شريكي في الغرفة
لم يمض وقت طويل قبل أن أجد نفسي جالسًا لتناول وجبة العشاء، شملت لحمًا وبطاطس وحلوى الزلابية. كانت وجبة طيبًة للغاية، بل كانت أول وجبة طيبة أتناولها منذ وقت طويل.
تأملت الرجال الذين جلسوا حولي على المائدة. ترى هل منهم المجهول الذي سيشاركني الغرفة؟ عندما سألت صاحب النزل هذا السؤال، هز رأسه نفيًا.
في نفس اللحظة، دلفت الفندق مجموعة صاخبة من الرجال. كان هذا طاقم سفينة جرامباس التي حطت منذ لحظات بعد رحلة استمرت ثلاثة أعوام.
جميعهم كانوا صاخبين، تبدو عليهم الحماسة والحيوية وهم يأكلون ويشربون، ودار بينهم حديث مشوق، فجلست في صمت استمع إليهم، تسليت كثيرًا.
بعد العشاء، انتظرت في غرفة الاستراحة بالفندق مع صاحب النزل. ظل الفضول يساورني حيال شريكي في الغرفة الذي لم يظهر إلى ذلك الوقت.
سألت صاحب الفندق: «أين عساه أن يكون الآن؟ هل يمكث دائمًا خارج الفندق حتى هذه الساعة؟»
فأجابني: «لا، لا، إنه يعود في العادة باكرًا ويصحو باكرًا. أعتقد أنه يواجه مشكلة في بيع بضائعه.»
فسألت: «بضائعه؟ ماذا تعني؟»
قال: «حُلي صغيرة يبيعها؛ عقود، ونفائس، وأشياء من هذا القبيل يعود بها من رحلاته، لكن البلدة تمتلئ بهذه الأشياء؛ فالكثير من البحارة يحاولون بيع هذه البضائع.»
فسألته: «هل تعتقد أنه لا يزال يحاول بيع بضاعته حتى هذه الساعة؟ لقد جاوزنا منتصف الليل.»
فأجاب: «من الصعب الجزم بهذا، لكنه لم يتأخر من قبل إلى هذا الوقت. أعتقد أنه قد لا يعود على الإطلاق.»
وهنا قررنا أن الوقت قد حان للخلود إلى النوم، فصحبني صاحب الفندق أعلى درج إلى غرفتي ثم أدخلني إياها. كان فراشها كبيرًا يتسع لأن ينام عليه شخصان بارتياح.
ظللت إلى تلك اللحظة متوجسًا من مشاطرة الفراش مع رجل غريب، مع أنني اعتقدت أن صاحب الفندق محق في أن زميلي في الغرفة سيبيت خارج النزل الليلة؛ فتقلبت في فراشي بعض الوقت قبل أن أغط في النوم، مع أنني كنت متعبًا.
لم يكد النعاس يغلبني حتى استيقظت على صوت وقع أقدام في الرواق المؤدي إلى الغرفة؛ فتمددت على الفراش في صمت وباب الغرفة ينفتح، وقف عند الباب رجل ضخم الجثة، دلف ثم وضع الشمعة التي يحملها في أحد أركان الغرفة.
فقلت له مرحبًا كي ينتبه إلى وجودي، لكنه لم يجب.
عندما التفت لينظر إلي، رأيت وجهه على ضوء الشمعة. رباه! لم أر من قبل وجهًا كهذا، ظننت في البداية أنه خرج لتوه من معركة؛ إذ بدا وجهه مزرقًّا مكدومًا، لكن بعد لحظة من التأمل أدركت أنه يضع وشمًا، زينت وجهه كله مربعات سوداء.
خلع قلنسوته المصنوعة من الفرو ووضعها جانبًا ثم خلع قميصه، فوجدت الوشم نفسه يغطي جسده.
فكرت في الفرار عبر النافذة، لكننا كنا في الطابق الثاني، وأيضًا أنا لست جبانًا، لم أر من قبل رجلًا كهذا، لكن هذا لم يكن أمرًا يستدعي الخوف.
هذا إلى أن بدأ الرجل في مهاجمتي؛ قفز فجأة على الفراش وأخذ يدفعني ويلكزني؛ فجاهدت لأفلت منه.
تمتم سائلًا إياي في غضب: «من أنت؟ أخبرني من أنت؟»
فصحت مناديًا صاحب الفندق: «بيتر كوفين! تعال بسرعة! هذا الرجل يهاجمني!» لم تمض إلا دقائق قليلة قبل أن يصل بيتر كوفين إلى باب الغرفة حاملًا شمعته.
قال: «لا داعي لهذه الجلبة، لن يمسك كويكيج بأذى.»
فصحت: «لن يمسسني بأذى؟! انظر إليه! إنه يحاول إيذائي.»
لكن في اللحظة نفسها التي نطقت فيها بتلك الكلمات، لاحظت أن كويكيج يجلس في استرخاء مستندًا إلى الحائط وهو يبتسم لنفسه؛ فشعرت بالإحراج لأنني أحدثت جلبة.
فقال صاحب الفندق: «آسف لأن كويكيج فاجأك. حسبت أنك ستتفهم أنه نيوزيلندي. إنه فتى طيب. لن يحاول إخافتك مجددًا. أليس كذلك يا كويكيج؟»
فأجاب كويكيج: «لا، لن أصنع المزيد من المشاكل.» ثم قال لي: «لتنم الآن، حان وقت النوم.»
أدركت سريعًا أنني كنت غير منصف؛ إذ أصدرت الكثير جدًّا من الأحكام في وقت قصير عن هذا الرجل. صنع هذه التمثيلية لأنه فطن إلى أن مظهره بث في نفسي الخوف، لكنه لم ينو إيذائي.
أوى كلانا إلى الفراش، ولم أنم في حياتي نومًا أهنأ من الذي نعمت به تلك الليلة.