سرد القصص
لا يوجد ما هو أروع أو أكثر سحرًا من سرد قصة على نحو جيد. فلا بد لك أن تنصت؛ فتجد نفسك منجذبًا ومندمجًا بالكامل.
عندما كنتُ ولدًا صغيرًا كان لديَّ بضعة أماكن ألوذ إليها، وكانت مكتبة كارنيجي في كالدويل في أيداهو المكان المفضل لديَّ. كانت مكتبة كارنيجي آخر المكتبات من نوعها في الجزء الذي كنت أعيش فيه بولاية أيداهو؛ كانت عبارة عن مبنًى صخري كبير يقع على حديقة فخمة تظلل عليه أشجار ضخمة، وتغطِّيه على نحو عشوائي أشجارُ اللبلاب. كانت هذه المكتبة مهيبة وجذابة في الوقت نفسه. كان شيء غريب يحدث في كل مرة أسير بجوار هذه المكتبة؛ فقد كانت تفتح ذراعَيْها وتدعوني للدخول فيها بقوة لا تُقاوَم؛ إذ تحتضنني بكتبها منذ لحظة غلق الباب الكبير ورائي. بمجرد دخولي من الباب، أخطو إلى عوالم جديدة؛ عوالم إرنست هيمنجواي، وجاك كيروك، وزاين جراي، وبيتر هاثاواي كابستيك، وجاك لندن، وروبرت روارك، ولويس لامور، ومارك توين. شارَكَ كلٌّ من هؤلاء الرجال طواعيةً في حمايتي وتعليمي؛ فقد اصطحبوني إلى أماكن بعيدة حيث قابلتُ أشخاصًا مثيرين للاهتمام، وخضتُ مغامرات مذهلةً. علَّمني كلٌّ منهم كيف أحكي قصةً بطريقة جديدة ومتميزة، وعرَّفني كلٌّ منهم على شخص آخَر يرغب في توسيع فكري وخبرتي. لقد علَّموني كيف أرى قصة في كل مكان، وعرَّفوني على كيفية مشاركتها معك.
أجلس وأنا أكتب هذا الكلام في مدينة مينيابوليس في ولاية مينيسوتا. تبلغ درجة الحرارة في الخارج ٢٥ درجة تحت الصفر، وحين أنظر إلى الناس وهم يسيرون مُسرِعين تحت نافذتي في الفندق أرى وجوههم وهي مدفونة عميقًا في معاطفهم وأوشحتهم … كلهم ما عدا رجلًا واحدًا غريب الأطوار، فقد كان جلده غير المغطَّى أحمرَ اللون وكأنه محترق من اللهب، وشعره مجمدًا، وكان نَفَسُه المتألم يخرج في صورة بالونات الكلام كتلك التي تراها في الرسوم الكاريكاتورية، حيث تنفصل وتتلاشى وتتفتت في الشارع. وأنا أراقبه أدركت أنه في مأزق؛ يمكنني دون سماع أية كلمةٍ إدراكُ أنه يسبُّ وقبضتاه تهتزان باهتياج. لم يكن يعلم أن أزمته على وشك أن تسوء، فلم يكن يستطيع توقُّع الأمر، لكني توقَّعْتُه.
أرأيت كم يصعب التوقُّف عن قراءة القصة؟ لقد تركتك الآن تتساءل عمَّا حدث فيما بعدُ، تريد أن تعرف، ولا بد أن تعرف؛ فقد اقتحمتُ باستخدام بعض الجمل البسيطة أحلامَ يقظتك، وجعلتُك تخوض تجربة. أنت تعرف شعور أن تنخفض الحرارة إلى ٢٥ درجة تحت الصفر، أو لديك فكرة جيدة عن هذا، وأنا متأكد من أنك وأنت تقرأ هذا الكلام يمكنك تخيُّل البرد يسري في عمودك الفقري، والتنفس في هواء بارد لدرجة أنه يجمِّد أنفك ويحرق رئتيك. وأنا متأكد أيضًا من أنك تستطيع تخيُّل هذا الرجل المسكين وتتساءل عمَّا يوشك أن يحدث له. لذلك قبل أن أعلِّمك أي شيء آخر، دَعْني أخبرك عمَّا ظهر أمام عيني.
يدق الرجل على الزجاج الموجود أمامه آمِلًا جذب انتباه أي شخص. بدأ يصاب بالبرد الشديد. تحسس الرجل مفتاحَه وحاوَلَ دون جدوى فتح الباب، بينما كان الرجل الموجود بالداخل، الذي ينعم بالدفء بمعطفه الصوفي وقبعته المصنوعة من الفراء، يلوح ويصيح من خلف الزجاج؛ فيصيح الرجل الذي كاد يتجمد في المقابل. أحاوِل جاهدًا أن أسمع ما يُقال لكن دون فائدة؛ إذ أجلس في غرفة في فندق يقع على الجهة الأخرى من الشارع. فجأةً أدار الرجل المتدفئ ظهره وسار مبتعدًا عن ناظري، مسبِّبًا جولةً أخرى من الصياح والقرع من الخارج أشبه بتلك التي تراها في الرسوم المتحركة. أمسكت بكاميرتي وركَّزتها على المشهد، شاعرًا بأن أمرًا سيئًا على وشك الحدوث، أستطيع الشعور به. يمكنني رؤية قطرات صغيرة من الماء تتجمَّد على وجه هذا الرجل خارج الباب الزجاجي. أتعجَّب لماذا لم يقف أحد من المارة ويقدِّم له يد المساعدة، وفي هذه اللحظة بالذات يحدث المتوقَّع؛ وضع الرجل الموجود في الداخل قطعةً من الورق على الزجاج. قرَّبت عدسة كاميرتي التي يبلغ قطرها ٣٠٠ ملِّيمتر وقرأت المكتوب: «أنا آسف يا سيدي، لكن الأقفال متجمدة ولا نستطيع فتح الباب. انظر إلى أعلى، فإن زوجتك سترمي إليك بمعطفك من النافذة.» وهكذا تغيَّرَ كل شيء؛ لقد تحوَّل موقفٌ بالغ السوء إلى موقف جيدٍ. سقط الخلاص من يدي امرأة في الدور الخامس. عندما أغلقت المرأة النافذةَ بعنف، التقَطَ الرجل المعطفَ وارتداه مسرعًا فوق ملابس الرياضة، ثم بدأ يسير ببطء إلى المقهى الواقع على بُعْد بضع بنايات في الشارع نفسه.
