الفصل الأول
(المنظر هو غرفة جلوس جميلة في أحد الأدوار، ويوجد بها بابان: أحدهما يفتح على الصالة،
والآخر مغلق، ومسدل عليه الستائر، وثَمَّ نافذة كبيرة لم تُنحَّ عنها الستائر، ومنها
يرى
الإنسان أبراج وستمنستر سوداء، وشمس الصيف تدلف إلى المغيب، وهناك بيانو كبير في أحد
الأركان، ويُرى الخادم (بينتر) وهو رزين حليق الذقن والشاربين يعد منضدتين للعبة
البردج.
تدخل من الباب المسدلة عليه الستائر (بيرني) الخادمة، وهي فتاة من ذوات الوجوه المزدهرة
التي لا تُرى إلا في إنجلترا! وتترك الباب مفتوحًا، ومنه يَلمَح الإنسان الحائط الأبيض،
بينتر يرفع عينيه إليها، فتهز رأسها هِزَّة تُشعر بالإعراب عن القلق.)
بينتر
:
أين ذهبَتْ؟
بيرني
:
أظُنُّها تتمشَّى.
بينتر
:
إنها هي وسيدي لا يتفقان، وما أظن بها إلا أنها ستفِرُّ في يوم من الأيام،
سترَيْن، إني معجب بها؛ فإنها سيدة، يا لهؤلاء السادات! إنها جلودهم أبدًا
وأفواههم، يظلون ماضين حتى يقعوا من فرط الإعياء إذا راقهم ما هم فيه، أما إذا لم
يَرُقْهم الأمر فلا شيء إذن إلا القلق والتملمُل، كيف كانت حياتها هناك قبل أن
تتزوجه؟!
بيرني
:
أوه، هادئة بالطبع!
بينتر
:
البيوت الريفية، إني أعرفها، وكيف أبوها القسيس؟
بيرني
:
أوه، شيخ رزين جدًّا، وقد ماتت أمها قبل أن أشتغل عندهم بزمان طويل.
بينتر
:
أظنهم لا يملكون فلسًا.
بيرني
(تهز رأسها)
:
كلا، وسبعة أبناء.
بينتر
(يسمع صوت باب الصالة)
:
جاء السيد.
(تخرج بيرني من الباب ذي الستائر)، (يدخل جورج ديدموند من باب
الصالة وهو في ثياب المساء وقبعة الأوبرا والمعطف، ووجهه عريض وسيم حليق لمَّاع الجلد،
ولكن له شوارب أنيقة، وعيناه صغيرتان صافيتان زرقاوان وليس فيهما تفكير، وشعره
مُسوَّى.)
جورج
(يعطي الخادم معطفه وقبعته)
:
اسمع يا بينتر، تذكر دائمًا أن تضع صدارًا أسود كلما أرسلت من النادي أطلب ثياب
السهرة.
بينتر
:
لقد استَشرت سيدتي يا سيدي.
جورج
:
أعني في المستقبل، فاهم؟
بينتر
:
نعم يا سيدي (ثم مشيرًا إلى النافذة) هل أترك
شمس الغروب داخلة يا سيدي؟
(ولكن جورج يكون قد ذهب إلى الباب ذي الستار، ثم يفتحه وينادي
(كلير)، فلا يتلقى ردًّا، فيدخل فيضيء بينتر النور، وتظهر على محياه المتجه إلى الباب
ذي الستائر علائم القلق.)
جورج
(داخلًا)
:
أين المسز ديدموند؟
بينتر
:
لا أكاد أعرف يا سيدي.
جورج
:
هل تعشت هنا؟
بينتر
:
الساعة السابعة، ولكنها لم تكد تصيب شيئًا يا سيدي.
جورج
:
هل خرجت بعد ذلك؟
بينتر
:
نعم يا سيدي، أعني نعم إن سيدتي لم تكن لابسة ثياب الخروج، وأظن أنها كانت تريد
استنشاق الهواء يا سيدي.
جورج
:
ومتى قالت أمي إنهم سيحضرون للعبة البردج؟
بينتر
:
إن السير شارلس واللادي ديدموند سيحضران في منتصف الساعة العاشرة، والكبتن
هنتنجدون أيضًا، وقد يتأخر المستر والمسز فولرتون قليلًا يا سيدي.
