حرب الشياطين!
تدافع الشياطين إلى الوراء وهم يُطلقون سيلًا من الرصاص لتأمين تراجعهم … وجاوبتهم طلقات الرصاص من الأمام، وتزايدت أعداد رجال العصابة.
قال «عثمان» في قلق: سوف ينفد رصاصنا سريعًا، فما العمل؟
تلفَّت «أحمد» حوله فلمح نافذةً صخرية عالية إلى اليسار، واقترب منها وأطل بأسفل، فشاهد هُوةً عميقة تنتهي عند سفح الجزيرة … على حين كان يمتد بجوارها إفريز صاعد إلى سطح القلعة، شديد الخطورة.
قال «أحمد» للباقين: ليس أمامنا غير تسلُّق هذا الإفريز، بالرغم من خطورته …
عثمان: هيا بنا …
وشرعوا يتسلَّقون النافذة العالية، وخرجوا منها إلى الإفريز الملتوي الصاعد لأعلى … وراحوا يسيرون في حذر حتى انتهَوا إلى سطح القلعة.
هناك كان عدد من الحُرَّاس بانتظارهم، فتكفَّل رصاص الشياطين بوقف مقاومتهم … واستولى الشياطين و«دانيال» على أسلحة رجال العصابة ليُؤمِّنوا بها أنفسهم.
تساءلت «إلهام» في قلق: ما العمل الآن؟ … إننا لا نزال محاصرين فوق القلعة.
وقعت عينا «أحمد» على صندوق للبارود في أحد الأركان، ولمعت الفكرة في عينَيه، وقال: سوف نقوم بعمل صغير … ولكنه مؤثر.
اقترب من صندوق البارود يتفحَّصه … كان بحالة جيدة، وقال للباقين: تراجعوا للوراء واحتموا بالصخور … وصوَّب مدفعه الرشاش نحو صندوق البارود … وأطلقه.
دوَّى انفجار هائل. تحوَّل صندوق البارود إلى قنبلة من الجحيم، وانفجر في دَوِي هائل ليطيح بسقفِ وسور القلعة وأحد أبراجها، فتهاوت لأسفل كما لو كانت قطعًا من الكرتونة … واشتعلت النار في المكان.
تصاعد صراخ رجال العصابة من أسفل، والنار تندفع خلفهم، وتلتهم كل ما تجده في طريقها …
صاحت «إلهام» في قلق: سوف تلتهم النيران القلعة بكل ما فيها من لوحات فنية وأثرية نادرة، وكذلك الآثار المسروقة!
أحمد: لا أظن … فسوف يسارع رجال العصابة بحمل هذه الأشياء خارج القلعة خشيةً عليها، وانشغالهم ذلك سوف يمنعهم من مطاردتنا.
هتف «عثمان»: إنها خطة رائعة يا «أحمد».
قال «أحمد» باسمًا: إننا نرد بذلك بعضًا من الخطط الجهنمية التي لاقانا بها هذا المجرم «كارلوس فيفا». هيا بنا نهبط لأسفل.
فجأةً جاء صوت من الخلف يقول: إنني أعترف لكم بالبراعة حقًّا.
التفت الشياطين للوراء في دهشة، فشاهدوا «العقرب» واقفًا خلفهم شاهرًا مدفعًا رشاشًا في وجوههم … وكان من الواضح أنه صَعِد إلى سطح القلعة من خلال سُلَّم خلفي خفي لم ينتبه لوجوده الشياطين.
لوَّح «العقرب» بمدفعه أمام الشياطين و«دانيال» قائلًا: والآن ألقوا بأسلحتكم على الأرض.
أطاع الشياطين و«دانيال» في صمت … واقترب العقرب ساخرًا وهو يقول: لقد أمرت رجالي بإنقاذ الأعمال الفنية والآثار من الحريق كما توقَّعتم، فانشغلوا عنكم كما توقَّعتم … أمَّا أنا فلم يشغلني عنكم شيء … فهناك حساب يجب تصفيته، وقد حان أوان ذلك.
