دخول الحمام مش زي خروجه
يزاح الستار عن:
الحمامي
(قاعدًا وراء الصندوق والجوزة في يده وهو يدخن)
:
يَسِّر يا مفرِّج الفرَج، يا عالي الدَّرَج، يا للِّي فتحت البيضة للكتكوت خرج، يا إخوانا
النَّاس جرى لهم إيه؟! لا حد يجي يستحمَّى ولا واحد يتوضا، هُمَّا النَّاس خايفين على
عرقهم ولا إيه؟ آي والله بإيدهم حق، كل شيء غلي بقى زي النار، حتى الزبالة أهي غليت
علينا، ماعليهش، ربنا يفكَّها (يتنهد) عاود تعود
الأيام، كريم، (يسكت) واد يا نشاشئي (ينتظر) نشاشئي.
نشاشقي
(كأنه قايم من النوم)
:
إيه يا عم أبو حسن؟
الحمامي
:
ما تفز يا واد تشوف لك شوفة، أنت نايم لي جنب الخلوة زي قط البيت، لا منك فايدة ولا
عايدة.
نشاشقي
:
وأنا بس أعمل إيه يا عم أبو حسن؟ أنا حَجُرِّ الناس م السكة أقول تعالوا استحموا،
والَّا أقوم منادي في البلد!
الحمامي
:
وبس إيه الفايدة من فتح الحمام من نص الليل ولافيش حد.
(الحمامي ثم نشاشقي ثم زينب.)
(يفتح علينا الباب.)
نشاشقي
:
تعالَى أنتَ راخر نام زيي، الأيام الوحل يحلى فيها النوم.
الحمامي
:
اشمعنا إحنا اللي بختنا حَجَر ما يخرش المية؟! (يتحرك) قوم يا واد لِمِّ الفوط، بس فرحانين بزراقها وحمارها! والله
لأخرَّبه (ينزل من وراء الصندوق) وأخليه ينعي من
بناه، (يمسك الغابة ويأخذ في تنزيل الفوط المعلَّقة على
الحبال وهو في حالة غضب) لِمِّ يا واد، قوم، فز، هو إحنا محناش
ناس.
نشاشقي
(يقوم من جنب الكنبة ويجري نحوه يمسك الغابة من يده)
:
حيلك شوية يا عم أبو حسن، طوِّل بالك، رايح تعمل فيهم إيه؟
الحمامي
:
رايح أبيعهم وأشوف لي شغلة زي مخاليق ربنا.
نشاشقي
:
مش كده يا عم أبو حسن، استنى شوية يمكن ربنا يفرجها، النهارده شتا والناس ما
بتقدرش تخرج من بيوتها في البرد.
الحمامي
:
قال يفرجها، وإيه كان حايشه لدي الوقت، هو ما هوش شايف، والَّا الواحد ما يخدش حاجة
إلا باللَّح وقلة الحيا؟!
نشاشقي
:
ما تكفرش على الصبح، يا فتاح يا عليم.
الحمامي
:
بس يا واد لحسن ألخبط لك وشك على الصبح، أما ما تختشيش قليل الحيا.
نشاشقي
:
دِيه دِه يا عم أبو حسن! تلخبط لي وشي إيه، مش كفاية الغلب اللي أنا فيه كمان في
حمامك، لا قرش ولا عشرين ولا لقمة عيش حتى، قال رضينا بالغلب والغلب مش راضي
بنا!
زينب
(تفتح شباك بيت الحمامي لما تسمع الزيطة وتنظر من وراه)
:
جرى إيه يا نشاشئي؟
الحمامي
:
خشي يا مَرَه، مالك ومالنا؟
نشاشقي
:
يا ستي بِدُّه يلم الفوط والبشاكير ويروح يبيعهم ويخرب علينا عشنا.
زينب
:
وعلشان إيه ده كله يا أبو حسن؟
الحمامي
:
مش شغلك يا مَرَه.
نشاشقي
:
شوفي بقا يا ستي.
زينب
:
طيب تبيعهم وتاكل بحقهم وبعدين؟
الحمامي
:
وبعدين زي ما تجي تجي، أنا مش حبيعهم واشتري بهم فول مدمس تاكله القلوب
البوارد.
زينب
:
أمَّال بِدَّك تبيعهم ليه؟! إن كنت مضايق من الحمام روح إنت وخلينا نفتحه ونشوف بختنا،
يمكن على وشنا يروق الحال.
الحمامي
:
شوف المرَه اللي ما تختشيش، بقا أنا اللي معقدها في وشكم؟!
زينب
:
يو!
نشاشقي
:
لا يا عم أبو حسن، بس قول لنا إنت رايح فين؟
الحمامي
(آخذًا في لَمِّ الفوط)
:
مش شغلك إنت يا واد، امش هات المحازم والتراجيل، ولِمِّ العدة كلها.
زينب
:
مش بس تقول أنت حتوديهم فين، ديهده! انت محدش عارف ياخد منك سؤال ليه!
الحمامي
(يبطل تنزيل الفوط ويلتفت)
:
إنتو عاوزين أقول لكم؟
زينب
:
يوه، أمال بنسألك ليه!
نشاشقي
:
أمَّال إحنا قصدنا إيه من الصبح.
الحمامي
:
رايح أعمل شاهد زور رسمي في المحكمة الشرعية.
زينب
:
يا دهوتي!
نشاشقي
:
شاهد زور!
الحمامي
:
ارتحتم؟
زينب
:
يا قضامه! لحنا وش كده.
الحمامي
:
ليه؟ هو عيب؟ ما عيب إلا العيب، أنا حسرق ولا حازني ولا حاقتل!
زينب
:
هو بس العيب التلاتة دول؟
الحمامي
:
اشمعنى الواد أبو عشرين بقاله بيت مِلك وعربخانة، وأشيته معدن بعدما كان مش لاقي
اللضا؟
زينب
:
طيب دا أمه باعته للغجرية بعشرين خردة لاجْل ما يعيش لها وينفتح له باب الرزق،
وإنت كمان أمك كانت باعتك لمين! (تضحك.)
الحمامي
:
باعتني للغلب والشقا، فُضِّك يا مَرَه، (يلتفت إلى
الصبي) لِمِّ يا واد.
زينب
:
طيب والفوط حتعمل لك إيه بس؟
الحمامي
:
حبيعهم واشتري شال كشمير أتلفع به واجيب طربوش مغربي منجله أصلي بشال استامبوللي، وعندك
الجبة والقفطان اللي لطشهم الواد علي م العمدة اللي جه يستحمى ليلة العيد،
دول يخلوني واحد زي أهل الخير الصالحين، يالله ناوليهُملي.
زينب
:
ولكن يا راجل إزاي تحلف اليمين قُصاد القاضي بالكدب؟ إنت متخفش لينقلب على عينك يا بعيد؟
الحمامي
:
مش من شئونك يا وليَّه، أنا ما أخوك أحمد شهدني عشرين شهادة زور في المحكمة … وكانت الأَشيا
رِضا، هو جديد علي؟
زينب
:
ولما تبقَى أعمى وتحسِّس (تضحك) أبقى أجرَّك والَّا إيه؟ اللى ما انت شايف وانت مفتح (تضحك).
الحمامي
:
أنا يا مَرَه، حاحلف في سِرِّي يمين طلاق إني ما احلفش قُصاد القاضي يمين سدق
أبدًا.
زينب
:
ديهده، ودا إيه يعني!
الحمامي
:
يعني إن اليمين ما ينقلبش على عنيه زي ما بتقولي، وابقى آجي على رجلي للبيت مفتَّح
وفي أمان الله، وفي جيبي عشرين حتة بخمسة من نُظَّار الوقف اللي واكلين حقوق العالَم،
ومن الأوصيا، ومن ولاد الرفضي اللِّي يبقى المال عندهم بالكوم، ولما نسوانهم تطالبهم
بالنفقة يدِّعوا إنهم مش لاقيين اللَّضا، ويخشوا المحكمة حافيين ولابسين جلاليب
مقطعة.
زينب
:
طيب ومش حرام عليك تجي ع الغلابة؟
الحمامي
:
ما الغلابة بتقولم لهم ربنا، يروحوا له، وأنا إيش حكون.
نشاشقي
(وكان واقفًا يستمع المحاورة لما يسمع هذا الكلام يُدير وجهه، ويذهب نحو المقصورة احتجاجًا
ويأخذ في تطبيق الفوط)
:
يا سلام م الكفر! يا ربي ما تأخذوش (يصمت)
ولكن يا رب ماهو انت اللي عملتها … أستغفر الله العظيم.
زينب
:
طيب والقاضي لما يشوفك داخل عنده وخارج ما يعرف إنك شاهد زور وتبقى شهادتك زي قلِّتها،
وتبقى بس خسرت دينك ودنياك؟
نشاشقي
(من عند المقصورة)
:
قولي له يا ستي، بس ما ينوبنا إلا بيع العدة.
