حكاية جائزة نوبل للآداب مع اليابان
في بداية الخريف من كل عامٍ تتردَّد في اليابان والعالم كله المقولةُ المعتادة:
هل يفوز هاروكي موراكامي بجائزةِ نوبل هذا العام؟
هذا السؤال الذي دأبَت عليه وسائلُ الإعلامِ اليابانية كل عامٍ مُنذ عدة سنوات، كُلَّما حَلَّ موعدُ الإعلان عن جوائز نوبل، ومنها جائزة نوبل للآداب. وتكون طريقة الإعلان عن الجائزة في اليابان بعد معرفة الفائز ليس أن جائزة نوبل للآداب فاز بها فلان أو فلانة، ولكن كلَّ عامٍ تكون عناوينُ الجرائدِ ونشراتِ الأخبار الرئيسة بعد إعلان الجائزة هي: «جائزة نوبل للآداب تُخطِئ موراكامي» أو «فشل موراكامي في الفوز بجائزة نوبل» أو ما شابه من عناوين.
ولكن عندما يُسأل موراكامي شخصيًّا عن جائزة نوبل للآداب ومشاعره وهو يُرشَّح لها كل عامٍ تقريبًا، يتكلم بمنتهَى الجِدِّية ويُعرِب عن عدم سروره بذلك قائلًا: «هذا الأمر يُزعجُني بشدة؛ لأن الترشيح لا يستند على أي أساس، كأن يكون هناك قائمةٌ معلنةٌ طويلةٌ أو قصيرةٌ للمرشَّحين مثلما يحدُث في جوائزَ أخرى، ولكن الأمر لا يعدو أن يكون استباقًا من الناشرين وحيلةً رخيصة منهم لزيادةِ مبيعاتِ الكتب فقط لا غير. وفي النهاية أنا لستُ فرسًا في سباق، ليتراهن الناس على فوزي بالجائزة.» وعندما سُئِل موراكامي عما يشعر به من معاناةٍ في تلك الأيامِ التي تسبقُ الإعلامَ عن الجائزة والأيامِ التي تليها، ولماذا لا يستبقُ الأمرَ فيعلن رفضَه لقبول الجائزة حتى لو اختير لها ليريحَ نفسه من هذا العناء، وردًّا على ذلك أعلن موراكامي رفضَه للفكرة، وقال إن سببَ رفضِه لتلك الفكرة هو أنه يُوجَد في هذا العالم مَن لا يستطيع إصدار حكم على شيءٍ أو شخصٍ إلا بمقاييسَ ماديةٍ ملموسة؛ مثل مقدار المبيعات أو الحصول على الجوائز، وإنه شخصيًّا لا يستطيع أن يمنع هذا التفكير عن الناس، رغم أن الأدب في أساسه هو محاولةٌ لإيجاد مقاييسَ وقيمٍ معنوية أكثر منها ماديةً ملموسة، وهذا هو أصل المشكلة، على حسبِ تعبيرِ موراكامي.
من المعروف أن موراكامي حاليًّا هو أشهرُ روائيٍّ يابانيٍّ وأكثرُ الروائيين مبيعًا في العالم كله، وما إن تُصدر له روايةٌ أو كتابٌ حتى يَصطَّف الناسُ في طوابيرَ بالغةِ الطولِ للحصول على نسخةٍ من تلك الرواية. وآخر رواية أصدَرها في اليابان باسم «تسوكورو تازاكي عديمُ اللون وسنواتُ حَجِّه» حَطَّمَت عددًا من الأرقام القياسية في المبيعات لم تتحقَّق على مدَى التاريخ؛ منها أنها أولُّ روايةٍ أو كتابٍ في اليابان تصدُر منه الطبعة الثانية في نفس يوم صدور الطبعة الأولى، بسبب نفاد الطبعة الأولى من الأسواق خلال ساعاتٍ قليلة.
ولكن ما هي قصة جائزة نوبل للآداب مع اليابان؟
لقد فاز بجائزة نوبل للآداب من اليابان اثنان فقط؛ هما ياسوناري كاواباتا عام ١٩٦٨م، ثم كينْزابرو أُوئْيه عام ١٩٩٤م، ومن ذلك العام خاصمَت جائزة نوبل الأدبية أرضَ الشمس المشرقة، ولم يحصل منها أديبٌ على تلك الدُّرة الثمينة التي تَتوق لها أعناقُ الكثيرين من الأدباء، ولكن رغم عدم شهرة ذلك يُوجَد العديد من الكتاب اليابانيين الذين كانوا أقرب الناسِ للفوز بها، ولكن لم يُحالفهم الحظُّ في الفوز.
فطِبقًا لوثائق الأكاديمية السويدية المسئولة عن اختيار الفائز بجائزة نوبل في الآداب، والتي لا يمكن الاطِّلاعُ عليها إلا بعد مرور خمسين عامًا من تاريخ تلك الوثائق، فإن أوَّل من رُشِّح للفوز بجائرة نوبل في الآداب من اليابان هما الروائي روان أوتشيدا (١٨٦٨–١٩٢٩م) والشاعر والروائي يونيجرو نوغوتشي (١٨٧٥–١٩٤٧م) وذلك عام ١٩٢٦م، ولكن بالطبع لم يصل أيٌّ منهما إلى القائمة النهائية المرشَّحة للفوز.
