مشكلة الإعداد المسرحي
هذا؛ ولقد حَدَثَ في السنتين الأخيرتين — وبعد إنشاء عدة فِرَقٍ مسرحية جديدة بفضل توفير وزارة الثقافة والإرشاد القومي لدور المسرح اللازمة للعروض التمثيلية — أن أَحَسَّتْ تلك الفِرق بحاجتها إلى مسرحيات محلية تُعَالِج مشاكل حياة جمهورنا، ولكنها لم تجد من التأليف المسرحي الجديد الجيد ما يكفي حاجتها، وإذا بظاهرة جديدة تَظْهَر في حياتنا التمثيلية، وهي ظاهرة إعداد القصص والرِّوايات التي أصابت شهرة شعبية واسعة وأصبَحَ لكُتَّابِها مكان أدبي مرموق في مجتمعنا، فرأينا عِدَّة قصص تُحَوَّل إلى مسرحيات تباعًا، ونَذْكُر منها «زقاق المدق» و«بداية ونهاية» و«بين القصرين» وفي الأيام الأخيرة «قصر الشوق» وكلها للأستاذ نجيب محفوظ، فضلًا عن قصة «كفاح طيبة» الموجودة الآن في حصيلة مسرحنا القومي في انتظار تمثيلها، ثم قصة «في بيتنا رجل» للأستاذ إحسان عبد القدوس، وقصة «قنديل أم هاشم» للأستاذ يحيى حقي.
أوَّل ما نُلاحظه هو أنَّ الإسراف في تحويل القصص إلى مسرحيات من شأنه أن يُغلق الباب أمام التأليف المسرحي، أو على الأقل أن يُضَيِّق أمامَه المجال فيما لو تغَذَّتْ فِرَقُنا التمثيلية بالمسرحيات المُعَدَّة، وإذا كنَّا نُلاحظ أنَّ هذه الخطة مُتَّبَعة في مُعظم البلاد الأوروبية، حيثُ تُحَوَّل روائع القصص إلى مسرحيات، مثلما حُوِّلَت قصة «الجريمة والعقاب» وقصة «الأخوة كارامازوف» لديستوفسكي إلى مسرحيات عُرِضَتْ في الكثير من المسارح العالمية بكافة اللغات كما عُرِضَت في أفلام سينمائية، فإننا لا بدَّ أن نَذْكُر أنَّ في كل بلد أوروبي مئات المسارح التي تستطيع أن تستوعب جميع الجيد من المسرحيات القديمة والجديدة، فضلًا عن المسرحيات المُعَدَّة، وإلى أن يتوفر في بلادنا مِثْل هذا العدد الضخم من دُور المسرح ومن الفرق التمثيلية يجب ألا نُسرف في عملية الإعداد المسرحي حتى لا نُضَيِّق المجال أمام مؤلفينا المسرحِيِّين الجدد.
وفضلًا عن ذلك؛ فإننا نُلَاحظ أنَّ عملية الإعداد قَلَّمَا تحترم الأصول الفنية السليمة للتأليف المسرحي، كما أنَّها قَلَّمَا تنفذ المضمون الحقيقي لرَوَائع القصص التي تُحَوَّل إلى مسرحيات، ولقد يحدثُ أن يَختار المُعِدُّ النَّواحي الهابطة في القصة لكي يجتذب إليه جمهورًا أوسع، وفي الغالب نَرَى فرقنا التمثيلية تَقْبل هذه المسرحيات المُعَدَّة؛ لا لإيمانها بجودتها الفنية أو جودة مضمونها، بل اعتمادًا على شهرة القصة الأصلية وشهرة كاتبها اللذين يَضْمَنَان للعروض التمثيلية النجاح الجماهيري.
وفي النهاية لا يفوتنا أن نُشير إلى ما في الإعداد المسرحي للقصص من خطرٍ على تلك القصص ذاتها، وصَرْفٍ لجمهور القراء عن قراءتها اكتفاءً برؤيتها مُمَسْرحة ومُمَثَّلة على خشبة المسرح، وذلك بالرَّغم من أنَّ الإعداد المسرحي لا يمكن أن يستوعب كلَّ ما في القِصَّة من تحليل وسَرْد ووَصْف وأجواء نفسيةٍ واجتماعية تتضمنها القصة وتضيق عنها المسرحية بالضرورة، وبحكم طبيعتها التي تختلف اختلافًا كبيرًا عن طبيعة القصة.