انظر كيف كانت نهاية القصة مرضية، وكيف كان عليك الاستمرار في القراءة لتعرف ماذا حدث، وكيف تملَّكَك شعورٌ جيد عندما وصلتَ إلى النهاية. لقد كوَّنْتَ بالفعل بعض الاستنتاجات بشأن النهاية، كما أمددتك بمعلومات كافية لتملأ الثغرات في الوقت المناسب حتى تستطيع التوصل للاستنتاجات الصحيحة. وهذا بالضبط ما يحدث عندما تحكي قصةً لعميل محتمل أو أي شخص تريد إقناعه بشدة.
تتمتع القصص بقوة جوهرية، ونحن نتعلم من القصص طوال حياتنا. وقد تعلَّمنا الاستماع إلى القصص والبحث عن مغزى القصة أو معناها؛ وكذلك عرفنا أن القصص ممتعة. ونستمع إلى القصص بطرق مختلفة عن استماعنا للحقائق والأرقام، وفي الواقع أنت تستطيع الشعورَ بهذا الفرق في جسمك وتراه في حركتك.
إذا حكى لنا شخص ما قصة، فإننا ننجذب ونستمع إليها، كما نجد أنفسنا منجذبين بقوة إذا كان الراوي جيدًا. وإذا كان الراوي سيئًا، فإننا نتغاضى عن ذلك في كثير من الحالات ونحاول جعلها مناسبةً لنا.
تصبح القصص بالغةَ التأثير حين تستخدمها لإقناع الأشخاص.
إن التحدي الذي يواجهه كثير من الناس وهم يحاولون الإقناع، هو أنهم لا يأخذون الوقت الكافي للتفكير في ماهية قصتهم؛ فهم يُلقون عددًا من الحقائق أو عددًا من الأفكار؛ ويفعلون ذلك بنوع من الإلقاء أو سرد النقاط، وعلى هذا النحو لا تكون قصة في الواقع، بل في هذه الحالة تكون أشبه بمسألة كلامية لا بد أن نحلها. أنا لا أعرف ما إنْ كنتم مثلي أم لا، لكنني أحب القصص وأكره المسائل الكلامية!
عندما تسرد حقائق وأرقامًا فقط، فإن هذا يدفع الناس إلى خوض عملية تقييم منطقية أحادية البُعْد، فيسألون: «هل ١ + ١ = ٢؟» إذا كانت الإجابة لا، إذن فإن هذا ليس مناسبًا أو صالحًا أو حتى معقولًا بالنسبة إليهم، والنتيجة أنه يصيبهم الشك ويبدءون في محاولة العثور على أسباب خطئك بدلًا من الاندماج معك.
إذا أردتَ ألَّا يلاحظ عملاؤك أو الأشخاص الذين تحاول إقناعهم الثغرات فيما تقول، فمن المهم أن تحكي قصة محكمة الصياغة. فلا بد أن تكون قصتك مليئةً بالصور المجازية، وتوظِّف أفعالًا قوية من أجل تحريك مشاعر القارئ أو المستمع؛ فثمة اختلافٌ كبير بين أريكة خضراء ومقعد وثير تصل ذراعاه إلى أذنَيْك عندما تغوص بداخله وأنت تضع طفلًا على فخذيك. ويوجد فرق أكبر بكثير بين مقدم خدمة الإنترنت، والمكان الوحيد على شبكة الإنترنت الذي تستطيع فيه التعلم والتواصل وتحقيق ما تريد. إنها مواجهة بين مكتبتك القديمة الطراز وفيلم «المصفوفة». لا بد أن تنشئ قصصُك روابطَ بين ما يفكر فيه الشخص، وما يؤمن به بالفعل، وما تريده أنت أن يؤمن به ويفعله.
تكون القصص شديدةَ الإقناع لعدة أسباب وعلى عدة مستويات. إننا معتادون على الاستماع إلى القصص؛ إذ إنها الطريقة التي نتعلم بها منذ أقدم العصور. فقد انتقلت التقاليد الشفهية الشعبية عن طريق الكلام قبل أن تصبح الطباعة أو وسائل الاتصال الإلكترونية متاحةً، ولا تزال هذه الطريقة مستمرة حتى يومنا هذا لدى الكثيرين في صورة سِيَر ذاتية عائلية. وقد تعلَّمنا أيضًا أنه عندما يسرد أحدهم قصةً، فإننا يجب أن نستمع بصرف النظر عن مدى رداءة أسلوب السرد. لقد اكتشفت منذ سن صغيرة جدًّا أن القصص تحمل رسائل وتعلَّمت طريقة فك شفرتها، لكن فك الشفرة هذا يتطلَّب الانتباه (وعند الإقناع، نحن بحاجة إلى انتباه المستمع). إن القصص مقنعة أيضًا لأنها تجعل المستمع جزءًا من الأحداث، وسواء أكانت القصص مكتوبة أم شفوية أم منقولة إلكترونيًّا، فإن القصص الجيدة تجعلنا في حالة من النشوة؛ فنتخيل أننا جزء من الأحداث، وأنت لا تستطيع القيام بأي فعل خارج جسمك حتى تفعله أولًا في ذهنك، فلا بد أن تتخيل الأمر أولًا حتى تستطيع تنفيذه. تؤثر القصص في النصفين الأيمن والأيسر للمخ كليهما؛ فهي تشجعك على التذكر والإحساس؛ فالقصص تؤثر في المشاعر.