ثم بعد تُظهِر وثائقُ الأكاديمية التي أعلنَتْها بناءً على طلبٍ من جريدة أساهي اليابانية أن عالمَ الاجتماعي والفيلسوف الياباني الذي نَشِط في مجال الإصلاح السياسي والاجتماعي المسيحي تويوهيكو كاغاوا (١٨٨٨–١٩٦٠م) قد رُشِّح مرتَين للجائزة عامَي ١٩٤٧م و١٩٤٨م. وانقضى عقدٌ من الزمن حتى ظهر على قوائم المرشَّحين للفوز بالجائزة اسم الروائي الياباني العملاق جونئتشيرو تانيزاكي (١٨٨٦–١٩٦٥م) ومعه الشاعر وأستاذ الأدب الإنجليزي د. جونزابرو نيشيواكي (١٨٩٤–١٩٨٢م) ليُرشَّحا معًا في عام ١٩٥٨م، ولكنهما كذلك لم يصمدا كثيرًا، وكان السبب الرئيس هو قلَّة الأعمال المترجَمة لهما.
من خلال وثائق وزارة الخارجية اليابانية التي سُمح بالاطِّلاع عليها أَمكنَ بطريقةٍ غير مباشرةٍ معرفةُ أن نفس الأديبين رُشِّحا معًا في عامي ١٩٦٠ و١٩٦١م، وتأكَّد الأمر من خلال وثائق الأكاديمية السويدية، بعد طلب من جريدة يوميوري اليابانية، التي أوضحَت أيضًا أن ياسوناري كاواباتا الذي كان أول ياباني يفوز بالجائزة عام ١٩٦٨م، قد سبق ترشيحُه لها عامَي ١٩٦١م و١٩٦٢م. ومن خلال الوثائق عُرف أنه تم ترشيحُ ثلاثة يابانيين معًا في عام ١٩٦٣م، وهم نيشيواكي وتانيزاكي وكاواباتا. ومن خلال حديثٍ صحفي مع رئيس لجنة نوبل في الأكاديمية السويدية مع جريدة يوميوري ذكر أنه لولا موتُ كوبو آبه (١٩٢٤–١٩٩٣م) المفاجئ لكان حصل على جائزة نوبل؛ فقد كان الأقربَ لها من الجميع. وقال إن يوكيو ميشيما (١٩٢٥–١٩٧٠م) لم يصل إلى المرحلة المتقدِّمة التي وصلها آبه. وقال أيضًا إن الروائي ياسوشي إينويه (١٩٠٧–١٩٩١م) كذلك كان قريبًا من الجائزة، ونُوقشت أعمالُه بجدية داخل اللجنة. وردًّا على ذلك يقول البروفيسور دونالد كين إنه من خلال وثائق الأكاديمية التي كُشف النقابُ عنها يتضح أن ميشيما وصل للقائمة قبل الأخيرة المكوَّنة من ستة مرشَّحين عام ١٩٦٣م، وكان من بين المرشَّحين صامويل بيكيت، ولكن تَمَّ استبعادُ ميشيما عندما قُلِّصَت القائمة إلى ثلاثة أشخاص. وفي ذلك العام طُلب من دونالد كين تقييمه لأدباء اليابان فقام بإرسال توصيته بترتيب الأفضلية حسب العمر والإنتاج الفكري على الشكل التالي: الأول تانيزاكي (٧٦ عامًا). الثاني كاواباتا (٦٣ عامًا). الثالث ميشيما (٣٨ عامًا). وهذا رغم أنه كان يرى أن ميشيما هو أعظم كاتبٍ ياباني على قيد الحياة وقتها، ولكنه رغم ذلك فضَّل تانيزاكي وكاواباتا على ميشيما في التوصية منطلقًا من الثقافة اليابانية، التي تعطي أهميةً بالغة لكبر السن والأقدمية في العمل؛ فلقد كان المجتمع الياباني يرى أن ميشيما ما زال شابًّا، وإذا حصل على الجائزة قبل تانيزاكي وكاواباتا فستكونُ نتيجة ذلك عكسية ويشعرون بشعورٍ ساخطٍ تجاه ميشيما.
وطبقا لما أذاعته وكالة كيودو من وثائق الأكاديمية السويدية نعرف أنه رُشِّح أربعة يابانيين للجائزة في عام ١٩٦٤م، هم تانيزاكي ونيشيواكي وكاواباتا وميشيما، وأن تانيزاكي وصل إلى قائمة الستة في المرحلة قبل الأخيرة، كما حدث معه عام ١٩٦٠م، وأن نفس الأربعة رُشِّحوا كذلك في العام التالي ١٩٦٥م، وهو العام الذي تُوفي فيه تانيزاكي، فقالت الأكاديمية في وثائقها إنه بعد موت تانيزاكي يكون كاواباتا هو أقرب أديبٍ يابانيٍّ للجائزة، وبالفعل فاز بها ياسوناري كاواباتا عام ١٩٦٨م، ولينتظر اليابانيون ربع قرنٍ حتى يحصُل عليها ثاني ياباني وهو كينزابرو أُوئْيه عام ١٩٩٤م. وتصمُت الجائزة عن اليابان حتى هذه اللحظة.