الحمامي
:
بقا انتي اللِّي عملالي متدينة يا زينب؟ والَّا نسيتِ اللي جرَى؟
زينب
:
يو! بقى يا راجل تعمل عملتك وتحطَّها فيَّ؟ مش انت اللي قلت لي اضحَك على الراجل
وأكععه دم قلبه، أنا بس خايفة إن القاضي يعرفك تروح عليك وعلينا.
الحمامي
:
ده مش شغل القاضي، القاضي عنده كل واحد سادق، كده الشرع بيقول، وهو بيحكم بالشرع مش بكيفه،
بس، هاتي الجبة والقفطان، والَّا اطْلَع أنا ألبسهم أحسن؟ (يخرج الحمامي ويدخل بيته وزينب تختفي كأنها ذاهبة
لمقابلته.)
نشاشقي
:
وانا لآخر ما ألِمِّ التراجيل وابيعهم واخْلص م العيشة دي، كان زمان الواحد ياكل
ويشرب من أكل الزباين وياخد في آخر الحمومة بقشيش يفرح القلب، وآخر النهار تلاتة
أبيض من المعلم لاجل التعميرة والأَشْيَا معدن. وآخرتها؟
يادي الزمان اللي يقرف
يادي البلاوي اللي تكسر
صبحت من الهم بغرق
واكل وأشرب واشخر
•••
ما حد يفتح علينا
باب الفرج زي قبله
هو احنا كنا ابتلينا
حتى صبحنا أذلَّة
•••
يا رب بابك كريم
يابو سما زرقا
بحق سيدنا الكليم
تبعت لنا رزقا
•••
داحنا غلابة وانت
عليم وشايف اللِّي كان
إمتى تحنن إمتى
علينا قلب الزمان
•••
يا رب شفنا اللي ضلُّوا
سبيل رضاك اهتدوا
وادي عبيدك ضلُّوا
على السراط ما اعتدوا
•••
أكفر بقى زيهم
عشان اشوف لي يوم
والَّا انت مش ربهم؟
قول لي! ما تخشَ اللوم
•••
العيش صبح بالدراهم
من بعد ما كان وقق
والجيب خلي م الدراهم
والعيشة صارت زلق
•••
واللحمة يا رب غابت
عني سنين وايام
والبطن مِ الجوع دابت
وطال عليَّ الصيام
•••
أسرق؟ وفين اللي عنده
شيء ينسرق يا كريم
والكل ما عاد في يده
ولا اللَّضا يا حليم
أستغفر الله العظيم، يا رب ما تأخذنيش، أنا راجل مسكين وأمي وليَّة عجوزة (يخرج داخل الخلاوي، ويعود الحمامي لابسًا الجبة والقفطان وهو ينظر لنفسه من الجانبين
وهو ممسك بهما وزينب وراءه).
زينب
:
والله بقيت عال يابو حسن، خليت العين ماحت لك!
الحمامي
:
وبُكرة تموح أكتر يا مَرَه لما ألبس العمَّة والشال الكشمير اللي ما كانش حيحُك قفاي
إلا يوم الجنازة، بكره تجي الفلوس ونشتري الحمَّام ده ونأجَّره وتبقى الأَشْيا معدن،
البلد دي اللي يخدمها بالسدق يموت م الجوع، واللي يمشي على سلوها تزهزه له الدنيا،
الله يلعن دي ايام.
زينب
:
والله سدقت يابو حسن، الجماعة الدجالين وبتوع الرمل والودع والطوالع والمشايخ هم
اللي رايحين فيها، والله أنا رخرى لشوف لي حكاية قبل ما يغلى علينا الهوا، أهو
المغفلين في الدنيا بالزوفة.
الحمامي
:
تَوِّك ما عقلتِ.
زينب
:
والله!
الحمامي
:
بس اوعي يا مَرَه حد يضحك عليكي.
زينب
:
بقى أنا بِدِّي اضحَك عالناس والا اضحَّك الناس عليَّ.
الحمامي
:
مش معنى الكلام، بس خدي بالك حَرَّسِي من ولاد الحرام.
زينب
:
أنا مش حتخطِّي رِجلي عتبة الحمام إلا يوم الفرج، اطَّمِّن، لحنا عرفنا بعضنا امبارح
يا
أبو حسن، إخص عليك!
الحمامي
:
لا، بس يمكن تزَّحلقي يا أختي ومين يقدر يلمك.
زينب
:
إتلم انت يا راجل، واد يا نشاشئي.
الحمامي
:
عاوزاه ليه؟
زينب
:
عاوزاه أحرَّسه على الحمام، أنا بدِّي اخش بقى.
الحمامي
:
خشِّي انتي، أنا حادخل له أوصِّيه والَا…؟ (يذهب صوبَ الصندوق ويقفله ويأخذ المفتاح) واد يا نشاشئي، (تخرج
زينب) نشاشئي، (يصفق) فين راح الواد؟
نشاشئي.
نشاشقي
(من وراء)
:
عندك يا عم أبو حسن.
الحمامي
:
تعالَى يا واد خد مفتاح الأمانات.
نشاشقي
(يدخل، وإذ يرى الحمامي لابسًا الجبة والقفطان يطرب)
:
ديهده يا عم أبو حسن! دانتَ بقيت زي القاضي بتاعنا، مين يعرف، يمكن والله تتعدل لك
وتبقى تترقَّى من شاهد زور لمحامي شرعي.
الحمامي
:
هي بعيدة! أنا أبُويَه ما كان من بتوع الأزهر وبيصلي في جامع الغوري، وهو الخديو
فاضي يعرف إخوانا دول بيعملوا إيه، أهم دايرين يحكموا بالبخت، بس، أَدِي مفتاح
الصندوق يمكن حد يجي، أنا رايح، خد بالك مِ الحمَّام وخلِّي بالَك من المعلمة، أوعى تسيب
المحل والَّا تروح هنا والَّا هنا لحسن بعدين أشهد فيك شهادة زور تودِّيك في
داهية.
نشاشقي
:
حدَّ الله بيني وبينك يا شيخ!
الحمامي
:
بس، السلام عليكم (يَهُمُّ بالخروج).
نشاشقي
:
عليكم السلام والرحمة.
زينب
(تفتح الشباك وتطل)
:
مع السلامة يابو حسن، إنتَ جاي إمته؟
الحمامي
(يلتفت)
:
أنا رايح أبيع دول واشتري العمة والمركوب والشال الكشمير، وافوت على المحكمة أجيب أخوكِ
أحمد ويَّاي، أهو من الحجاب القُدَام وعارف الشغل ده من زمان وبعدين نروح على باب
الله.
زينب
:
طيب روح ربنا يسهل لك (يخرج الحمامي).
نشاشقي
:
بقا انتي كمان يا ستي تطاوعيه على عقله، إحنا قلنا تاب عن الشغل ده وربنا رضي عنه
وهداه تقومي توافقيه!
زينب
:
يوه! وناكل منين يا نشاشقي؟ إذا كان الحمام ماعدش بيجيب حق ميِّته، ولا بيلمش قرشين
نشتري بهم شوية فول للغدا، دا شيء يطهق، والله أنا لخرَى لشوف لي شوفه، بس ربنا
يبعت، دنا من يوم دَخْلِتي على أبو حسن ما جبليش جلبية تخزي العين، اشمعنا انا، دانا
حضيَّع شبابي أبصر إيه في حمام، والراجل كمان لما يكون مغموم ما يبقاش منه فايدة، خش،
خش، نضَّف أودة المغطس والخلوة لحسَن حد ييجي، روح يمكن ربنا يجعل على وشي القبول
النهاردة.
نشاشقي
:
ربك كريم، والله يا ستي انتي وشك زي ليلة القدر، إيَّاكِ على شان دي الشُّوفة يكرمنا
ربنا في دي النهار (يدخل بيت الخلاوي).
زينب
(قاعدة على الكنبة وراء الشباك)
:
حِس، ناس جايين (تنصت) يوه! الجعان يحلم بالعيش، هو حد يجي دي الوقت؟! ماعليهش (تُهَمْهِمُ ثم تخبِّط بأناملها على حافة الشباك قليلًا، ثم تنطلق تغني بصوت هادئ ثم
تعتدل ثم تحسن):
سبع سنين وست اشهر وست ايام
واللي بحبه يا ناس في حضن غيري نام
ما في البلد مسلمين ما في البلد حكام
الله يجازي العزول اللي رمى الفتنة
حتى السلام انقطع يا أمة الإسلام
نشاشقي
(يعود على الصوت)
:
الله يخليك يا ستي، والله انتي شوفتك رضا، وكلامك رضا، وتخلي ضلام عيشنا نور، غَنِّي
يا ستي، أقل منها؟ الله الله! كمان وحياة عنيك.
(هنا يُسمع دبيبُ أقدام، فتنصت زينب ونشاشقي، ويُسمع أبو عويس بك يقول: الله الله، ويكلِّم
رفيقه الخادم عويلي بما في الجملة الآتية ويدخلان في حالة إسراع وتهييص في منتصف الجملة،
فتقفل زينب الشباك وتجلس وراءه تتسمع.)
