الملاءمة
إن لم يكن إعلانك، أو فكرتك، ملائمًا تمامًا لاحتياجاتي، فإن عدم اكتراثي سيؤدِّي بإعلانك إلى الفشل الذريع.
إنَّ أحد الأسباب الشائعة لعدم اقتناع الناس بما تقول هو عدم صلته بهم وعدم انطباقه عليهم. نظرة واحدة سريعة على صندوق بريدك ستكشف لك عن عدد العروض المُرسَلة إليك لمجرد أن معاييرَ معينة يبدو أنها تنطبق عليك. المشكلة الحقيقية أنها لا صلةَ لها بك على الإطلاق، وتزداد المشكلة سوءًا مع الكمِّ الكبير من الرسائل الإلكترونية غير المرغوب فيها التي نتلقَّاها بصفة يومية.
يتبلور مبدأ الملاءمة في إمداد المرء بالمعلومات التي يحتاج إليها بناءً على احتياجاته ورغباته الواضحة. وعندما يتعلَّق الأمر بالإقناع، يأخذ مبدأ الملاءمة بُعْدًا أعمق؛ إذ ينطبق أيضًا على نوعية الرسائل التي نرسلها. فلا بد أن تسأل نفسك كيف يرى العميل نفسه حتى تعرف ما يناسبه. كذلك أنت بحاجةٍ إلى أن تكيِّف شخصيتك، سواء في المقابلات الشخصية أم عبر المنافذ الإعلانية، حتى تجذب عميلك على وجه الخصوص.
تعني الملاءمة أيضًا أنك قد استغرقتَ وقتًا في التعرُّفِ على العميل، وفهْمِه كفرد أو مجموعة معينة، حتى تستطيع خدمته على نحو أفضل. وتعني أيضًا أنك أدركتَ ما يهتم به في حياته ووظيفته ووقت فراغه وفي معظم لحظاته الخاصة. وتعني الملاءمة أيضًا إدراكَك جدولَ مواعيده، ومعرفتك أنسبَ وقت لتقديم عرضك أو فكرتك له. لا يعني ذلك بالضرورة أن تعرف العميل شخصيًّا، لكنك درسْتَه من خلال دراسة آخَرين مثله؛ فعليك عادةً أن تطرح أسئلةً أكثر ممَّا تقدِّمه من معلومات، وعندما تقدِّم له معلومات، يجب أن تكون هادفةً لملاءمة احتياجاته على وجه الخصوص؛ فأنت — تقريبًا — تستطيع قراءة ذهنه لأنك تعرف مثله تمامًا ما يحتاج إليه، وما الذي سيستفيده من علاقته بشخص مثلك. بمجرد أن تفعل هذا، يكون ما تعرضه عليَّ ملائمًا لي. إن الطريق بين ملاءمةِ عرضك وعلاقةِ المنفعة المتبادلة بينك وبين العميل قصيرٌ للغاية.
أظهرتْ دراسة حديثة أجرَتْها مؤسسةُ شركاء يانكلوفيتش كما ذكر جيه واكر سميث في الجمعية الأمريكية لوكالات الإعلان (١٥ أبريل، ٢٠٠٤، مؤتمر الجمعية الأمريكية لوكالات الإعلان، ميامي، فلوريدا)؛ أن ٥٩ في المائة من الذين أُجرِيت عليهم الدراسة شعروا بأن «معظم التسويق والدعاية لا يناسب احتياجاتهم بأي حال». كذلك أظهرَتِ الدراسة أن ٣٣ في المائة لديهم استعداد للحياة في مستوًى أقل قليلًا بدلًا من الحياة في مجتمعٍ يخلو من التسويق والدعاية.
إن من غير المنطقي، إنْ لم يكن عملًا إجراميًّا، أن تظن أنك تستطيع إقناع أي شخص بأي شيء لا يهتم به. وللأسف نحن نحاول فعْلَ هذا بصفة يومية؛ فلا تزال الفكرةُ القديمة، المتمثِّلة في كون «المبيعات والإقناع لعبة أرقام»، سائدةً لدرجة أن كمًّا كبيرًا من عمليات التسويق لا يلقى أيَّ اهتمام. ليست المشكلة الحقيقة عدم حصول محاولاتك على أي اهتمام، وإنما تكمن المشكلة في أن استماع الناس لك ولكل معلومة لا علاقةَ لهم بها، يصبح قشةً أخرى على ظهر البعير تقصمه في نهاية المطاف. فلا تقتصر النتيجة على اتخاذ الناس مواقفَ دفاعيةً، وإنما كذلك يصبحون في حالة من اللامبالاة. فأفضل طريقة لعدم التعرض للإقناع، هي أن يصبح المرء غيرَ مبالٍ بأي شيء يتحدَّث عنه الآخَر. يستغرق الشعور بالفتور وقتًا طويلًا حتى يتكوَّن، ولكنه يستغرق وقتًا أطول حتى يبطل أثره.