متى أَقْدَمْتَ على الإقناع، فلا بد أن تفكر فيما تريد أن تقوله، وفي الرسالة التي تريد توصيلها، وما تريد من المتلقي أن يفعل؛ ثم تبدأ في صياغة قصتك.
تختلف القصص المقنعة عن القصص المعتادة اختلافًا جوهريًّا؛ لأنها مصممة من أجل جذب انتباهك، وتحقيق مستوًى عالٍ من الاهتمام، وخلق رغبة، والسماح لك بالوصول إلى الاستنتاجات الضرورية من أجل اتخاذ الإجراء الذي أريد منك اتخاذه. تتمثل إحدى القوى الخفية للقصة المقنعة المسرودة جيدًا في عدم قدرة أي شخص آخر على سردها بالطريقة نفسها، خاصةً منافِسِيك. لا عجب أن هذا الوصف الذي عرضته للتوِّ يشبه معادلة التسويق القائمة على «جذب الانتباه/إثارة الاهتمام/خلق الرغبة/اتخاذ إجراء»، التي كانت تمثل الأسلوب الأساسي في الدعاية لأكثر من نصف قرن. والسبب في ذلك بسيط؛ فأفضلُ المعلنين رواةُ قصص استثنائيون، وكل ما يفعلونه هو أنهم يجردون سرد القصص إلى أبسط وأنقى أشكاله عندما يرتبط بالإعلان.
يوجد اختلاف مهم لا بد من توضيحه بين القصص المقنعة والقصص الروائية؛ فبينما تشترك القصص الروائية مع القصص المقنعة في كثير من عناصر البناء والإلقاء نفسها، فإنها تختلف في غايتها وهدفها. فغاية القصص الروائية وهدفها هما تسلية القارئ؛ فالهدف من تأليفها هو التأثير فيك وإشباع حاجتك إلى الهروب من الواقع بشكل ما. أما القصص المقنعة، فتستفيد من العناصر المتفق عليها للروايات والأشكال الأخرى من القصص الشفهية، لكنها تُؤلَّف من أجل تحقيق محصلة مختلفة. إنها تهدف إلى دفعك للوصول إلى استنتاج محدد مسبقًا، واتخاذ إجراء حدَّده الشخص القائم بالإقناع مسبقًا.
(١) كيفية سرد قصة مقنعة
- (١)
«اعرف قصتك»: إن السبب في أن معظم القصص التي تسردها حاليًّا ليست مقنعة، هو أنك لا تفكر فيها بتمعُّن، أو أن موضوعها أو الخبرة المعروضة فيها ليست خاصة بك، فتتبادر إلى ذهنك في شكل معلومات متفرقة أو مثال معين، لكن هذه المعلومات لا تخرج في سيل حقيقي؛ لذا يبدو الأمر كما لو أنك تسرد مجموعةً من النقاط أو معلوماتٍ متفرقةً. الأسوأ من ذلك أن يسرد عليك أناس آخَرون قصصًا، ومن المفترض منك أن تنقِّحها لتصبح خاصة بك وأنت تفتقر إلى كل المعلومات الأساسية التي تمكنك من جعل هذه القصة حقيقية ومكتملة؛ لذا فإن أكثر القصص المقنعة هي تلك التي كنتَ طرفًا في أحداثها.
حتى تحظى قصتك بالاستحسان، يجب أن تعرف ما يحتاج المستمع أو القارئ إلى سماعه حتى تحقِّق له احتياجاته. أريدك أن تفكِّر في شيء تبيعه أو في شيء ينبغي أن تقنع به شخصًا ما بانتظام. حتى تكون قصتك مقنعة، يجب أن تبدأ بتحديد ما لديك؛ ما هي النقاط التي لا بد أن تذكرها في كل مرة تتحدَّث فيها إلى شخصٍ ما حتى يقتنع؟ وما هي الأشياء التي يجب أن يعرفها جمهورك أو سيسألون عنها ولا بد أن تجيب عنها حتى يشعروا بالرضا؟ وما الذي سيستفيدونه من حلولك المقترحة؟ دوِّنْ كلَّ هذه العناصر في قائمة على ورقة.
بعد ذلك حدِّدِ البراهين. ما هي الأدلة والبراهين الموجودة لديك التي ستُقنِع الناسَ بأن ما تقوله صحيحٌ؟ مَن أيضًا يفعل ما تطلب مني أن أفعله؟ اكتب كلَّ ما لديك من براهين في ورقة الآن.
الآن، عليك أن تحرك مشاعري. فما الألم الذي سأشعر به، أو الذي ربما شعر به آخَرون، بسبب عدم شراء ما تبيعه؟ هل فقدوا أموالهم أو احترامهم؟ هل عانَوْا من نوعٍ ما من الخسارة؟ وهل يوقعون بأنفسهم في شكل من أشكال الفشل؟ ما الذي سيحدث أو ربما يحدث إذا لم يتخذوا إجراءً ما؟ اكتب هذا الآن.
هيِّئْني للأسئلة التي يجب أن أطرحها أو التي سأطرحها بالتأكيد. حدِّدْ هذه الأسئلة والإجابات عليها واكتبها في قائمتك أيضًا.
أخيرًا، ماذا تريد مني أن أفعل؟ اكتب هذا بدقة بالغة، بالإضافة إلى الخطوات التي لا بد لي من اتخاذها من أجل فعله. كذلك اكتب الاعتراضات التي سأوجهها لك؛ فإذا كنت بحاجة إلى الحصول على تمويل، فاكتبْ هذا، أو إذا كنت بحاجة إلى الحصول على موافقة من مجلس الإدارة، فاكتب هذا أيضًا. حاوِلِ التخلُّص من كل أوجه الاعتراض.
