خطة مضادة!
صاح «أحمد» في الشياطين: اقفزوا إلى قلب المحيط!
وقبل أن يُنهي عبارته كان قد بادر بإلقاء نفسه في ماء المحيط … وعلى الفور قفز الشياطين خلفه غائصين في الماء …
وقبل أن تمر ثانية واحدة دوَّى انفجار هائل بأعلى … وشاهد الشياطين زورقهم وهو يتناثر إلى أشلاء فوق سطح الماء …
ثم انطلق الرصاص يحصد سطح الماء من كل اتجاه … وواصل الشياطين غوصهم مبتعدين عن المكان … وما كادوا يرفعون رءوسهم طلبًا للهواء فوق الماء، حتى غمر المكانَ ضوء قوي مُسلَّط من كشاف كبير بالطائرة، أحال سطح الماء المظلم إلى نهار …
عاود الشياطين غوصهم لتحاشي طلقات الرصاص المنهمرة من أعلى … وأشار إليهم «أحمد» أن يسبحوا تجاه شاطئ «هافانا» البعيد، وأن يتحاشَوا الظهور فوق سطح الماء … وأومأ بقية الشياطين برءوسهم بنعم وهم يتحاشَون لفت انتباه أسماك القرش البعيدة … ولكن، حتى قلب الماء لم يكن مكانًا آمنًا …
ليس بسبب أسماك القرش الكبيرة والمستعدة للتدخل إذا ما أحسَّت بالجوع أو اشتمت رائحة أي دماء …
بل بسبب مجموعة الغواصين التي اندفعت من قلب الماء، مُسلَّحةً بالبنادق المائية، وهي تُصوِّبها تجاه الشياطين … الذين لا يملكون أي سلاح.
ولم يكن الشياطين بحاجة إلى تعليمات بالتصرف … كانوا قد تدرَّبوا على ذلك الموقف عشرات المرات من قبل … وواجهوه أيضًا مرات عديدةً لا تحصى.
وعلى الفور، تفرق الشياطين على شكل مروحة في كل الاتجاهات لتشتيت انتباه المهاجمين، وتفتيت قوتهم المهاجمة.
واندفع الغواصون خلف الشياطين، وقد تفرَّقوا أيضًا …
انطلق عددٌ من السهام تجاه الشياطين، ولكنهم تحاشَوها ببراعة …
كان قلب الماء المظلم البارد في صالحهم … وسرعان ما كانوا يختفون في قلب الماء ويكمنون بداخله وقد احتبست أنفاسهم.
ما إن اقترب أول الغواصين، حتى فوجئ بمن ينتزع خرطوم تنفُّسه ويمزِّقه ويستولي على سلاحه ويشل حركته.
بضربة هائلة تهاوى الغواص لأسفل …
واقترب غواص ثانٍ … وثالث … وحدث لهم نفس الشيء …
خلال دقيقتَين كان الغواصون بأكملهم يرقدون في قاع البحر … والشياطين الستة قد تسلَّحوا بأسلحتهم واستولَوا على أنابيب الأكسجين منهم …
رفع «عثمان» أصابعه بعلامة النصر … وشرع مع بقية الشياطين يغوصون في قلب الماء، سابحين تجاه الشاطئ البعيد، دون أن يغامروا بالظهور فوق سطح الماء؛ خشيةً من رصاص طائرة العصابة …
لكن الخطر كان لا يزال باقيًا برغم كل شي.
أحسَّ «أحمد» بالخطر … فقد تيقَّظت حاسته السادسة فجأة، فرفع وجهه نحو سطح الماء، وشاهد شيئًا يسقط على مسافة قريبة.
كانت قنبلة أعماق … وكان انفجارها كفيلًا بقتل من يصل إليه تأثيرها …
على الفور أعطى «أحمد» زملاءه إشارةً مُحذِّرة سريعة، وغاصوا لأسفل بكل ما استطاعوا من قوة.
انفجرت القنبلة لتمزِّق كل ما وجدته في طريقها من أسماك …
شعر الشياطين كأن دُوامةً قد أخذتهم فيها … ولكن بُعدهم عن الانفجار قلَّل من تأثيره عليهم، فلم يُصابوا بأذًى …
دوَّى انفجار ثانٍ، وثالث … وبدا قلب المحيط كأنه قد تحوَّل إلى بركان يغلي … وغمغم «أحمد» لنفسه في غيظ هائل: هؤلاء المجرمون! … لقد صمَّموا على التخلُّص مِنَّا مهما كان الثمن، وبأية وسيلة.
أشار «عثمان» ﻟ «أحمد» متسائلًا عن الحل … كان الهواء الباقي في أنابيب الأكسجين قليلًا، ولن يسمح لهم بالغوص أكثر من دقائق قليلة … كان ظهورهم فوق سطح الماء كفيلًا بقتلهم بالرصاص المنهمر من طائرة العصابة.
من بعيد اندفعت أسماك القرش إلى المكان في توحُّش، وهي تهاجم كلَّ من تلقاه في طريقها، وقد أصابتها رائحة الدماء بالتوحُّش.