إذا أردتَ إقناع شخص واحد أو مدرج ملعب مليء بالأشخاص، يجب أن تتأكَّد من أن المعلومات التي تقدِّمها مرتبطةٌ باحتياجاتهم ورغباتهم. انتبه جيدًا لما قلته للتوِّ: «مرتبطة باحتياجاتهم ورغباتهم.»
إن كل شخص تتحدَّث إليه ستكون احتياجاته ورغباته مختلفة، وعليك أن تحدِّد ماهية هذه الاحتياجات والرغبات بالضبط حتى تستطيع التعامُل معها. كذلك عليك التأكُّد من أنك تستهدف الشخص الصحيح برسالتك أو حجتك المقنعة؛ فلا قيمةَ على الإطلاق لمحاولة إقناع شخصٍ ما بأي شيء لا يهتم به. فلا يوجد منتج أو خدمة أو حجة واحدة تناسب جميعَ الأشخاص بوجهٍ عام، وحتى إنْ وُجِد، فإن لكل شخص أو مجموعة احتياجاتٍ ورغبات خاصةً لا بد من تلبيتها حتى يصبح الأمر مناسبًا لهم.
إن أفضل سؤال يمكن أن تطرحه على نفسك هو: «ما الذي يجعل هذا الشخص مناسِبًا لرسالتي؟» وعن طريق الإجابة عن هذا السؤال البسيط ستحسن فرصك في العثور على الشخص أو الأشخاص المناسبين لرسالتك.
كان أشد شخصٍ إثارةً للمقت عملتُ لديه مديرًا لشركة كبيرة للاستشارات التكنولوجية. بخلاف كونه غشاشًا عديم الأخلاق إلى أقصى درجة، كان يعتقد فعليًّا أن كل شخص يتحدَّث إليه — أو نتحدَّث إليه — يجب أن يحول عمله إلى شركتنا أو يُطلِعنا على معلومات الاتصال بقائمة معارفه. وكان يشجِّع فريق المبيعات لديه على عرض خدمات أخرى لا علاقةَ لها على الإطلاق باحتياجات العملاء المحتملين الحالية، في أثناء عروض تقديمية وثيقة الصلة باحتياجاتهم، حتى إنْ لم تكن الخبرة بتلك الخدمات المعروضة متوافرة. كان يقف في الغرفة، ومع نهاية العرض التقديمي يبدأ في سؤال كل الموجودين في الغرفة عمَّن يعرفونه ويمكنه أن يساعده في العثور على مزيدٍ من العملاء المحتملين في أنشطة تجارية معينة. بالإضافة إلى كون التوقيت سيئًا للغاية، فإن معظم الموجودين في الغرفة لا يهتمون على الإطلاق باحتياجاته؛ فهؤلاء الأشخاص لديهم أهداف معينة ليس من ضمنها إتاحة مزيدٍ من الصفقات التجارية له. كان هذا الموقف أشبه إلى حدٍّ ما بالذهاب إلى طبيبك، فتجده يسألك قبل أن تغادر عمَّا إذا كنتَ تعرف أيَّ شخص على وشك شراء سيارةٍ قريبًا لأنه يعمل أيضًا في بيع السيارات. إن مصداقيته تنهار على الفور. وهذا مثال رائع على الكيفية التي يمكن أن يؤدِّي بها الإخفاق في تقديم أفكار وعروض ملائمةٍ إلى تدمير فرص الربح في الأعمال التجارية.
والآن، لا تخطئ فهمي؛ فأنا لا أقول إنك يجب ألا تطلب ترشيحات لعملاء محتملين، وإنما يوجد وقت ومكان لهذا. فإن طلب أسماء عملاء محتملين جزءٌ من عملية المبيعات، ويحين وقت طلب هذه الترشيحات عند إغلاق الصفقة التجارية بنجاح. أما الوقت الآخر المناسب لطلب مثل هذه الترشيحات، فهو عندما يقرِّر الشخص الذي تطلب منه الترشيحات التوقُّفَ عن التعامل تجاريًّا معك لسبب آخَر غير عجزك عن أداء المطلوب منك.