- (٢) «اعرض قصتك»: تجيب القصة المقنعة عن الأسئلة «مَن» و«ماذا» و«متى» و«أين» و«لماذا» و«كيف» على النحو التالي:
- (أ)
«لفت الانتباه»: بعد قليل سأوضح لك كيف تقول عبارةً تستحوذ على الاهتمام؛ لكن مؤقتًا عليك أن تعرف أنك لا بد أن تستحوذ على الانتباه. فأنت تريد عبارةً قويةَ التأثير لدرجةٍ تجعل أشخاصًا على بُعْد ١٥ قدمًا منك يتوقفون عما يفعلونه ويأتون للاستماع إليك، أو سيرهفون أذنهم ويتخلَّوْن عن أخلاقهم الحميدة من أجل استراق السمع.
- (ب)
«وضع الأساس»: في هذا الجزء من قصتك تضع الأساس؛ فتُدرِج أية معلومة لا بد للمتلقي من معرفتها حتى يفهم القصة، وتسد ثغرات معرفته، وتعطيه خلفية كافية تمكِّنه من فهم ما تقوله. ففي هذا الجزء تُدرج كل الأشياء التي يجب على المرء معرفتها، والتي قد حدَّدْتَها من قبلُ على الورق.
- (جـ)
«تحريك المشاعر»: أَوْقِد حماس المتلقي، أو انقله إلى مكان يشعر فيه بالألم أو الشهوة أو الرغبة أو الخسارة. خذ ثلاث نقاط على الأقل من القائمة التي وضعتها من شأنها أن تحرك المشاعر، وضَعْها في هذا الجزء من قصتك. تأكَّدْ من استخدام نقاط يصعب على المتلقي أن يعارضها أو يدرك على الفور أنها ستحدث له أو قد حدثت لشخصٍ يعرفه. (فإذا لم يستطع المتلقي التأثر بهذه القصة، إذن فقد حان الوقت لتقديم قصة عن شخص مثله تشرح فيها ما حدث له.)
- (د)
«تقديم البراهين»: من الأفضل أن تقدم للمتلقي مثالًا على شخصٍ يعرفه، أو شخصٍ يشبهه أيضًا. أخبره بقصته واجعله يدرك أنه شخص حقيقي. إذا لم يكن لديك شخصٌ تستشهد به، فاسرد قصة عن نفسك تزيد من المصداقية والبراهين في هذه النقطة.
- (هـ)
«الإجابة عن أسئلة المتلقي»: جهِّزْ على الأقل من ثلاثة إلى خمسة أسئلة يرجح أن يطرحها المتلقي عليك، وأَجِبْ عنها استباقًا. اجعل المتلقي يعرف أنك خبير لأنك تعرف بالضبط الأشياءَ التي سيسأل عنها. قدِّمْ مزيدًا من الأدلة في هذه المرحلة، ووضِّح كيف أُجيب عن سؤال مماثل طرَحَه شخصٌ آخَر وما النتيجة التي ترتبت على ذلك.
- (و)
«تقديم معلومات كافية للمتلقي ليصل إلى الاستنتاج المطلوب»: قدِّمْ للمتلقي تفاصيل كافيةً حتى لا يتبقى لديه إلا قليل من الأسئلة التي تحتاج إلى تفاعُل. أخبره بما يجب عليه فعله، ومتى ولماذا يجب عليه ذلك. بالمصطلحات النفسية يدفعنا هذا إلى إجراء بحث بالاشتقاق التحويلي من أجل محاولة العثور على إجابات ومعانٍ.
- (ز)
«الحصول على رأي المتلقي»: أنت تريد أن تعرف ما إذا كان المتلقي قد فهم مقصدك، ولا تريد أن تخمن الأمر؛ لذلك عليك أن تسأله. اسمح له بإعطائك المزيد من المعلومات الآن بعدما سمع قصتك. اجعله يوضح كيف ينطبق عليه ما قلتَه له للتوِّ.
هكذا تُقدَّم القصة المقنعة. وبمجرد أن تُقدَّم القصة على هذا النحو، تستطيع البدء في إضافة الجزء الذي يجعل القصة ممتعةً. يجب أن تقدِّم كلَّ قصة تعتزم استخدامها في الإقناع بهذه الصيغة لتضمن نجاحك. وسواء أكنتَ تسرد القصة على مسمع شخص واحد أم على مسامع كثيرين، أم كنتَ تسردها كتابةً أم في إعلان أم على شبكة الإنترنت؛ تظل الصيغة واحدة؛ لأن أفضل القصص في النهاية هي التي تُروى لشخص واحد في المرة، بصرف النظر عن عدد أفراد الجمهور أو طريقة تلقيهم لرسالتك. تؤثر القصص المقنعة في الفرد شخصيًّا وتحملك معها عبر هذه العملية؛ لأنها تُعرَض بطريقة تجذبك وتأسرك أنت وكل شخص آخَر يقرؤها أو يستمع إليها.
