العقرب الجهنمي!
كان طلب رقم «صفر» للاجتماع بالشياطين اﻟ «١٣» عاجلًا جدًّا … حتى إنه أيقظهم في منتصف الليل … وخلال خمس عشرة دقيقةً كان الشياطين اﻟ «١٣» يأخذون أماكنهم داخل قاعة الاجتماعات الواسعة في مقرهم السري … وران الصمت على القاعة، والشياطين يفكِّرون في تلك المهمة العاجلة التي استدعت إيقاظهم في ذلك الوقت المتأخِّر من الليل … وجلس رقم «صفر» في مكانه يحيطه الصمت والظلام … وتحدَّث قائلًا: مرحبًا بكم … إني آسف لإيقاظكم في هذا الوقت المتأخر … ولكنني اضطُررت إلى ذلك بسبب أهمية وخطورة المهمة التي أريدكم لأجلها … وصمت لحظة، ثم أضاف: إنها مهمة قد لا تكون متعلقةً بأمن وطننا العربي … ولكنها تتعلَّق بتاريخ وحضارة أحد أقطار وطننا الكبير … مصر!
سأل «أحمد» مُقطِّبًا: هل المهمة متعلِّقة بالآثار المصرية القديمة؟
رقم «صفر»: لقد خمَّنتَ الحقيقة يا «أحمد» … لعلكم تعرفون أن بعض الآثار المصرية الهامة كانت تطوف أمريكا، وكان من المفترض أن تعود مساء هذا اليوم إلى مصر … ولكن ذلك لم يحدث …
عثمان: هل تعرَّضت هذه الآثار للسرقة؟
رقم «صفر»: نعم … برغم كل الحراسة الهائلة التي كانت تُحيط بتلك الآثار.
بو عمير: هل كانت هذه الآثار مؤمَّنًا عليها ضد السرقة؟
رقم «صفر»: وبماذا ستُفيد النقود؟ … إن هذه الآثار لا تقدَّر بمال … فهي بمثابة تجسيد وأثر حي لحضارة عاشت آلاف السنين … فأي مال يمكنه تعويضها؟!
تساءلت «إلهام» في دهشة وغضب: وكيف حدثت تلك السرقة؟
انطلق رقم «صفر» يحكي للشياطين عن الطريقة التي تمَّت بها السرقة، وأنهى حديثه قائلًا: لقد تمكَّن اللصوص من نقل الآثار إلى بعض الطائرات الهليكوبتر واتجهوا بها إلى مكان خاص، واستطاعوا الفرار بها لأن الشرطة الأمريكية اكتشفت وسيلتهم متأخرة، والطريقة التي تمَّت بها السرقة، والفخ الذي وقعت فيه الشرطة الأمريكية، رغم أن السلاح الجوي الأمريكي قام بمحاصرة أجواء البلاد، ومنع أية طائرة من مغادرتها.
خالد: ومع هذا، هل هرب اللصوص بالآثار خارج الولايات المتحدة الأمريكية؟
رقم «صفر»: أجل … هذا ما حدث.
تساءل «أحمد»: ولكن من الذي قام بهذا العمل الإجرامي … ولحساب من؟
أجاب رقم «صفر» في هدوء: لقد قام بتنفيذ هذه المهمة رجل يُدعى «كارلوس فيفا».
صاحت «إلهام»: «العقرب الجهنمي»؟
رقم «صفر»: هذا صحيح تمامًا؛ فهو لقبه الذي اشتهر به في أوساط رجال العصابات؛ فقد أسمَوه «العقرب» لأنه يقتل بلا رحمة أو تمييز، ويسرع هاربًا … أمَّا كلمة «الجهنمي» فلأنه دائمًا يخطِّط لأعماله في دهاء منقطع النظير، وسِجله حافل بأعمال الإرهاب والسرقة والقتل؛ فهو وعصابته كثيرًا ما يعملون لحساب بعض الجهات الخاصة أو العملاء الأثرياء في تنفيذ المهام الإجرامية.
أحمد: من العجب أن هذا المجرم الذي تطارده بلاد كثيرة لم نصطدم به من قبلُ أبدًا!
رقم «صفر»: هذا لأن نشاطه كان دائمًا بعيدًا عن منطقتنا العربية؛ ولهذا لم يكن من تخطيطنا الدخول معه في أي معركة.
أحمد: حسنًا … لقد حان الوقت، وهذا الغبي اختار أن يدخل عش الدبابير بإرادته.
إلهام: ولحساب من يعمل هذا المجرم تلك المرة؟
رقم «صفر»: إنه لا يعمل لحساب أحد هذه المرة … بل لحساب نفسه.