اقترب من أحد المدافع الباقية السليمة على سور القلعة وهو يضيف: إنني أعترف لكم بأنني لم أمنحكم قدر حقكم من المهارة … فقد كنت أظنكم مجموعةً من الهواة، ولكن وقت إصلاح ذلك الخطأ لم ينتهِ بعد. وصوَّب فُوَّهة المدفع نحو الشياطين و«دانيال»، وحشا المدفع بإحدى القنابل، وقال ساخرًا: لعلكم الآن عرفتم الطريقة التي أنوي التخلُّص بها منكم … فلا شك أن قذيفة مدفع تصيبكم لن تترك منكم أي أثر … بعكس طلقات الرصاص.
جمد الشياطين في أماكنهم … كان ذلك المجرم يبدو جادًّا فيما يقوله … ولم يكن هناك أي وقت للانتظار …
كان المدفع مُصوَّبًا تجاه الشياطين … والنار تقترب منهم بسرعة من الخلف …
عمل عقل «أحمد» بسرعة جبارة … وبحركة مباغتة ركل بقدمه قطعة خشب مشتعلة. وطارت قطعة الخشب وسقطت إلى يسار «كارلوس»، الذي التفت مندهشًا وهو لا يدري سر ما فعله «أحمد».
أفاد ذلك في شيئَين … أنه عطَّل «العقرب» عن إشعال فتيل المدفع … وأن قطعة الخشب المشتعلة سقطت فوق قذيفة مدفع بجواره …
قبل أن يتمكَّن العقرب من أن يفعل شيئًا … انفجرت قذيفة المدفع في صوت مُدوٍّ … فأطاحت «بالعقرب» من فوق سور القلعة إلى أسفل، فتهاوى فوق الصخور وقد تحطَّمت عظامه تمامًا.
صاح «أحمد»: هيا بنا … فهذا المجرم يستحق ما جرى له.
وأسرع الجميع يهبطون لأسفل … وشاهدوا رجال العصابة وهم ينقُلون اللوحات الفنية إلى خارج القلعة في جهد محموم، دون أن يدروا بما جرى لزعيمهم.
كادت «إلهام» تندفع للاشتباك معهم، ولكن «أحمد» أوقفها قائلًا: فلننتظر حتى ينتهوا من إخراج الآثار المصرية المسروقة من داخل القلعة … فخلال ذلك سأفعل شيئًا هامًّا.
غاب «أحمد» في الداخل، وعاد بعد قليل وابتسامة نصر على وجهه.
عندما انتهى رجال العصابة من نقل الآثار إلى خارج القلعة، أشار «أحمد» للشياطين ببدء الهجوم.
اندفعت «إلهام» و«عثمان» و«دانيال» نحو رجال العصابة الذين فوجئوا بهم … ومن الخلف اندفع «قيس» و«هدى» و«زبيدة» أيضًا.
لم تستمرَّ المعركة طويلًا. تمدَّد بعدها رجال العصابة على الشاطئ دون حراك … تساءلت «إلهام» في دهشة: أين ذهب حُراس الشاطئ من رجال العصابة؟
قالت «زبيدة» ضاحكة: لقد تكفَّلنا بهم جميعًا، وهم يرقدون خلف الصخور مُقيَّدين وفاقدين الوعي.
إلهام: فلنسرع إلى زوارق العصابة لننقُل الآثار إليها.
لكن فجأةً ومن الأمام، ظهر عددٌ من زوارق رجال الشرطة وحرس الحدود، وراحوا يُمطرون شاطئ الجزيرة بالقنابل.
هتف «عثمان»: لنسرع بالاحتماء خلف الصخور.
ألقى الشياطين بأنفسهم خلف الصخور. قال «قيس» في قلق: لا بد أن المرتزقة المتعاونين مع «كارلوس» قد أدركوا أن الجزيرة تتعرَّض لهجوم، فجاءوا لمساعدة هذا المجرم.
أحمد: هذا ما توقَّعته؛ ولذلك تصرَّفت بالطريقة المناسبة.
تساءلت «إلهام»: ماذا تقصد يا «أحمد»؟
فجأةً دوَّى انفجار … وتحوَّلت زوارق رجال العصابة إلى كتلة من اللهب، بعد أن دمَّرتها قذائف حرس الحدود.
قالت «زبيدة» ساخطة: لقد فقدنا آخر وسائل مغادرة هذه الجزيرة اللعينة … سوف يُحاصر حرسُ الحدود والشرطة الجزيرة، ويقتحمونها بعد قليل.
ومن أعلى تعالى أزيز طائرة هليكوبتر … كانت طائرة العصابة، فقالت «إلهام» في غيظ: لم يكن ينقصنا غير ذلك!
