رقم «صفر» يتحدَّث
ربما كانت المرة الأولى التي يحس فيها الشياطين اﻟ «١٣» أنَّ رقم «صفر» قد فقد اتزانه المعروف … بل إنَّ صوته العميق اكتسب قدرًا من الخشونة والعصبية وهو يتحدث إليهم، قائلًا: إننا في مرحلة خطيرة من حياة مصر … فهناك غزو أخطر من الغزو العسكري يفتك بشبابنا … بأولادنا … إنَّه غزو المخدِّرات البيضاء … والمخدِّرات البيضاء تسمية تُطلق على الكوكايين … والهيروين … تمييزًا لهما عن المخدِّرات السوداء … الحشيش والأفيون … وكل المخدِّرات مدمرة للصحة … وللمخ … والأعصاب … ومحطِّمة للشخصية … وقاتلة … وأخطرها على الإطلاق هو الهيروين …
وأضاءت لوحة على جانب القاعة … وشاهد الشياطين صورة شاب نحيف، غارت عيناه، وتهدَّلت وجنتاه … وبدا كأنَّه شيخ في السبعين …
وقال رقم «صفر»: تصوَّروا أنَّ هذا الشخص عمره ٢٢ عامًا فقط … ومع ذلك يبدو كأنَّه في السبعين من عمره … لقد أدمن المخدِّرات … وفي سبيلها ترك رسالة الماجستير التي كان يُعِدُّها في هندسة الطيران … وباع كل ما يملك … وتحول إلى متسول … ثم إلى لص، حتى قُبض عليه …
وأطفأت الشاشة أنوارها … وعاد رقم «صفر» يقول:
إنَّ عصابات التهريب الدولية تُركِّز حَملتَها الآن على بلادنا … وقد فعلَت ذلك في بداية هذا القرن، بين سنة ١٩١٠م وسنة ١٩٢٠م، واستطاعَت أن تَفتِك بعددٍ كبير من خِيرة الشباب … وها هي تَعود مرةً أخرى بعد نحو ٦٠ عامًا لتُكرِّر المحاوَلة … إنَّ هناك أيديًا قذرةً تعمل لتدمير صحة شبابنا … إنَّها تدفعهم إلى الجنون … وهو النتيجة التي يؤدي إدمان المخدِّرات إليها … ثم الموت.
المؤلم … وتنفس رقم «صفر» بعمق، ثم قال: إنَّ لنا دورنا في هذه المعركة … فإنَّ جهات الأمن لا تستطيع أن تعمل وحدها … بل يجب على كل وطني مخلص أن يشترك في الحرب ضد هذه السموم … إنَّ واجب كل شخص يحب مصر أن يُسهم في هذه الحملة … الصغار والكبار، الرجال والنساء … على كل واحد أن يفعل شيئًا ضد هذا الغزو المميت لبلادنا العظيمة.
وقد قامت إدارة أبحاث المخدِّرات في «ش. ك. س» بإعداد ملف عن هذه السموم البيضاء … تجيب على كل التساؤلات الخاصة بها … أماكن زراعة هذا النبات … المعامل … العصابات التي تقوم بالتهريب … طرق التهريب، وسيُوزَّع عليكم هذا الملف … وأرجو أن تدرسوه جيدًا … وسأترك لكم مناقشة الخطة الواجب اتباعها لضرب طريق الهيروين، والمقصود بطريق الهيروين هو جميع الطرق التي تلجأ إليها العصابات لإدخال هذا السم إلى بلادنا … إنَّها تعمل في مناطقَ متفرقة، وطبعًا هؤلاء المهرِّبون الذين نقبض عليهم ليسوا من أفراد العصابات. إنَّهم يقومون بعملية النقل مقابل أجر فقط … إنَّهم في كلمة واحدة مجرد حمَّالين … وهم عادة من الشبَّان الفقراء … وهم يُعرِّضون أنفسَهم للسَّجْن أو الإعدام مقابلَ بضع مئات من الدولارات …
وسكت رقم «صفر»، وكأنَّه يسترد أنفاسه، ثم قال: ولعلكم لاحظتم أنَّ أكثر المقبوض عليهم من «سيريلانكا» أو «الهند» أو الدول الأفريقية … شباب ضائع، يُلقي بنفسه إلى الهلاك تحت إغراء المال … إنَّ العصابات القوية لا ترسل رجالها في عمليات نقل الهيروين مطلقًا. إنَّ الرءوس الكبيرة تبقى في القصور والفيلات … وترسل هؤلاء الضائعين … ولا يمكن القضاءُ على تجارة السموم هذه إلَّا بضرب الرءوس الكبيرة … وكما يقولون في المثل … «إذا أردت أن تقتل الثعبان فاضربه على رأسه وليس على ذيله!»
