العدو المجهول!
أنهى الشياطين إجراءاتهم الجمركية في سهولة، وتمنَّى لهم ضابط الجوازات إقامةً طيبة وهو يختم جوازات سفرهم، ويودِّعهم بابتسامة واسعة … ولكن ما كاد الشياطين يغادرون المطار، حتى أسرع ضابط الجوازات إلى أقرب هاتف إليه، وراح يُملي فيه أوصاف الشياطين الستة وأسماءهم …
وصل الشياطين الستة إلى فندق «النجمة الزرقاء» … وكان هناك جناحَين كبيرَين محجوزَين بأسمائهم … وبعد أن اغتسل الشياطين وبدَّلوا ملابسهم … وقفوا في شرفة الفندق العريضة يطالعون مياه المحيط البالغة الزرقة، وهي تتكسَّر فوق الشاطئ، ناثرةً الزَّبَد والرذاذ فوق الراقدين على الشاطئ … وقد تألَّق قرص الشمس في قلب السماء يرسل بأشعته الحارة إلى الأرض.
وبامتداد الشاطئ تناثرت الشاليهات والفنادق الصغيرة، تفصلها عن بعضها الحدائق والأشجار والنخيل. تنهَّدت «إلهام»، وقالت ضاحكة: يا له من مكان شاعري!
قالت «زبيدة»: إنها ليست المرة الأولى التي نقوم فيها بمهمة في هذا الشاطئ.
إلهام: ولكن هذا لا يمنع من أنني أستمتع في كل مرة أجد نفسي فيها في هذا المكان.
تساءل «عثمان»: تُرى متى سيحاول عميل رقم «صفر» الاتصال بنا؟
قيس: هذا متروك لتقديره … ولعله ينتظر اللحظة المناسبة ليتعرَّف علينا …
هدى: إذن علينا أن نوفِّر له هذه اللحظة المناسبة … بأن نخرج إلى الشاطئ؛ فلعله لا يرغب في دخول الفندق حتى لا يلفت الأنظار إليه …
إلهام: أنت على حق يا «هدى» … هيا بنا …
وارتدى الشياطين القبعات العريضة التي أحضروها معهم، وبدَوا في ملابسهم الرياضية وأحذيتهم الخفيفة كمجموعة مثالية من السياح.
سار الشياطين فوق الشاطئ يتأمَّلون الزوارق البخارية السريعة التي اندفعت تشق قلب الماء، وداخلها عدد من السياح يلهون في سعادة، على حين امتطى البعض الآخر ألواح الانزلاق فوق الأمواج، وراحوا يصارعون الأمواج بها.
وصل الشياطين إلى نهاية الشاطئ دون أن يتقدَّم أحد إليهم … وعادوا ثانيةً وهم ينظرون حولهم في حذر … ولكن عميل رقم «صفر» لم يظهر.
قال «عثمان»: إنني جائع.
إلهام: إن وجبة سمك الآن تبدو أشهى طعام في العالم.
زبيدة: وصيادو هذا الشاطئ يصطادون أفضل أنواع السمك.
وفي مطعم الفندق جلسوا لتناول وجبة من الأسماك اللذيذة، ولحم الأخطبوط الذي تذوَّقته «هدى» في حذر، ثم قالت مبتهجة: إنه لذيذ الطعم!
بعد أن أنهَوا طعامهم كانت حدة الشمس قد انكسرت، وقال «عثمان»: إننا لن ننتظر وصول عميل رقم «صفر» دون عمل …
أحمد: وماذا تقترح؟
عثمان: يمكننا أن نراقب قصر هذا «العقرب الجهنمي» بالنظارات المقرِّبة من منطقة نائية على الشاطئ.
إلهام: إنها فكرة لا بأس بها … وقد أحضرت معي نظارةً مقرِّبة على سبيل الاحتياط.
وغادر الشياطين الفندق إلى مكان عالٍ أمام سطح البحر مباشرة، وكان يرتفع حوالي عشرين مترًا عمَّا حوله دون أن يجذب إليه أحد الفضوليين.
وارتقى الشياطين المرتفَع وتمدَّدوا فوقه، وصوَّب «أحمد» النظارة المقرِّبة جهة الشمال، وراح يحرِّكها في بطء حتى توقَّف تمامًا، وقال: إنني أرى قصر «العقرب» … إنه أشبه بقلعة أسطورية يحيطها عشرات الحُرَّاس من كل جانب.