عويس
:
الله الله! كمان يا ستي ألمز، قوام يا واد يا عويلي، ستك ألمز هنا النهاردة، ربنا
يخليكي يا ست، والله أنا نفسي من زمان اسمعك (يدخل) إحنا جالنا صيتك في البلد، قالوا سي عبده اجَّوِّزك على شان ما يخلكيش تبطلي عليه، الله
الله! (يكون في يد كل منهما عصا، فعصا البك خيزرانة تخينة لها قبضة مستديرة صغيرة من المعدن،
وعصا عويلي نقز سنط، والعمدة لابس جبة وقفطان شاهي بحزام حرير ومركوب جديد وفي أصبعه
خاتم، وعويلي لابس جلابية بلدي ولبدة عليها
لفة شاش صغيرة.)
نشاشقي
:
حوش عندك يا جدع، ألمز إيه!
عويس
:
فين امَّال الست ألمز يا جدع؟
نشاشقي
:
ألمز مين يا سيدي؟ مرحب.
عويس
:
يا جدع اللي كانت بتغني دي الوقت.
نشاشقي
:
ما كانش حد بيغني، يمكن يا سيدي بيتهيألك.
عويلي
:
يا جدع أنا سمعتها أنا راخر.
نشاشقي
:
ديهده! يمكن انت راخر بيتهيَّألك، لهو انت أحسن من سيدنا البيه، مرحب يا سعادة
البيه، إيدك.
عويس
:
ابعد يا واد بَلا نَصْب، انت عينك من الخاتم، إياك!
عويلي
:
حوش إيدك يا جدع بلاش أونطة.
عويس
:
دول فاكرين اننا بقا من الريف قال يعني وبينضحك علينا، عجايب على ولاد مصر يا
اخواتي!
نشاشقي
:
ليه يا سعادة البيه؟ نَصْب إيه؟ إيه جرى؟ أنا كان بدِّي أبوس إيدك من فرحتي وربنا
يعلم.
عويس
:
ابعد يا واد خلِّيك في حالك.
نشاشقي
:
طيب يا سيدي حقَّك عليَّ (عاوز يبوس راسه).
عويس
:
رِنه يا واد يا عويلي رِنه!
عويلي
(يضربه بالخيزرانة على الفوطة من ورا)
:
ابعد يا حرامي!
نشاشقي
:
يادي الداهية السودا! هو انت يا رب ما تبعتش حاجة من عندك إلا بأمارة!
عويس
:
شوف يا عويلي شوف، الواد قال بده يسرق العمَّة وأنا لسه شاريها م الفحامين! إنت
فاكر إني عمدة عبيط من بتوع اليوم يعني والَّا إيه؟ …
نشاشقي
:
طيب يا سيدي حقك عليَّ، أَدِي رجلك أبوسها، معلهش، بس خش استحمى (يَهُمُّ بتقبيل ركبة عويس.)
عويس
:
عويلي!
عويلي
(يضربه على ظهره)
:
سيب المركوب يا ابن المركوب، دا احنا لسه دافعين فيه الريال أبو طِيره.
نشاشقي
:
ياخوانا، يا أهل البيت!
عويس
:
أهل البيت!
نشاشقي
:
بس قولوا لي أعمل إيه! ماعليهش يا سيدي (يِربَّت على
كتفه) حقّك عليَّ، بس خش استحمَّى، ديهده الصباح المزفت ده! ماعليهش، بس
يالله خش استحمَّى، خش اقلع، أَدِي مقصورة علشان سعادتك.
عويس
:
أخش أقلع! وليه ما اقلعشي هدومي جوَّه مطرح ما استحمَّى؟ عجايب! انتو ما عندكوش كرسي
ينحط جنب المغطس والَّا طشت حمام نحط عليه تيابنا؟ دا حمام إيه اللي زي البِرَك!
نشاشقي
:
يا سيدي ولمَّا هدومك تنعاص والَّا تنبل من بواخ المغطس، ديهده! كراسي ليه في الحمام
كمان؟!
عويس
:
تنبل أحسن ما تنسرق هي وتَمَن القطن كله، والَّا إيه يا عويلي؟
نشاشقي
:
يا سيدي إحنا ما احناش حرامية، إحنا ناس على باب الله، أدي مفتاح الصندوق بتاع
الأمانات حط فيه اللي انت عاوزه.
عويس
:
عجايب! (لعويلي) قال الواد بِدُّه يضحك
علينا.
نشاشقي
:
ليه يا سعادة البيه؟
عويس
:
ولما يجي اللي يجي ياخد الصندوق باللِّي فيه.
عويلي
:
بقا يا واد انت بِدَّك تستغفنا؟ داحنا نستغف عشرة زيَّك.
نشاشقي
:
يا معلم الصندوق مبنية عليه المصطبة، الله! طيب خلِّي سيدنا ده يقعد على الهدوم لما
تطلع سعادتك م الحمام.
عويلي
:
أقعد عليهم! لهو أنا حطلع منهم كتاكيت والَّا إيه، يا واد ما تكلم عِدل.
نشاشقي
:
بلا مؤاخذة يا سيدنا، قصدي بلا قافية تقعد جَنابَك جنبهم لما يطلع البيه من
الحمام.
عويلي
:
وأنا مش بِدِّي استحمَّى أنا راخر! دا أنا اللِّي جايب سعادة البيه هنا، وبدِّنا نلحق
نقابل الباشا قبل ما يخرج من الديوان، مش كده والَّا إيه؟
عويس
:
أمَّال حروح لوحدي!
نشاشقي
:
طيب خُش إنت قَبله وسعادة البيه يحرُس هدومَك.
عويس
:
آه يا قليل الحيا! أقعد أنا أحرس هدوم الخولي! آه يا ناري لو كنت في البلد لكنت
أوريك شغلك يا قبيح، ولا كان الدبان الأزرق يعرف لك جُرَّة.
نشاشقي
:
جاي يا مسلمين! يا خوانا انتم إنس ولا جن؟!
عويس
:
أوعى يكون بدُّه يطلَّع علينا عفاريت الحمام، أنا سامعه بيقول يا أهل البيت، يالله
بنا يا واد لحْسَن بعدين ما يجراش لنا طيب، دول ناس مخاويين الجن، والحمامات، دول يبقى
فيهم دايمًا …
نشاشقي
(يمسك في ملابسهم)
:
رايحين فين يا ناس؟! ما تخشوا تستحموا، طيب نجيب لكم كراسي م القهوة، بس خشوا
استحموا ما تشمتوش فينا المعلم.
عويس
:
وقعنا يا واد يا عويلي! وقعنا وراحت علينا! وأنا حاسس إن عفاريت الحمام ماشية
وأهي بتفتح الأبواب! سامع (يتسمع).
عويلي
:
أنا سامع حِسّ كده، تكونش المزيرة (تتقدم زينب خارجة من
الباب متلفعة بطرحة).
عويس
:
باين كده والنبي، أهي جت، أهي جت! بسم الله الرحمن الرحيم (يجري كلٌّ منهما ويختبئ وراء الكنبة ثم لما يرى زينب وشكلها
يطلُّ من فوق جانب الكنبة وهو قايم قاعد، ويكون عويلي في حالة ذُعر
شديد.)
زينب
:
عواف عليكم.
(عويس يسكت.)
عويلي
:
ما ترُد يا سعادة العمدة لحْسَن ما يجراش لنا طيب.
زينب
:
عواف يا سعادة العمدة.
عويس
:
دي باين عليها جِنِّيَّة مسلمة.
زينب
:
عواف يا سعادة العمدة، يوه … دا إيه يامَّا ده!
نشاشقي
:
ما ترُد يا راجل.
عويلي
(بذعر)
:
رُد يا سيدنا العمدة.
زينب
:
إنت ليه ما بتردش؟! لاهو أنا باكل الناس والَّا إيه؟ (تضحك
وصاحبنا يطلُّ وتذهب صَوْبَه وتأخذه من يَدِه) تعالَى ما تخفشي.
عويس
(يطلع من وراء الكنبة)
:
عواف يا ستي ألف عافية بس أنا في عَرْضِك ما تعمليش فيَّ حاجة، أنا راجل أبو عيال،
وجاي مصر أقابل الباشا الناظر وأشكر له على البهوية وجيت أستحمى واتوضا، لحْسَن امبارح
نمت وحصل ما حصل وانتي عارفة ما يصحش الواحد يقابل الحكام جنب.
زينب
(تضحك بلطف)
:
طيب وليه مانتش راضي تخش الحمام علشان ما تلحق الباشا؟
عويس
:
خايف من الواد ده، أنا معاية تمن القطن ويمكن يوِزُّه الشيطان والَّا حاجة.
زينب
:
يا سلام ودا يجرَى؟ والَّا كنت أديله بالشبشب.
عويس
:
دا يا ستي كان بِدُّه يسرق الخاتم والعمة والمركوب.
زينب
:
مش عيب يا واد يا نشاشقي كمان واحد عمدة أمير من الأكابر يجي عندك بِدَّك تعمل فيه
كده!
