تاريخ الإسرائيليين
الآباء: يوجد بين نهر الفرات وسلسلة جبال «لبنان» بلدٌ شاسع، حارٌّ طقسها، كثيرٌ رملها خاويةٌ على عروشها بَلْقَع، كان يسكن هاتيك البلد قبل الميلاد بألفي سنة أممٌ رحَّالة، ليس لها مستقرٌّ ولا بيوت، بل كانت ترحل من مكان إلى آخر بحيواناتها وثيرانها وإبلها وحبالها وعِصِيِّها، وكانت تسكن خيامًا من الجلد مُطنبة بعمدان تذهب بها حيثما شاءت وأينما أرادت، وكانت منقسمة إلى عدة قبائل، وكل قبيلة كعائلة كثير نفرُها، وكان يقال للكبراء العشائر الذين يديرون أمرها ويرأسونها «الآباء».
أمة بني إسرائيل: كان أشهر الآباء سيدنا إبراهيم الذي أتى إلى أرض فلسطين القريبة من نهر الأردن وأقام بها، وكانت رجال قبيلته تقول: إن الله سبحانه وتعالى وعَد سيدنا إبراهيم بأن يرزقه ذريةً، كثيرٌ عددُها كعدد نجوم السماء أو أكثر، كما أنه قال لربه: إني مطيعٌ لما يوحى إليَّ من عندك. وقد ظهر من قبيلة سيدنا إبراهيم أُمَّتان عظيمتان شهيرتان ارتفع صيتُهما إلى السبع الطباق، وهما: أمة العرب وأمة بني إسرائيل. وحينما كان سيدنا يعقوب أَبا الإسرائيليين حصلَ جدب عظيم في أرض فلسطين، وإذ ذاك رحل سيدنا يعقوب إلى أرض مصر بقبيلته، وبها أقامت الإسرائيليون زمنًا طويلًا حتى إنه كثُر عددُها فيها وانتشر.
سيدنا موسى: كان يوجد بأرض مصر ملكٌ يضطهد الإسرائيليين، ويستخدمهم في تشييد آثاره ويستعبدهم في أعماله، وكان جاعلهم كآلات صماء طوع يمينه، فسيدنا موسى ساقته أريحية الشفقة وحرَّض أمته على المهاجرة من أرض مصر وأن يرجعوا إلى حيث خرج سيدنا يعقوب، وقد صادف كلامه عند الإسرائيليين محلًّا، وصار له وقعٌ في قلوبهم، وسافروا وهم تحت إمرته، وكان هو المشرع لهم بكتاب أنزله الله عليه، يطيعون أوامره ويجتنبون نواهيه، وكان يأمرهم بألا يشركوا بربهم أحدًا، وأن يعبدوا الله مخلصين له، وكانت حياة سيدنا موسى قبل المسيح بألف وخمسمائة سنة.
الكلام على أرض فلسطين: قد مكثت الإسرائيليون زمنًا طويلًا في البادية، ثم أتوا إلى أرض فلسطين، وشنُّوا الغارة على الأمم التي كانت تسكنها، وما زالت الحرب واقفة على ساق وقدم إلى أن أبادوا هاتيك الأمم عن آخرهم وتوطَّنوا في البلد، وكانت الإسرائيليون إذ ذاك منقسمة إلى اثنتي عشرة قبيلة، كلُّ واحدة لها سير مخصوص.
الملوك: لما أراد الإسرائيليون أن يكون لهم مَلِكٌ يقاتل في سبيل الله معهم، ويرشدهم في أمورهم، ويرأس جيشهم، ذهبوا إلى نبيِّهم المسمى «أشمويل» لأجل أن يختار لهم ملكًا، فاختار لهم «طالوت»، المسمى بالسريانية «شاول»، وسلَّمه زمام المُلك، ودهن رأسه بدهن القدس، وقال له: أمرني ربي أن أُمَلِّكَك عليهم، فأبى — وذلك كان قبل المسيح بألف ومائة سنة تقريبًا — ولكن لما رأى أشمويل أن شاول أبى وتنجى أن يكون ملكًا، فرأى أيضًا أمة بني إسرائيل يحاولون في عدم إقامته عليهم ملكًا، فاختار أن يُسلِّم زمام مُلكهم إلى سيدنا داود. فلما استولى على الملك قمع أعداء بني إسرائيل، وأقام على جبل «سيئون» في مدينة بيت المقدس، ثم خلفه ولده سيدنا سليمان، وشيَّد قصرًا من الخشب وأقام بيت المقدس، وذلك قبل المسيح بألف سنة.