إلهام: إنني لا أفهم شيئًا.
رقم «صفر»: لقد بات معروفًا للكثيرين في أنحاء العالم أن «العقرب الجهنمي» قد قام بسرقة آثارنا القديمة، وأنها صارت في قبضته. ولا شك أنه سيتلقَّى عروضًا بالبيع تصل قيمتها إلى مئات الملايين من الدولارات لهذه الصفقة؛ فهناك من الأثرياء من هم مهتم بأن تكون في حوزته مثل تلك الآثار الرائعة. وهناك من المتاحف العالمية على استعداد لشراء هذه الآثار حتى ولو كانت مسروقة … بل لست أُبالغ إذا قلت إن متحف «المتروبوليتان» نفسه سيعرض على «العقرب الجهنمي» شراء الآثار المسروقة ليُعيدها إلينا ثانية لأنه المسئول عن تأمينها.
أحمد: ولمن سيبيع المجرم الآثار؟
رقم «صفر»: إنه لن يبيعها لأحد … ولن يتركها تخرج من قصره.
صمت لحظةً ليرى تأثير كلماته التي أثارت الدهشة على وجوه الشياطين، وأكمل رقم «صفر» في صوت هادئ قائلًا: لقد بدأ «كارلوس فيفا» حياة الجريمة وهو في الخامسة عشرة من عمره، عندما طُرد من مدرسته بسبب شغبه المستمر، فعمل في أحد متاحف «روما» كعامل نظافة … وكانت أولى سرقاته لبعض الحُلي اليونانية القديمة؛ فقد استطاع إخفائها من المتحف، ثم باعها لأحد التجار الذي توصَّلت إليه الشرطة. وسُجن «كارلوس» بسبب ذلك عامَين. وداخل السجن تعرَّف على بعض رجال العصابات، وانضمَّ إلى عصابة المافيا في صقلية. وخلال أعوام قليلة اشتدَّ ساعده وصار من أفرادها. ثم نزح إلى أمريكا كعضو بارز في المافيا. وبعد عدة عمليات ناجحة استقلَّ عن المافيا، وكوَّن لنفسه عصابةً خاصة، وراح ينفِّذ بها عمليات سطو وقتل وإرهاب في كل أنحاء العالم، خاصةً أوروبا وأمريكا … وصار من أخطر مجرمي الغرب، والمنافس الأول للمافيا … ممَّا دفع الإنتربول الدولي لطلب رأسه بأي ثمن … وفي كل مرة كان «العقرب الجهنمي» ينجو من القبض عليه بفضل خطته الجهنمية … وصار يمتلك بلايين الدولارات، وقصورً فخمة في أماكن عديدة من العالم … وصار اسمه يُثير ضجةً كبيرة … وحادثة السطو على الآثار المصرية القديمة ليست إلا واحدةً من مجموع جرائمه العديدة … والفائقة الجرأة.
قطَّبت «إلهام» جبينها قائلة: لقد بدأت أفهم الآن … إن «كارلوس فيفا» يرغب في الاحتفاظ بالآثار المسروقة … لنفسه.
رقم «صفر»: هذا صحيح تمامًا يا «إلهام» … فكما أن رجال الأعمال الكبار باتوا يشترون الأعمال الفنية الهامة، ويقتنونها مهما كلَّفتهم من أموال، مقابل إشباع رغباتهم في امتلاكها … فنفس الشيء قد فعله «العقرب الجهنمي» هذه المرة … فقد بدأ حياته بسرقة بعض الحُلي الأثرية التي سُجن بسببها … وهو الآن يتحدَّى الجميع بسرقته لتلك المجموعة الأثرية الفريدة ليحتفظ بها في قصره، الذي لا أشك أنه صار مليئًا بأعمال فنية نادرة كلها مسروقة من مختلِف المتاحف العالمية.
قال رقم «صفر» في صوت عميق: إنه يمارس نوعًا من التفاخر بين أقرانه المجرمين الكبار …
عثمان: لا أظن أنه سيعيش طويلًا ليتفاخر بما فعله.
أحمد: إذا كانت قصور وأماكن إقامة هذا المجرم معروفة … فلماذا لم يُلقِ المسئولون القبض عليه؟
رقم «صفر»: إن «العقرب الجهنمي» ليس من الغباء لكي يقيم داخل المدن الكبيرة، والتي يطارده فيها رجال الشرطة. إن قصوره العديدة تنتشر في أماكن بعيدة تمامًا عن عيون رجال الشرطة، خاصةً في أوروبا وأمريكا؛ فهو يمتلك قصورًا عديدةً داخل الأحراش الأفريقية، وفي بعض الجزر المتناثرة في المحيط الهندي والأطلنطي، وفي مدن أمريكا اللاتينية المحاطة بالأحراش.