- (أ)
- (٣)
«اسردْ القصة»: إن سرد القصة هو الجزء الممتع، وأيضًا الجزء الذي يفشل فيه معظم الناس. تذكر عندما كنتَ طفلًا وكان شخصٌ ما يقرأ لك قصة (إذا لم تستطع التذكُّر، فاذهب إلى إحدى المكتبات أو محلات بيع الكتب حيث يقرأ الناس للأطفال، وشاهِدْ ما يحدث)؛ فقد كان لُبك يؤخذ تمامًا حينما كان يقرأ أحدهم لك قصة، لكنك كنت تريد دومًا أن يقرأ لك القصة شخصٌ بعينه. لقد كان هذا الشخص هو مَن يجعل القصة تنبض بالحياة؛ فتصدر التنانين أصواتها عبر القارئ، مما يجعلك تصرخ من الرعب، وتتحدَّث الفتيات بأصوات حادة مرتفعة تداعب أذنيك من الداخل، وتستطيع أصوات الحطَّابين العميقة أن تهزك من الداخل؛ فتشعر بأنك مسحور ولا تطيق انتظار الكلمة التالية. فعندما يقرأ لك قارئك المفضل، لا يمكنك الاكتفاء من القصص. يؤثِّر قارئو القصص المقنعون في حواسك بلغة جسدهم، ونبرة أصواتهم، وتواصُلهم البصري، وبمشاعرهم؛ فيبهرونك بمشاعرهم، ويداعبونك بحس الفكاهة لديهم، ويقودونك إلى الاستنتاج المنطقي الوحيد الذي يمكن لأي شخص الوصول إليه. ويا له من شعور!
عندما تبدأ في سرد قصتك لا بد أن تجذب انتباه مستمعيك وقرَّائك، وأفضل طريقة للفت انتباههم هي استخدام عبارة مثيرة للاهتمام. أحيانًا تكون عبارة بسيطة مثل: «دَعْني أحكي لك قصة»، أو يمكنك بدء كلامك بأن تقول «أتعلم، لقد فكرتُ للتوِّ في …»، أو بسؤال: «هل حدث لك هذا من قبلُ؟» فأي سؤال سيهيئ الناس بسهولة للدخول في حالة تجعلهم ينصتون إلى قصتك.
إذا طرحت سؤالًا، فسيشعر معظم الناس بأنهم مُجبَرون على الإجابة، ويسمح لك هذا ببدء سرد القصة. وأفضل طريقة لطرح سؤال هي أن تسأل شيئًا من قبيل: «هل تعرَّضْتَ من قبلُ إلى …؟» لذا إذا طرحتُ عليك هذا السؤال: «هل مررْتَ من قبلُ بوقتٍ شَحَّ فيه المال لديك تمامًا، بحيث لم تكن تتخيَّل إنفاقَ فلسٍ واحدٍ، ومع ذلك كنتَ تعلم يقينًا أن أفضل شيء يمكنك فعله لمستقبلك هو استثمار كل فلس تملكه؟» فإنك تصبح مجبرًا على البحث في داخلك ومحاولة العثور على تجربة مشابهة. (افعل هذا الآن، ولاحظ مدى استعدادك للاجتهاد في البحث عن إجابة ملائمة.) يعثر الناس دومًا على مثل هذه التجارب في حياتهم، حتى إن لم يتخذوا الإجراء الذي شعروا بأنه يُفترَض عليهم اتخاذه؛ فهم لديهم التجربة الفعلية والتجربة الشعورية المناسبتان للتماهي مع القصة وسيعثرون عليهما. وبمجرد اعترافهم بمرورهم بهذه التجربة أو عدمه، فإن هذا يتيح لك فرصة الدخول مباشَرةً في القصة. عليك فقط التعديل قليلًا في القصة لجذب انتباه الذين لم يمروا بالتجربة، عن طريق إخبارهم بقصة تجربتك الشخصية.
دَعْني أكشف لك عن بضعة أسرارٍ إضافية لسرد القصص حين أحكي لك قصة متعلقة بمجال المبيعات.
إن أفضل طريقة لسرد القصص هي سردها على أجزاء؛ لذلك عليك أن تبدأ بطرح سؤالك، أو أي شيء يجذب اهتمام جمهورك، ثم تفكر في الأنواع المختلفة من الأشخاص الذين ستتحدَّث إليهم بانتظام. يتحدَّث معظمنا مع أربعة أو خمسة أنواع من البشر طوال فترة أي التزام معتاد في تجارتنا.
فثمة مشترون، وثمة أشخاص متشكِّكون، وثمة مَن لديهم أسئلة؛ وعليك أن تعرض معلومة مختلفة أو تسرد قصة مختلفة قليلًا على كل نوع من هؤلاء، وحلقات الوصل هي أجزاء قصتك التي من شأنها أن تربط قصتك هذه بأي مشترٍ أو شخص تحتاج إلى إقناعه، وعندما تريد بدء القصة، عليك أن تجذب انتباهه، وهنا ينبغي لك أن تربط قصتك بشيء مهم ومؤثر بالنسبة إليه.
إليك مثالًا على كيفية تطبيقي هذا الأمر إذا كنتُ أبيع سيارات. ربما أبدأ ببساطة بطرح السؤال: «أنت هنا من أجل السيارة الحمراء، أليس كذلك؟»، أو «ما العنصر المهم في السيارة من وجهة نظرك؟»، أو «ما الذي ترى أنه مهم في السيارة بالنسبة إليك؟» وإليك سؤالًا آخَر جيدًا: «ما المهم في هذه السيارة بالنسبة إليك؟»، فبذلك أدفع الشخص إلى إعطائي معلومات إضافية. ثم إليك أسلوبَ سيْرِ المحادثة بدايةً من الإجابة:
«حسنًا، أنا أبحث في الحقيقة عن سيارة حمراء لأني أريد سيارة رياضية. لكني أريدها مكشوفة وسريعة، وأحب الإطارات الجديدة المنخفضة المنسوب.»
«أتعلم، لقد تذكرت للتوِّ أن شخصًا أتى هنا منذ بضعة أيام، وكان يخوض سباقات موقف السيارات؛ أتعرف تلك السباقات التي تُوضَع فيها أقماعُ المرور في ساحة وقوف السيارات لتسرع السيارة فيما بينها؟ لقد كانت السيارات الحمراء تروق له جدًّا أيضًا. لكن أتعرف ماذا قال لي؟ لقد قال إنه عندما يشارك في هذه السباقات كانت السيارة الداكنة تناسبه أكثر بحق؛ لأن الناس يستطيعون تمييزها في الحلبة بسهولة أكبر وسط كل السيارات الحمراء، وهو يريد لفت كل الأنظار إليه.
