أفراح الأنجال
شهدت منذ مدة في مسرح الأزبكية الصيفي مسرح ٢٦ يوليو مسرحية جديدة، والمسرحية هي «أفراح الأنجال»، وأمَّا الكاتب فهو الأستاذ «أحمد لطفي» القاضي السابق، ورئيس النيابة الإدارية للشركات والهيئات، وقد قام بتمثيل المسرحية فريق من مسرحنا القومي يضم حسين رياض وعبد المنعم إبراهيم وفردوس حسن وإحسان القلعاوي وسهير البابلي.
بدأت المسرحية في طابع كوميديا النقد الاجتماعي، فرأينا حسين رياض في دور فهمي بك أحد الأثرياء، وإحسان القلعاوي في دور زوجة فهمي بك، وسهير البابلي في دور أُميمة ابنتهما، وأخذنا نحسُّ بأنَّ هذه المشكلة تدور حول زواج أميمة، فهي تُريد الزَّواج من طبيب تعرفه هو الدكتور إسماعيل، بينما الأب والأم لا يوافقان على هذا الزواج ويعملان على التخلص من الدكتور إسماعيل؛ لأنه لا يملك ثروة خاصة ويعيش من عمله كطبيب، وتأخذ الأم سعاد في اصطياد زوج غني لابنتها، وتنصب شراكها على شاب اسمه سميح ابن الثري الكبير التاودي باشا، ويقوم عبد المنعم إبراهيم بدور سميح هذا.
ويُقَدِّم لنا المؤلف شخصية سميح؛ فنعلم أنَّه إنسان ساذج فشل في دراسته الجامعية، فأخذ يُعزي نفسه بإعلان احتقاره للجامعة والتعليم كله، وأنَّه قد افتتح مَكتبًا للاستيراد والتصدير، وعهد بإدارته إلى رجل يهودي اسمه ليشع خبير بالتجارة، وأن ليشع هذا يضمن له ربحًا قدره ألفا جنيه مصري شهريًّا، ثم تسير أحداث المسرحية فإذا بنا نعلم أنَّ التاودي باشا وبنت عمه زهيرة هانم لا يُوَافقان على زواج سميح من أميمة بعد أن اكتشفا أنَّ فهمي بك وزوجته محدودا الثراء؛ إذ لا يملكان غير مائة وعشرين فدانًا، وإلى هنا كانت المسرحية مُستقيمة البناء واضحة الهدف.
ولكننا لا نلبث أن نشاهد أمورًا غامضة، فأُميمة وأخوها كمال يزوران سميح في مكتبه ويتفقان معه على إتمام الزَّواج رغم مُعَارضة أُسرة سميح، على أن ينقطع كمال هو الآخر عن دراسته الجامعية ويتفرغ هو وأُميمة لإدارة المكتب بدلًا من ليشع، بعد التعرف على مستندات المكتب وأسرار العمل فيه من واقع أوراق ليشع، ويَأخذ كمال فعلًا في الاطلاع على تلك الأوراق ونَسَخَ بعضها بعد أن دَلَّه سميح على مكانها، وفي نفس هذه اللحظة نرى أُميمة تُحَدِّث خطيبها الدكتور إسماعيل من مكتب سميح؛ فلا نفهم من هذا التصرف شيئًا، ويحتج فهمي بك وزوجته على ترك كمال ابنهما لدراسته الجامعية، ولكنهما لا يلبثان أن يوافقا بعد أن شرح لهما كمال وأميمة خطتهما ويحددا موعدًا لعقد القران، وتُقام حفلة ويأتي مأذون لعقد العقد، ولكنَّا لا نلبثُ أن نفاجأ أثناء الحفلة، وبعد انصراف المأذون بحضور مأذون آخر يعلن أنه المأذون الحقيقي وأنَّ الأول زائف أو غير مختص، ويخرج كمال للبحث عن المأذون الأول.
وفي هذه الأثناء يصل ليشع إلى الحفلة مُعلنًا أنه قد استدعي إليها بمكالمة تليفونية، ثم يعود كمال ومعه سبعة مأذونين لا نلبث أن نفاجأ بأنهم من رجال المخابرات، وأنهم قد حضروا للقبض على ليشع بعد أن حصل كمال وأميمة على أسراره كجاسوس صهيوني، وأخيرًا يحضر الدكتور إسماعيل الخطيب الأول ليتزوج من أُميمة.
