مؤتمر بيروت
اجتمع معتمدو الدول الست الموقعات على عهدة باريس، اجتمعوا في مدينة بيروت للنظر في حوادث لبنان، وغرضهم: البحث عن الجانين وعقابهم، والتعويض على المجني عليهم، وإنشاء حكومة للجبل يؤمن معها حدوث ما حدث. ورأى المؤتمر أن يقدم الأهم على المهم، فنظر أولًا في مسألة التعويض؛ لأن الشتاء كان على الأبواب وأراد أن يعطي أولئك المساكين ما يسدون به جوعهم، ويكسو عريهم ويساعدهم على بناء بيوتهم إذا أرادوا العودة إليها، وانتقل بهيئته إلى دمشق، ورأى ما حل بها من الدمار، وقدر الخسائر بثلاثة ملايين من الجنيهات، وبعد بحث طويل واهتمام الوزير بتقليل التعويض المطلوب إلى أقل ما يمكن الوصول إليه؛ عين مقداره، وقيل إنه قيمة المسلوبات أو ما يراد رده منها، وكتبت القوائم في ذلك، ولكنها كانت مأكلًا لأهل الطمع، ولم يصل إلى الفقير منها إلا شيء لا يذكر، وقد طبع الناس على الظلم حتى وهم متساوون فيه وراسفون في قيوده بظلم بعضهم بعضًا، خلق في الإنسان موروث من الحيوان لا يفلت منه إلا قليلون، وكم من مرة وقفت أرملة مسكينة وطفلها على ذراعها أمام بيت رجل كبير من أهالي بلدها، تطلب منه أن يحن عليها بجزء مما سُمح به لها من مسلوباتها وهو ينتهرها ويقول لها «لم أقبض شيئًا» أو «هذا كل ما سمحوا لك به» ويعطيها ربع ما أخذ! ومما زاد الطين بلة أن المسلوبات قسطت أقساطًا، وأعطيت بها سندات، فجعل الصرافون يشترونها من أصحابها بأقل من قيمتها، فقلَّ ما نال أصحابها منها.
ولما انقضي البحث في مسألة التعويض، انتقل أعضاء المؤتمر إلى البحث في المسألة الأولى؛ أي عقاب المجرمين، فطلب فؤاد باشا من رؤساء النصارى أن يكتبوا أسماء كل الذين يعلمون أنهم ارتكبوا الجرائم، فارتكبوا الشطط حتى صار أعضاء المؤتمر عليهم بعد أن كانوا معهم؛ فاضطروا أن يعدِّلوا طلبهم، وما زالوا يعدلون وأعضاء المؤتمر يطلبون المزيد في التعديل إلى أن انحصر الطلب في نفر قليل من أعيان الدروز، فقبض عليهم وأودعوا السجن، وفي جملتهم الأمير أحمد أرسلان.
وعاد المؤتمر إلى النظر في الأمر الثالث؛ وهو إنشاء حكومة منظمة في جبل لبنان يؤمن بها العودة إلى مثل ما حدث فيه، فبحث في هذا الموضوع طويلًا، وقرر أعضاؤه بعد النظر والروية أن: يتولى إدارة الجبل متصرف مسيحي تختاره الدولة العلية بالاتفاق مع سفراء إنكلترا وفرنسا وروسيا، ويساعده مجلس إدارة ينتخب أعضاءه سكان الجبل، فهو كمجلس الشورى في البلدان الدستورية، وقرروا سن دستور لإدارة الجبل على غاية الدقة، وفرضت المساواة التامة بين جميع سكانه، وانتهت جلسات المؤتمر في أوائل شهر مارس.