند أول مناقشةٍ عقلية لما تصوروه ثوابت أو زعموه كذلك، فقد أعلن هؤلاء السادة أن ما كتبناه حول معركتهم مع زميلتهم الأزهرية تهجُّم على مُسلَّمات الأزهر ورجاله، وأننا — لا سمح الله — أعداء للإسلام كما صنفنا الدكتور محمد المسير، أو أننا من رواد مدرسة المشاغبين فكريًّا الجديدة كما وصفنا الدكتور عبد العظيم المطعني؛ لذلك وجب أن يشترك معنا قارئنا وينظر كيف تعامل السادة الأزاهرة مع ما طرحناه من نقاش حول ما اختلفوا فيه مع زميلتهم العميدة، لإنكارها بعض الحديث، وافتراض أنها من الموضوعات غير الصادقة، لنعرف كيف يفكر رعاة التقديس في بلادنا وإلى أين يمكن أن يصلوا بالبلاد والعبادة.
لقد سبق وطرحنا ما هجس به الخاطر في شكل تساؤلات عن اعتقادٍ يقيني أن السؤال غير محرم، فكان رد الدكتور حبلوش مخيبًا لآمالنا فيه؛ فقد أشاح تمامًا عن كل التساؤلات المشروعة وأدلة مشروعيتها التي جئنا بها من صدور أمهات الكتب الإسلامية وعن المنطق العقلي الذي طرحناه ليذهب إلى منطقةٍ أخرى بعيدة يصرخ فيها مُولوِلًا: «ما صلة هذا الرجل بالأزهر الشريف كي يتطاول على الأزهر بهذا الشكل، وعلى السُّنة النبوية الشريفة؛ لذلك اخترت له الطريق اللائق به؛ المحكمة.» … هكذا لم يلتفت الرجل إلى المنهج والأدلة القواطع ووقف يحتجُّ على تساؤلنا عن مدى عصمة الأزاهرة، وهل ما يقولون وحيٌ سماوي لا يصح الاعتراض عليه؟ أم قولٌ بشري تصح مناقشته وقبوله أو رفضه؟ إنهم لا يقبلون المناقشة ولا الاختلاف، فقط يأمرون وعلينا الطاعة كالخشب المسندة، ونعم قلنا إنه ليس في القرآن ولا في الحديث أزهر ولا رجال أزهر، فلماذا انزعج سيادته؟ وهل لديه ما يردُّ به من آيات أو أحاديث ولو مخترَعة؟ أم أنها عروش قد اهتزَّت لأنه قد آن لها أن تهتزَّ؟
لقد كنا نظن الحبلوش هزبرًا برصيده من تكفير المفكرين وتدعير الفنانات والفنانين وبريادته للجبهة المنحلَّة، وتصورناه سيأتي بما لم يأتِ به الأوائل، وطمعنا في قول يلجئنا لمزيد من الجهد والبحث والمثابرة بين كتب الأصول للبحث عن قولٍ فصل، فإذا به يحرمنا متعة البحث بوفاضه الخالي، وإذا بسيادته مجرد ظاهرة صوتية إن جازت لتخويف العوام فهي لا تجوز معنا، وكشف الرجل نفسه فإن أنت أتيته بالسؤال بُهت، وإن واجهته بالحق الْتجم، ولم يبقَ بيده سوى سلاح الإرهاب لإسكاتنا مستنفرًا مئات ألوف الأزاهرة بندائه الملتاع: «وأطلب من الأزهر تحديد موقفه من هذا الرجل!» متصوِّرًا أنه مع رعيله قادرون على إسكات أحد أو إخافة أحد، وهكذا لم يرد الرجل على حُجة ولا بيان، وقال ما يخلو من أي برهان، سوى العصبية والتراجع والاعتصام بالمحاكم وبسلطان الأزاهرة الذي ليس بسلطان، ولم يبق إلا أن نقول له قولة الشافعي: «آن للشافعي أن يمد رجليه.»