وبهذا تنقلب المسرحية في نهايتها من كوميديا اجتماعية إلى مسرحية بوليسية، ويخرج المشاهد وهو غير مقتنع لا بالنقد الاجتماعي الذي لم يشهد له خاتمة ولا دلالة ولا رأيًا من المؤلف، وبالتدابير البوليسية التي لم يعلم مَنْ اشترك فيها ولا مَنْ دَبَّرَها، وهل الأم والأب كانا يعلمان بها ويشتركان فيها أم لا، ثم كيف ننظم مثل هذه التدابير على أساس المصادفة البحتة؛ إذ لولا رفض أسرة سميح لزواجه من أُميمة لما انعقد اتفاق بين أميمة وكمال وسميح على إدارة المكتب والتعرف على أسراره التي كان يخفيها ليشع، وكل من قرأ قصصًا أو مسرحيات بوليسية يعرف أنَّ أحداثها كلها تحاك عن تدبير دقيق ولا يُتْرَك فيها شيء للمُصَادفة، وأنَّه عندما تصل هذه القصص إلى نهايتها وتنكشف أسرارها يستطيع كل قارئ أو مُشاهد أن يفهم جميع الأحداث وأن يُحَدِّد في وضوح الدور الذي لَعِبَتْه كل شخصية في هذه التدابير البوليسية.
وأَمَّا الجزء الأول من المسرحية الذي أوحى إلى المشاهدين بأنه نقد اجتماعي؛ فقد أسف المشاهدون لتخلي المؤلف عن هذا الخط الدرامي النَّاجح دون أن يصل به إلى نهايته، ليتعلق بخط بوليسي لم يُمَهِّد له ولم يحبك خيوطه، فاضطرب الهدفان داخل المسرحية.
ومؤلفنا الجديد الأستاذ أحمد لطفي يلوح أنَّ للأدب في نفسه المنزلة الأولى، فهو يكتب شعرًا وقصصًا قصيرة، ثم ها هو يقدم للجمهور أُولى مسرحياته، ولقد قرأتُ قصيدة شعرية تنُمُّ عن سلامة إحساسه بموسيقى الشعر، كما تنم عنه قدرته على التصوير الشعري، ولكنني لاحظتُ أنَّ الفكرة أو الإحساس الذي يُريد أن يعبر عنه لا يزال غامضًا في نفسه؛ لأنَّ معاناته لهذه الفكرة أو ذلك الإحساس لم يصبر عليها حتى تنضج تجربته، ولا أدلَّ على ذلك من أنه لم يستطع أن يضع لقصيدته عنوانًا يوحي بمضمونها، فسماها «الصورة تترى»، وهو عنوان غير محدد ولا دال، وأخشى أن يكون نفس العيب قد تطرق إلى مسرحيته، فكتبها قبل أن يستقر على فكرتها ويرتب ما تميله من أحداث على نحو يبرز فكرته أو هدفه في صورة درامية مُحكمة البناء.
وأمَّا من حيثُ الإخراج والتمثيل؛ فيسُرني أن أعترف لممثلينا الأفذاذ بقدرتهم الممتازة على النهوض بأدوارهم، رغم ما اعتور هذه الأدوار من نقص في تحديد أبعادها وحقيقة مواقفها الظاهرة والخفية، فحسين رياض استطاع أن يجعل من فهمي بك أنموذجًا لأولئك الأثرياء الذين تسيرهم أطماع زوجاتهم الحمقاء، وعبد المنعم إبراهيم الذي أَظْهَرَ قُدْرَةً فائقة على تقمص الأدوار الفكاهية قد استطاع أن يقدم لنا سميح ابن الذوات شبه الأبله غير الواعي بما يفعل، السهل الانقياد على نحو نموذجي ممتاز، وإحسان القلعاوي وسهير البابلي لعبتا دور السيدة سعاد والفتاة أميمة بمقدرة واضحة، كما مثلت السيدة فردوس حسن دور زهيرة هانم المرفَّهَة المدلَّلة في بلهنية بقدرة ممتازة.
وما أحب في النِّهاية أن أغفل الإشارة إلى ممثلنا القدير الجزيري الذي مَثَّل دور الشيخ زمزم الخطاف وكيل فهمي بك في طبيعية ومهارة واضحة.