إلهام: يا له من داهية!
رقم «صفر»: معك حق تمامًا.
بو عمير: ولا شك أن «العقرب الجهنمي» سيحتفظ بالآثار المسروقة في أفضل قصر لديه، أو المكان الأقرب إلى قلبه، والأكثر أمنًا.
رقم «صفر»: لقد أصبتَ الحقيقة تمامًا يا «بو عمير»؛ فهذا المجرم يمتلك قصرًا أمام سواحل «هافانا»، على مسافة عشرين كيلومترًا من شاطئها … والقصر أشبه بقلعة هائلة مقامة فوق رَبوة عالية، يكشف كل الأماكن حولها. هذه الربوة تنحدر إلى جزيرة مرجانية صغيرة، يحيط بها من الخارج عشرات الحراس، ويجوب شواطئها عشرات الزوارق الحربية المُسلَّحة السريعة التي تمتلكها «عصابة العقرب»، بحيث يستحيل اقتراب أي غريب من شاطئ الجزيرة … دون أن تحصده مدافع الزوارق المُسلَّحة … أو الطائرات الهليكوبتر التي تتخذ قاعدتها من سطح القلعة التي يقيم فيها «العقرب».
زبيدة: يا إلهي! … إنه يمتلك جيشًا وليس عصابة … ولديه إمكانات قتالية هائلة.
قيس: ولكن إذا كان قصر أو قلعة هذا المجرم قريبةً من شواطئ «هافانا»، فلماذا لم تحاول شرطتها القبض عليه؟
أجاب «أحمد»: لا شك أن هذا المجرم الداهية قد استطاع اختراق الشرطة هناك بأمواله وهداياه، فأغمضوا أعينهم عنه.
رقم «صفر»: هذا صحيح، بل الأكثر أن بعض رجال الشرطة هناك يقومون بحماية كاملة لهذا المجرم، خاصةً أنهم ليسوا من الوطنيين، وإنما هم جنود مرتزقة … وفي أحيان كثيرة يتولَّون إخباره بأي عمل يهدف القبض عليه.
إلهام: إذن فسوف نخوض معركةً مزدوجة؛ ضد رجال الشرطة في «هافانا»، وضد «عصابة العقرب»!
رقم «صفر»: أرجو ألَّا يحدث ذلك، وإلا ستزداد الأخطار حولكم … إنكم ستذهبون إلى «هافانا» باعتباركم مجموعةً من الطلبة العرب، ذاهبين في رحلة سياحية ﻟ «هافانا»، وهذا سيتيح لكم ركوب الزوارق والسياحة والتجول في حرية … وهناك عليكم وضع الخطط المناسبة لاقتحام قلعة «العقرب»، واستعادة الآثار المسروقة.
ألقى رقم «صفر» نظرةً على ورقةٍ أمامه وقال: سوف تسافر مجموعة مُكوَّنة من ستة أفراد منكم، هم: «أحمد» و«إلهام» و«عثمان» و«قيس» و«زبيدة» و«هدى» … وسوف تتزوَّدون بجوازات سفر وأوراق تفيد أنكم مجموعة من الطلبة العرب في رحلة سياحية إلى «هافانا»، وستقلع بكم طائرة خاصة بعد نصف ساعة إلى أقرب مطار، وهناك ستستقلُّون الطائرة المغادِرة إلى «هافانا»، وتُقيمون في فندق «النجمة الزرقاء».
أحمد: وإذا احتجنا إلى أسلحة هناك؟
رقم «صفر»: سوف يمدكم عميلي هناك بكل ما تحتاجونه من سلاح … وسوف يتعرَّف هو عليكم في الوقت المناسب، وستكون جملة التعارف هي: النجوم الزرقاء لا تُبدِّد حُلكة الظلام. هل هناك أية أسئلة أخرى؟
هزَّ الشياطين رءوسهم بلا … فقال رقم «صفر» وهو يطوي أوراقه: حفظكم الله.
غادر القاعة في خطوات رصينة، وبعد قليل كان الشياطين يغادرونها، وقد اشتعلت رءوسهم بالأفكار؛ فقد كانوا على يقين أن المعركة القادمة … لن تكون سهلةً بأي حال من الأحوال.
إنها معركة ضد عقرب … جهنمي!