يبدو أن كلَّ مَن لديه سيارة رياضية يكون لونها إما أحمر وإما أزرق زاهٍ وإما ما شابه ذلك؛ لذا بدلًا من ذلك، اختار هو سيارة سوداء لأنها ستكون مميزة وقد نجح هذا الأمر بالفعل معه. والآن، بالطبع أنا لا أقول إن هذا هو المناسب لك؛ لكن إذا أردتَ أن تتميَّز، وأنت بالفعل تحب شكلَ هذه الإطارات المنخفضة المنسوب، والسرعة مهمة لك؛ إذن فعليك التفكير في هذا الأمر.
فهل التميز عن الحشود أمر مهم بالنسبة إليك، أم تريد سيارةً تشبه كثيرًا من مثيلاتها في الشارع؟» هنا تحصل على معلومة أخرى من المشتري، يعطيها لك طواعيةً؛ فقد أصبح جزءًا من قصتك؛ فيقول لك: «لا، لا، إن التميز عن الحشود أمر مهم لي أيضًا.» «حسنًا، إذن ربما يمكننا إلقاء نظرة على هاتين السيارتين.»
إذا كانت لديك سيارة حمراء، فهل كنت ستبيعها له؟ بالطبع. لكن ماذا يحدث إذا كنت تريد فعلًا خدمة هذا الشخص على نحو أفضل؟ فربما تساعده السيارة السوداء في الحصول على مظهر متفرد، أو ربما لا تكون لديك سيارة حمراء بكل الكماليات التي يريدها، وربما هامش ربحك في السيارة السوداء أكبر. لقد غيرت رغباته من خلال سرد قصة بسيطة عمَّا حدث مع شخص آخر وربطها بمعاييره.
أخيرًا، تأتي نهاية قصتك، وهي ببساطة إتمام البيع. حاوِلْ أن تكون قصتك شديدة البساطة. ما المقصود بهذه القصة؟ وما الهدف من ورائها؟ إذا كنتَ قد سردت القصة على نحو صحيح، فإن الإجابة بوضوح ستكون: «هذا هو الاختيار الأمثل لي.» ينبغي أن تؤدي نتيجة سماع الغرض من القصة إلى التوصل إلى استنتاج منطقي يؤدِّي بدوره إلى اتخاذ إجراء.
في حالة السيارة، أنت تحاول تحويل العميل المحتمل من شراء سيارة حمراء إلى شراء سيارة سوداء؛ لذلك فإن الغرض من القصة هو أن تقول: «انظر، إذا أردتَ أن تكون مختلفًا، وإذا أردتَ أن تتميز عن غيرك، إذن فعليك بشراء السيارة السوداء لأن كل الناس يقودون سيارات حمراء، بينما أنت الوحيد الذي يقود سيارة سوداء؛ فهذه السيارة هي التي ستلفت الانتباه إليك.» يبدأ هذا الكلام في تغيير معايير المشتري، ويبدأ في دفعه الفعل بنحو يعجز عنه أي شيء آخر.
(٢) كتابة قصص مقنعة تعني كتابة قصص جيدة
لا يختلف سرد القصص تحريريًّا عما أوردناه سابقًا؛ فإذا أردت أن تجعل خطابات البيع التي تحررها أكثر تأثيرًا، فعليك بسرد قصص فيها. فعندما تكتب، وهذا مهم للغاية، تصبح القصص أداةً قويةً للغاية في تقسيم المادة الإعلانية التي تستعين بها؛ فإذا أردت أن تدفع الناس إلى اتخاذ إجراء ما، فلا بد أن يكون لديك شيء يستمر في جذبهم مرارًا وتكرارًا ويجعلهم يواصلون القراءة. لقد سمع معظمنا على الأرجح عن الغرض من العنوان؛ فالغرض من العنوان هو دفعك إلى قراءة الجملة الأولى، والغرض من قراءة الجملة الأولى أن تدفعك إلى قراءة الجملة التالية، وهكذا.
تؤدي القصص هذه الوظيفة لأن الناس يبدءون في البحث عن الجزء التالي من القصة؛ الجزء التالي من الأحجية. ربما لم يسمع بعض منكم قطُّ ممَّن يعيشون خارج الولايات المتحدة عن بول هارفي، لكن بول هارفي هو راوي قصص، كل ما يفعله هو رواية القصص في الإذاعة، وهو يفعل ذلك منذ عقود وما زال الناس يستمعون له بترقُّب شديد، وخاصةً لوجود احتمال كبير أن يكونوا قد سمعوا القصة نفسها بالفعل، لكن ليس بالطريقة التي يرويها بها؛ فهو يحكي نصف القصة، ثم يذهب إلى فاصل إعلاني، ثم يعود ويقول: «والآن نكمل باقي القصة.» لا يستطيع الناس تغيير المحطة. وما لم يكونوا غير مهتمين إطلاقًا بالقصة من الأساس، لا يمكنهم تغيير المحطة خلال الفاصل الإعلاني حتى لا يفوتهم باقي القصة. كوَّن هارفي طائفة من المستمعين بقصصه المقنعة، التي يسردها ببراعة شديدة لدرجة أنك لا تملك إلا أن تجلس وتنصت إليها.