جورج
:
لقد أَزِفَ الوقت، ألم تقل سيدتك شيئًا؟
بينتر
:
لم تقل لي أنا شيئًا يا سيدي.
جورج
:
ادْعُ بيرني إليَّ.
بينتر
:
سمعًا وطاعة يا سيدي (يخرج).
(جورج ينظر إلى منضدتَي اللعب باكتئاب، تدخل بيرني من
الصالة.)
جورج
:
هل قالت سيدتك شيئًا قبل أن تخرج؟
بيرني
:
نعم يا سيدي.
جورج
:
ماذا؟
بيرني
:
لا أظنها كانت تعني ما قالت يا سيدي.
جورج
:
لست أريد أن أعرف ما لا تظنين، إنما أريد الواقع.
بيرني
:
نعم يا سيدي، قالت سيدتي أرجو أن تكون ليلة ممتعة يا بيرني.
جورج
:
آوه! شكرًا.
بيرني
:
لقد أخرجت ثياب سيدتي يا سيدي.
جورج
:
آه!
بيرني
:
شكرًا يا سيدي (تخرج).
جورج
:
اللعنة.
(يمضي مرة أخرى إلى الباب ذي الستائر ويخرج منه، يدخل بينتر من
الصالة معلنًا حضور الجنرال السير شارلس واللادي ديدموند، والسير شارلس رجل معتدل
القامة، نظيف الهندام، أشيب الشاربين، أحمر الوجه، في السابعة والستين من عمره، وعينه
ترى بيوت النمل وتعمى عن الجبال، أما اللادي ديدموند فذات وجه نحيف تبدو فيه أمارات
الحزم والبت والمقدرة، ولكن مع رقة القلب، وقد لوَّحها الجو قليلًا كأنها واجهت مواقف
عديدة في رُقَع مختلفة من الأرض، وهي في الخامسة والخمسين. يخرج بينتر.)
السير شارلس
:
هالوا، أين هم؟
(يدخل جورج.)
اللادي ديدموند
(وهي تقبل ابنها)
:
ماذا يا جورج؟ أين كلير؟
جورج
:
تأخرت مع الأسف.
اللادي ديدموند
:
هل جئنا قبل الموعد؟
جورج
:
الحقيقة أنها ليست هنا.
اللادي ديدموند
:
أوه!
السير شارلس
:
إحم، لعله لم يحدث شجار عنيف؟
جورج
:
لا (ثم بانفعال لأول مرة) إن الذي لا أطيقه هو
إيقافي موقفًا سخيفًا أمام الغير، الاحتكاك العادي يمكن أن يحتمله المرء، أما ذاك
…
السير شارلس
:
هل خرجت عمدًا؟ هيه؟
جورج
:
لقد قلت لها صباح اليوم أنكما ستحضران للعبة البردج، ويظهر أنها دعت ذلك الرجل
(ماليس) للموسيقى.
اللادي ديدموند
:
من غير أن تخبرك؟
جورج
:
أظنها أخبرتني.
اللادي ديدموند
:
ولكن يجب …
جورج
:
لست أريد المناقشة في الأمر، لا يوجد شيء أبدًا على وجه التخصيص، إننا جميعًا
نسير كما يتفق كما تعلمان.
اللادي ديدموند
(تنظر نظرة فاحصة إلى ابنها)
:
يا بني، أظن أن الواجبَ الحذرُ من ناحية هذا الرجل.
السير شارلس
:
من هو؟
اللادي ديدموند
:
المستر ماليس.
السير شارلس
:
أوه! ذلك الرجل.
جورج
:
كلير ليست من هذا الطراز.
اللادي ديدموند
:
أعرف ذلك، ولكنها تُعدى بالآراء بسهولة، وأعتقد أنه من سوء الحظ أن صادفت هذا
الرجل.
السير شارلس
:
أين التقطته؟
جورج
:
في إيطاليا، في هذا الربيع، في مكان لا يتكلمون فيه الإنجليزية.
السير شارلس
:
أم، هذا أسوأ ما في السياحة.