هذا ما كان من رد الحبلوش الذي يملأ الدنيا صراخًا وضجيجًا مملًّا، لكن هناك موقفًا أكثر رصانة واحترامًا قدمه الأستاذ جمال البنا إزاء ما قلنا (وبالمناسبة فإن السيد جمال البنا يتعرض لحملةٍ مشابهة من العاملين بشئون التقديس بسبب بعض اجتهاداته)، فوافقنا الرجل في كثير مما قلنا، ولم يلجأ للتهويش والترغيب والترهيب، وخالفنا في بعضٍ آخر، وفي ذلك لا مثلبة، لكن المثلبة تكون عندما يحرف الكلام عن مواضعه وهو يعلم، فقد احتجَّ سيادته على قولنا إنه لم يصح عند أبي حنيفة سوى سبعة عشر حديثًا، ليستبدل الكلام ويقول: «فهل يعقل أن إمامًا من أئمة الفقه أو الإمام الأول في الفقه لا يعرف إلا ١٧ حديثًا؟!» رغم علم الأستاذ البنا الفارق العظيم بين «لم يصحَّ عنده» وبين «لا يعرف»، وبالمرة رأى الأستاذ البنا أن يفضح مستورنا وأن ما قلنا مجرد سرقة لأفكار من قبلنا بقوله: «وهذه الاتهامات التي أوردها القمني في حق أبي هريرة هي نفسها التي قالها منذ عشرين عامًا أبو رية»، لكن غريب أمر رعاة التقديس هو عدم اتفاقهم على أدلة الاتهام، لأن الدكتور المُسير يرى أننا قد أخذنا ما قلنا عن الأستاذ أحمد أمين رحمة الله عليه في كتابه (فجر الإسلام) وكان بدوره مثلنا لا يريد بالإسلام خيرًا! أما الدكتور عبد العظيم المطعني المتفرد دومًا بأقواله الباهرات، فلم يناقش شيئًا مما طرحنا، وذهب يبحث عن مصادر سرقتنا للأفكار لإصابتنا في مقتل، عندما أكد عثوره على مصدر تلك الأفكار، حيث وجدها في «كتاب في الحديث لرجل شيعي متطرف يدعى عبد الحسين» (؟!)، هكذا (؟!) … الرجل لم يملك ردًّا موضوعيًّا فلجأ للتشويه بالتهويش، واتهمنا دون دليلٍ واضح، فما اسم هذا الكتاب على وجه التدقيق؟ ومن هو هذا العبد الحسين؟ وأين المقارنات النصية الثبوتية بين ما قلنا وبين ما قال ذلك البطل المجهول المتطرف؟ أبدًا لم يشغل المطعني نفسه بذلك، لقد ضرب ضربته العشوائية متصورًا أنه قد أنهى الأمر بالقاضية، ثم استكمل أقواله لا فُضَّ فوه شارحًا: «ثم أضاف إليها القمني بعض الاجتهادات الخاطئة التي تؤكد أنه لم يؤهِّل نفسه علميًّا للسباحة في هذا المجال، فهو لم يملك الأدوات التي تجعل بحثه مقبولًا، وبما أنه أحد رواد مدرسة المشاغبين فكريًّا، التي تشكك في الحديث النبوي، جعلته يتصيد الأدلة بلا دراسة ولا ضابط، ورواد هذه المدرسة يُجمِعون على التشكيك في السُّنة النبوية ويهوِّنون من شأنها فيقولون إن عمر بن الخطاب كان يُشعل الحرائق في كتب الأحاديث، وإنها جمعت جمعًا عشوائيًّا.»
