البطر بعد الظفر
عاد الأمير حسان ورجاله وهم لا يصدقون بما نالوه من الفوز المبين، فإن غاية ما رجوه أن يأخذوا بثأر رجالهم من عرب الفضل، ويكشفوا عنهم العار ويستردوا ما نهب من قافلتهم، ففازوا بأكثر مما أملوه؛ قتلوا مائتي رجل أو أكثر، وأسروا أم الأمير عمر وضيوفه، واستافوا قطيعًا كبيرًا من الماشية وجدوه في طريقهم، وانتظروا الفكاك الكبير للأسرى، فواصلوا السير بالسرى إلى أن أبعدوا مرحلة كبيرة عن منازل عرب الفضل، ونزلوا في آخر الليل واستراحوا قليلًا، ثم قاموا في الصباح وساروا وئيدًا ثلاثة أيام إلى أن وصلوا إلى محلتهم في البلقاء، والأمير حسان لا يصدق ما يرى، بل يحسب أنه في حلم، وكانت أخبارهم قد بلغت من بقي في المحلة، فخرجت النساء للقائهم بالدفوف والمزاهر والأناشيد الحماسية، وذبحت الذبائح في اليوم التالي وأولمت الولائم وأديرت الخمور، وأنزل الأمير حسان الأميرة هند والأميرة سلمى وأم الأمير عمر في مضرب كبير قرب مضرب زوجته، وأقام جاريتين على خدمتهن، وأنزل ولدي الأميرة هند في مضرب آخر، وكان في بني صخر شاعر من مثاولة جبل عامل، فنظم له قصيدة يمدحه بها، ويذكر مناقبه الحسان وبلاءه بالأعداء، ويحذره من التمادي في عدائهم ومما قاله فيها:
ففطن الأمير حسان إلى مراده، وظن به السوء فلم يصله بشيء بل أمر أحد أعوانه أن يأخذه إلى خيمته ويحتفظ به إلى أن ينظر في أمره، وشرب من معتقة الدنان إلى أن امتلأ رأسه ببخارها، فذهبت بعقله وقام قاصدًا مضرب الأميرة هند، فالتقت به زوجته، ولم يخفَ عليها أمره، فقالت له: إلي أين يا سيئ الفعال؟! أتريد أن تتركنا عارًا بين قبائل العرب؟! وأمسكت به وردته من حيث أتى، وكان يخشى صولتها وقد طلَّق نساء كثيرات قبلها، أما هي فملكته وكان يجلس أمامها كالعبد الذليل، فعاد إلى مضربه سكران بخمرتين: خمرة الظفر وخمرة العنب، فخيل له أنه راكب على جواده، والفرسان تتسابق بين يديه، فجعل يضرب يمنة ويسرة، كأنه يجندل الأقران، ويصيح مرة بعد أخرى، ثم يضحك حتى يستلقي على ظهره، ويقوم ويسير مهرولًا طالبًا الخروج من المضرب، فيمسك به عبده ويرده إلى مكانه، وإذا أكثر من الجلبة والعربدة أتت زوجته إليه وتهددته، فيضحك لها أولًا، ويحاول القبض عليها ثم يقول لها: أنا الفارس المغوار، أنا قاهر عرب الفضل هه هه، مَن أنت حتى تقفي في طريقي؟! تعالي يا حبيبتي هه هه هه، ألا تأتين؟! اذهبي عني يا لكاع، اغربي من وجهي، لا بد ما أطلقك وآخذ الأميرة هند لا لا، بل الأميرة سلمى هه هه هه، أين الأميرة سلمى؟ اذهب يا لعين وائتني بها، اذهب وإلا قطعت رأسك بهذا السيف. ثم يلوح بيده كمن يستل سيفًا من غمده.
ولم يهتم الخدم بسكره؛ لأنهم كانوا معتادين أن يروه سكران، أما زوجته فخافت أن يسمع أحد من الأميرات الأسيرات صوته، وحاولت وضعه في فراشه، فدفعها عنه وأراد الخروج لكن السكر كان قد أضعفه، فتغلبت عليه هي والعبد وأجلساه على فراشه، ولم يعد يستطيع القيام لكنه بقي يعربد ويهذي ساعة من الزمان، ثم جاشت نفسه فاستفرغ بعض ما في معدته، وانطرح في فراشه كالميت إلى أن أصبح الصباح.