هاروكي موراكامي يفتتح موقعًا للتواصُل مع قُرائه والردِّ على أسئلتهم
في السادس عشر من شهر يناير لهذا العام افتتحَت شركة شينتشوشا للنشر موقعًا إلكترونيًّا خاصًّا بالأديب الياباني العالمي هاروكي موراكامي (٦٦ سنة) يقوم بالتواصُل بشكلٍ مباشرٍ مع القُراء من خلال الردِّ على أسئلتهم واستفساراتهم، بل والردِّ كذلك على استشاراتهم عن الحياة وكيفية مواجهة ما يُقابلُهم من فشلٍ أو معاناةٍ أو مصاعب.
وخلال أربعة أيام وصل للموقع أكثر من ١٠٠٠٠ رسالة، زادت إلى ١٥٠٠٠ بعد أسبوعٍ واحد من بداية الموقع. والجديد هو أسلوبُ هذا الأديب العالمي في الردِّ حيث يمزج الجِد بالمزاح، والفكر والفلسفة بالفن والرياضة، وحياته الشخصية بمكانته الأدبية، في خليطٍ بديع يُعبِّر عن عُصارة حياةِ هذا الأديب الكبير.
فمثلًا ردًّا على أحد القُراء الذي كتب إنه ليس لديه سؤالٌ محدَّد ولكنه عَزم على استهداف أن يكون أول السائلين؛ لذا استغلَّ انتهاءَه من الفصل الدراسي الأخير، وجلس بالساعات أمام الحاسوب انتظارًا لموعد توجيه الأسئلة بعد الإعلان عن افتتاح الموقع، ردَّ عليه موراكامي «حظُّك سيئ يا مسكين! للأسف كنت رقم عشرين تقريبًا، ولكن لا تحزن فهو رقمٌ جيد على أي حال ويُعتَبر في المقدمة. تهنئتي لك بانتهاء الفصل الدراسي.»
ولكن عندما يُسأل موراكامي عن جائزة نوبل للآداب ومشاعره وهو يُرشَّح لها كل عامٍ تقريبًا، يتكلَّم بمنتهى الجِدِّية ويُعرِب عن عدم سروره بذلك، قائلًا: «هذا الأمر يُزعجُني بشدة؛ لأن الترشيح لا يستند على أي أساس، كأن يكون هناك قائمةٌ معلنةٌ طويلةٌ أو قصيرة للمرشَّحين، مثلما يحدُث في جوائزَ أخرى، ولكن الأمر لا يعدو أن يكون استباقًا من الناشرين وحيلة رخيصة منهم لزيادة مبيعات الكتب فقط لا غير. وفي النهاية أنا لستُ فرسًا في سباق ليتراهن الناس على فوزي بالجائزة». وهنا تَدخَّل قارئٌ آخر وقال لموراكامي إنه يشعر بمدَى معاناته في تلك الأيامِ التي تسبق الإعلانَ عن الجائزة والأيامِ التي تليها، لدرجة أنه يتخيل موراكامي وهو يَلْعَن اليوم الذي قرَّر فيه ألفرد نوبل تخصيص جائزة من جوائزه للآداب، وتمنَّى لو اكتفى فقط بجوائز الطب والعلوم … إلخ، ثم اقترح عليه أن يُعلن رفضَه لقبول الجائزة حتى لو اختير لها ليُريحَ نفسه من هذا العناء، وردًّا على هذا الرأي أعلن موراكامي رفضَه للفكرة، وقال إن سببَ رفضِه لذلك هو أنه يُوجَد في هذا العالم مَن لا يستطيع إصدار حكم على شيءٍ أو شخصٍ إلا بمقاييسَ ماديةٍ ملموسة مثل مقدار المبيعات أو الحصول على الجوائز، وإنه شخصيًّا لا يستطيع أن يمنع هذا التفكير عن الناس، رغم أن الأدب في أساسه هو محاولة لإيجاد مقاييسَ وقيمٍ معنوية أكثر منها ماديةً ملموسة، وهذا هو أصل المشكلة، على حسب تعبير موراكامي.
مثلًا إحدَى المحبِّين له أرسلَت له رجاءً أن يَختار لها اسمًا لمولودها الذي على وشك المجيء؛ فهي لا ترى في بالها إلا اسم هاروكي، وتريد منه أن يقترح لها اسمًا قريبًا منه، فيقول لها إنه لا يخطُر على باله إلا اسم هاروكيتشي، وهو اسمٌ ربما يكون عتيقًا من أسماء القدماء؛ ولذا نصحها بعدم الاستماع إليه، وتسمية الطفل اسمًا آخر تختاره هي، ويكون اسمًا محبوبًا.
وبالطبع لأن الإنترنت مجالُه واسعٌ ومفتوح على العالم أجمع، فلم تقتصر الأسئلة على اللغة اليابانية فقط، بل يُوجَد عددٌ من السائلين من غير اليابانيين الذين يسألون موراكامي باللغة الإنجليزية، ويقوم بالردِّ عليهم باللغة الإنجليزية (موراكامي بدأ حياتَه الأدبية مُترجِمًا متخصِّصًا في ترجمة الأدب الأمريكي إلى اللغة اليابانية).