لكن «أحمد» صوَّب مدفعه الرشاش، وبقي مكانه ساكنًا … وما إن اقتربت الطائرة وهي تستعد لإطلاق صواريخها، حتى عاجلها «أحمد» بدفعة من مدفعه الرشاش أصابت الطائرةَ وترنَّحت في الهواء لحظة، ثم تهاوت مندفعةً بأقصى سرعتها ساقطةً لأسفل … وجاء سقوطها فوق زوارق حرس الحدود، فاشتعلت جميعها، وتحوَّلت إلى جحيم فوق سطح الماء …
رفع «عثمان» يده بعلامة النصر قائلًا: تصويبة رائعة!
أشارت «إلهام» إلى الشاطئ قائلة: إن بقية زوارق المرتزقة تتراجع للوراء عائدةً إلى «هافانا».
قالت «زبيدة» ضاحكة: إنهم أصبحوا لا يستطيعون تحمُّل المزيد من الخسائر بعد ما لاقَوه على أيدينا.
تطلَّعت «هدى» حولها في قلق قائلة: ولكن، كيف سنغادر هذه الجزيرة ومعنا الآثار المسروقة؟
ألقى «أحمد» نظرةً إلى ساعته وقال: الآن … وبعد ثوانٍ قليلة …
لم يكد «أحمد» ينهي عبارته حتى شقَّ قلبَ الماء على مسافة عشرات الأمتار من شاطئ الجزيرة، غواصةٌ صغيرة كانت مجهولة المعالم.
تساءل «قيس» في دهشة بالغة: من أين أتت هذه الغواصة، ومن الذي أرسلها؟!
أجاب «أحمد» ضاحكًا: إن رقم «صفر» رجل دقيق في مواعيده.
تساءلت «هدى» في دهشة: أتعني أن رقم «صفر» هو الذي أرسل هذه الغواصة إلينا؟
أحمد: لقد اتصلتُ به من القلعة، وقد توقَّعت وجود جهاز إرسال قوي بداخلها يمتلكه «العقرب»، وطلبت من رقم «صفر» إرسال غواصة بسرعة لتنقُلنا مع الآثار إلى بلادنا.
إلهام: ولكن، كيف أمكن لرقم «صفر» إرسال غواصة بمثل هذه السرعة؟
أحمد: إن رقم «صفر» رجل عملي … وقد توقَّع احتياجنا لمثل هذه الغواصة لنقل الآثار إلى مصر، دون أسئلة من رجال الجمارك في هذه البلاد؛ لذلك أرسل هذه الغواصة خلفنا، وبقيت قريبًا من الشاطئ تنتظر لحظة احتياجنا لها.
قالت «هدى» بإعجاب: يا له من رجل … رقم «صفر»!
تأمَّلت «إلهام» «أحمد» في إعجاب قائلة: يا لك من شاب رائع!
بادلها «أحمد» الابتسام وهو يقول: لا وقت لدينا لإضاعته؛ فعلينا أن ننقُل الآثار المسروقة إلى الغواصة قبل مجيء ضباط الإنتربول الدولي للقبض على باقي عصابة «العقرب» …
تساءلت «إلهام» في دهشة: ومن الذي استدعى الإنتربول؟
أجابها «أحمد» ضاحكًا: وهل ظننت أنني سأستدعي رجال شرطة «هافانا» للقبض على رجال العصابة؟ … لقد اتصلت بالإنتربول طالبًا إرسال بعض ضُباطهم وقوة كبيرة للقبض على أفراد هذه العصابة … وهم لن يصلوا قبل ساعة، سنكون خلالها قد تمكنا من نقل الآثار المسروقة إلى غواصتنا، ومغادرة المكان. أمَّا بقية اللوحات الفنية المسروقة من المتاحف الأخرى فسيتولَّى الإنتربول إعادتها إلى أصحابها، كما سيتولَّون إلقاء بقية رجال عصابة «العقرب» الأحياء في السجن مدى الحياة …
تأمَّل بقيةُ الشياطين «أحمد» في دهشة بالغة ممتزجة بالإعجاب … كان يبدو عمليًّا إلى أقصى حد، ولا يفوته شيء …
وكان من المؤكَّد أنه يومًا ما … سيكون هو الرجل الذي يحل محل رقم «صفر» … عندما يحين أوان تقاعد هذا الأخير.