نشاشقي
:
والله يا سِتِّي أنا كان قصدي أبوس إيديه ورِجليه من فرحتي واستسمحه، وأبوس راسه
كمان، واعمل الواجب.
عويس
:
تعمل الواجب! واجب إيه؟ شايف يا عويلي.
عويلي
(في تلك الأثناء متحيِّر جدًّا، هل هي جِنِّيَّة أم إنسية؟ ومنتبه جدًّا
للحديث)
:
فُضَّك يا واد من البَكَش ده.
عويس
:
بقى يا سِتِّي ولاد مصر يفتكروا إن كل العُمَد هبل ولا يفهموش النكتة.
زينب
(بدلع)
:
حقك عليَّ يا سعادة البيه، امش يا واد يا نشاشقي حضَّر الحمَّام، وخليهم يحطم هدومهم
وتمن القطن في الدركة وادِّيهم مفتاحها، ونضف لهم الخلوة الكبيرة بتاعة سيدنا القاضي
قبل ما يجي (تجلس على الكنبة).
نشاشقي
:
حاضر يا ستي، انتي والنبي وشِّك أزهر (يخرج).
عويس
:
بقَى يا ستِّي، انتي منتش من اخوانا؟
زينب
:
هئ هئ هئ (تضحك) من قال لك كده؟ دنا بنت صاحب الحمام.
عويس
:
بنت صاحب الحمام؟ انتي اللي كنتِ بتغني كده وحسِّك زي البلبل؟
زينب
:
يا سلام! عجبك حِسي؟
عويس
:
عجبني قوي قوي! انتي كنتِ بتقولي موَّال يُوَقَّع الطير.
زينب
:
يا سلام يا بيه، والنبي إنت كلامك حلو وذوق، ربنا ما يحرمناش منك.
عويس
:
والنبي كنتِ بتقولي إيه؟
زينب
:
كنت بقول موال على رُوحي.
عويس
:
وحياة عيونك تغنيه، غنِّيه وحياة اللِّي ربنا هنَّاه بجمالك، الله الله، يا عيني يا
سيدي، اللِّي الواحد ما يسمع في البلد إلا نعير البقر والجاموس، الله يقطع الريف
واللي فيه، الله الله، بقى انتي يا مليحة بنت صاحب الحمام؟
زينب
:
أيَّوه يا سيدي.
عويس
:
وفين هو أمَّال؟
زينب
:
راح بيت القاضي.
عويس
:
واسم الكريمة إيه؟
زينب
:
محسوبتك زينب.
عويس
:
عاشت الأسامي.
عويلي
:
والله حاجة حلوة قوي يا سعادة البيه.
عويس
(يلتفت إليه بشيء من الكدر)
:
خش انت يا واد اقلع هدومك واستحمَّى، أنا ححرس لك الهدوم لما تطلع (يهيب عليه بعصاه فيخرج عويلي داخلًا بيت الخلاوي) يا سلام يا سلام! وانتي يا ستِّي قاعدة هنا بتعملي إيه؟ فين أمك؟
زينب
:
تعيش انت.
عويس
:
عِشْتِ، والله أنا كمان أمي ماتت.
زينب
:
البقيَّة في حياتك.
عويس
:
الله يبقي حياتك، ها، أمَّال الواد النشاشقي دا مين؟
زينب
:
دا صبي الحمام، واد أهبل عبيط ما يفهمش حاجة.
عويس
:
ها، بقى عبيط! وقاعدة يا أختي مع مين كده جوه البيت؟
زينب
:
قاعدة لوحدي يا سعادة البيه، أبويا ما يجيش إلَّا العصر وما أقدرش أنزل هنا دي
الوقت لحْسَن الحمام في الساعة دي علشان الرجالة، بس أنا شفتك من الشيش قلبي اتولع في
حبك وجيت علشان أتملى بك.
عويس
(بفرح)
:
يا سلام! بقى حبتيني قوي، ليه؟ شايفة وشي يعني …
زينب
:
زي القمر.
عويس
(بتهيج)
:
وانتي والله أحسن من القمر، انتي زي الشمع الأبيض، زي كوز العسل، زي القشطة، يا
سلام، أمَّال مجوزة والَّا لسه بنت بنوت؟
زينب
:
ما تفكرنيش بحالي وحياة عينيك يا بيه، لحْسَن أنا مسكينة وحالتي تبكِّي.
عويس
:
إزاي بقا؟
زينب
:
أنا يا سيدي اجوزت قبل ما يتولى الباشا بخمس سنين في رجب زي الشهر ده، وفضلت مع
جوزي ست اشهر إلا ست ايام، وبعدين غاب عني من يومها لدي الوقت، بقى له النهاردة سبع
سنين وست اشهر وست ايام، ولا أعرفش راح فين.
عويس
:
بقى علشان كده بتغني سبع سنين وست اشهر وست ايام؟
زينب
:
أيوه يا سيدي.
عويس
:
وقلبك متولع فيه قوي؟
زينب
:
قوي، ولما شفتك حسيت إنه جه ونزلت أجري.
عويس
:
ولما شفتيني بقا …
زينب
:
والنبي قلبي حبك.
عويس
(بفرح)
:
على إيه يعني؟
زينب
(تقعد على المصطبة)
:
علشان عيونك عسلية حلوة قوي زيه.
عويس
(بفرح أشد ويبلع ريقه ويركع)
:
وإيه كمان؟
زينب
:
وخدك أبيض أحمر حلو قوي زيه.
عويس
(بفرح مفرط وتهيج وتحسيس على الركب وهي ترفع يده)
:
وإيه كمان؟
زينب
:
وشفايفك صغيرين وحمر وحلوين قوي زيه.
عويس
(بصوت صارخ من الزور من شدة الفرح)
:
الله الله! وإيه كمان؟
زينب
:
وشنبك أصفر ومبروم وحلو، حلو قوي زيه.
عويس
(ببهدلة وتهتُّك)
:
كمان والنبي، وإيه كمان؟
زينب
(تطبطب على صدره)
:
وصدرك مربرب، ودفيان، وحلو قوي زيه.
عويس
(بهدوء ومد صوت)
:
الله الله! (ينهض نصف نهضة) وليه بقا ما
قابلتنيش بالحضن زي ما كنتِ حتقابليه؟
زينب
:
يا سلام يا سعادة البيه! (تبتعد عنه
قليلًا.)
عويس
:
طيب وكمان دي فيها إيه؟ مش تبلي شوقك، بقى يغيب عنك سبع سنين وست اشهر وست ايام
ولا تطفيش نارك!
زينب
:
لا يا سيدي حرام.
عويس
:
بلاش، ما تبليش شوقك، خليني أنا أبل شوقي (يهُمُّ
بتقبيلها).
زينب
(تميل عنه وتمنعه)
:
يوه يوه! …
عويس
:
بس بوسة! (يضع يده على جسمها.)
زينب
(تزيحها)
:
بس حوش إيدك.
عويس
:
طيب بس بوسة!
زينب
:
يوه، إوعَ إيدك بقول لك!
عويس
(لنفسه حائرًا وينهض)
:
إيه العمل بقى يا اخوانا والمحل فاضي والوقت حيفوت.
زينب
:
يا سلام منك يا بيه، أنا والنبي قلبي حبك، ابقى يا سيدي تعالَى لنا دايمًا، والَّا
ما تسافرش، والَّا خدني وياك البلد.
عويس
:
والله أنا بدي كده ولكن خايف تبقي تقولي لي حرام وحلال.
زينب
:
يا سلام يا سعادة العمدة، وليه ما تخدنيش بالحلال؟
عويس
:
وبس اعمل إزاي وانتي على ذمة راجل بتقولي؟ هي المرة بتجوز اثنين!
زينب
:
لا يا سعادة البيه، بقى انت قاري وعارف العلم، وبيقولم إن اللي يغيب جوزها عنها
سبع سنين والا أكتر يحل لها الجواز، وأنا بقالي سبع سنين وست اشهر وست ايام ويحل لي
أجوزك.
عويس
:
يالله نجيب المأذون.
زينب
:
ما يرضاش.
عويس
:
ما يرضاش؟! فشر، وهو يقدر يخالف أمري، دنا عمدة وبيه واللِّي ما يعرفني يستاهل ضرب
الصرم على راسه.
زينب
:
لا لا لا يا بيه، ده أبويا حِفْيِت رِجليه على بيت القاضي يترجَّى القاضي يطلقني
ويديني ورقتي لاجل ما يجوزني واحد أمير ابن حلال زي حضرتك أجيب منه مولود يوحِّد
الله.
عويس
:
في محله: الأب واجب عليه برضه …
زينب
:
كل ما يكلم القاضي في الحكاية يقول له القاضي هات الشهود اللي شافوا الراجل وهو
مسافر علشان يعمل حساب الغيبة، ومنين نجيب شهود؟ ماحدش شافه لما فاتني.
عويس
:
طيب وإيه العمل؟ ما نجيب شهود زور يشهدوا بكده، أنا عندي منهم تلاتين والَّا أربعين
دايمًا بوديهم للمركز في كل قضية عاوز أودي أصحابها في داهية.