عندما تكتب خطابات أو إعلانات جيدة، فأنت ببساطة تسرد قصصًا جيدة. بإمكانك قطعُ القصة في أي جزء وجَعْلُ القرَّاء يعودون إليك طلبًا لمعرفة المزيد، مثلما يفعل بول هارفي. فبإمكانك سرد ثلاثة أرباع القصة أو نصفها، ثم تقول: «أتعرفون، سأعود لاستكمال القصة في غضون ثوانٍ قليلة، لكن إليكم بعض الأشياء التي أرى أنه تجدر الإشارة إليها.» ثم تبدأ في وضع معاييرك عن الشيء الذي تريد منهم أن يشتروه أيًّا كان، عن طريق ربط قصتك بما تبيعه.
بعد ذلك تحكي جزءًا آخر من القصة، وتربطها كلها بعضها ببعض. أخيرًا، في النهاية عندما يضطرون إلى قراءة الخطاب بأكمله من أجل الوصول إلى نهاية القصة، تكون بذلك قد أعطيتَهم كلَّ المعلومات التي يحتاجون إليها من أجل التوصُّل إلى الاستنتاج المنطقي الوحيد، وهو الشراء منك.
عندما تصنع قصصك احرصْ على أن تقسِّمها إلى أجزاء يمكن رَبْطها بكل جزء من عملية الشراء، ويمكن أيضًا ربطها بكل نوع من الأشخاص يُحتمَل أن يقرأ خطابك، أو يأتي للحديث معك مباشَرةً، أو عبر الهاتف، أو يستمع إليك خلال لقاءٍ معك في وسائل الإعلام.
(٣) سرد القصص في وسائل الإعلام
يتساءل الجميع عن كيفية توصيل قصتهم إلى وسائل الإعلام، وأفضل إجابة عن هذا أنك لديك الفرصة لجذب انتباه أي مراسل صحفي عن طريق إخباره قصةً رائعةً. ما هو الغرض الحقيقي لأي مراسل؟ لا ينتبه الناس إلى هذا؛ فلا تنتبه كبرى شركات العلاقات العامة في الدولة لمثل هذا المفتاح البسيط. فإن غرض المراسلين الصحفيين هو سرد قصة؛ فهذا هو الشيء الوحيد الذي يفعلونه، وهم دومًا يبحثون عن قصص من أجل سردها.
وأنا أُجري أبحاثي الخاصة بهذا الكتاب، استخدمتُ خدمةً تُدعَى بروفنت من أجل طرح ما لديَّ من أسئلة على شركات العلاقات العامة، أو الاستفسار منها عن أشخاص أردت إجراء مقابلات معهم. في خلال دقائق من إرسال استفساري، بدأتُ أتلقَّى الردودَ، وكان أغلبها سطحيًّا، وكانت جميع التصريحات الإعلامية التي تلقيتها مليئة بالمبالغة والوعود ونادرًا ما كانت فعَّالة فيما يتعلق بالخبراء الذين وصفتهم، وقد تخلصت من معظمها على الفور. لكن التصريحات التي احتفظت بها، هي التصريحات التي جذبت اهتمامي بالفعل، وأثَّرت بالفعل في مشاعري؛ فقد جذبتني بقصصها الساحرة وجعلتني أشتاق إلى معرفة المزيد. من بين أكثر من مائة رد تلقَّيْتُه على جزء واحد من هذا الكتاب، لم أختَرْ سوى تصريح صحفي واحد لأجري مقابلة مع صاحبه، وكان قد كتب لي رسالةَ بريد إلكتروني مذهلةً، فلم يسعني إلا الإسراع بالاتصال به هاتفيًّا. أما الردود الأخرى فقد ذهبت كلها إلى القمامة. ومن المثير للاهتمام أنني استطعتُ أيضًا أن أستشفَّ شيئًا عمَّن سأجري مقابلات معهم من القصة التي أوردوها في ردودهم الأولية، أو من عدم ذِكْرهم أية قصة على الإطلاق؛ فكانت اللقاءات مع مَن يروون القصصَ بوضوح وعلى نحو جيد هي الأفضلَ، وحصلتُ منها على أفضل المعلومات؛ وأما الباقي فلم أورده في هذا الكتاب.
لذلك إذا استطعتَ أن تقدِّم للمراسلين شيئًا يريدونه، في الشكل المعتاد لديهم — وهو القصة — فإلى مَن سيستمعون في رأيك؟ أنتَ، أم شخص كتب عنوانًا عاديًّا للغاية في نشرة إعلامية غير مؤثرة لا تجذب انتباه أي شخص، ولا تَعِده بأي شيء، أو تؤثر في مشاعره؟
أكرِّر، إن قوة القصص تكمن في قدرتها على التأثير في مشاعر الناس؛ فهي تثير اهتمام الناس الفكري والشعوري؛ فتجمع بين الفكر والمشاعر بحيث يستمعان ككيان واحد. وتكون النتيجة أن يتأثَّر المراسِلون بالقصة التي ترويها.
(٤) ممارسة مهارة سرد القصص
حتى تصبح راويًا جيدًا للقصص، عليك أن تتدرب على قصتك وتصقل أسلوب إلقائك. ما عليك سوى أن تروي القصةَ مرةً واحدة بصوت مرتفع إلى نفسك، ثم تواصل العمل على تحسينها بدءًا من هذه المرحلة. وأحدُ أفضل الأمور التي يمكنك الاستثمار فيها في أثناء تعلُّمك سرْدَ القصص، هو شراءُ ميكروفون زهيد الثمن، يمكنك التسجيل به في جهاز الكمبيوتر الخاص بك. اسرد القصة في الميكروفون، واستمِعْ إلى ما تقوله؛ هل خرجَتِ القصة كما ينبغي؟ هل تبدو جديرًا بالثقة؟ هل تبدو مُقنِعًا؟ هل تبدو منفعلًا في المواضع المناسبة؟
إليك أمرًا آخَر يميِّز القصص؛ إذا سردتَ قصتك دون أي تغيير في نبرة الصوت، ودون التعبير عن أي مشاعر في صوتك، فإنها لا تنجح أيضًا. وإذا كتبتَ القصص دون أيِّ تلاعُب باللغة أو بالمشاعر، فإنها لا تنجح على الإطلاق.