عثمان: دعني أراها …
أعطاه «أحمد» النظارة المقرِّبة … وصوَّبها «عثمان» إلى ناحية القصر الذي ظهر على البعد، مبنيًّا فوق ربوة جزيرة بعيدة كأنه قصر خرافي من قصور الحواديت، بجدرانه الصخرية السميكة، وأبراجه العالية التي ظهرت بأعلاها فُوَّهات مدافع رشاشة ومدافع مضادة للطائرات … على حين كانت هناك طائرتان هليكوبتر، تحلِّقان فوق المكان لتأمينه.
أمَّا الشاطئ الصخري للجزيرة فقد انتشر فوقه عددٌ من الحراس، بعضهم يجوبه داخل سيارات جيب مسلحة، والبعض الآخر على الأقدام … وإلى الأمام على مسافة قريبة من الشاطئ، ظهر عدد من الزوارق المسلَّحة لم يكن من شك في أن رُكَّابها من رجال العصابة أيضًا …
قال «عثمان» في دهشة: إن المكان مُحصَّن تمامًا، ومن الصعب اختراقه.
أحمد: لقد اقتحمنا أماكن أصعب كثيرًا، ولكل مكان نقطة ضعف.
تبادل الشياطين النظارة المقربة … وبعد أن انتهوا من المراقبة، تبادلوا النظرات.
ردَّ «عثمان» قائلًا: لم يعد هناك ما نفعله فوق هذا التل … هيا بنا نعود إلى الفندق؛ فلعل عميل رقم «صفر» يبحث عنَّا هناك.
لكنه ما كاد ينهض حتى دوَّى صوت طلقات رصاص سريعة متتالية، فأسرع «أحمد» بجذب «عثمان» لأسفل، ومرقت الرصاصات فوق رأس «عثمان» بسنتيمترات قليلة …
وهتفت «إلهام»: يبدو أننا نتعرَّض للهجوم!
أحمد: هذا لا شك فيه … لا يتحرَّك أحدكم، وسوف أقوم بعملية التفاف من الخلف للتعرُّف على طبيعة المهاجم.
تحرَّك «أحمد» ببطء زاحفًا جهة اليسار، ولمح شخصًا قد توارى خلف بعض الصخور، وأصبعه فوق زناد مدفعه الرشاش …
قفز «أحمد» نحو المجهول، وبضربة قوية أطاح به إلى الوراء، ولكن قبل أن يواصل «أحمد» هجومه دوَّت طلقات أخرى، فقفز «أحمد» نحو الصخور القريبة يحتمي بها، فظهر شخص آخر مُسلَّح. اندفع إليه الأول، وقفز الاثنان إلى سيارة جيب كانت واقفةً قريبًا، وغادرا بها المكان مسرعَين.
اندفع بقية الشياطين تجاه «أحمد»، وسألته «إلهام» في قلق: «أحمد» هل أصابك شيء؟
أحمد: لا … لقد كان هناك مهاجمان، وتمكَّنا من الهرب.
عثمان: من تظنهما يا ترى؟
أحمد: لا شك أنهما رجال «العقرب الجهنمي»، فهيئتهما لا تدل على أنهما من رجال الشرطة.
زبيدة: إذن فقد انكشف وجودنا فوق الشاطئ.
أحمد: هذا لا شك فيه، والآن دعونا نغادر هذا المكان بسرعة قبل وصول رجال الشرطة بسبب طلقات الرصاص.
غادر الشياطين الستة المكان بسرعة عائدين إلى الفندق، في الوقت الذي كانت فيه مجموعة من سيارات الشرطة تتجه مسرعةً إلى التل القريب …
داخل جناح الشياطين قال «قيس» قلقًا: إن انكشاف أمرنا يعني أننا صرنا في خطر شديد … فلن يكون هذا الهجوم الوحيد … ومن الممكن أن تتحرَّش بنا الشرطة، وتُلقي القبض علينا لأي سبب، ما دام أنها متعاونة مع «العقرب».
أحمد: عندك حق يا «قيس».
زبيدة: ما العمل إذن؟
عثمان: إن الهجوم هو خير وسيلة للدفاع.
أحمد: وكيف نهجم دون سلاح؟ … من الجنون والانتحار محاولة الاقتراب من قلعة هذا المجرم دون تسليح جيد.
قيس: ولكننا لا نستطيع الانتظار أكثر من ذلك … إنني لا أدري لماذا لم يظهر عميل رقم «صفر» حتى الآن؟
أحمد: لا شك أنه أدرك أننا مكشوفون؛ ولذلك لم يحاول الاقتراب منا حتى لا ينكشف هو الآخر.
