إتقان الإقناع: فن الفوز بما تريد
يجب أن تدرِّب حدسك … يجب أن تثق في الصوت الخافت في أعماقك الذي يخبرك بما عليك قوله بالضبط، وبما تقرر فعله.
إن الإقناع — شأنه شأن أية مهارة أخرى — يُتقَن عبر الممارسة والتطبيق. ومن الضروري — إذا كنتَ تريد تحقيق أعلى مستويات من القدرة على الإقناع — ألَّا تتوقَّف عن التعلُّم؛ ولكي تتقن الإقناع، يجب أن تسجِّل بعناية المواقفَ التي حقَّقتَ فيها نجاحًا استثنائيًّا وتلك التي فشلتَ فيها فشلًا ذريعًا. يجب أن تفكِّك وتحلِّل كلًّا من هذه المواقف لتعثر على مفاتيح تقودك إلى النجاح. وهذا التحليل العميق هو ما يدرِّب تفكيرَك الواعي بحيث تستطيع تحديدَ الأسلوب الذي تطبِّقه ووقت تطبيقه على وجه الدقة. الأهم من ذلك أنه يدرِّب عقلك الباطن ويساعدك في تدريب حدسك. والحدس هو ذلك الجزء الذي يفسِّر العالَمَ من حولك ويعطيك إشاراتٍ خفيةً أو تحذيراتٍ أو موافقاتٍ على ما تفعله.
الإقناع في جوهره هو فن الفوز بما تريد. لقد فشل معظمنا طوال حياتنا في الوصول إلى مستويات النجاح التي نحلم بها، وهذا ليس لأنها لم تكن ميسَّرةً لنا، وإنما فشلنا في الوصول إلى هذه الأهداف المعقولة لأننا فشلنا في إقناع مَن يستطيعون مساعدتنا في تحقيقها. والسبب الأكبر في عدم مساعدتهم لنا هو أننا لم نطلب ذلك منهم؛ فالناس لا يمكنهم مساعدتك في تحقيق أحلامك بالنجاح إذا لم تكن تعرف بوجودها. لكنْ تذكَّرْ، كما قال زيج زيجلر: «بإمكانك الحصول على كل ما تريد في الحياة إذا ساعدتَ ما يكفي من الأشخاص الآخرين في الحصول على ما يريدون.» («أسرار إتمام صفقات البيع»، بيركلي للنشر، ١٩٨٥) ففن الإقناع يتمثَّل في تحديد ما يريده الذين تقنعهم ومساعدتهم في تحقيقه.
لقد أفادني فنُّ الإقناع جيدًا جدًّا على مر السنوات؛ فقد تحول ما بدأ معي كهوسٍ بمعرفة أسباب فشل الأمور إلى إدراكٍ للأشياء التي تؤدِّي إلى تحقيق النجاح. ومن المثير للاهتمام أنني وجدتُ أن إقناعي لنفسي لا يختلف كثيرًا عن إقناع شخص آخَر؛ فيوجد جزء مني يريد الاستفادة من أي شيء أقنع نفسي بفعله؛ فإذا رضيتُ بالنتيجة، تصبح أفكاري متوافِقةً مع أفعالي، وأكون بذلك قد أقنعتُ نفسي. أما إذا لم أَرْضَ بها، فإني أستمِرُّ في تكرار السلوك نفسه الذي أردتُ التخلُّص منه أو تغييره. وأحيانًا أتصرَّف بأسلوب «كما لو أنني»؛ لأرى ما إذا كنتُ أستطيع بالفعل انتهاج سلوكٍ جديدٍ. إذن سأطلب منك التصرُّف كما لو أنك متميز في الإقناع حتى إنْ لم تكن متأكِّدًا من أن هذا ما تريد فعله. جرِّبِ الأمر لمدة أسبوع، وانظرْ ما يعنيه الأمر بالنسبة إليك. على الأغلب لن تجد الأمر بالصعوبة التي تظنها.
في النهاية، أريد أن أعرض عليك ستة مبادئ ستُكلِّل جهودَك في الإقناع بالنجاح الباهر في كل مرة. اعتبِرْ هذه المبادئ جزءًا من إطار العمل الذي تبني عليه جهودَك في الإقناع.
(١) ستة مبادئ للإقناع
-
(١)
«التركيز على النتيجة»: حتى تتمكَّن من الإقناع بفاعلية، لا بد أن تحدِّد بوضوحٍ هدفك من إقناع الشخص الذي تحاول إقناعه؛ فيجب أن تعرض هدفَك على نحوٍ فعَّال بطريقةٍ تسمح للشخص الذي تحاول التأثيرَ فيه باتخاذ القرار الأفضل والوحيد الواضح أمامه. وعليك بالاستمرار في التعريف والتوضيح والإرشاد والسماح لهذا الشخص بالتوصُّل إلى النتيجة التي تريدها.