زينب
:
دا شيء يطول، إنت مش بدَّك تجوزني قبل ما تروح البلد تجيبهم.
عويس
:
أيوه وبدِّي أستحمَّى قوام.
زينب
:
تعالَى نروح دي الوقت لبيت القاضي، اعمل إنت جوزي، وأهو وشك زي وش جوزي تمام، حاكم
جوزي كان أصله ضوى عند سيدنا القاضي، (هنا يلوح أبو حسن
وأحمد؛ وإذ يريان زينب مع الرجل يقفان تحت الستار بالباب
ليستمعا).
عويس
:
ونعمل إيه عنده؟
زينب
:
أنا حمسِك في خناقك قصاده، وأقول أهو جوزي جِه م السفر ولا لوش أمان خليه يطلقني يا
سيدي القاضي، ده سابني سبع سنين وست اشهر وأنا عاوزة أطلق منه، ولما يسألك القاضي قل
له أيوه وطلقني قصاده.
عويس
:
أطلقك! إحنا بِدِّنا نطلَّق والَّا نجوِّز؟
زينب
:
لأ، بِدِّنا نجوز.
عويس
:
طيب وليه يعني أطلق قبل ما أدخل عليكِ؟
زينب
:
علشان أنا ما أدخل عليك.
عويس
:
فهمت فهمت، وبعدين؟
زينب
:
وبعد ما تطلقني يقوم القاضي يديني ورقة الطلاق في إيدي.
عويس
:
وبعد ما يديكي ورقة الطلاق في إيدك؟
زينب
:
آه يا جدع … يبقى ساعتها المأذون يكتب كتابي عليك.
عويس
(بفرح)
:
ما نخش على بعض بقا دي الوقت وبعدين نكتب الكتاب على مهلنا!
زينب
:
بس اسمع، لما امسك في خناقك ما تخافش، شد حيلك ووريني شطارتك.
عويس
:
بس اوعي تخضيني قوي لحسن عقلي يشت ولا أطلقش، هاتي بوسة هاتي.
زينب
(تجري منه)
:
بكرة تشبع بوس، استنا لما ألبس وأجيلك.
(تجري نحو باب
بيتها، وإذا بها ترى زوجها عند باب الدخول فتذهب إليه، وينحدر أبو عويس إلى وسط
المسرح في حالة هياج نفساني، ويُرى أبو حسن تحت الستار لابسًا عمة كبيرة وشال
كشمير ومركوب أحمر، وأحمد في ملابس الحُجَّاب ومعه رزمة ورق، وزينب تشتغل
بالسلام على أخيها، ثم تأخذ بأيديهما وتذهب داخلة في السرداب.)
عويس
:
آه يا ناري! البت خدت لي عقلي، حدوب يا اخواتي، والله بنات مصر مافيش أحلى منهم،
لها حس زي الكيروان، مصر صحيح أم الدنيا، يا ريت الواحد ما كان قضى العمر اللي فات
ده كله بين نسواننا الحلاليف، آه يا ناري لو كنت أمسكها (يلتفت) لو كنت دي الوقت في الدوار والَّا في الغيط! آه يا ناري!
ماعلهش، الصبر طيب، ولا هياش راضية تديني بوسة واحدة أبل بها شوقي.
(وعندما ينتهي أبو عويس من كلامه تجري إليه زينب تمسكه من رقبته ويختفي الحمامي
وأحمد فيلتفت إليها ويقبض عليها وتقول له.)
زينب
:
حاسب، حاسب!
عويس
:
انتي لسه ما لبستيش الملس والَّا إيه؟
زينب
:
دنا طليت من الشباك شفت سيدنا القاضي جاي هو والحاجب بتاعه جيت أجري لك علشان
أقولك.
عويس
:
يا سلام هو القاضي يتنازل ويجي هنا؟!
زينب
:
لأ، دا يوم يجي يستحمى ويوم لأ، إنت ما سمعتنيش بقول للواد النشاشئي يحضَّر خلوة
القاضي.
عويس
:
طيب ونعمل إيه دي الوقت؟
زينب
:
بس استمتل، خليك تخش عليَّ قوام وتنتهي ونتمتع ونروح البلد بالمزازيك والنقارية
وتعمل فرح يبقى شنة ورنة …
عويس
:
والله لاعمل حتة فرح (يستمتل) يالله امسكي في
خناقي قبل ما يجي، بس اديني بوسة قوام.
(زينب تشير لأخيها وزوجها بالتقدم بيدها ورأسها.)
زينب
:
يا دهوتي الراجل بده يفوتني تاني، الراجل بده يغيب عني كمان عشر سنين، والله ما
افوتك أبدًا إلا قصاد القاضي، طلقني قوامك، طلقني قبل ما تفوتني، يا سيدنا القاضي،
يا سيدنا القاضي!
(يدخل الحمامي وراءه أحمد.)
(والحمامي رجل عامي ولما كان يريد أن يقلد القضاة يكون كلامه بلدي مع شيء من
تقليد كلام الفقهاء والنحونة العجيبة.)
الحمامي
:
ما هذا دي الصراخ؟ فاسق في الحمَّام الطاهر؟ أعوذ بالله من الفسق والفاسقون، يا
ضوى، خذ هذا دي الراجل في الحال إلى الحبس.
عويس
:
يا دي المصيبة! قبل ما اطلق واجوز حخش الحبس!
الحمامي
:
خذه يا ضوى في هذا دي الوقت.
عويس
:
اسطبر شوية يا سيدنا القاضي، أنا مش ماسكها ولا…
الحمامي
:
أمَّال هذا دي الشيء ماذا؟ ما هذه الفعلات القبيحاء؟
عويس
:
ما تتكلمي يا ستي، أنا مقدرش على ده كله، والَّا بعدين أفشي.
الحمامي
:
اخرس يا قليل الحياه! ماذا تريد تفشو؟ أبدك تتكلم عن عرض بنات الناس الأحرار؟ هذا
جزاه الجلد ألف جلدة.
عويس
:
يا خرابي يا خواتي! أنا قلت إيه! أنا يا سيدنا القاضي مش راجل فلاتي.
الحمامي
:
أمَّال ما شئونك في هذا دي الوقت؟ لص، أم سارق، أم قاطع طريق؟ يا ضوى خذه للحبس
بقول لك.
عويس
:
دنا عمدة يا سيدنا القاضي جاي أستحمى.
الحمامي
:
أمَّال هذا الراس ليه ليس مبلولون؟
عويس
:
ودا غُلب إيه يا اخوانا! دنا لسه ما استحمتش، سيبيني يا ولية بس لما اخد
نفَسي.
زينب
:
ما سيبكش أبدًا.
عويس
:
طيب سلِّمت أمري لله، اكلمي أمَّال أما شوف.
الحمامي
:
لماذا دي الراجل كان حاضر هنا يا ست يا طاهرة؟
عويس
:
يا سيدي أنا …
الحمامي
:
اسكت يا فاسق.
زينب
:
سدقت يا سيدي فاسق تمام وظالم ولا يخافش ربه.
عويس
(لزينب)
:
مش عيب تقولي عليَّ كده؟
الحمامي
:
المَرَه في هذا دي الشيء صادقة؛ لأنها هي التي تشعر ويمكن هي لا تحس ولا تشعر، ويلزم
كماني أن العاقل يصدقها لأنها في مذهب القضابي رضي الله تعالى عنه ورسوله يسأل عنها
يوم القيامة نفسها وبدنها، أما الراجل فالمسئول عنه رِجلاه وقدماه وعيناه
وقيداه.
عويس
:
قولي انتي كلمة وخلصينا، دي كانت جوازة مهببة.
زينب
:
يا سيدنا القاضي سدقت فيما قلت، أهو ده جوزي اللي سابني وهجرني ولا سأل
عني.
الحمامي
(ينظر فيه بتمعُّن)
:
هو هو بعينه، لولا أنه متغير حبِّتين، ولكن هذا من طول الغيبة وسواد أعماله، الراجل
اللي يهرب من مراته ويغيب عنها سنين وايام يكون راجل وشه عِكر، كنت فين يا
راجل؟
عويس
:
كنت في في في (لزينب) فين؟
زينب
(لعويس سرًّا)
:
ببيع القطن.
عويس
:
ببيع القطن يا سيدنا القاضي.
الحمامي
:
كذبت يا فاسق يا قليل المروءة يا قليل الحيا!
عويس
:
والله كنت ببيع القطن حتى الفلوس قبضتهم امبارح من البنك وهم معاية.
الحمامي
:
ومعاك قد إيه؟
عويس
:
خمسميت جنيه وخمسين وكمان أربعين كانوا معاي من حال الأصل وستاشر جنيه بتوع
المره.
الحمامي
:
وبقالك كام سنة غايب عن مراتك؟
عويس
(لزينب سرًّا)
:
كام؟ (وتميل عليه زينب وتحرك شفتها كأنها تلقنه فيكمل كلامه) سبع
سنين.
