تاريخ مصر القديم
الشعب المصري: وقتما كانت الأوروباويون منذ خمسة آلاف سنة في الحضيض الأسفل من الهمجية والتوحُّش؛ لا يعرفون للتمدُّنِ لفظًا ولا للإنسانية اسمًا، يسكنون الوهاد والمغارات والأكواخ، ويكتسون من جلود الحيوانات، ويعيشون من الصيد، لا يدرون ما هي الزراعة ولا الصناعة؛ كانت — إذ ذاك — سكان مصر متمدنة، تشيد المدن، وتسكن أعالي القصور، وتبني القناطر والجسور، وتتحلى بالحُلِيِّ، وتَفلح الأراضي، مذعنة لشرائع مسنونة، وقوانين مخصوصة، ومجتمعة تحت جامعية الوطن.
مصر: هي بلد طيب هواؤها، معتدلة منطقتها، لا يرون فيها المطر إلا قليلًا، ونيلها السعيد الذي يخترقها يفيض عليها بفيضه العميم، فيهديها خصوبته، ويسدل عليها بساط الخضرة، ويُصَيِّرها نضرة كجنات النعيم، ومزدهرة بما فيها من القطوف الدانية والمناظر الزاهية.
وفيضان النيل آتٍ من ذوبان الثلوج التي على قمم الجبال، فيبتدئ النيل زيادة في شهر أبيب، ثم يعمُّ على الأراضي من بعد هذا الشهر، فيمكث عليها مدة ثلاثة شهور، حتى إن بعض القرى المرتفعة تصير في هذا الحين كجزائر محاطة بالمياه من جميع الجهات.
الفراعنة: كانت الملوك التي تحكم على مصر قديمًا تُسمى فراعنة، وكان الفرعون منهم يعيش في قصره جالسًا على أريكة مُلكه، وكان يُسمَّى ولدَ الشمس؛ ولذا كانوا يعبدونه كإله، وحين يموت الواحد منهم يُشيِّدُون له معابدَ، ويقدمون له قربانًا، وكانت الفراعنة منقسمة إلى ستٍّ وعشرين عائلة، وكانت مدة حكمهم تزيد عن ألفين وخمسمائة سنة، وكان مركز ملوك الاثنتي عشرة عائلة الأُوَل مدينة «منفيس» القريبة من المكان الذي فيه القاهرة الآن، وأما بقية العائلات فكان مركزهم في طيبة بالوجه القبلي، وآثارهم لم تَزلْ موجودة تدلُّ عليهم في هاتيك المحلات، والناس يأتون إليها الآن أفواجًا أفواجًا؛ ليروا من بديع صنعهم ما تندهش له العقول.
الحروب: كانت الفراعنة تحكم على جنودٍ، سلاحُها الرماح والقِسِيُّ، وكانوا يقاتلون وهم على عربات حربية، وكانوا يشنون الغارة دائمًا على عبيد أفريقيا والسوريين، ومَن كان يقع في أيديهم أسيرًا كانوا يأتون به، والأغلال في عنقه، مكبًّا على وجهه، ويُشَغِّلُونه في أبنيتهم وآثارهم. وأشهر هذه الملوك هو «رعمسيس» الثاني الذي كان من العائلة الثانية عشرة المسمى «سيزوستزيس»، وكانت مدة حياته قبل المسيح بألف وأربعمائة سنة.
قبور الفراعنة: كان يزعم قدماء المصريين أنه حين يموت الشخص منهم تطير روحه، وتحوم حوله، ولكن لا بد في يومٍ ما أن ترجع إلى جسده، وتدخل فيه؛ ولذلك أوجدوا طريقة لحفظ الجسد، فكانوا يصبرونه ويضعونه في قماش ويربطونه بعصابات، ويُودعُونه في تابوت على شكل الإنسان تقريبًا، وهذا ما يُعبَّر عنه «بالموميا»، ثم يشيِّدون له قبرًا شبيهًا بمنزل تحت الأرض، مهيأً للميت بأن يضعوا فيه سريرًا وموائد وملابس وحُليًّا وأطعمة؛ ظنًّا أنه سيجيء ويستعمل هذه الأشياء. وكثيرًا ما عثروا على قبور مثل هذه — ولم يزالوا يعثرون عليها — ويجدون فيها «موميات» مختلفةٌ أنواعُها.