اللادي ديدموند
:
أظنه كان ينبغي أن تقاطعه؛ هؤلاء الأدباء … (ثم
بهدوء) إن الخطوة من تبادُل الآراء إلى غير ذلك ليست طويلة يا
جورج.
السير شارلس
:
سنجعله يلاعبنا البردج، وفي هذا خير له إذا كان من ذلك الطراز.
اللادي ديدموند
:
أليس أحد آخر آتيًا؟
جورج
:
ريجي هنتنجدون وأسرة فولرتون.
اللادي ديدموند
(برقة)
:
إنك تعلم يا بُنيَّ العزيز أن في نيتي أن أكلمك من زمان طويل، إن مما يُؤسَف له
أنك أنت وكلير … مَا هُو المُشْكِلُ؟
جورج
:
الله وحده يعلم، إني أجتهد وهي أيضًا تفعل ذلك في اعتقادي.
السير شارلس
:
إن الأمر محزن لنا كما تعلم يا بني، محزن.
اللادي ديدموند
:
أعلم أن هذه النَّبْوَة موجودة من زمان طويل.
جورج
:
أوه! دعي هذا يا أمي.
اللادي ديدموند
:
ولكن يا جورج، إني أعتقد أن هذا الرجل قد أوصل الأمر إلى النقطة الحاسمة، أدخل في
رأسها آراء …
جورج
:
لا يمكن أن تكرهيه أكثر مما أكرهه ولكنه لا يوجد شيء آخر يمكن الاعتراف
عليه.
اللادي ديدموند
:
أيستطيع ريجي هنتنجدون أن يصنع شيئًا ما دام هنا؟ إن الأخوات أحيانًا …
جورج
:
لا أطيق أن أرى شئوني في متناول الأيدي.
اللادي ديدموند
:
على كل حال يحسن أن يكون المفروض الآن أنك أنت وكلير خارج البيت معًا، هذا خير من
أن يُعرف أنها خرجت وحدها، فاذهب في سكون إلى حجرة المائدة، وانتظرها هناك.
السير شارلس
:
حسن، إن أمك ماهرة في معالجة الأمور.
(يسمع الجرس.)
اللادي ديدموند
:
قد يكون هذا، أسرِعْ.
(جورج يخرج إلى الصالة ويترك الباب مفتوحًا من فرط استعجاله، تتبعه
اللادي ديدموند وتنادي (بينتر) فيدخل.)
اللادي ديدموند
:
لا تقل شيئًا عن كون سيديك في الخارج وسأتكفل أنا بالإفصاح.
بينتر
:
سيدي؟
اللادي ديدموند
:
نعم، ولكن ليس من الضروري أن تقول كذلك، أتفهم؟
بينتر
(باشمئزاز ولكن بأدب)
:
تمامًا يا سيدتي (يخرج).
السير شارلس
:
أقسم أن هذا الفتى يعلم أن هناك شيئًا.
اللادي ديدموند
:
كن حذرًا يا شارلس.
السير شارلس
:
طبعًا.
اللادي ديدموند
:
سأقتصر على القول بأنهما تعشيا في الخارج، وأننا لن ننتظرهما في لعبة
البردج.
السير شارلس
(مصغيًا)
:
إنه يحادث ذلك الرجل.
(بينتر يعود معلنًا (الكبتن هنتنجدون)، السير شارلس واللادي ديدموند
يلتفتان إليه وقد تنفسا الصعداء.)
اللادي ديدموند
:
آه! إنه أنت يا رجنالد.
هنتنجدون
(وهو ضابط طويل، وسط، في الثلاثين من عمره)
:
كيف حالك؟
اللادي ديدموند
:
كيف أنت يا سيدي؟ ماذا أصاب هذا الرجل؟
السير شارلس
:
ماذا؟
هنتنجدون
:
كنت داخلًا إلى غرفة المائدة لأرمي السيجار فقال لي: «لا تدخل هنا يا سيدي؛ إن
سيدي في الغرفة ولكن تعليماتي أن أقول: إنه ليس هنا.»
السير شارلس
:
لقد كنت أعلم أن هذا الرجل …
الليدي ديدموند
:
الواقع يا رجنالد أن كلير في الخارج وأن جورج في انتظارها، ومن المهم جدًّا أن لا
يعرف الناس …
هنتنجدون
:
طبيعي.