زينب
:
كداب يا سيدنا القاضي، دول سبع سنين وست اشهر وست ايام.
عويس
:
وست اشهر وست ايام إيه يعني؟
الحمامي
:
وماذا تريدن منها هذا دي الوقت؟
عويس
:
أريد إيه؟ أريد جوازها.
زينب
(لعويس)
:
طلاقها طلاقها، ما تخسَّرش
الدنيا.
عويس
:
طيب، طيب، أريد طلاقها يا سيدنا القاضي.
الحمامي
:
ارجع يا راجل عن عزمك، (عويس يشير بأصبعه
رافضًا) خليك مع مراتك (يشير عويس
رفضًا) الاتفاق أحسن لك.
زينب
:
قول أبدًا عاوز أطلقها.
عويس
:
أبدًا أريد طلاقها.
الحمامي
:
يا راجل شاور رُوحك.
زينب
:
قول شاورت روحي وعاوز أطلقها. بكرة نجوِّز قوام.
عويس
:
شاورت روحي وعاوز أطلقها، وبكرة نجوز قوا … (يراجع
نفسه) عاوز أطلقها جاتها داهية تخدها.
الحمامي
:
تأدب يا راجل! هل أنت في الغيط والَّا في الزريبة! ليه انت مافيش عندك حَيا؟!
عويس
:
معلهش بكرة أطلعه منك.
زينب
:
بس طلقني.
عويس
:
روحي وانتي طالقة بالتلاتة.
الحمامي
:
لا حول ولا قوة إلا بالله! هات الورق يا ضوى.
(يذهب إلى المصطبة ويصعد على الدرج ويتربع وراء الصندوق ويأخذ حزمة من الورق الذي
مع أحمد ويفرشها أمامه، ويطَلَّع من صدره دواة نحاس صغيرة وقلم بوص ويأخذ في
الكتابة.)
(العمدة وزينب واقفين أمام القاضي، وزينب مكتفة ومتلفعة بطرحتها.)
الحمامي
(إلى عويس)
:
ما اسمك؟
عويس
:
اسمي، اسمي! (لزينب) اسمي إيه؟
زينب
:
علي أبو حجازية.
الحمامي
:
إنتَ قوامك نسيت اسمك؟! دا من غضب الله عليك، من نسي اسمه نسي دِينه.
عويس
:
لا يا مولانا القاضي، دي بس هيبة المحكمة نستني، أنا اسمي علي أبو حجازية.
الحمامي
:
وأبوك؟
عويس
:
وأبويه، وأبويه! (لزينب) أبويه اسمه إيه؟
انطقي!
زينب
(له)
:
محمد أبو حجازية من دهشور.
عويس
:
محمد أبو حجازية من دهشور.
الحمامي
:
محمد، وأمك؟
عويس
:
أمي! أمي كمان مالها؟ أمي ماتت من زمان، (لزينب) الحقي، اسمها إيه؟
الحمامي
:
اخلص قوام، ينعل …
عويس
:
أمي اسمها إيه؟
زينب
(تميل عليه)
:
خدوجة بنت سيد أحمد.
عويس
:
خدوجة بنت سيد أحمد، ودا نهار إيه ده المهبب، دي ما كانتش جوازة.
الحمامي
:
خدوجة بنت سيد أحمد، وانتي يا حرمة ما اسم الكريمة؟
زينب
:
محسوبتك زينب.
عويس
:
الحمد لله اللي فات دوري.
الحمامي
:
بنت مين ومين؟
زينب
:
بنت المعلم أبو حسن الحمامي من بولاق، وحميدة بنت سخا الطحاوية.
الحمامي
(يسكت قليلًا وهو يكتب ثم ينطق)
:
حكمت المحكمة المتخذة دار حمام أبو حسن ببولاق محلًّا مختارًا لها بطلاق الست
زينب بنت أبو حسن الحمامي ببولاق وحميدة بنت سخا الطحاوية من علي أبو حجازية ابن
محمد أبو حجازية من دهشور ابن المرحومة خدوجة بنت سيد أحمد، وهذا ختمنا
بذلك.
عويس
:
أُف! الحمد لله اللي انتهينا، دَنَا كأني كنت تحت كوم سباخ، بس بقى، إمتى نقابل
بعضنا لاجل اللِّي بالك فيه؟
الحمامي
:
استحي يا راجل، اخرج من هذا دي المكان، يا فاسق يا قليل الحيا، خرَّجه يا
ضوى.
زينب
(تمسك في عويس)
:
يروح فين يا سيدنا القاضي!
الحمامي
:
ماذا انتي عاوزة منه؟
زينب
:
النفقة.
عويس
(يضرب على صدره)
:
نفقة إيه؟
زينب
(تغمزه في ذراعه مرات)
:
نفقة عدتي تلات اشهر، آكل منين يا سيدنا القاضي.
الحمامي
:
ما قولك يا راجل في النفقة؟
عويس
:
أنا مقدرشي على النفقة، أنا راجل مسكين وصاحب عيال ولا معاييش … والله وقعت في
الفخ يا اولاد!
الحمامي
:
تدفع كام عدة مطلقتك زينب بنت المعلم أبو حسن الحمامي بنت حميدة بنت سخا
الطحاوية؟
عويس
:
ريال يا سيدي القاضي في الشهر معليهش.
زينب
(تضحك)
:
ريال إيه يا ابو ريالة! انت اتجننت يا راجل! دانت عمدة وجايب خمسميت جنيه وخمسين
وأربعين من تمن القطن اللي بعته امبارح.
الحمامي
:
وستاشر جنيه بتوع المره كمان.
زينب
:
آه هو خلى لي عقل أفتكر به.
عويس
(لزينب)
:
طيب وانتي مالك ومال كده؟ ماهو كله علشانك وعلشان الفرح لمَّا نجوز.
زينب
:
وانا شفت حاجة قبله لما حشوف بعدين، ارمي بياضك قبله والَّا حد الله بيني
وبينك.
عويس
:
جرى إيه يا ست يا زينب؟ انتي مش قلتِ …
زينب
:
قلت إيه يا راجل! … احكم لي يا سيدنا القاضي واللي تشوفه انت، مافيش أحسن
منه.
الحمامي
:
حكمت المحكمة على علي أبو حجازية ابن محمد أبو حجازية من دهشور وخدوجة بنت سيد
أحمد إنه يدفع لمطلقته زينب بنت أبو حسن الحمامي ببولاق بنت حميدة بنت سخا الطحاوية
مبلغ وقدره ثلاثون جنيه مجيدي نفقة لها عن ثلاثة أشهر عدتها ويكون الدفع فوري يعني
في الحال.
عويس
(يظل يبحلق في وجه الحمامي مدة ثم يحط يده في جيبه ويبص لزينب
وهي متغمغمة عنه ويطلَّع الكيس)
:
أمري لله، أمري لله، الحق عليَّ، خدي يا ستي نفقة عدتك، دول الأربعين اللي جبتهم
من البلد حاخد منهم عشرة.
زينب
(تعد النقود)
:
واحد، اتنين …
الحمامي
:
في سِرِّك.
زينب
:
حاضر، تلاتة، أربعة …
الحمامي
:
ميعاد الحمام حيفوت …
زينب
:
تلاتين.
الحمامي
:
تمام؟
زينب
:
تمام يا سيدي.
عويس
:
كفانى بقا، أجي ايمتى بقا علشان …
الحمامي
:
اخرج يا راجل، يا فاسق يا قليل المروة! تترك مراتك للشيطان الرجيم! خرَّجه يا
ضوى.
زينب
(تمسك في عويس)
:
يروح فين يا سيدي!
عويس
:
ليه عاوزة مني إيه؟ أنا خلاص ما بديش أجوِّز.
زينب
(بصوت خافت)
:
إخص عليك! بقى علشان ما نسبك الحكاية تتخض قوام.
عويس
:
طيب قولي عاوزة إيه، والله قلبي ماهو مصدَّق، قولي بقا أقابلك فين؟
الحمامي
(وكان مشغولًا بالكتابة)
:
تأدب يا رجل يا قليل الحياه! ما دعوتك يا حرمة يا زينب يا بنت الأمير أبو
حسن؟
زينب
:
بقية مهري … المتأخر يا سيدي القاضي.
عويس
:
يا خرابي! يا دهوتي! يا مسلمين! يا خسارة تعبي في القطن السنة دي كلها!
زينب
:
خمسين جنيه مجيدي بالتمام، أصل مهري مية وخمسين وانت يا سيدنا القاضي اللي كتبت
كتابي على الراجل ده ايام ما كان ضوى عندك.
الحمامي
:
متذكر بالظبط، حكمت المحكمة على علي أبو حجازية ابن محمد أبو حجازية من دهشور
وخدوجة بنت سيد أحمد أنه يدفع مبلغ وقدره خمسين جنيه مجيدي مؤخر صداق مطلقته الست
زينب بنت أبو حسن الحمامي ببولاق، وهذا ليدها أمامنا وفوري وقوام.