وهناك سؤالٌ آخر باللغة الصينية التي تختلف تمامًا عن اللغة اليابانية، وإن كانت الرموز التي يُكتَب بها قريبة، إلا أن موراكامي اعتذر للسائل وقال له إنه لا يستطيع فَهْم اللغة الصينية، ولا فَهْم ما يُحاوِل قولَه رغم فهمه لبعض الكلمات المكتوبة بالرموز الصينية.
وقد صدَّر موراكامي الموقع بتحية للقُراء يخبرهم فيها أنه يقوم بقراءة رسائلهم وأسئلتهم بنفسه ويردُّ عليها بنفسه؛ فلذا يعتذر لو تأخَّر في الرد، ويشير إلى أنه سيردُّ على نفس السؤال المكرَّر مرةً واحدة لشخصٍ واحد فقط، ويطلُب من القراء الرأفة بعينَيه في أن يجعلوا أسئلتهم واضحةً وجملها قصيرة بقَدْر الإمكان.
هامش: «هاروكي موراكامي» أشهرُ أديبٍ يابانيٍّ على قيد الحياة، ومن أوسع أدباء العالم انتشارًا، ويُقال إنه أكثرُ الأدباء قربًا من الحصول على جائزة نوبل التي يُرشَّح لها كل عامٍ تقريبًا في السنوات الأخيرة.
وُلد «موراكامي» عام ١٩٤٩م، في مدينة كيوتو العتيقة، ولكنه انتقل مبكرًا للعيش في مدنية كوبيه القريبة منها مع والديه، اللذَين كانا يعملان في تدريس اللغة اليابانية في مدرسةٍ أهلية متوسطة. وبتأثيرٍ منهما أصبح موراكامي مُحبًّا للقراءة يقضي أغلب وقته في التهام الكتب. دخل موراكامي في عام ١٩٦٨م جامعة واسيدا الشهيرة، التي تُعتَبر من أفضل الجامعات في اليابان، لدراسة الأدب، ولكنه عمل أثناء دراسته في الجامعة كعامل بارٍ في أحد نوادي موسيقى الجاز الليلية في طوكيو، ثم تزوج في عام ١٩٧١م، من زميلةٍ له في الدراسة وشاركَها في امتلاك بارٍ متخصِّص في موسيقى الجاز وهما ما زالا يدرُسان في الجامعة، مما جعله لا يتخرج من الجامعة إلا في عام ١٩٧٥م، بعد قضاء سبع سنواتٍ فيها، وهو أمرٌ نادر في اليابان. يُشتهَر موراكامي في اليابان بكُرهه للظهور في وسائل الإعلام وعدم حُبِّه للحديثِ عن نفسه أو كشفِ حياته الشخصية للعامة من خلال وسائل الإعلام المختلفة. ويفسِّر موراكامي ذلك بقوله إنه أثناء عمله في البار، تحدَّث مع بشرٍ عديدين أحاديثَ كثيرة للغاية تكفيه لبقية حياته. ولكن في مقابل ذلك يُسهِب موراكامي في الحديث لوسائل الإعلام الأجنبية، وينشط في تسويق نفسه عالميًّا.
بدأ موراكامي الكتابة الأدبية متأخرًا نوعًا ما؛ إذ إنه كان في الثلاثين من العمر عندما نُشر له أولُّ عملٍ روائيٍّ وهو «استمع لأغنية الريح». ويقول موراكامي إنه فكَّر صدفةً في كتابة الروايات أثناء مشاهدته لمباراة في لعبة البيسبول بملعب جينغوو القريب من البار الذي كان يملكه.
حقَّق موراكامي شهرتَه المُدوِّية من خلال رواية «الغابة النرويجية» التي باعت في اليابان فقط ما يقرب من خمسة ملايين نسخة. ثم توالت أعمالُه الروائية التي ما إن تصدُر حتى تتصدَّر قائمة المبيعات وتُترجَم للغاتٍ عدة من لغات العالم الحية.
أصدر موراكامي أحدث رواية له في شهر أبريل من عام ٢٠١٣م، باسم «تسوكورو تازاكي عديمُ اللون وسنوات حَجِّه» (صدرَت العام الماضي الترجمة الإنجليزية لها من دار كنوبف الأمريكية للنشر)، وكما هي العادة في روايات موراكامي أثارت ضجةً داخليًّا وعالميًّا؛ إذ إنها في اليابان احتلَّت قائمة أفضل المبيعات لجميع أنواع الكتب في العام التي صدرَت فيه رغم أنها صدرَت في الشهر الرابع من العام، وتُرجمَت حتى الآن إلى سبع عشرة لغةً من لغاتِ العالمِ المختلفة، ولكنها لم تُترجَم حتى الآن للغة العربية.