-
(٢)
«التركيز على المصلحة العليا»: إن المصلحة العليا للفرد أو المجموعة ذات أهمية قصوى، وعادةً ما تُعتبَر جزءًا من عملية التأثير. فالإقناع لا ينجح على المدى الطويل عندما يركِّز على خدمة مصالحك أنت فقط؛ لذا يجب أن تضع في ذهنك المصالح العليا للأشخاص الذين ستقنعهم. وإذا لم تضع هذه المصالح في ذهنك، فإن قدرتك على إقناع أي مجموعة من الأشخاص سرعان ما ستزول. وثمة احتمالٌ كبير أيضًا بأن تتضرَّر أنت والأشخاص الذين تقنعهم إذا كانت نيتُك التلاعُب وليس الإقناع.
تذكَّرِ المثالَ الذي ذكرتُه من قبلُ عن تجربتي مع إحدى الطوائف. في النهاية، بقي هناك عدد كبير من الأعضاء في المجموعة، ومن المؤكد أنها غيَّرت كثيرًا من أساليبها حتى يستمر الناس في الانضمام إليها؛ فمعظم الذين كنتُ أعرفهم شخصيًّا تركوها، وواجَهَ كثيرٌ منهم مشكلات كبيرة في حياتهم، مثل الإدمان والانتحار والفشل المتكرر في الحياة الشخصية؛ وهذه هي النتيجة الحقيقية للتلاعب. كما أن أكثر المسئولين عن التلاعب والخداع في هذه المجموعة التي كنتُ أنتمي إليها؛ يواجهون المشكلاتِ نفسها. لقد فقدوا كامل مصداقيتهم؛ فلن يصدقهم أحد، فلم يستطيعوا الاستمرار في الخداع إلى الأبد. ولم تكن النتيجة كشف أمر تلاعُبهم فحسب، وإنما فقدانهم هوِيَّتَهم أيضًا.
-
(٣)
«الصدق»: دائمًا ما يقول المقنعون المحترفون الصدقَ، في حين أنه من المقبول تمامًا أن ينسج ممارِسو الإقناع أحداثًا تتناسب جيدًا مع رسالتهم، فإنهم لا يتعمَّدون الكذبَ أو التضليلَ من أجل تحقيق غايتهم؛ فلا توجد مساحةٌ للغش في الإقناع المحترف، وهذا أفضل تجلٍّ لتلك الفكرة القديمة بأن المرء في النهاية يُعرَف بسلوكه. ومحترفو الإقناع يُعرَفون إما بكونهم أشخاصًا يريد الناسُ الالتفافَ حولهم والعمل معهم … وإما بكونهم محتالين ومشبوهين وكاذبين. اختَرْ جيدًا قبل اختيارك ممارسة الإقناع.
-
(٤)
«التركيز على الهدف والوقت»: يضع ممارسو الإقناع لأنفسهم أهدافًا محددة وأُطُرًا زمنية حتى يحقِّقوا إنجازات مهمة؛ فإذا لم يستطيعوا التأثير في شخص محدد أو مجموعة معينة في خلال إطار زمني محدَّد متعلِّق بهدفهم، فإنهم ينسون الأمر برمته ويمضون. فالوقت أكثر قيمةً من أن يُهدَر على أشخاص لن يقتنعوا بأسلوب تفكيرك حين يكون ذلك مناسبًا.
كثيرًا ما يخبرني ممثلو المبيعات أن الاقتصاد أو الحرب أو أي عدد آخَر من المشكلات قد منعهم من الوصول إلى تحقيق معدل المبيعات المطلوب منهم؛ فأردُّ عليهم بأن هذا كله «هراء». ففي كل الأوقات يشتري شخصٌ ما الشيءَ الذي تبيعه؛ فيشتري الناس دومًا الأشياء التي يحتاجون إليها. أنا لا أقول إن البيع وإقناع الناس بالشراء لن يكون صعبًا في بعض الأحيان، ولكنه ليس مستحيلًا. والسبب الوحيد في عدم تحقيق الناس معدلَ المبيعات المطلوب منهم، أو العجز عن إقناع شخصٍ، هو أنهم لا يركِّزون على استثمار وقتهم، أو أن منتجهم أو خدمتهم ليس مفيدًا. فإذا لم يكن منتجك مفيدًا أو كنتَ أنت نفسك لا تثق به، فتوقَّفْ على الفور عن إقناع الآخَرين بأنه مناسب لهم. سوف تكون متناقِضًا مع نفسك دائمًا. بدلًا من ذلك، استخدِمْ مهارات الإقناع المتطوِّرة للغاية لديك في الحصول على وظيفة أحلامك. بالنسبة إليَّ، إذا أردتُ البيعَ في محيطٍ صعبٍ، أقضي وقتًا طويلًا جدًّا في تحديد عملائي المحتملين بعنايةٍ حتى أستطيع بذْلَ أقصى درجة من الجهد مع كلٍّ منهم.
