الخدعة!
تساءل «قيس» مذهولًا: هل عميل رقم «صفر» … خائن، أو عميل مزدوج؟!
أجابه «أحمد»: لا أظن ذلك … إن هذا الماكر هو أحد رجال «كارلوس فيفا» … ولا شك في أن عميل رقم «صفر» الحقيقي سجين داخل القلعة … أو لعله لاقى حتفه في مكان ما.
إلهام: وهذا معناه أن عميل رقم «صفر» كان مكشوفًا لرجال العصابة.
أحمد: هذا لا شك فيه، وقد قتلوه أو اختطفوه، ووضعوا «خوان» مكانه … ولقد شككت في أمر هذا المجرم بالفعل عندما هاجَمَنا رجال الشرطة على الشاطئ بعد خروجنا من الفندق، وانصراف «خوان» في طريق مختلف. وكذلك عندما نفد وقود الزورق البخاري الذي كُنَّا نستقله سريعًا.
زبيدة: لا بد من تلقين هذا المجرم درسًا.
قالت «إلهام»: المهم أيضًا إنقاذ عميل رقم «صفر» إذا كان لا يزال حيًّا داخل القلعة.
عثمان: المهم الآن دخولنا القلعة.
أحمد: سوف نُقسِّم أنفسنا إلى فريقَين؛ الأول أنا و«عثمان» و«إلهام»، وستكون مهمتنا التسلُّل داخل القلعة والعثور على مكان عميل رقم «صفر» وإنقاذه، والاهتداء إلى مكان الآثار المسروقة داخل القلعة، ومحاولة نقلها خارجها … أمَّا بقية الشياطين فستكون مهمتهم اصطياد الحُراس على الشاطئ واحدًا وراء الآخر، والاستيلاء على أسلحتهم؛ حتى لا نجد مقاومةً كبيرة عند محاولتنا مغادرة الجزيرة.
إلهام: بقي أن نحصل على ملابس رجال العصابة أنا و«عثمان» لنتمكَّن من التسلل بها إلى داخل القلعة.
قال «عثمان»: سأحصل عليها سريعًا …
قفز من مكانه بخفة الفهد، واقترب من حارسَين كانا واقفَين يتحدَّثان ضاحكَين، عندما برز لهما «عثمان» من الخلف، فحدَّقا فيه لحظةً وقد أخذتهما المفاجأة …
لم تستمرَّ المفاجأة طويلًا؛ لأن قبضة «عثمان» تكفَّلت بأحدهما وقدمه بالآخر، وحمل «عثمان» الحارسَين الفاقدَي الوعي إلى مكان الشياطين.
بعد دقيقة واحدة، كان «أحمد» و«عثمان» و«إلهام» يصعدون التل بملابس الحراس وأسلحتهم دون أن يعترضهم أحد … وقد بدوا على البعد الآخر كأنهم من رجال العصابة.
كان طريق الصعود لأعلى شاقًّا … وتحاشى الشياطين الثلاثة الطريق الممهَّد حتى لا يتعرَّف عليهم أحد خلاله.
ظهرت القلعة أمامهم فوق سفح التل … كانت جدرانها الصخرية قوية تتحمَّل حتى طلقات المدافع.
قال «عثمان» هامسًا: إنها أشبه بقلاع العصور الوسطى.
إلهام: هذا المجرم «كارلوس فيفا» هو رجل داهية حقًّا …
عثمان: من العجيب أننا لم نقابله حتى الآن!
أحمد: لعله يرى فينا مجموعةً من المشاغبين الهواة؛ ولذلك أرسل برجاله لقتلنا دون أن يُكلِّف نفسه عناء التعامل معنا وجهًا لوجه … ومن المؤكَّد أنه يظن أن رجاله قد تمكَّنوا من قتلنا بعد كل وسائل القتل التي استخدموها معنا.
إلهام: سوف تكون المفاجأة صاعقةً له عندما يرانا أحياء.
