البعث على يد الشباب
«إنَّ الشباب الخلَّاق هو الذي يبعث ماضيه حيًّا … ويمدُّ أسلافه بدمٍ جديد يصلُح لإحيائهم في زمنٍ جديد … هكذا ترمز تلك الفقرات من كتاب الموتى عند المصريين القدماء»:
و«حوريس» ليس إلا «الشباب»، يُعيد الحياة إلى ماضيه الميت … نعم هو «الشباب» الذي يكون أباه الوطن … وقد أعطاه بالفعل عيونًا يرى بها غابره العظيم في حريته، وحاضره الذليل في قيود الغرباء، وآذانًا يسمع بها ضحكات السخرية من أفواه الجبناء الذين جاءُوا يستغلون رُقاده ويستلبون خيراته؛ كما أعطاه أقدامًا يسير بها كي يثبت لهم أنه حي، وسواعدَ يعمل بها على تشييد الصَّرح المهدوم! … إنَّ أعضاء الوطن صحيحةٌ لم ينقص منها عضو، وها هو ذا جسده يتحرَّك وينمو، والدم يجري في شرايينه، والشباب على رأسه يصيح: «إنَّ لك دائمًا قلبك الحقيقي … قلبك الماضي!» ويخيَّل إليَّ أنِّي أسمع الوطن من كلِّ جانب يلبِّي النداء ويجيب الشباب الأبناء: «إنِّي حيٌّ، إني حيٌّ! …» إنِّي دائمًا أومن بأنَّ مصر لا يمكن أن تموت؛ لأنَّ مصر منذ الأزل ظلَّت تعمل وتكدُّ آلاف السنين لهدفٍ واحد: مكافحة الموت … ولقد فازتْ مصر ببُغيتها. وكلَّما ظنَّ الموت أنَّه انتصر؛ قام «حوريس» من أبنائها يصيح: «انهض، انهض أيها الوطن! … إنَّ لك قلبك … قلبك الحقيقي دائمًا … قلبك الماضي …»، وإذا الموت يتراجع أمام صوتٍ مدوٍّ من أعماق الوطن:
«إني حيٌّ … إني حيٌّ!»