-
(٥)
«المعرفة الشخصية»: يتعرَّف كل ممارس للإقناع على الأشخاص الذين يعتزم التأثير فيهم؛ فهم لا يختارون ببساطة الفرص السانحة. إن المتلاعبين يختارون الفرص السانحة لأنهم لا يهتمون بمواصلة التعامُل مع الناس بعد استغلالهم، أما أنت فلا.
إن أهم عملاء ستحظى بهم هم الذين اشتروا شيئًا منك بالفعل ويشعرون بأنهم حصلوا على خدمة جيدة؛ فهم سيساعدون في ترويج منتجك، وسيجلبون أصدقاءهم وجيرانهم إليك، وسيزكُّونك بطيب نفسٍ.
لا بأسَ من أن تكون لديك مجموعتان من الأصدقاء المقربين جدًّا منك، الذين تحصل عليهم لمجرد هدف الحصول على عمل. لا تشعر بأنك لا تستطيع تصنيف الناس؛ فأنت تستطيع فعل ذلك، ولا عيب فيه. فيوجد كثيرون أعتبرهم أصدقاء عرضيين أعرف عنهم كثيرًا من الأشياء، وأتواصَلُ معهم من حينٍ إلى آخَر، وتربطني بهم علاقةُ صداقةٍ فقط بسبب ما يستطيع كلٌّ منَّا فعله للآخَر. يظل يتوجب علينا إقناع بعضنا بعضًا طوال الوقت، لكن من الأسهل كثيرًا إقناعهم مقارَنةً بشخص لا تربطني به أي علاقة على الإطلاق. ولديَّ مجموعة كاملة من الأصدقاء، عددهم أقل كثيرًا، وعلاقتي بهم أقدم كثيرًا حتى إنني يمكن أن أفعل أي شيء لهم دون توقُّع الحصول منهم على أي شيء في المقابل. ولا أحتاج إلى إقناع هؤلاء الأصدقاء؛ فهم سيفعلون أي شيء لمجرد أنه يجب فعله. هل ترى الفرق؟ بمجرد أن تفعل هذا، ستصبح أكثر فاعليةً في الإقناع.
-
(٦)
«التحلِّي بالأخلاق»: إذا كنتَ تريد الإقناع باحتراف أو حتى بفاعلية، فعليك التركيز على دفع الناس على نحوٍ أخلاقي في اتجاه إيجابي لمصلحة كل المعنيين. فلا يوجد سببٌ وجيه للتخلِّي عن الأخلاق. على مدار الجزء الأول من هذا العقد، نرى ما يحدث عندما يفقد الأفرادُ والشركاتُ التركيزَ على أخلاقياتهم. ليس الأفراد وحدهم هم مَن يتعرَّضون للضرر، وإنما الآلاف الذين يتأثرون بهم كذلك؛ ففي مجتمع اليوم الذي يسهل فيه التواصُل، يمكن لزلةٍ واحدةٍ في الأخلاق أن تؤذي مئات، إن لم يكن آلاف الأشخاص.
(٢) خطوات فورية لإتقان الإقناع
أنا أتطلَّع لتحقيقك النجاح مع ممارسة الإقناع بمزيدٍ من الفاعلية كلَّ يوم، وأتطلَّع لسماع قصصك. اقتطِعْ وقتًا لتترك لي رسالةً قصيرة أو قصةً قصيرة عمَّا تعلَّمْتَه وأنجزْتَه عقب قراءة هذا الكتاب. يسعدني كثيرًا أن أنشر قصتك على موقعي الإلكتروني حتى يتعلَّم منها آخَرون أيضًا.
تذكَّرْ أن كل شيء تنخرط فيه يتطلَّب قدرًا من الإقناع، وقد أصبح لديك الآن كلُّ المهارات التي ستحتاج إليها للحصول على ما تريد. اذهبِ الآنَ وأقنع شخصًا ما بمساعدتك في الحصول عليه؛ فقد تحصل على مكافأتك الكبرى في حوارك القادم!