لا بأس علينا إن وَضَعَنا الدكتور المطعني في محل التلاميذ المشاغبين أمام أساتذة مؤهلين مثله، لأننا لا نطمع في أستذة ولا ولاية لأمر الناس، بقدر ما يشغلنا هذا الوطن والعباد في هذا الوطن، وإني أقرُّ له باستعدادي الدائم للتعلم ومراجعة أخطائي أينما وُجدتْ والاعتراف بها، فلست ممن يزعمون لأنفسهم سلطانًا على العباد، ولا أتباهى بقدسيةٍ أزهريةٍ مزعومة، ولا أتصورني مالكًا للحقيقة المطلقة لأن هذا هو الضلال المركَّب والجهل المبين، أنا فقط يا سيدي أطرح التساؤلات وأستفسر طلبًا للإجابات وليس للتعالي وإطلاق الصفات المبتذلة والسخائم، راجيًا العلم من رجال مثل الدكتور المطعني المؤهَّل، لكنا للأسف لم نجد ردًّا، ولا تكذيبًا واضحًا بالبينات، ولا ادعاء بافترائنا أو كذبنا فيما أوردنا من أمهات المصادر الإسلامية، وكل ما سمعنا من سيادته وهو المعلم المؤهل تشكيك غير حميد بكتابٍ مجهول لشخصٍ مجهول، من باب التهويش الهش، واللجاجة التي لا تليق بالأساتذة المؤهَّلين، وذلك كما في قوله إننا قد قلنا إن السنة قد جُمعت جمعًا عشوائيًّا (؟!) المصيبة أن هذا السيد يعلم يقينًا أننا لم نقل ذلك، بل هو من قال ذلك عندما كان يبرر الفارق بين ما جمع البخاري من أحاديث وبين ما تم تدوينه منها، بقوله إن البخاري كان يدون كل يوم حديثين، ولا يدونهما إلا بعد أن يستخير الله ويصلي ركعتَين، ولا يسجل إلا ما تطمئن إليه نفسه، فهلَّا يستطيع الأستاذ المؤهَّل الاستنتاج من مقدمات حديثه؟ أم أن للعشوائية معنى خاصًّا لدى سيادته؟
ثم يتساءل الدكتور المؤهَّل الحجة قائلًا: «إن الروايات التي قيلت عن أن سيدنا عمر بن الخطاب كان يحرق كتب الحديث، إن صحت هذه الروايات فالذين قاموا بروايتها هم الذين قاموا برواية الحديث، فلماذا تُصدِّقونهم في هذه الأخبار وتُكذِّبونهم في رواية الحديث؟!»
هل أراد الدكتور بهذا الكلام إفحام أحد؟ ربما، لكن ألم يلحظ سيادته أن الذين أخذوا بأحاديث النبي وبأمره بعدم تدوين السُّنة، وصَدَعوا بها وأطاعوها هم الخلفاء الراشدون وليس نحن، وأن من حرق الحديث هو أبو بكر وعمر وليس نحن، وأن من أصرَّ على عدم التدوين هم أجلَّة الصحابة وليس نحن، وأننا فقط ذكرنا الأحداث التي تخفونها عن الناس كي لا تنتقص من سلطان ولا يتهكم عليهم، ولم نحدد موقفنا بالاتفاق معها أو الوقوف ضدها، إنما طرحنا الاستنتاج العقلي والشرعي المقبول من وجهة نظرنا، إننا لم نفعل سوى تسجيل وإعلان ما تخفونه عن جماهير المؤمنين يا ولاة الأمر منا، وأن ما ذكرناه يُشكِّك في الأهداف التي كانت تقف وراء جمع الحديث وتدوينه رغم نهي النبي ﷺ في ذلك؟ وإبراز منطقية أن المكذوب في الحديث يؤدي للشك في بقيته، والشك يا سيدي من الإيمان، إيمان المؤمن الكَيِّس الفطِن، وإن صدقنا أحاديث النهي عن التدوين فقد صدقنا أحاديث نبوية صدقها أجلة الصحابة والتابعين، ولم نعادِ الذين صدقوا أحاديث السماح بالتدوين ولا كفرناهم ولا بدَّعناهم كما تفعلون مع الذين صدقوا أحاديث النهي عن التدوين، وهم لم يصدقوها إلا لورودها بالصحاح والمسانيد ولم يخترعوها وينسبونها للنبي كذبًا كما يفعل البعض؛ لذلك فموقهم أكثر احترامًا للدين ولمصالح الناس لأنه لا يبغي مصلحة ولا سيادة ولا ولاية أمر على العباد ولا تحالفًا مع السلطان، بينما موقفكم يا سيدي تفوح منه روائحُ كثيرة تُصرُّون فيها على إعمال أحاديث السماح بالتدوين، وتبديع من يصدق أحاديث النهي عن التدوين ومهاجمته وتسفيهه، أنتم أيها السادة ما زلتم مع معاوية ويزيد ضد الراشدين، مع السلاطين ضد مصالح الجماهير، مع الأحاديث بمكذوبها ضد القرآن الكريم، والمشكلة يا سيدي المؤهل ليست في الأخذ بأي من المبدأين: التصريح بالتدوين أو النهي عنه، المشكلة في تفكيركم الاختيار والأخذ بأحاديث النهي عن التدوين وهي أحاديث وليست آيات شيطانية، لأنكم تريدون السُّنة القولية سيفًا مصلتًا فوق رءوس العباد لتكونوا انتم سدنته وأنتم الجلادون بواسطته، وأنتم الحكم والقاضي والمشرِّع والمنفذ، وهو الموقف الذي أبدعتم فيه وأظهرتموه واضحًا في هجمتكم على زميلتكم الأزهرية التي رفضت حديث المرأة ناقصة عقل ودين، وعقوبة رجم الزاني المحصن لعدم وجودها بالقرآن المدوَّن.
المسألة يا سيدي الدكتور المتعالي بعلمه على التلاميذ الضعاف من أمثالنا، في التناقض الذي لا بد أن يُفضي منطقيًّا إلى إنزال السُّنة من على مقعد التشريع السلطوي إلى مقعد المناقشة والتفنيد، بما تقتضيه مصالح البلاد والعباد، مع المتغيرات التي فرضها الزمن بعد مضي مئات العقود، لأنها لو كانت جميعًا وحيًا إلهيًّا فإنها تعني التناقض الكامل مع ذاته وتضارب قراراته، كما تعني أن أحد القرارَين صائب وأن الآخر باطل، لكنا بالطبع سنميل كل الميل مع ما أخذ به الراشدون والصحابة والأتقياء حتى لو انتقص ذلك من سلطانكم، وهو الموقف العقلاني المجرد عن المصلحة والهوى ودون مشاغبةٍ مقصودة، بل هي قلوبٌ مؤمنة تريد الاطمئنان لطوية ذلك الإيمان، ويشغلها مصير الوطن إزاء تحجُّر المفاهيم مع أحاديث تمنع المرأة (كمثال) من الولاية استنادًا لقدسية السُّنة القولية.
ثم يتابع الأستاذ المؤهل فيقول: «نعود لجزء من مقال القمني الذي يدل على أنه ليس أهلًا للتحدث عن نقد الحديث، حيث إنه استشهد بآية قرآنية يدَّعى أنها تدعو إلى عدم الأخذ بحجية الحديث، منها: فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (الأعراف: ١٨٥)، وقوله تعالى: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فهو أوهم القراء بأن القرآن الكريم ينكر الإيمان بحديث الرسول ﷺ، مع أن الآيات تنهى عن اتباع غير شريعة الله وما أنزل على رسوله، فالخطاب في الآيات إلى الذين تركوا عبادة الله وعبدوا الأوثان.»