(يتدانون كما يفعل الناس عادة للكلام في مصائب أعضاء
أسرتهم.)
الليدي ديدموند
:
إن المسألة تدخل في دور الخطورة يا رجنالد، ولا أدري ماذا سيكون مصيرهما؟ فهل تظن
أن القسيس، أن والدك يمكن أن يكلم كلير؟
هنتنجدون
:
أظن أن والدي ليس في حالة صحية تسمح بذلك، ثم إنه يحزن جدًّا لمثل هذه الحوادث
وخصوصًا فيما يتعلق بكلير.
السير شارلس
:
ألا تستطيع أنت أن تقول لها كلمة؟
هنتنجدون
:
لست أعرف أين موضوع الداء.
السير شارلس
:
إني واثق أن جورج لا يخب بها في طريق الحياة؛ فإنه فتًى مُتَّزن الخُطى
جدًّا.
هنتنجدون
:
نعم، إن جورج لا عيب فيه.
الليدي ديدموند
:
كان يجب أن يكون لهما أطفال.
هنتنجدون
:
أظنهما الآن يحمدان الله على أن ليس لهما أولاد، والحقيقة أني لا أعرف ماذا يقول
يا سيدي؟
السير شارلس
:
لا تؤاخذها يا رجنالد، ولكني لاحظت مرارًا أن بنات القُسُس يكُنَّ شاذات، وأظن
أنهن يَزْدَرِدْن أكثر ما يلزم من الأخلاق وحلوى الأرز.
الليدي ديدموند
(بنظرة صريحة)
:
شارلس.
السير شارلس
:
كيف كانت كلير وأنتما صغيران؟
هنتنجدون
:
أوه! عادية، وطبعًا كانت تشِذُّ أحيانًا إذا ما ركبها عِفْريتُها.
السير شارلس
:
إني أحبها ولا أظنها محرومة شيئًا مما تبتغي.
هنتنجدون
:
لم أسمعها قط تزعم ذلك.
السير شارلس
(بسرور)
:
لا أدري ولكن ربما كان جورج عاديًّا أكثر مما يجب. هيه؟
(صمت قصير.)
الليدي ديدموند
:
سيحضر الليلة رجل اسمه المستر ماليس وقد نسيت هل تعرفه أو لا تعرفه؟
هنتنجدون
:
نعم، مخلوق هجين.
الليدي ديدموند
:
إنه يشتغل بالأدب. (بتردد) هل تظن أنه يُدخل
في رأسها آراء شاذة؟
هنتنجدون
:
لقد سألت عنه جريمان الروائي، ويظهر أن فيه شذوذًا حتى في رأي أنداده، ولا أستطيع
أن أفهم أن تكون كلير …
الليدي ديدموند
:
كلا، إنما المهم أن لا يشجعها شيء، اسمع إنها هي آتية؛ فإني أسمع أصواتهما، لقد
ذهبت إلى غرفتها، فالحمد لله على أن ذلك الرجل ليس هنا. (يدق جرس الباب) أظنه هو.
السير شارلس
:
ماذا نقول؟
هنتنجدون
:
نقول إنهما يتعشيان في الخارج، وإننا لن ننتظرهما للعبة البردج.
السير شارلس
:
حسن.
(يفتح الباب ويعلن بينتر: المستر كنت ماليس. يدخل ماليس وهو رجل
طويل في الخامسة والثلاثين من عمره، ووجهه حاسم المعارف غير منتظمها، وعليه أمارات
التهكُّم؛ وعيناه كأنَّ في إنسانيهما إبَرًا، وشعره الكثيف غير مُسوًّى، وثيابه ليست
جديدة جدًّا.)
الليدي ديدموند
:
كيف حالك؟ إن ابني وزوجته آسفان جدًّا وسيحضران حالًا.
(وينحني ماليس بابتسامة غريبة.)
السير شارلس
(يصافحه)
:
كيف حالك يا سيدي؟
هنتنجدون
:
لقد تقابلنا فيما أظن.
(ينظر إلى ماليس تلك النظرة الباسمة التي كأنها تُحذِّر مَن تُلقَى
عليه، تلمع عينا ماليس.)