-
هل أظهر هؤلاء الناس رغبةً أو حاجةً لمنتجي أو خدمتي؟
-
هل يحتاج هؤلاء الناس إلى منتجي لكنهم لا يعترفون بذلك؟ وهل ما زالوا غير مدركين لوجود مشكلة؟
-
هل مُنتَجي مناسب لرغباتهم، ماديًّا وعمليًّا؟
-
إذا كنتَ تحاول أن تقدِّم عرضًا مناسبًا لمجموعة من الناس، فهل جمعتَ المجموعة الصحيحة من الأشخاص؟ هل نِصْفُهم على الأقل لديهم معرفة أو خبرة أو مشكلات تشبه تلك التي يعالجها مُنتَجُك أو خدمتك أو فكرتك؟
-
هل عدَّلْتَ قائمتك بعناية قبل البدء في زيارة الأشخاص لأي سبب؟ فلم تَعُدِ التعميماتُ تكفي (ذكور أكبر من ٤٠ سنة، والدخل أكثر من ٧٠ ألف دولار في السنة، ويمتلكون سيارة رياضية)؛ فيجب أن تكون أكثر تحديدًا (ذكور يتراوح سنهم ما بين ٣٥ و٤٥، والدخل على الأقل ١٠٠ ألف دولار، ولديهم سيارة بورش بوكستر أو بي إم دبليو زد ثري، ويشترون حُلَّات على الأقل مرة كل شهر). فكلما زادت معرفتك بعملائك المحتملين، زاد احتمال ملاءمة ما تعرضه عليهم لهم.
أخيرًا، إذا استطعتَ تحديدَ شخصية عميلك بوضوح، فسيصبح لديك احتمالٌ كبير أن تتمكَّن من تصميم عرض أو فكرة مناسبة له. أما الخطوة الأخيرة، فهي أن تتأكَّد أنك مناسب للعميل. فإذا كانت شخصيتك أو أسلوبك لا يتماشى مع معايير العميل في ملاءمة الشخص الذي يثق فيه أو يستمع إليه أو يشتري منه أو يكوِّن علاقة معه، تصبح غير ملائم. وبمجرد أن يصبح ما تعرضه غير ملائمٍ، لا تحظى بفرصةٍ ثانيةٍ معه.
عندما تشرع في الإقناع، عليك التأكد من فهم التوقعات الموجودة لدى عميلك المحتمل. اسألهم ماذا يتوقَّعون إذا لم تكن تعرف؛ فلا توجد طريقة أخرى ليصبح عرضك ملائمًا أفضل من أن تطرح أسئلةً جيدةً على الشخص الذي تريد التأثير فيه. تبدأ الملاءمة بالاهتمام، فإذا شعرتَ بالاهتمام بالعميل واحتياجاته، يكون عرضك ملائمًا له أكثر من شخص «لا يريد سوى بضع دقائق من وقت العميل ليرى إذا ما كان بحاجةٍ إلى خدماته».
قدِّمْ عروضًا ملائمةً، وإلا خسرتَ عميلك المحتمل.
ملخص الفصل
-
عندما لا تكون مؤهَّلًا، فإن أكثر من نصف الذين تحاول إقناعهم سيشعرون بأن ما ستقوله ليس مناسِبًا لهم.
-
ثمة علاقة وثيقة بين الملاءمة والألفة؛ فإذا كنتَ مناسبًا للعميل، فإن هذا بسبب معرفتك شيئًا ما عنه، وكلما زاد ما تعرفه عنه، زاد ما تشعر به من ألفة.
-
اقضِ وقتك في اختيار الأشخاص الذين ستقنعهم أو سترسل إليهم رسالتك بعناية؛ فالأمر يشبه حكمة النجارين القديمة «عليك القياس مرتين، والقطع مرة واحدة».
-
احرص على ملاءمة شخصيتك وأسلوبك وعرضك لأسلوب حياة العميل أو عمله أو شخصيته، وسيصبح ما تطرحه أكثر ملاءمةً له على الفور.
أسئلة النجاح
-
ما الذي أفعله حاليًّا للتأكُّد من أن رسالتي ستذهب إلى الشخص الصحيح أو المجموعة الصحيحة؟
-
ما أكثر القضايا المهمة التي من المؤكد أنها تواجه جمهوري؟
-
كيف أصبح أكثر معرفةً بمَن أريد إقناعه؟
-
ما الذي يمكنني فعله لتكوين مجموعاتٍ متخصِّصةٍ من بين الحشود التي أعمل معها حاليًّا وأصبح أكثر ملاءمةً لها؟