الرحلة إلى نانتكت
اليوم التالي دفعت أنا وكويكيج حساب الإقامة بالفندق وحملنا جميع أغراضنا على عربة يد إلى ميناء المدينة وأخذنا سفينة متجهة إلى نانتكت، لكن لم يمض وقت طويل قبل أن أرى المتاعب التي يواجهها كويكيج لكونه مختلفًا عمن حوله.
أساء إليه الكثير من ركاب السفينة وانهالوا عليه بالكثير من السباب الجارح، وسبني بعضهم أيضًا؛ إذ بدا أن صداقتنا تزعجهم. استاء كويكيج من حديثهم إلي بهذه الطريقة، لكنه حاول قدر استطاعته أن يتجاهلهم.
لكن عندما حاول فتى ما أن يثبت قوته بدفع كويكيج، بدر من كويكيج رد الفعل؛ فحمل الرجل بكلتا ذراعيه ورفعه عاليًا فوق رأسه.
ظن الرجل أن كويكيج سيلقيه في البحر، فأخذ يصرخ: «اتركني».
لكن كويكيج اتجه به صوب الحشد الذي تجمع على ظهر المركب ووضعه فوق كومة من الصناديق. لم أكن حتى تلك اللحظة قد انتبهت إلى أن كويكيج فارع الطول. صار الرجل عالقًا في مكان مرتفع على ظهر السفينة؛ فاضطر أصدقاؤه إلى القدوم ومساعدته على النزول.
بعدئذ صنع الرجل جلبة كبيرة؛ فاستدعى ربان السفينة زاعمًا أن خطرًا ما يهدده وزعم أن الجميع معرضون للخطر لأن كويكيج يهدد حياتهم.
فلما رأى الربان وجه كويكيج الذي يكسوه الوشم، صدق الرجل وبدأ يصيح فيه، لكن كل ما فعله كويكيج هو أن وقف رابط الجأش صامتًا عند سور السفينة يتأمل البحر، رافضًا أن ينظر إلى كلا الرجلين. شعرت بالفخر بمعرفتي بهذا الرجل الصبور.
لم ينتبه ربان السفينة وطاقمه أثناء انشغالهم بكيل السباب لكويكيج إلى صاري السفينة الذي حمل عبئًا ثقيلًا. الحبال التي ثبتت هذا الصاري بمكانه ربطت حوله بإحكام شديد، لكن عندما انفتق أحدها، تأرجح الصاري بقوة.
بدا أن الكل لا يدري كيف يتصرف. وقف طاقم السفينة يشاهد الصاري وهو يتأرجح على ظهر السفينة إلى الأمام وإلى الخلف على نحو لا يمكن السيطرة عليه، والحبال التي ثبتته بموضعه تتأرجح معه ضاربًة الهواء كالسياط. خشي أفراد الطاقم أن يقعوا خارج المركب إن اقتربوا كثيرًا من الصاري.
وهذا هو ما حدث بالضبط. اقترب رجل منه ليلقي نظرة عليه عن كثب، لكنه أدرك بعد فوات الأوان أن القيام بذلك كان خطًأ؛ إذ ارتدت عارضة السفينة إلى الخلف فطار في الهواء من على ظهر السفينة.
فسارع كويكيج بالتحرك، عثر على حبل آخر وربطه حول عارضة السفينة وكف حركتها باحتضانها والثبات في موقعه ثم انخفض تحت العارضة وربط الحبل بجانب السفينة الآخر فاستقرت العارضة في موضعها.
بعدئذ خلع كويكيج معطفه وقميصه وغاص في الماء وسبح حول السفينة بعض الوقت بحثًا عن الرجل الذي سقط خارجها، لكن لم يحالفه الحظ، كان الرجل قد اختفى.
لما عاد كويكيج إلى متن السفينة كان الجميع مدينون له بالفضل، لا سيما الربان، وحاولوا جميعًا الاعتذار عن السباب الذين كالوا له، لكنه تجاهلهم.
وسار إلى موضعه السابق عند السور وظل ينظر إلى البحر، لم يرد أن يتحدث إلى أحد، كل ما أراده هو أن يُترك وشأنه.