تخيَّلْ أنني أحكي لك قصة «الخنازير الثلاثة الصغار» أو «ذات الرداء الأحمر»، وأتحدَّث بصوت رتيب. هيا اقرأ هذا وتخيَّلْ في رأسك أقرب محاكاة لإلقائي الرتيب: «صنع الخنزير الأول بيته من القش، وجاء الذئب ونفخ فيه فأسقطه. أما الخنزير الثاني فقد صنع بيته من العِصِيِّ، وليست العِصِيُّ بمادة جيدة للبناء عندما يوجد ذئبٌ يتمتع برئتين قويتين؛ لذلك جاء الذئب ونفخ في البيت فأسقطه …» عند قراءة القصة على هذا النحو، لا تؤثِّر فيك على الإطلاق، لكنْ عندما تقرأ النسخة الأصلية … حسنًا، تتخيَّل الأمر.
عندما تحكي قصصًا جافة، ينقطع الناس عنك على الفور؛ فهم يحاولون معرفة «كيف أجعل هذا ممتعًا لي؟» لذلك عليك أن تستمع إلى ما تقوله وتقرأ ما تكتبه. تأكَّدْ من استخدامك أمثلةً جيدة، وتأكَّدْ من استخدام أفعال جيدة وقوية تجذب انتباه الناس، وتدفعهم إلى اتخاذ إجراءٍ ما، وتجعلهم يرون الأشياء التي تريد منهم رؤيتها في عقولهم، وتجعلهم يفعلون ما تريد منهم فعله.
أحد الأشياء التي أفعلها بانتظام هو النظر إلى الصور وشرح ما يحدث فيها. لا ينبغي حتى أن تعبر القصة عمَّا يحدث فعليًّا في الصورة؛ فأنا أختلق فحسب قصصًا عن الصورة وأصِفُ ما يحدث في المشهد. ثم أعرض الصورة على شخصٍ ما وأقول له: «دَعْني أخبرك بقصة هذه الصورة.»
إذا نظروا إليها وقالوا: «يا للعجب! هذا ممتع بالفعل.» إذن أعلم أنني نجحت في وصفها، أما إذا قالوا: «حقًّا! أهذا ما يحدث؟» أو إذا لم يردوا على الإطلاق، فإنني أعلم أنني على الأرجح لم أنجح في وصفها.
إن هذه العملية ما هي إلا طريقة لبدء تعلُّم طريقة سرد قصة، وتعلُّم طريقة صنع قصةٍ خاصةٍ بك، وتعلم طريقة جذب اهتمام الناس، لتتمكَّن من التعامل مع مواقف غريبة عليك في الوقت الحالي، وتتمكَّن من صنع قصة حولها بسهولة وبسرعة؛ لأن هذا هو المطلوب منك عندما تشرع في إقناع الناس.
توجد ثلاث قصص يجب أن تكون حاضرة في ذهن أي إنسان، أولها قصتك الشخصية؛ فعندما يريد الناس معرفة المزيد عنك، لا بد أن تخبرهم بسيرة مصغرة جذابة وممتعة عن نفسك مناسبة لموقفك. والسيرة المصغرة شأنها شأن جميع القصص الأخرى، تتكوَّن من أجزاء، بحيث تستطيع إضافة مزيدٍ من المعلومات عند الضرورة أو عندما يكون الوقت مناسبًا. أما القصة الثانية فتكون عن شركتك، وتكون القصة الثالثة عن مُنتَجك أو خدمتك. تعلَّمْ إلقاء قصتك على نحو جيد وستتحسن قدرتك على الإقناع بسرعةٍ لتفوق أقرانك ومنافِسِيك إلى حدٍّ بعيدٍ.
ملخص الفصل
-
تتخطَّى القصص المنطقَ وتؤثِّر في المشاعر.
-
تكون القصص مقنعةً لأننا قد تعودنا منذ نعومة أظافرنا على الاستماع إليها والاستمتاع بها.
-
تسمح القصص لك بوضع الشخص الذي تقنعه داخلَ الصورة؛ فيتسنى له أن يصبح جزءًا من الأحداث.
-
تكون القصص مريحة لأنها تُلقَى بطريقة مألوفة؛ فلا بد من إلقاء قصصك بالطريقة المناسبة حتى تحقِّق أقصى تأثير لها.
-
يجب أن تصمِّم قصصك بحيث تعزِّز الوعْيَ العاطفي بالمشكلة التي يحلها الحلُّ الذي تطرحه.
-
عند تجميع أجزاء قصتك، تأكَّدْ من أنك تعبِّر عاطفيًّا عن كل رجال روديارد كيبلينج الستة الأوفياء الذين يخدمونه. عند صنع قصتك، أجِبْ عن الأسئلة: ماذا ولماذا ومتى وكيف وأين ومَن.
-
تغيِّر القصصُ الناجحة معاييرَ الشخص الذي تُقنِعه.
أسئلة النجاح
-
ما هي قصتي اليومَ، وكيف أجعلها أفضل؟
-
ما القصص التي أعرفها ولم أسردها بعدُ، والتي بإمكانها تعزيز وضعي؟
-
ما الأدلة التي أملكها وبإمكاني تحويلها إلى قصص قوية مقنعة، أو بإمكاني سَرْدها من أجل تدعيم قصصي؟
-
ما أهم خمسة أشياء تعلَّمْتَها من هذا الفصل وأحتاج إلى تطبيقها حتى أصبح أكثر إقناعًا؟
-
مَن أكثر الأشخاص الذين أستمتع بالاستماع إلى قصصهم، وما الأشياء التي بإمكاني حذفها من هذه العروض التقديمية ممَّا يجعل قصصي أكثر تأثيرًا؟