أحمد: وسوف تكون آخر المفاجآت بالنسبة له … هيا بنا.
تسلَّل الثلاثة داخلين القلعة من إحدى فتحاتها …
كانت حالة الأمن والحراسة داخل القلعة أقل كثيرًا منها خارجها … وراح الشياطين الثلاثة يجوبون القلعة التي امتلأت بالسراديب والحجرات المتعدِّدة، التي كانت مُؤثَّثةً تأثيثًا فاخرًا، يدل على ثراءٍ لا حَدَّ له.
اندهش الشياطين عندما شاهدوا مئاتٍ من الأعمال الفنية العظيمة، التي أبدعها أعظم فناني العالم … «رينوا» و«دافنشي» و«بيكاسو» و«فان جوخ»… وغيرهم.
كانت تلك الأعمال الفنية تساوي مئات الملايين من الدولارات … ولكن بَحْث الشياطين داخل القلعة لم يُسفر عن شيء … ولم يعثروا على المكان الذي أخفى فيه «العقرب» الآثار المصرية المسروقة.
توقَّف الشياطين الثلاثة أمام باب إحدى القاعات الفخمة … كان الباب مواربًا، فاقترب منه الشياطين في حذر … وأطلوا إلى الداخل فلمحوا «خوان جيفارا» وهو يرفع كأسًا إلى شفتَيه في تلذُّذ، وهو واقف أمام شخص كان جالسًا على مقعد وثير، وظهره إلى الشياطين.
قال «خوان» في سعادة: لقد قمنا بعمل بارع بخداع هؤلاء الشياطين … إنهم مجموعة من السُّذَّج، تمكَّنت من خداعهم بسهولة بالغة.
أجاب الرجل الجالس وكان ظهره للشياطين: إن خططي لا تفشل أبدًا، وإلا ما كانوا قد أسمَوني «بالعقرب الجهنمي».
تبادل الشياطين النظرات … واستدار «العقرب» بمقعده، وظهرت ملامحه للشياطين. كان وجهه رفيعًا حادًّا، وله عينان ذات نظرات مخيفة.
نهض «العقرب» وهو يقول: من المؤسف أن هؤلاء الشياطين باتوا يرقدون في بطون أسماك القرش؛ فقد كنت أرغب في الحصول عليهم أحياء لإحضارهم إلى قلعتي؛ لكي أقوم بالترحيب بهم على طريقتي الخاصة، وأُحوِّلهم لذوي العاهات المستديمة.
غمغمت «إلهام» في غضب: آه! إنه رجل متوحش.
ولكن «أحمد» أشار إليها أن تصمت؛ فلم يكن من صالحهم كشف وجودهم في تلك اللحظة. واصل «خوان» كلامه قائلًا: هل تنوي بيع الآثار المصرية أيها الزعيم؟
قطب «العقرب» حاجبَيه قائلًا في عدم رضًا: لقد بدأت تُكثر من الأسئلة يا «خوان»، وأنا لا أُحب من يصيبه الفضول.
خوان: لا تنسَ أنني نائبك وذراعك اليمنى أيها الزعيم، ومن حقي أن أعرف كل شيء.
غمغم «العقرب» قائلًا: هذا مؤسف … مؤسف جدًّا!
تساءل «خوان» في دهشة: ماذا تقصد؟
ثم تقلَّصت ملامحه، وظهرت عليه علامات ألم شديد … وسقط الكأس من يدَيه، وأمسك ببطنه في ألم، وصرخ في صوت متحشرج قائلًا: ماذا وضعت لي في هذه الكأس … إنني … إنني …
سقط «خوان» على الأرض وهو يتلوَّى، وقد تجمَّع الزبد فوق شفتَيه … وفي عينَيه نظرة ألم لا مثيل لها …
وانتفض «خوان» انتفاضةً أخيرة … ثم سكن جسده عن الحركة … وابتسم «كارلوس» ساخرًا، وقال: أخبرتك أنني لا أحب الأسئلة الكثيرة … خاصةً من رجالي … فهي تُشير ببوادر غير مطمئنة … ورفع كأسه تحيةً للرجل الميت قائلًا: في نخب روحك التي ستذهب إلى الجحيم …
ضغط على زر بجواره، فاندفع عدد من الخدم حملوا جثة «خوان» دون سؤال، وذهبوا بها خارجين.