الليدي ديدموند
:
إن كلير لا شك ستتأثر جدًّا ولكنك تعرف أن دعوة من تلك الدعوات التي …
ماليس
:
عفوًا الساعة.
السير شارلس
:
هل تلعب البردج يا سيدي؟
ماليس
:
آسف.
السير شارلس
:
لا أظنك جادًّا؛ إذن نحن مضطرون أن ننتظرهما.
الليدي ديدموند
:
لقد نسيتُ، ألستَ كاتبًا يا مستر ماليس؟
ماليس
:
هذا ضعفي.
الليدي ديدموند
:
إنها مهنة بديعة.
السير شارلس
:
لا تُقيدك بشيء. هيه؟
ماليس
:
تُقيدك من رأسك فقط.
السير شارلس
:
إني دائمًا أفكر في كتابة تجاربي.
ماليس
:
صحيح!!
(يسمع صوت باب يدفع.)
السير شارلس
(بسرعة)
:
أتدخن يا مستر ماليس؟
ماليس
:
كثيرًا جدًّا.
السير شارلس
:
آه! لا بد من التدخين حين تفكرين كثيرًا.
ماليس
:
أو لَا بد من التفكير حين تدخن كثيرًا.
السير شارلس
(مُتبسِّطًا)
:
لا أعرف أني جربت هذا!
(يفتح الباب. تدخل من الصالة كلير ووراءها جورج، ووجهها ممتقع
قليلًا، وهي متوسطة القامة، جميلة القد، وشعرها متموج، وشفتاها ممتلئتان وعليهما
ابتسامة، وعيناها واسعتان كعيون الوسطاء في التنويم المغناطيسي، وهي حساسة الأعصاب
جدًّا متوترتها، ولكنها تخفي ذلك بصوتها وحركاتها.)
الليدي ديدموند
:
هذا أنت يا عزيزي.
السير شارلس
:
آه جورج، هل كان عشاؤنا شهيًّا؟
جورج
(يصافح ماليس)
:
كيف أنت؟ كلير، هذا هو المستر ماليس.
كلير
(مبتسمة وبصوت واضح ولغة خفيفة جدًّا)
:
نعم، لقد التقينا على عتبة الباب.
(صمت.)
السير شارلس
:
ويحك!
(صمت محرج.)
الليدي ديدموند
(بجمود)
:
المستر ماليس لا يلعب البردج على ما يظهر، وأظن أن اللعب هذا يفسد
الموسيقى.
السير شارلس
:
ماذا؟ أتريدون ألا نلعب ولو دورًا؟
(يدخل بينتر وعلى كفه صحفة.)
جورج
:
بينتر، أنقل هذه المنضدة إلى غرفة المائدة.
بينتر
(يضع صحفة على منضدة وراء الباب)
:
سمعًا يا سيدي وطاعة.
ماليس
:
دعني أساعدك.
(بينتر وماليس يحملان منضدة ويخرجان بها. جورج يتظاهر بالرغبة في
الحلول محل ماليس.)
السير شارلس
:
إن منظر المغيب بديع.
(كلير تضحك ضحكًا رقيقًا. ينظرون إليها جميعًا باستغراب في أول
الأمر، ثم باستهجان. جورج يَهمُّ بأن يدنو منها ولكن هنتنجدون يسبقه إليها.)
هنتنجدون
:
هات هذه الصحفة.
(جورج يتناول الصحفة، يقف لينظر إلى كلير ثم يترك هنتنجدون يخرج
به.)
الليدي ديدموند
(بدون أن تنظر إلى كلير)
:
إذا كنت ستلعب يا شارلس.
(تشده من كمه.)
السير شارلس
:
ماذا؟
(يخرج.)
الليدي ديدموند
(وقد التقت بماليس عند الباب)
:
الآن تستطيع أن تتمتع بالموسيقى.
(تخرج وراء زوجها.)
(كلير تقف ساكنة تمامًا وعينها مغمضة.)
ماليس
:
لذيذ.
كلير
(بصوتها المتزن القصير النبرات)
:
هذه وقاحة مني وأنا آسفة، ولكني لا يسعُني أحيانًا إلا أن أُرخي لنفسي العنان
وأجمح.