كان الشياطين يستمعون إلى رقم «صفر»، وقد أحسُّوا فعلًا بخطورة ما يحدث … إنَّهم يتابعون يوميًّا الجرائد … ثم إنَّ قسم الأبحاث في «ش. ك. س» يقوم يوميًّا بعمل قصاصات من كل المطبوعات التي تهم الشياطين … ومنها بالطبع غزو السموم البيضاء لجمهورية مصر العربية …
وعاد رقم «صفر» يتحدث: إنَّ ما يخيف حقًّا أنَّ هذه السموم بدأت تأخذ طريقها إلى المدارس، إلى طلبة صغار ينتظرهم المستقبل … تُحطِّم حياتَهم إلى الأبد … والطريقة — كما تعرفون — أن يقوم مندوب العصابة بتوزيع المخدِّرات على التلاميذ دون مقابل لمدة ثلاثة أيام أو أربعة، حتى يسقط التلميذ في شَرَك الإدمان، ثم يبدأ الموزِّع يطلب جنيهًا … ثم جنيهين، ثم ثلاثة … ويُضطر التلميذ الصغير للدفع تحت إلحاح الآلام التي يشعر بها في جسده … وشيئًا فشيئًا يُضطر للسرقة لتغطية مصروفاته … ثم يُضطر إلى الاشتغال بتوزيع المخدِّر مقابل حصوله على المادة … ثم ينتهي الأمر به إلى السجن أو الجنون.
وزادت حِدَّةُ رقم «صفر» وهو يقول: إنَّهم يحاولون تحطيم مستقبل الأجيال القادمة. إنَّها أقذر حرب شهدناها في بلادنا!
وعاد رقم «صفر» إلى هدوئه، ثم قال: سيصلكم ملف المخدِّرات كاملًا … أرجو أن تقرءوه جيدًا … إنَّ به بالطبع معلومات أمدَّتنا بها جهات الأمن في جمهورية مصر العربية … وهي معلومات ليست متاحةً لكل الناس … وفيها جزء من الدراسات النفسية، يهمني جدًّا أن تطَّلعوا عليها … وسأقول لكم مُلخَّصًا عنه الآن … وإذا كانت هناك أسئلة فسأتولى الردَّ عليها.
وتنهَّد رقم «صفر» وهو يقول: من المعروف علميًّا أنَّ في داخل الإنسان قُوًى للبناء، وقُوًى للتدمير … فإذا انتصرت الأولى، نجح الإنسان وحقَّق أهداف حياته … وإذا انتصرت الأخرى ضاع الإنسان ضياعًا نهائيًّا … وللأسف الشديد، إنَّ بعض الشبَّان بل والكبار يشجِّعون قُوى التدمير في نفوسهم، وهؤلاء هم الذين يُقبِلون على تناول المخدِّرات … بأنواعها … كما أنَّ بعض الشبَّان يفعلون ذلك في سبيل التفاخر والمباهاة …
ومن المؤسف أن يتباهى الإنسان بأنَّه مدمن … أو متعاطٍ للسموم … كما أنَّ بعض الشبَّان أيضًا يفعلون ذلك على سبيل التقليد … وللأسف أيضًا أن يقلد الشخص الرذائل ولا يقلد الفضائل …
وصمت رقم «صفر» لحظات، ثم قال: سوف تقابلون نماذج لهؤلاء جميعًا أثناء مغامرتكم القادمة … والآن، هل هناك أسئلة؟
لم يرتفع أيُّ صوت بسؤال … وهكذا وقف رقم «صفر» وهو يقول: أتمنى لكم التوفيق … إنَّ المهمة وطنية وقومية وإنسانية … وأتمنَّى أن تنجحوا!