معركة بحرية!
فجأةً جاء صوت من الخلف يقول في خشونة: توقفوا مكانكم!
التفت الشياطين فشاهدوا ما يزيد عن عشرةٍ من رجال الشرطة شاهرين أسلحتهم في وجوههم … تبادل الشياطين النظرات المندهشة … كان ظهور رجال الشرطة مفاجئًا … وقد بدا واضحًا تورُّط رجال الشرطة فوق الشاطئ مع «العقرب الجهنمي» … وأنه قد صدرت لهم الأوامر باعتقال الشياطين بأي ثمن … حيث يجري التخلُّص منهم في صمت، أو تلفيق أي تهمة لهم تزج بهم في السجن سنين طويلة …
سأل «أحمد» رجال الشرطة: ما هي التهمة التي تُوجِّهونها لنا؟
ردَّ أحد الرجال ساخرًا: يمكنكم أن تختاروا التهمة التي تشاءونها … فالمهم إلقاء القبض عليكم.
بنفس اللهجة الساخرة قال «أحمد»: حسنًا … إن التهمة التي نُفضِّلها هي مقاومة المرتشين أمثالكم … وإعطاؤهم درسًا قاسيًا.
وما كاد «أحمد» يُنهي عبارته حتى طارت قبضته إلى الرجل، ثم طارت قدمه لتصيب رجلًا آخر …
وفعل بقية الشياطين نفس الشيء، وبحركة مباغتة قفزوا في الهواء معًا كفريق للأكروبات. وصوَّبوا ضربات سريعةً متتالية إلى الرجال، ألقت بهم إلى الأرض. وقبل أن تمتد أيديهم إلى مسدساتهم، تكفَّلت أيدي الشياطين وأقدامهم بإقناعهم ألَّا يفعلوا … وكان من نصيبهم أن أرسلوا أصحابهم إلى عالم الغيبوبة المؤلم.
التقط «أحمد» مسدس أحد الرجال، بينما فعل بقية الشياطين نفس الشيء.
أشار إليهم «خوان» من الظلام أن يتبعوه … وفي نهاية الشاطئ شاهدوا زورقَين سريعَين فحصوهما بسرعة، وقال «أحمد» في إعجاب: إنهما زورقان رائعان لهما قدرة كبيرة على المناورة والانطلاق بسرعة بالغة …
قال «عثمان»: سنأتي بالأسلحة من الداخل.
وأحضر الشياطين المدافع الرشاشة والقنابل اليدوية … وخلال دقائق، كان الزورقان قد تسلَّحا بكل أنواع الأسلحة، وصارا على أُهبة الاستعداد للقتال.
فجأةً دوَّى هدير من الخلف، وظهر عدد من سيارات الشرطة المسلحة وهي تجوب الشاطئ باتجاه الشياطين، فقال «أحمد»: لا بد أن رجال المجموعة التي صرعناها قد أفاقوا، واستدعَوا المزيد من زملائهم.
قالت «إلهام»: لا وقت لدينا لإضاعته مع رجال مرتزقة كهؤلاء. هيا بنا.
قفز الشياطين الستة داخل الزورقَين، وانطلقوا بهما إلى قلب المحيط … على حين اندفع رجال الشرطة نحو «خوان» الواقف أمام باب الكوخ المهجور يسألونه إن كان قد شاهد ستةً من الشباب العرب الهاربين من العدالة، فأشار «خوان» على لسانه بمعنى أنه أخرس … وإلى عينَيه بمعنى أنه لا يرى، وإلى أذنيه بمعنى أنه لا يسمع.
انطلق الزورقان يشقان قلب الماء في الظلام …
من بعيد ظهرت قلعة «العقرب الجهنمي» كأنها مارد عملاق يشق قلب الماء، ويرفع يدَيه ليمس وجه السحاب … وعلى بُعد مسافة كيلومترَين، أوقف الشياطين زورقَيهم، وتساءل «عثمان»: هل نهاجم حُراس القلعة على الشاطئ؟
قال «أحمد» مُفكِّرًا: سوف يكشف هذا وجودنا سريعًا بسبب الزوارق التي تحرس الشاطئ!
قالت «إلهام»: إذن فلنتعامل مع هذه الزوارق مباشرة، ونقوم بإغراقها.
أحمد: لا أظن أن هذه المعركة ستكون في صالحنا؛ لأن العصابة تمتلك طائرتَي هليكوبتر، سوف تتدخَّلان في المعركة بكل تأكيد.
زبيدة: ولكننا لن نبقى مكاننا مكتوفي الأيدي.
فجاءً دوَّى هدير محركات زوارق على البعد، وهي تشق قلب الماء متجهةً صوب الشياطين … وقال «أحمد»: لقد بدأت المعركة … وسنخوضها بالرغم من كل شيء.
أدار «أحمد» مُحرِّك زورقه، وانطلق به بكل سرعته، على حين انطلق «عثمان» بالزورق الثاني في الاتجاه المعاكس لتشتيت المهاجمين … وانقسمت الزوارق المهاجمة إلى فريقَين، كل منهما يتكون من ثلاثة زوارق.