ماليس
:
لا تأسفي أو تعتذري قط من أجل أن روحك في نشوة، إنها شيء نادر جدًّا.
كلير
:
على عتبة الباب! وقد أعدُّوا عدَّتهم لستري بطريقة بديعة، مساكين! لا أدري هل
ينبغي؟
(تنظر إلى الباب.)
ماليس
:
لا تفسدي الأمر.
كلير
:
لقد جعلت أتمشى جيئة وذهابًا على النهر نحو ثلاث ساعات، إن الإنسان يجمح أحيانًا.
ماليس
:
اشكري الله على هذا.
كلير
:
لا يلبث الأمر أن يسوء بعد ذلك، ولكنهم يَستَهْوِلُون هذا مني.
ماليس
(برِقةٍ وفجأة ولكن مع معاناة شيء من الصعوبة في اختيار الألفاظ
الموافقة)
:
بارك الله في ذوي الاحترام والاحتشام! وإني لأدعو لهم أن يَحلُموا بي! وبارك الله
في كل رجال الدنيا، وعسى أن يموتوا جميعًا بتُخْمة الاحترام.
كلير
:
هذا يعجبني، ولكن يا للعراك الذي سيحدث! (تهز كتفها
هِزَّة خفيفة) ثم يتلو ذلك الصلح المألوف.
ماليس
:
يا مسز ديدموند، إنه خارج عالمك دنيا أخرى كاملة، فلماذا لا تنشرين جناحيك
وتطيرين إليها؟
كلير
:
إن أبي العزيز قديس وقد كبر وضعف، لي أخت مخطوبة وثلاث أخوات صغيرات يطلب مني أن
أكون قدوة حسنة لهن، ثم إنه لا مال لي، لا أستطيع أن أصنع شيئًا أكسب به رزقي إلا
إذا اشتغلت في حانوت، وعلى أني لن أكون حينَئذٍ حرة، فما الفائدة إذن؟ ثم إنه لم
يكن ينبغي أن أتزوج ما دُمتُ لن أكون سعيدة، زدْ على ذلك أنه لا يسيء فهمي أبدًا،
ولا يسيء معاملتي، إنما الأمر.
ماليس
:
سجن، اصدعي القيود وتحرري.
كلير
(متجهة إلى النافذة)
:
هل رأيت المغيب وهذه السحابة التي تحاول أن تسبح صاعدة؟
(تبسط ذراعيها الناصعتين بمثل حركة الطيران.)
ماليس
(معجبًا بها)
:
آه! (تخفض ذراعيها فجأة) اعزفي لي
دورًا.
كلير
(ذاهبة إلى البيانو)
:
إني مدينة لك بأعمق الشكر؛ أنت لا تجعلني أحس أني امرأة جذابة فقط، لقد كنت أطلب
رجلًا من هذا الطراز. (تضع أصابعها على البيانو)
على كلٍّ يسرني أني لست دميمة.
ماليس
:
اشكري الله على جمالك.
بينتير
(فاتحًا الباب)
:
المستر والمسز فولرتون.
ماليس
:
من هما؟
كلير
(ناهضة)
:
إنها تِرْبي الأثيرة، أما زوجها فكان ضابطًا في البحرية.
(تتقدم والمسز فولرتون طويلة، وشعرها عميق اللون، وعينها سريعة، أما
زوجها فبحري حليق نظيف حسن المظهر، وقد ترك العمل في البحرية ولكنه لا يزال
حساسًا.)
المسز فولرتون
(تُقبِّل كلير وتلمح نظرتي كلٍّ من زوجها وماليس إلى
كلير)
:
لقد جئنا مسافة دقيقة فقط.
كلير
:
إنهم يلعبون البردج في غرفة الطعام ولكن المستر ماليس لا يلعب. أقدم لكما المستر
ماليس، مسز فولرتون، مستر فولرتون.
(يحيي بعضهم بعضًا.)
فولرتون
:
هذه حلة بديعة جدًّا يا مسز ديدموند.
المسز فولرتون
:
نعم ظريفة جدًّا يا كلير (فولرتون يخفض نظره)
ولكنا لا نستطيع أن نمكث لنلعب البردج. إنما أردت أن أراك لحظة (ترى هنتنجدون مقبلًا، فتقول همسًا لزوجها) إدوارد،
إني أريد أن أكلم كلير — كيف حالك يا كبتن هنتنجدون؟
ماليس
:
سأنصرف، فأسعد الله مساءكم.