عويس
:
يا خرابي، يا خرابي! يا خسارة تعبي في القطن السنة دي! معلهش، أستاهل، آدي
الخمسين جنيه بربطتهم من إيد الخواجة، أستاهل ضرب الصرم اللي آجي مصر.
الحمامي
:
أخرج بقا يا راجل يا قليل الحيا، يا قليل المروة! خرّجه يا ضوى خرّج.
زينب
(تمسك فيه)
:
يروح فين يا سيدي القاضي! إنت ما سمعتوش بيقول إن بقاله سبع سنين وست اشهر وست
ايام ما صرفشي علي ولا مجيدي؟
الحمامي
:
هذا صحيح.
زينب
:
فين نفقتي في المدة دي كلها؟
الحمامي
:
صحيح هذا حقك ولكن (بإشارة استعطاف) سامحيه
فيهم يبقى لك عند الله.
عويس
:
الله يطوِّل عمرك يا سيدنا القاضي ولا يوركش ضيم ويضلنا بضلك.
زينب
:
يا سيدي القاضي إزاي أسيب حقوقي؟ دنا بعت صيغتي وهدومي وصيغة أمي وهدومها وهدوم
أبويه كمان، وأبويه وحياتك باع عليَّ الفوط والبشاكير بتوع الحمام.
الحمامي
:
دا شيء أعرفه تمام، الله يجازيك يا شيخ.
زينب
:
لا كان راجل بيصرف علي ولا احنا ناس ما تخفش ربنا.
الحمامي
:
سدقتي يا حرمة، فتح الله عليك وعلى والديكي.
عويس
:
يا سيدنا القاضي مافيش منك رحمة؟
الحمامي
:
ليس في الشرع محابية، أمال كنت ليه ما بترحمهاش في غيبتك عنها وهي محصنة نفسها
وروحها فيك؟ حكمت المحكمة على علي أبو حجازية بن …
عويس
(يقاطعه)
:
بلاش الباقي وحياة راسك، ما تحبكهاش.
الحمامي
:
تأدب، هكذا الأصول، (يُتم الصيغة) ابن محمد
أبو حجازية وخدوجة بنت سيد أحمد أنه يدفع لمطلقته الست زينب — طيب ما عليهش الباقي
— نفقة شرعية قدرها ٣٠ جنيه مجيدي عن كل سنة من سنين غيبته فيكون الجملة ٣٠ جنيه
على سبع سنين تبقى ٢١٠ وست اشهر ﺑ ١٥ جنيه يصير ٢٢٥ وستة ايام بنصف جنيه فيكون
المبلغ ٢٢٥ جنيه ونصف بالتمام، ويكون الدفع فوري وفي الحال وأمام عيوننا.
عويس
:
آه يا خواتي! يا خراب بيتك يا عويس! يا جوعة العيال السنة دي! يا رفتتك من
العمدية بعد ناظر القسم ما يعرف إنك فلست! والله يا ناس ما شفتها قبل دي الوقت،
والله يا ناس دي لعبة واتلعبت علي وبس، قلت لك كده يا سيدنا القاضي علشان هي غرضها …
الحمامي
:
يا راجل يا قليل الحيا أوع تكون بلَّغت المحكمة شيء كذب بعد ما حكمت لحْسَن هذا دي
الفعل تترمي به في المغطس وهو سخن بيغلي، وليس لك بعدين أجر عند الله، قول إذا شئت،
واستعد يا ضوى.
عويس
:
لأ، قلت سدق يا سيدي، عوضي على الله.
الحمامي
:
ادفع في الحال.
عويس
:
حاضر، آدي ميتين جنيه بربطة واحدة لوخرين، وآدي عشرين كمان، وآدي خمسة، وسامحيني
في النص لأحسن ما عنديش فكة وحياتك.
زينب
:
أبدًا، هات جنيه وسامحني انت في النص، دا حقي، تاكل حقوق الولايا!
عويس
:
الله يسامحك يا بعيدة، أدي الجنيه، بس بقا، مانيش عاوز أتجوز.
زينب
:
ومين عاوز يرجع لك.
الحمامي
:
اخرج يا راجل يا قليل الحيا يا قليل المروة!
عويس
:
أنا قليل المروة؟ طيب يا سيدي، أديني مروح، إن شالله ما كان حد استحمَّى، دا صحيح
يا اخوانا دخول الحمام مش زي خروجه (يهُمُّ
بالخروج).
زينب
:
يروح فين يا سيدنا القاضي!
الحمامي
:
إيه كمان يا ست زينب؟
زينب
:
واللي في بطني؟
عويس
:
بطنك؟ وجع في بطنك!
زينب
:
أيوه يا سيدي، في بطني بقى له سبع سنين وست اشهر وست ايام.
عويس
:
ودا كلام حد يصدقه إلا المجانين، حق يا سيدنا القاضي!
الحمامي
:
كلام الزوجة مصدق، هي أعرف بحالها، هكذا الشرع وبه نحكم معقول أو غير
معقول.
عويس
:
طيب وإيش عاوزة مني بقا؟
الحمامي
:
ما دعواك يا حرمة؟
عويس
:
ماخدت نفقتها يا سيدي عن المدة اللي فاتت والعدة.
زينب
:
يمكن ما أولدش إلا بعد عشرين سنة.
عويس
:
يا سنة سودة!
الحمامي
:
انتي عمرك كم سنة يا حرمة؟
زينب
:
السنة دي تلاتين إلا شوية.
الحمامي
:
بقى يمكن ما تولديش إلا بعد ٢٥ سنة حتى يعني عندما تبلغي سن اليأس؟
عويس
:
آه … يادي الداهية الكبيرة! (يقطع في
شعره) يادي البلاوي التقيلة! (يلطم.)
زينب
:
طيب شوف انت بقا، رأيك أحسن من كل شيء، انت قاضي وعادل واحنا ناس ولاية، ادِّيني زي
ما تحسب.
عويس
(يعيط)
:
آه يا فلوسي! يادي النهار اللي زي الطين والهباب.
الحمامي
:
تأدب يا راجل! حكمت المحكمة على علي أبو حجازية ابن …
عويس
(بإلحاح)
:
ماعليهش دي النسبة المزفتة، بس قول لي كام؟
الحمامي
:
تأدب يا راجل يا قليل الحيا يا قليل المروة! انت عاوز تخلي بنات الأمرا يفضلوا
حبلين عشرين سنة والَّا خمسة وعشرين ما يجوزوش علشان خاطر الولد الملعون ابن الملعون
اللي في بطنهم؟ (يكمل) على علي أبو حجازية من دهشور، أقول لك — ماعليهش الباقي —
إنه يدفع لمطلقته حتى تستوفي عدة نفقة عشر سنوات.
عويس
:
آه! يا خرابي! يا خراب بيتي!
الحمامي
:
بواقع السنة ٣٠ جنيه مجيدي ويكون الدفع فوري وأمام عيونا أي قوامك، والعشر سنوات
يُحسبوا ابتداءً من هذا اليوم الثالث من رجب سنة ١٢٨٢ هجرية — على صاحبها أفضل
السلام وأفضل التحية — لغاية اثنين رجب سنة ١٢٩٢ هجرية، يكون جملة المستحق دفعه
مبلغ وقدره ٣٠٠ جنيه ينخصم منها التلاتين جنيه اللي حُكِم بها نفقة العدة الأولى
فيكون المستحق مبلغ وقدره ٢٧٠ جنيه مجيدي بالتمام.
عويس
:
آه! أهم، لحسن بعدين انسلق في المغطس، عوضي على الله (يعيط) الله يقطعك يا عويلي! الله يخيِّب أملك! تجيبني في الحمام
المشئوم ده! أهُم، ميه ودي ميه ودي ميه، هاتي الثلاثين الأولين.
زينب
(تمسك في الفلوس)
:
والباقي يا سيدي القاضي، يمكن ما اوضعش إلا بعد خمستاشر سنة كمان.
الحمامي
:
أقول لك خدي الثلاثين كمان، ومع ذلك عندك علوانه ونقبه ونقب أمه، فإذا فاتت العشر
سنين ولم توضعي ابقي قدِّمي فيه علم طلب.
عويس
:
والله مانها مراتي ولا أنا أعرفها والنبي!
الحمامي
:
قصدك ترجع في كلامك وتبلَّغ المحكمة كلام كدب بعد ما حكمت؟
عويس
:
لا وحياتك يا سيدنا القاضي دي بس من حلاوة الروح، (هنا
يدخل عويلي آتيًا من الحمام وهو متفوط وعلى رأسه بشكير وفي رِجله
قبقاب.)
عويلي
:
أي والله والنبي يا ولاد، دخول الحمام مش زي خروجه!
عويس
:
أي والله.
عويلي
:
خش بقى يا عمي أبو عويس بيه، ادخل شوف مزاجك واتنعم.
عويس
(بحرقة)
:
اسكت مانيش عمك أبو عويس بيه.
عويلي
:
عجب! أمَّال انت مين يا أبو التنا الأبيض؟!
