شون مْدوروما و«قطرات الماء»
شون مْدوروما كاتبٌ من محافظةِ أوكيناوا، التي تتكون من عدةِ جزرٍ في أقصى جنوبِ غربِ الأرخبيل الياباني، على مَقربةٍ من تايوان.
كانت أوكيناوا في الماضي مملكةً مستقلةً بذاتها تُسمَّى «مملكة ريوكيو» لها ثقافتُها الخاصةُ ولغتُها الخاصةُ التي ما زالت آثارُها موجودةً في اللغة المحلية لسكان أوكيناوا.
وُلِد شون مْدوروما في عام ١٩٦٠م، وتَخرَّج في كلية الآداب والقانون بجامعة ريوكيو بأوكيناوا. عَمِل بعد تخرُّجه في عدة وظائف؛ مثل فرد أمن لحراسة المباني، ومُعلِّم في فصولِ التقوية الأهلية، وحتى الآن لا يزال يعمل كمُعلِّم مع عمله في كتابة القصص.
حصل عام ١٩٨٣م على جائزة ريوكيو شين بو للقصة القصيرة في دورتها الحادية عشرة عن قصته «حكاية سرب الأسماك». وحصل في عام ١٩٨٦م على أوكيناوا الجديدة للآداب في دورتها الثانية عشرة عن مجموعته القصصية «مشيًا في شارع السلام». في عام ١٩٩٧م حصل على جائزة الأدب بمهرجان كيوشو للفنون في دورته السابعة والعشرين عن قصة «قطرات الماء»، ثم بعد ذلك على جائزة «أكوتاغاوا شو» العريقة عن نفس القصة، ليصبح رابع كاتبٍ من أوكيناوا يحصل على هذه الجائزة. يُصَنَّف «شون مْدوروما» على أنه كاتبٌ معارضٌ للنظام، وفي مجموعته القصصية «مشيًا في شارع السلام» يهاجم الإمبراطور والنظام الإمبراطوري بطريقةٍ غيرِ مباشرة. أَغلبُ إنتاجِه عبارةٌ عن مجموعاتِ قصصٍ قصيرة، لكنه يكتب في الجرائد والمجلات المحلية (خاصة في أوكيناوا) عددًا كبيرًا من الأعمدة والمقالات النقدية والأدبية.
تدور أحداثُ قصة «قطرات الماء» في إحدى قرى أوكيناوا عن زوجَين عجوزَين يعملان في الزراعة وليس لهما أولاد، تبدأ القصةُ بسقوط الزوج فجأةً طريحَ الفِراشِ بسبب مرضٍ غريبٍ لا يُعرف له اسمٌ ولا سبب؛ فقد تورَّمَت قدمُه اليمنى من أسفل الركبة، ليصبح حجمها أكبرَ من الفخذ، مع ارتفاع درجة حرارتها، وتحوُّل لون البشرة إلى اللون الأخضر الفاتح، ثم بدأ يتساقط من بين الأصابع سائلٌ يشبه قطرات الماء. أصبح الزوجُ واسمُه توكوشو طريحَ الفِراشِ لا يستطيع الحركة أو الكلام، لكن رغم ذلك لم يفقد الوعي. بدأ ينتشر في القرية خبر توكوشو وقدَمه فأقبل الناس بدافع الفضول يأتون لزيارته أو بالأحرى لمشاهدة هذه القدم العجيبة.
بعد أيام بدأ توكوشو يلاحظ في الجزء الأخير من الليل قدوم شبابٍ في عمر الزهور يلبسون ملابسَ عسكريةً قديمة، يقفون في طابورٍ طويلٍ وهم يتلهَّفون على شُربِ قطراتِ الماء التي تنزل من قدم توكوشو وأغلبهم مُصابٌ إصاباتٍ خطيرة أو قاتلة.
يَبدأ توكوشو في التعرُّف عليهم واحدًا بعد الآخر. إنهم زملاؤه الجنود الذين كانوا محاصَرين معه في أحد الكهوف أثناء الحرب العالمية الثانية حيث انقطع عنهم الماء والطعام.
تتَّفق «أوشي» زوجة توكوشو مع أحد أقربائها على أن يرعَى زوجها المريض أثناء غيابها في عمل الحقل. وبطريق الصُّدفة يكتشف هذا القريب أن الماء الذي يخرج من قدم توكوشو له فوائدُ عدة؛ مثل علاج الصلع والعنَّة وزيادة القوة الجسمانية، فيبدأ في تعبئته في زجاجات وبيعه على أنه الماء المعجزة، ويكوِّن ثروةً طائلة من ذلك.
أما توكوشو فيبدأ في استرجاع ذكرياته عن الحرب، وخاصة الأجزاء التي حاول طيلة عمره أن يمحوَها من ذاكرته، ولم يُخبِر بها أحدًا حتى الأقربين.
حيث إنه أثناء الحصار في الكهف خان زملاءه، أو بالأحرى فَضَّل نفسَه عليهم عندما شرب آخر كميةِ ماءٍ موجودة، رغم أنه لم يكن أحوجَ الناس إليها، وخرج من الكهف واعدًا الباقين بالحصولِ على الماء وجلبِه لهم، لكنه عندما وجد أول فرصةٍ للهرب بحياته لجأ إليها، ناسيًا الجرحَى والمصابين الذين كانوا ينتظرونه في الكهف متلهِّفين على قطرة ماء.
عندما يسترجع توكوشو ذكرياته ويُقِرُّ بفعلته المخزية، ويعترف بأنه أخطأ في حق زملائه، بل ويعتذر لهم ويطلب منهم السماح، هنا يكُف الجنود عن المجيء ليلًا، وتكُف قطرات الماء عن تساقُطها من قدَمه، ويتعافى توكوشو، ويذهب تورُّم قدَمه كأنه لم يكن.
في ذات اللحظة يتوقَّف مفعول الماء المعجزة، بل وتصبح حالةُ من تناولَه أسوأ عن ذي قبل، ويُطارِد المشتَرون من باعَه لهم على أنه نصَّاب، ويحولُون بينه وبين ثروتِه الحرام.
تُظهِر هذه القصة وجهةَ نظرِ كاتبِها في الحرب التي لم يعاصرها والتي وُلِد بعد ١٥ عامًا من نهايتها. يرى أن الأمراض التي يُعاني منها المجتمع سببها عدم الاعتراف بالأخطاء التي ارتُكبَت أثناء الحرب، وأن هناك من يُتاجِر بهذه الأمراض أو بأعراضها ويحقِّق ثرواتٍ هائلة في الخفاء (وأحيانًا في العلن). ويرى أن العودةَ إلى الأصل ومعالجةَ الأخطاء السابقة رُبما ستحُل الكثير من المشاكل القائمة، التي هي مجردُ أعراضٍ أو استغلال لهذه الأعراضِ من جانب عديمي الضمير.