تراجع الشياطين للخلف يتبادلون النظرات الصامتة … كان ما حدث أمامهم قد كشف لهم أن ذلك المجرم أكثر دهاءً وتوحشًا ممَّا ظنوا.
قال «أحمد» هامسًا: من الضروري العثور على ما نريد حالًا … فسوف يطلع النهار بعد وقت، ولن يكون ذلك في صالحنا، وبقية الشياطين على الجزيرة في الخارج.
اقترب أحد الحُراس من مكان الشياطين دون أن ينتبه لوجودهم، وامتدَّت ذراع «أحمد» لتُطوِّقه من الخلف.
همس «أحمد» به: عليك أن تدلنا على الرجل الذي اختطفتموه إلى هذه القلعة.
ظهر الذعر على وجه رجل العصابة، وقال في صوت متحشرج: لو فعلت ذلك فسوف يقتلني الزعيم!
شدَّد «أحمد» ضغطه على الرجل، وقال له: وإذا لم تفعل فسوف أقتلك حالًا … فما رأيك؟
حاول رجل العصابة المقاومة دون فائدة، وقال في صوت متحشرج: سوف أفعل ذلك … ولكن لا تقتلني!
– حسنًا. هيا بنا.
صوَّب مدفعه الرشاش إليه قائلًا: تذكَّر … إن أي محاولة للهرب أو ادعاء البطولة، فلن يكون ثمنها غير مائة رصاصة في قلبك!
أومأ الرجل بنعم في ذعر … وقاد الشياطين لأسفل عبر مجموعة من السراديب انتهت إلى زنزانة كان بابها من الصلب، وقال رجل العصابة: إن الرجل المختطف مسجون في هذه الزنزانة.
إلهام: وأين مفاتيحها؟
– ليست معي.
أخرجت «إلهام» من شعرها بنسةً صغيرة، راحت تعالج بها قفل الباب الضخم … وأخيرًا انفتح القفل، وظهر بداخل الزنزانة شاب ملقًى في رُكنها، وقد تمزَّقت ملابسه وظهرت عليه آثار التعذيب الشديد.
أشار الشياطين للشاب بالخروج، فتساءل في ذهول: من أنتم؟
أجابه «عثمان»: النجوم الزرقاء لا تُبدِّد حُلكة الظلام.
غمغم الشاب ذاهلًا: يا إلهي! … لا أكاد أُصدِّق أنكم تمكَّنتم من الوصول إلى مكاني … لقد اختطفني هؤلاء المجرمون قبل وصولكم إلى «هافانا» بساعات، وعرفت أنهم ينوون قتلكم …
أحمد: لقد أراد الكثيرون ذلك، ولكن القدر لم يُمهلهم؛ لأننا تخلَّصنا منهم قبلها.
مدَّ عميل رقم «صفر» يده مصافحًا الشياطين، وهو يقول: إنني أُدعى «دانيال فابريس». وفجأةً تنبَّهت «إلهام» إلى شيء، فتلفَّتت حولها في دهشة بالغة، وقالت: أين ذهب رجل العصابة؟! … لقد تمكَّن من الهرب أثناء انشغالنا في فتح الزنزانة.
أحمد: علينا إذن أن نسرع بمغادرة هذا المكان بسرعة قبل وصول عشرات الحراس إلينا ومحاصرتنا.
اندفع الشياطين يجرون إلى نهاية السرداب … ولكنهم تراجعوا بسرعة عندما انهال عليهم الرصاص من مدخل السرداب مثل المطر.
أصبح الشياطين الثلاثة و«دانيال» داخل فخ يستحيل الهرب منه.