عويس
:
أنا علي أبو حجازية ابن محمد أبو حجازية من دهشور وأمي خدوجة بنت سيد أحمد، ودي
الست زينب مطلقتي بنت الأمير أبو حسن الحمامي ببولاق.
عويلي
:
مين بيقول كده! دانت جناب سعادة عمدة كفر العجورة أبو عويس بيه على سن
ورمح.
عويس
:
اسكت، دا كان زمان يابني، راحت الفلوس، وراح ثمن القطن، وراح عمك أبو عويس بيه
عمدة كفر العجورة، أوعى تتنفس لحسن بعدين تروح روحك والَّا يرموك في المغطس وهو سخن
بيغلي، إنت معك حاجة!
الحمامي
(كأنه كان مشغول بكتابة ورقة الطلاق)
:
خذي يا حرمة هذه ورقة طلاقك.
زينب
:
ربنا يطوِّل في عمر سيدي القاضي.
عويلي
:
آمين.
عويس
:
آمين، آمين.
الحمامي
:
اخرج يا راجل يا فاسق يا قليل الحيا يا قليل المروة!
عويس
:
حاضر، قال بقول ماحدش من ولاد مصر ضحك عليَّ، ضحكت علي مرة، أديني رايح، يالله يا
واد يا عويلي.
زينب
:
يروح فين يا سيدي القاضي ونفقة العيِّل لما يتولد، وأجرة الست الداية، وثمن
الخلخال، ووهبة الحجاب اللي حتعمله للمولود إن شاء الله ربنا يعوض عليك.
عويس
:
أهم ياختي أهم (يقلع العمة والمركوب والجبة ويرميهم
واحدة ورا الثانية في وجههم وهو يقول في خروجه) الله يخرب بيتك وبيت
سيدك القاضي ويبتليك بالأوجاع ويطلَّع على عينك البلا، (هنا يدخل النشاشقي فيلاقي فردة مركوب في وجهه.)
نشاشقي
:
ديهده! فين البقشيش يا سعادة العمدة؟ دا مش حرام عليك!
(الكل يضحكون، يخرج أبو عويس وعويلي جريًا من باب الدخول، وينزل الحمامي إلى زينب
ويأتي أخوها إليها، وزينب تأخذ في الغناء على وزن رطل ونصف.)
زينب
:
أديها فرجت
يا معلم يا أبو حسون
أوعى بقا تجي
مبلم وتسب الكون
شوف دول بعينك
يا نشاشقي يا ابن العرة
أدينا صرنا
يا نشاشقي زي الأمرا
نشاشقي
:
دا كله من وشك
الأزهر يا ست الناس
دا سيدنا كان وشه
أغبر زي النسناس
الحمامي
:
يا ابن القحيبة دي
العمة وشال الكشمير
هم اللي زاحوا دي
الغمة ما تعبش كتير
الجميع
:
الله يخلي لنا البسـ
ـطا أهل الكرمات
رزق الغلابة على العـ
ـبطا في دي الأوقات
(ويسدل الستار.)
«بيان»: كان الأستاذ الكبير عزيز أفندي عيد في دور أبو عويس، ومحمد أفندي صادق في
دور
الحمامي، ومحمود أفندي رضا في دور النشاشقي، وحسن أفندي فايق في دور عويلي، والآنسة
روزاليوسف في دور زينب.
كلمة
تفضَّل صديقنا الناقد التمثيلي الكبير الأستاذ زكي طليمات بكلمة كريمة شاء أن تُنشر
بمناسبة طبع رواية الحمام ونحن نُثبتها هنا مع الشكر والامتنان، قال حفظه لله:
يعز عليَّ أن يكون نصيب هذه القطعة المسرحية مني بضع كلمات أسطِّرها على عجَل وألَّا
أجد متسعًا من الوقت لأدق في حياكة نقد حازم عنها.
ها هي رواية «رمزي» بين يدي القرَّاء مجلوَّة الصفحة، وضَّاحة النزعة، تفوح منها عبقة
من
الفن الصادق، وكأني بصديقي الأديب وهو يرفع روايته هذه إلى جمهورنا يرمق الأفق
البعيد بنظرِه المطمئن الواثق لإنشاء مسرح محلي حديث، وكأني به وقد صاغ قطعته في
العامية الدارجة خالعًا عربيته المجيدة يصيح بنا في تواضع: أنا رجل المسرح سيد
الطريقتين وأمير الأسلوبين.
ومن تذوَّق أسلوب رمزي في «عزته» و«بدويته» و«حاكمه» وغيرها من رواياته التاريخية
الممتعة، فقد عرف الرجل ذا القلم المجيد الذي يجري بحذق فوق الصحيفة البيضاء فتسمع
وراء صريره رنين أجراس الذهب.
من يقرأ «عزة» ولا تأخذه نشوة الموسيقى في أوجها السامي، ومن يقرأ رواية اليوم
ولا يصيح أن «رمزي» مؤلف مدق يضم إلى طبله البدوي العزاف أرغولًا مصريًّا يوقِّع
أنفَس «المواويل الحمر» ويردد صدى قهقهة «الصهبات» البلدية. وإن لرمزي لنظرة الفطن
الساخر التي تتناول كل شيء يقع تحت بريقها.
«دخول الحمام» تُعدُّ بحق شعبة من أشعة الفجر الأول لوضع الرواية المصرية المضحكة
«الكوميديا المصرية». وكما بدأ «رمزي» المجهود الأول في وضع الرواية العربية
التاريخية برواية «الحاكم بأمر الله» فهو في مقدمة ذلك النفر العزيز الذي حاول
ويحاول وضع الرواية المصرية الأخلاقية.
وكتابة «رمزي» لهذه القطعة باللغة العامية — وهو الكاتب والشاعر المجيد — تفسِّر
لنا مبدأه الذي طالما جاهَر به في حلقات الأدب والفن، وهو: (وجوب كتابة الرواية
المصرية المضحكة بالعامية الدارجة)، وهذا مبدأ أقرَّه صديقي المسرحي الكبير محمد
تيمور بك في روايته «العصفور في القفص» و«عبد الستار أفندي»، وزاد عليه: «وكتابة
الدرام المصرية الحديثة أيضًا بهذا اللسان» كما رأينا في روايته «الهاوية».
«دخول الحمام» مشهد مصري صميم شدَّ ما أفلح مصوره في مسْحِه بالصبغة المصرية
الفاقعة التي تأخذ الناظر أينما سرح بصره فيه، والذي يبهرني في هذا المشهد موضوعه
نفسه الساخر. لقد أضاف «رمزي» بروايته هذه مجدًا جديدًا إلى حرية التفكير في مصر،
طرَق «رمزي» بابًا موصدًا في الشرع الإسلامي طالما فزع الناس من الاقتراب منه
وطالما كان قيامه سبب محن وتذمُّر وسخرية صامتة، الحمل المستكن؛ أظن هذا اسمًا لا
يذكره مفكِّر إلا وتعلو وجهه بسمة متهكمة يحاول أن يضم عليها حفافي ثغره حتى لا
تنفجر قهقهة مستهترة صاخبة. «عدم طلاق الغائب»؛ ألا ترى هذا عجيبًا أيضًا يا سيدي
القارئ؟! هاتان النقطتان الواهنتان اللتان قد أصبح احتمالهما عسيرًا وتنفيذهما مرًّا
مع حياتنا الفكرية الحديثة قد تناولهما بنظرة نافذة «رمزي» المفكر الحر، وحاك عليهما
مهزلة ساخرة رشيقة كان لها وقْعٌ كبير في التأثير على مشروع اليوم، ولم يكن عجيبًا
بعد الضجة التي أحدثتها هذه الرواية بين رجال القضاء وأصحاب المذاهب أن رأينا
التشريع المصري يتناول هاتين النقطتين بالتعديل الجديد الذي ننعم به اليوم والذي
يُحدِّق فيه العقل بنظرة هادئة.
أما النجاح الذي حظيت به هذه القطعة فكان باهرًا لم يحظَ مؤلفها بمثيل له في سابق
قِطعه المسرحية اللهم إلا «البدوية»، ولعل هذه الرواية هي إحدى الروايات القليلة
التي جابت بها فرقة أبيض أنحاء الوجه البحري في ليالي الصليب الأحمر ومثلتها بنجاح
مستمر أمام جماهير تباينت عقليتهم وأذواقهم تباينًا كبيرًا.
وقد علا كعب الممثل «عزيز أفندي عيد» بإخراج هذه الرواية، وأضافت الممثلة
«روزاليوسف» إلى مجدها المسرحي ضفيرة جديدة زاهرة بأدائها دور زوجة الحمامي وأثبتت
أن مواهبها الفنية لا تقف عند إبراز الأدوار في الرواية الغربية الموضوع.
وإني أختم هذه العجالة بجملة كان دائمًا يقولها صديقي الراحل «تيمور» إذا ما جرى
على ألسنتنا ذكر روايات «رمزي» ومجهوده الكبير المتواصل في تقرير مسرح محلي لهذه
البلاد: «لقد وضع رمزي رواية دخول الحمَّام وكفى.»