إلهام: ولكن باستطاعته الوصول إلينا بطريقة لا تلفت الانتباه …
فجأةً طُرق الباب … وجمد الشياطين في أماكنهم، وأشار إليهم «أحمد» ألَّا يتحرَّكوا. وتقدَّم جهة الباب وألقى نظرةً من العين السحرية، فشاهد أحد العاملين بخدمة الغرف واقفًا بالباب يحمل صينيةً فوقها بعض المشروبات الباردة.
التفت «أحمد» للشياطين متسائلًا: هل طلب أحدكم مشروبات باردة؟
هزَّ الشياطين رأسهم بلا … وقد بدا الحذر واضحًا في عيونهم … وتقلَّصت قبضة «أحمد» … كان بلا سلاح … ولكن قبضته كانت أفضل من أي سلاح آخر … وفتح «أحمد» الباب بحركة مفاجئة وبيده الأخرى جذب عامل الخدمة إلى الداخل … وفوجئ العامل بالحركة، وقبل أن ينطق بحرف كانت قبضة «أحمد» أسرع حتى طرحته على الأرض … ثم عاجله بضربة أخرى فاصطدم بالحائط …
قفز «قيس» نحوه ليشل حركته، ومدَّ «عثمان» يده في جيب العامل، فأخرج من مسدسًا صغيرًا صوَّبه إلى العامل ساخرًا، وقال له: مرحى … لا أظن أن من ضمن خدمة النزلاء في هذا الفندق إطلاق الرصاص عليهم.
أمسكه من ياقته وهتف به في غضب: أخبرنا من الذي أرسلك، وماذا تعرفون عنا، وإلا أرسلناك إلى المكان الوحيد الذي تستحق البقاء فيه … في الجحيم؟ مسح العامل خيط الدماء الرفيع الذي سال على ركن فمه، وقال متألمًا: النجوم الزرقاء لا تبدِّد حُلكة الظلام!
تبادل الشياطين النظرات المندهشة … وهتفت «إلهام» غير مصدقة: أنت عميل رقم «صفر»! … يا إلهي! … كيف فاتنا أنك ستحاول التعرف علينا دون أن تثير الشك في حقيقتك؟
عثمان: وهذا المسدس … لقد فهمنا الآن هذا الخطأ غير المقصود تمامًا.
قال الرجل: لا بأس … إنكم بارعون جدًّا، وأكثر مهارةً ممَّا ظننت … إنني أُدعى «خوان جيفارا».
أحضرت «إلهام» فوطةً صغيرة مسح بها «خوان» ركن فمه، وقال مقطِّبًا: إنكم في خطر؛ فقد اكتشف «العقرب الجهنمي» حقيقتكم بواسطة بعض تحرياته الخاصة العالية المستوى … ولعله قد أصدر أمرًا بالتخلص منكم …
أحمد: هذا صحيح، وقد حاول رجلان قتلنا فوق الشاطئ، ولقد ظننتك واحدًا منهم …
خوان: ولهذا أرى أن تتركوا الشاطئ بسرعة وتختفوا لبعض الوقت، ثم تبدئون هجومكم على حين غِرة …
تبادل الشياطين النظرات، وقال «أحمد»: ليس من عادتنا الهرب أو الاختفاء في أي ظروف، وإذا كان هؤلاء المجرمون قد بدءوا الهجوم، فسوف نرد عليهم بهجوم مضاد … وفي أسرع وقت …
قطَّب «خوان» حاجبَيه قائلًا: حسنًا … ما دامت هذه هي رغبتكم، فلا يسعني إلا مساعدتكم …
زبيدة: إننا بحاجة إلى زوارق سريعة مُسلَّحة، ومدافع رشاشة، وقنابل يدوية …
خوان: إنها كلها جاهزة لديَّ … ويمكنكم الحصول عليها خلال دقائق؛ فهناك شاليه مهجور في نهاية الشاطئ، تقبع أمامه الزوارق. أمَّا الأسلحة، فتوجد داخل الشاليه.
عثمان: هذا حسن … هيا بنا … فهذا أفضل وقت للهجوم …
تحرَّك الشياطين ليغادروا الفندق … وغادره «خوان» من مكان آخر غير بابه الرئيسي … ومن الوراء، كانت بعض العيون الحذرة تراقبهم في سكون وتيقُّظ … وقد اشتعلت باللهب كعيون الذئاب … قبل أن تنقَضَّ على فرائسها.