دوَّى صوت طلقات الرصاص التي انهمرت كالمطر من كل اتجاه … ودار «أحمد» بزورقه دورةً واسعة سريعة، وأصبح وجهًا لوجه أمام مهاجميه … أطلق الرصاص من زورقه نحو مهاجميه … وأصاب الرصاصُ خزان وقود أحد الزوارق، فانفجر في صوت مدوٍّ، وتناثر فوق سطح الماء.
رفعت «إلهام» أصابعها بعلامة النصر … ثم ألقت بنفسها في قلب الزورق متحاشيةً طلقات الرصاص التي دوَّت فوق رأسها … وبحركة مباغتة بارعة، التقط «أحمد» قنبلةً يدوية من جواره، وانطلق بزورقه تجاه زورقَي العصابة، وبدا كأنه سيصطدم بهما، لتنفجر الزوارق الثلاثة معًا.
جمدت «إلهام» في مكانها مشلولة، على حين صرخ رجال العصابة في الزورقَين خشية الاصطدام، ولكن «أحمد» نجح في اللحظة الأخيرة بأن يعتدل بقاربه ليمر بجانبه من بين فتحة ضيقة بين زورقَي العصابة، في الوقت الذي أسقط قنبلةً يدوية في أحد الزورقَين، وصدم الزورق الثالث في جانبه، فحطَّم هذا الجانب.
انفجرت القنبلة لتطيح بالزورق الثاني وتنثر حطامه فوق سطح الماء، على حين ترنَّح الزورق الثالث الذي تحطَّم جانبه، وأوشك على الغرق.
هتفت «زبيدة»: إنه عمل بارع يا «أحمد». أبدع مناورة بحرية شاهدتها في حياتي.
أحمد: فلنسرع لمساعدة زورق الشياطين الثاني.
كان زورق «عثمان» و«قيس» و«هدى» في مأزق بالفعل، وقد حاصرته زوارق العصابة الثلاثة، وراحت تُمطره بوابل من رصاصها …
ألقى «عثمان» بقنبلة يدوية، ولكنها انفجرت بعيدًا … وراحت الدائرة تضيق حول زورق الشياطين الثاني … واندفع زورق «أحمد» ليمس أقرب الزوارق إليه، وصوَّبت «إلهام» مدفعها الرشاش نحو خزان وقوده … فانفجر في صوت مدوٍّ.
على الفور، انتهز بقية الشياطين في الزورق الثاني الموقف، واندفع زورقهم يخترق الحصار، وطارت قنبلة من يد «هدى» لتسقط في قلب زورق آخر للعصابة، فتناثرت أشلاؤه فوق سطح الماء …
أمَّا الزورق الأخير، فانطلق هاربًا تجاه القلعة بعد أن أدرك عدم جدوى القتال وحده … ورفع «عثمان» يده مُلوِّحًا لبقية الشياطين في سعادة قائلًا: لقد انتصرنا.
ولكن أزيز الطائرتَين تعالى من بعيد، فقال «أحمد»: لا أظن أن المعركة قد انتهت بعد …
ومن أعلى ظهرت طائرتا الهليكوبتر وهما تُسلِّطان كشافاتهما القوية نحو زورقَي الشياطين، ثم دوَّت طلقات الرصاص … واندفع زورقا الشياطين هاربَين في مناورات سريعة ماهرة.
بينما انطلق صاروخ من إحدى الطائرتَين انفجر على مسافة قريبة من زورق «أحمد» وكاد يُغرقه، ثم انفجر صاروخ ثانٍ أمام زورق «عثمان»، فأطاح بجانبه.
وأوشك الزورق على الغرق، فاندفع «أحمد» بزورقه يلتقط بقية الشياطين …
واقتربت إحدى طائرتَي العصابة وقد استعدَّت لتوجيه صاروخ آخر إلى زورق الشياطين … ولكن إصبع «إلهام» تجمَّد فوق زناد مدفعها الرشاش، الذي صوَّبت فُوَّهته إلى خزان وقود الطائرة المهاجمة … وأطلقت الطائرة صاروخها في نفس اللحظة التي أطلقت فيها «إلهام» الرصاص.
ودوَّى الانفجار الهائل.
انفجرت الطائرة حالما اخترقت الرصاصات خزان وقودها … أمَّا الصاروخ فاصطدم بسطح الماء وانفجر فيه، بعد أن اندفع «أحمد» بعيدًا في اللحظة المناسبة … وصاحت «زبيدة» في سعادة وهي تحتضن «إلهام»: لقد قمت بعمل رائع!
قال «أحمد»: ليس هذا وقت التهنئة.
وكان «أحمد» على حق لسببَين … أولهما أن الطائرة الثانية قد عاودت هجومها على زورق الشياطين، وهي تطلق سيلًا من الرصاص في اتجاهه …
أمَّا السبب الثاني فكان غير مُتوقَّع على الإطلاق … فقد نفد وقود خزان الزورق الذي يستقلُّه الشياطين …
وهكذا صاروا محاصرين في فخ قاتل … في قلب المحيط الواسع.