اندفعت إحدى أسماك القرش تهاجم «إلهام» التي فوجئت بها، ولكن طلقةً من بندقية «أحمد» أنقذتها في الوقت المناسب …
هاجمت سمكة أخرى «عثمان»، ولكنه ناورها في مهارة، ثم أطلق سهمه في قلبها مباشرة … وسبح الشياطين مبتعدين عن مكان أسماك القرش … وراحوا يغوصون نحو الشاطئ البعيد وهم يبذلون جهدًا كبيرًا …
لكنهم شاهدوا قطعًا كبيرة من اللحم الغارقة في الدماء تسقط من أعلى فوقهم … ولم يكن من شك في أن رجال العصابة يُلقونها من الطائرة لكي يجتذبوا أسماك القرش لتفترس الشياطين بعد أن تُحاصرهم، وتسد عليهم طريق الهرب …
كانت خطةً جهنمية … ولم يكن من شك للشياطين في أن ذلك المجرم المدعو ﺑ «العقرب الجهنمي»، يمتلك بالفعل عقلًا إجراميًّا جهنميًّا …
جزَّ «أحمد» على أسنانه في غضب هائل، وهمس لنفسه: حسنًا … إننا نقبل التحدي … وسوف نرد بمثله …
أشار إلى زملائه بأن يُغيِّروا اتجاههم … تجاه قلعة العقرب.
رمق الشياطينُ «أحمد» في دهشة وهم لا يدرون فيما يُفكِّر، ولكنه تقدَّمهم غائصًا نحو شاطئ الجزيرة البعيدة، فتبعوه في صمت …
ثم رفعوا رءوسهم فوق سطح الماء … كانت الهليكوبتر بعيدةً تنتظرهم على شاطئ «هافانا» … على حين كانوا يقتربون من جزيرة «العقرب»، وليس بينهم وبين شاطئها غير كيلومترات قليلة.
سأل «عثمان» «أحمد» في دهشة: ماذا تنوي أن تفعل يا «أحمد»؟
أجابه «أحمد»: إذا كان هذا «العقرب» قد نجح بالحيلة في الحصول على الآثار المصرية القديمة، ويمارس معنا كل الأنواع الإجرامية في الهجوم لقتلنا … فلماذا لا نلجأ إلى أسلوب الخداع أيضًا في تعاملنا معه؟
إلهام: هل لديك خطة معينة؟
أحمد: لا … ولكنَّ وصولنا إلى شاطئ الجزيرة دون أن يُحس بنا رجال العصابة، ربما يُتيح لنا فرصة العمل في هدوء … إننا نُخاطر، ولكن لا سبيل آخر أمامنا … فرجال الشرطة ينتظروننا على شاطئ «هافانا» … وطائرة العصابة تنتظر ظهورنا فوق نفس الشاطئ لقتلنا … والمكان الوحيد الذي لا يتوقَّع أحدٌ أننا قد نلجأ إليه هو جزيرة العصابة … وليس أمامنا ملجأ آخر نذهب إليه.
عثمان: إننا نقبل التحدي … هيا بنا …
وشرع الشياطين يسبحون بكل قوتهم تجاه الشاطئ الغارق في الظلام، دون أن يصدر عنهم أي صوت … وأخيرًا وصلوا الشاطئ المظلم، وكمنوا في سكون خلف بعض الصخور به … وإلى الأمام، ظهر عددٌ من الحُراس يجوبون الشاطئ، حاملين مدافعهم الرشاشة، وهم يتطلَّعون إلى سطح المحيط في حذر … ومن الخلف ظهر عددٌ آخر من رجال العصابة داخل سيارات جيب، وهم يجوبون شاطئ الجزيرة …
اقترب أحد الحُراس من مكان الشياطين، فتأهَّب «عثمان» لملاقاته، ولكن «أحمد» أشار إليه بلغة الأصابع قائلًا: لا يا «عثمان» … إن الاشتباك مع رجل العصابة ليس في صالحنا؛ فهم أكثر عددًا، ونحن بلا سلاح، ومن الأفضل لنا التريث قليلًا.
توقف الحارس على مسافة خطوات قليلة من مكان الشياطين … ولفت انتباهَه بعضُ الخطوات المبتلة على الأرض، قادمة من الشاطئ …
ظهرت الدهشة على وجه الحارس، واقترب من الصخرة التي يختبئ خلفها الشياطين، ومدَّ رأسه يستطلع هذا الأثر …
في الحال حدث شيئان في لحظة واحدة؛ فقد طارت كرة «عثمان» المطاطية السوداء، واصطدمت بجبهة الحارس، فجعلته يترنَّح للخلف، ثم اندفعت قبضة «إلهام» إلى الرجل، فطار إلى الوراء، وسقط على الأرض الصخرية دون حراك.
أسرع الشياطين بجذب الحارس إليهم، والتقط «أحمد» سلاحه وهو يقول ﻟ «عثمان» و«إلهام»: لقد تصرَّفتما في اللحظة المناسبة.
أخفى الشياطين الحارس خلف الصخور، وارتدى «أحمد» ملابسه، وقال باسمًا: هذا هو الحل قد جاءنا من تلقاء نفسه.
عثمان: إذن علينا اصطياد المزيد من الحراس للحصول على ملابسهم وأسلحتهم.
هتفت «إلهام»: صه يا «عثمان»!
استمع الشياطين في حذر … كان صوت قارب بخاري سريع يقترب … ورسا القارب على شاطئ الجزيرة، وقفز منه رجل لم تظهر ملامحه جيدًا.
اقترب أحد الحراس من الرجل قائلًا: إن الزعيم «كارلوس» بانتظارك.
تحرَّك الرجل ليرتقي التل صاعدًا نحو القلعة … وفي تلك اللحظة سقط ضوء إحدى بطاريات رجال العصابة على وجهه، وبانت ملامحه، وشهق الشياطين للمفاجأة.
كان الرجل هو «خوان جيفارا» … عميل رقم «صفر»!