أنبياء بني إسرائيل: بعد حكم سيدنا سليمان انشقَّت عصا الإسرائيليين ثانيًا، وانحلَّت عراهم. فَالعَشْر قبائل الشمالية كوَّنوا مملكة فذَّة، وصاروا يعبدون الأوثان، واتخذوا من دون الله أربابًا. وأما القبيلتان الجنوبيتان اللتان كانتا في ضواحي بيت المقدس، فقد اتخذتا اليهودية دينًا لهم، وعبدتا الله غير مشركين به أحدًا، وقد أُطلق على سكان هذه المملكة اسم اليهود، ثم إنه وقعت حرب بين هاتين المملكتين، وما زالت واقفة على ساق وقدم إلى أن أتت ملوك «نينوى» و«بابل» بجيوش جرارة، فأثاروا النار في محصولاتهم، وأبادوا مدنهم، وأخربوا ديارهم، وسبوا نساءهم، وذبحوا أولادهم ورجالهم، واستولوا على «سيمبريا» عاصمة مملكة الإسرائيليين في سنة ٧١١ قبل المسيح، وعلى «بيت المقدس» عاصمة مملكة اليهود في سنة ٥٨٩ قبل المسيح. وفي هذا الزمن أُرسلت إلى بني إسرائيل الرسلُ؛ ليُهدوهم إلى الصراط المستقيم والدين القويم الذي ضلوا عنه، وأساءوا عملًا؛ حيث عظمت فيهم الأحداث، وظهر فيهم الفساد، ونسوا عهد الله حتى نصبوا الأوثان وعبدوها من دون الله عز وجل. وأشهر الرسل التي بُعثت لبني إسرائيل هم: «حزقيل» الملقب بابن العجوز، و«إلياس» و«اليسع» عليهم السلام. وكانت الملوك طورًا يتبعونهم، ومرة يضلون ويطغون.
المسيح: كانت اليهود الشهيرة أُخذت أسرى إلى بابل، وأقاموا بها سبعين سنة، غير أن في هذا الزمن كانت ابتدأت الفرس (التي كانت أمة صغيرة بآسيا) أن تؤسس مملكة عظيمة مشيدة أركانها، فاستولى ملكها «كرش» على بابل، وأذن لليهود بأن تعود إلى بيت المقدس، ويبنوا ثانيًا المعبد. وإذ ذاك ما كانت اليهود إلا شعبًا صغيرًا لا يملكون قطميرًا، ولكنهم عَلَّلُوا أنفسهم وقالوا: إننا ما عصينا الله وكنا مخلصين له، وإذا عاقبنا المولى الآن فلا بد أن يعفو عنا يومًا، ويغفر لنا سيئاتنا، ويعيدنا في قوة وعزم متين كعهد سيدنا سليمان. وقد كانت الرسل أنبأت بأن الله سيبعث رسولًا من ذرية داود ليرفع اليهود، وكانت منتظرة هذا الرسول الذي تُسميه المسيح.
هدم بيت المقدس: انتظرت اليهود مدة خمسمائة سنة ظهور المسيح، ولكنه لما ظهر أبَوا عن أن يعترفوا بأنه المسيح، ولما أتى إلى بيت المقدس حكمت عليه الكهنة بأن يُصلب (وما صُلب ولكن شُبِّه لهم) وذلك بعد مُضِيِّ ثلاثٍ وثلاثين سنة من عمره. وكانت إذ ذاك حكمت الرومانيون بلاد اليهود. وفي سنة سبعين بعد المسيح قامت اليهود ضدَّهم، ولكن ضلَّت مساعيهم وحبط عملهم، إذ إن جيشًا جرارًا من الرومان حاصر «أورشليم» واستولى عليها وحرق المعبد، وأُخذت اليهود أسرى، والأغلال في أعناقهم وأيديهم وهم مقمحون، وبيعوا بثمن بخس كعبيد. ومنذ هذا الوقت لم توجد مملكة مخصوصة لليهود، بل تبدَّدُوا وتفرَّقوا في جميع البلاد، نجد منهم في «ألمانيا، وبولونيا، وفرنسا، وبلاد الجزائر، وآسيا، ومصر» ولم يزالوا محافظين على ديانتهم.
أهمية أمة اليهود: إن أمة اليهود صغيرة، ولكنها عظيمة الأهمية في تاريخ العالم؛ إذ إنها كانت تقرُّ بأن الله واحدٌ في مدة أن كانت جميع الأمم الأخرى تعبد الأوثان، وأن ديانة النصرانية تفرعت منها.
خلاصة ما تقدم من تاريخ الإسرائيليين
أولًا: إن الآباء كانت تعيش في الصحاري بين نهر «الفرات» وجبل لبنان؛ مرتحلين من مكان إلى آخر بعائلاتهم ودوابهم. ثانيًا: إنه خرج من سيدنا إبراهيم أمة العرب وبنو إسرائيل الذين هم من نسل سيدنا يعقوب. ثالثًا: إن الإسرائيليين الذين كانوا مقيمين بأرض مصر خرجوا منها وهم مُؤتمِرون بأمر سيدنا موسى الذي أظهر دين اليهودية، وأمر اليهود أن يعبدوا الله وحده. رابعًا: إن الإسرائيليين كانت تسكن أرض «فلسطين» التي كانت فيها منقسمة إلى اثنتي عشرة قبيلة. خامسًا: إنهم كانوا تحت حكم ملوكٍ، أشهرُهم سيدنا سليمان. سادسًا: إنهم انقسموا إلى مملكتين، وقد أبادوا العمالقة (أي السوريين)، وإذ ذاك ظهرت الأنبياء، ودعتهم إلى الدين القويم. سابعًا: إن اليهود رجعوا إلى بابل، وأنشئوا مملكة صغيرة منتظرين المسيح. ثامنًا: إن المسيح لما ظهر أنكروا عليه، وحكمت الكهنة بصَلبه، وفي سنة سبعين بددت الرومانيون شمل الإسرائيليين. تاسعًا: إن أمة اليهود لها أهمية بالنسبة لديانتها.