والآن نحاول أن نفهم: عندما سبق واعترضنا على القاعدة الفقهية القائلة «إن العبرة بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب.» قام الأزاهرة ولم يقعدوا حتى حاكمونا بمحاكم الدولة ضمن طلبهم محاكمتي على كتابي «رب الزمان»، لكن انظر معي تلون الشيخ حسب الظروف وهو يعود فيلجأ إلى خصوص السبب لا عموم اللفظ، أليس ذلك بتلون غير حميد ولون من التحايل لرد فهمنا المعمم للفظ الآيات؟ حيرتمونا يا أزاهرة: هل أنتم مع العبرة بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب، أم مع العبرة بخصوص السبب وليس بعموم اللفظ؟
وحتى نغلق ملف هذه المناقشة تبقى ملاحظات تحتاج إلى إيضاح، أساء فهمها السادة الأزاهرة، الذين شمروا عن سواعدهم ليضربونا ضربة رجلٍ واحد، فنحن أبدًا لسنا من منكري السنة، فمناقشة ما حدث والمسكوت عنه والمخفي عمدًا لوضع الأمور في صحيح نصابها حتى لا تكون لبعض الأحاديث سلطة تعوق المجتمع ليس إنكارًا للسُّنة، بل فهمًا لها فهمًا واضحًا يرفع كثيرًا من الالتباسات التي تسمح لمفسري الحديث الكهان بأن يكونوا أولي الأمر منا ضد مصالح الوطن.
وأيضًا نحن لسنا مع غربلة الحديث التي تدعو إليها الدكتورة آمنة نصير والأستاذ البنا، فكفانا غربلة، فقد غربلنا ثقافتنا القديمة وألقينا بتاريخنا الحضاري العظيم ولغتنا القديمة في البحر، ولم نُبقِ سوى الثقافة العربية الإسلامية وحدها، ثم غربلنا ثقافتنا الإسلامية ولم نُبقِ منها سوى ثقافة المذهب المنتصر حليف السلطان، واستبعدنا ما عداها وكفَّرناه وبدَّعناه، وغربلنا ثقافة مذهبنا واستبعدنا الاتجاهات العقلانية (كالمعتزلة مثلًا) وبدَّعناها وكفَّرناها وأبقينا الحفريات المحنَّطة وحدها طاعة لأولي الأمر منا، كفانا غربلة أيها السادة فبقاء الحديث على ما هو عليه مساحةٌ عظيمة للدرس العلمي وقراءة الواقع زمن التدوين وفرز التيارات السياسية وكيف كان الناس يفكرون وكيف كانت تُدار شئون السياسة والاقتصاد والمجتمع، إنه نافذةٌ هامة على الماضي لفهمه، وفيه للباحث زاد ومادةٌ بحثيةٌ غنية وثرية، أما تسليطه تشريعًا فوق رءوس العباد فهو الأمر الجدير بإعادة النظر، ويحق الكلام فيه لكل من يمتلك قدرة الرؤية لمناقشة مساحة النفع والضرر وحاجة الوطن اليوم، خاصة إذا رام ذلك من لا يبتغي سلطانًا ولا نفعًا ولا مصلحة سوى مصالح الناس والوطن التي حيثما تكون فثم وجه الله.
أما المناقشة السريعة التي سقناها لأقوال الأزاهرة اللوامع الذين يزعمون رعاية المقدس وحمايته، بحسبانهم المقصودين بطاعة أولي الأمر منا، فقد كشفت مدى تهافت أقوالهم ولجاجتها وعدم مصداقيتها، مع إصرارها على مواقفها الثابتة حتى لو ظهر خطؤها، وإن هذا التهافت ليدفع للتساؤل: ماذا لو تعرض الإسلام حقًّا لهجماتٍ فكرية تريد به شرًّا، وليس مجرد مناقشة من مسلم مثلهم؟ ماذا هم فاعلون؟
إذا كانت هذه كل ممكناتكم أيها السادة فقد أحزنتمونا كثيرًا وتركتم كل شيء عاريًا من كل حماية؛ لذلك لم يبقَ ما نقول مع أسمائكم اللوامع وهديركم الزاعم رعاية المقدس وحمايته سوى: «استقيلوا يرحمكم الله … ويرحمنا.»