الأهرام: إن أهرام الجيزة الثلاثة التي لم تزَلْ واقفة على قدم الدوام ولم يؤثر فيها صرف الزمان وتوالي الحدثان، كانت ملوك قدماء المصريين تبنيها مقابر لهم، وكان كل واحد منها قبر ملك. وأعظم أهرام الجيزة الهرم المسمى بالهرم الأكبر الذي يبلغ ارتفاعه نحو المائة والستين مترًا، وهذا الهرم من أعظم آثار العالم، وأرفع قَبر شُيِّد في الدنيا، على أن الذين بنوه ما كانوا يعرفون الآلات، فكان لأجل ما يرفعون الحجارة إلى أعلى؛ كانوا يُشَيِّدون أولًا منحدرًا يسحبون الحجارة عليه، ثم يهدمونه بعدُ. وبَنَت الملوك هذه الأهرام بواسطة رعاياها وأسراها. وهذه الأهرام موجودة في الجيزة بالقرب من القاهرة، وأغلب الأجانب — وعلى الأخص سكان أوروبا — يأتون إليها زمرًا زمرًا، ويصرفون المبالغ الباهظة لرؤية هذه الآثار التي هي من أعجب آثار العالم.
فنون قدماء المصريين وحيواناتها: كانت قدماء المصريين تشيِّد معابد عظيمة وكانوا يرفعون على باب كل واحد منها مَسَلَّتَيْن عظيمتين، ومن هذه المسلات: المسلة التي كانت بالأُقصر التي أخذها الفرنساويون ووضعوها في عاصمة بلادهم «باريس»، في ميدان يقال له «كونكورد»، وقد كانت أخذَتها من أطلال معبد طيبة. وكانت المصريون تنقش من الحجر هياكلَ، يقال للواحد منها أبو الهول «إسفنكس»، ويضعونه على صفين في دهليز المعبد. وكان عندهم محاريث كالموجودة الآن في ديار مصر وجنوب فرنسا، وكانوا يحرثون ويزرعون، ووُجد في مقابرهم حَبٌّ من القمح كالموجود الآن. وكانوا يَنْسجون أقمشة من الكِتَّان، ويشتغلون الذهب والفضة، ويستخرجون منهما حُليًّا يلبسونها، ويصنعون الزجاج والصيني، ويصنعون من نبات ينبت في مصر على شاطئ الماء نوعًا من الورق، ويكتبون عليه بأقلام من القصب مَبْريَّة، وهذا النبات كان يسمى بابيروس «البردي»، ومن هنا أخذت الإفرنج لفظة «بابييه» التي معناها الورق. وكان عندهم من الحيوانات: الثيران والعنز والخنازير وأسراب من الأوز.
كتابة قدماء المصريين: كانت المصريون اخترعت كتابة رموزها تسمى ﺑ «الهيروغليفي»، وهذه الرموز كانت في مبدأ الأمر كثيرة العدد، عسيرة جدًّا، فكان لكلِّ كلمة علامة مختلفة، وبما أن الكلمات لا تدخل تحت حصر، كان الوصول إلى تعلُّم هذه الكتابة صعب المنال جدًّا، وفي آخر الأمر صارت هذه الكتابة سهلة بعد ما حُسن فيها؛ إذ إنه كانت توجد أمة صغيرة بالقرب من الشام، يقال لها «الفينيقيون»، وهذه الأمة كانت تسكن جملة مدن، أشهرها مدينة «ثير»، وكانت سكانها تجارًا مفتقرة لكتابة سهلة؛ ليكتبوا بها في دفاترهم التجارية لحفظ تجارتهم، فلأجل الوصول إلى هذه المآرب أخذوا نحو العشرين حرفًا من الأحرف المصرية، وأوجدوا طريقة بحيث إنه بهذه الأحرف يمكنهم أن يكتبوا كلَّ ما أرادوه. والحرفان الأولان من هذه الأحرف هما «ألفا بيتا» باليوناني، ومن هنا أتى اسم «ألفابيه» أعني حروف الهجاء، وجميع الحروف المستعمَلة الآن في بلاد أوروبا هي آتية من الكتابة المصرية التي أصلحتها «الفينيقيون».