(يصافح كلير، وينحني للمسز فولرتون ويخرج. يقف هنتنجدون وفولرتون في
مدخل الباب.)
المسز فولرتون
:
كيف الحال يا كلير؟ (كلير تهز كتفيها قليلًا)
هل فعلت ما اقترحته عليك؟ غرفتك؟
كلير
:
كلا.
المسز فولرتون
:
لماذا لم تفعلي؟
كلير
:
لا أريد أن أعذبه، وإذا كان لا بد من عمل شيء؛ فإني سأجلو جلاء تامًّا، وأظن أني
سأفعل.
المسز فولرتون
:
يا عزيزتي ستقف الدنيا كلها ضدك.
كلير
:
أنت حتى لن تؤيديني؟
المسز فولرتون
:
بالطبع سأؤيدك بكل ما في وسعي، ولكن لا أستطيع أن أخترع شيئًا.
كلير
:
ألا تدعينني أجيء إليك قليلًا حتى أجد قدمي؟
(المسز فولرتون تفاجأ فلا يسعها إلا أن تنظر إلى ناحية المستر
فولرتون الذي يحدق في وجه كلير وهو يحادث أخاها.)
المسز فولرتون
:
بالطبع، والمسألة الوحيدة هي …
كلير
(بابتسام خفيف)
:
حسن جدًّا يا دولي. لن أجيء.
المسز فولرتون
:
لا تقدمي على شيء فيه مجازفة، فإنك شديدة المجازفة أحيانًا، وينبغي أن تتفاهمي لا
أن تتركي آثارًا.
كلير
:
أساوم؟ (تهز رأسها) أتفاهم على أي شيء؟ إن
الذي لا يزال يطلبه مني هو تمامًا ما أكره أن أعطيه.
المسز فولرتون
:
ولكن يا كلير …
كلير
:
كلا، يا دوللي، حتى أنت لا تفهمين أننا طول النهار أبعد ما يكون أحدنا عن الآخر،
ولا نزال. حسن هذا، أليس كذلك؟ إذا كان للواحدة روح.
المسز فولرتون
:
إن هذا فظيع حقيقة.
كلير
:
أظن أن هناك نساء كثيرات يشعرن كما أشعر، ومع ذلك يحتملن، أما أنا فإن في نفسي
شيئًا قد انقطع — انتهى — لا أستطيع أن أحتمل أكثر من زمن معين.
(تتناول زهرة من ثيابها، وفجأة تمزقها. وهذه هي العلامة الوحيدة على
تأثرها.)
المسز فولرتون
:
اسمعي يا كلير، إن هذا لا ينفع، يجب أن تستريحي. ألا يستطيع أخوك أن يأخذك معه
إلى الهند زمنًا ما؟
كلير
(تهز رأسها)
:
إن ريجي يعيش على مرتبه.
المسز فولرتون
(بنظرة من نظراتها السريعة)
:
إذن كان هذا المستر ماليس؟
فولرتون
(مقبلًا عليهما)
:
أقول لك يا مسز ديدموند: ألا تغنين لي تلك الأغنية الصغيرة التي أنشدتها تلك
الليلة (يغني بصوت خافت) «لو تركتني أكون النحلة
الواقفة لأقبلك طول اليوم»، أتتذكرين؟ المستر فولرتون: (ساقط الطل) يا إدورد، لا النحلة. لا بد أن نمضي يا كلير — عمي مساء.
فولرتون
(واقفًا بين زوجته وكلير)
:
إنه ينسجم عليك جدًّا؛ هذا التقرب.
كلير
:
عموا مساء.
(يرافقهما هنتنجدون إلى الباب، وتبقى كلير وحدها فتقبض يديها وتمضي
بسرعة إلى النافذة، وتقف ناظرة منها.)
هنتنجدون
(راجعًا)
:
اسمعي يا كلير.
كلير
:
ماذا يا ريجي؟
هنتنجدون
:
إن هذا تعقيد للأمور يا فتاتي، وليس في وسعك أن تفعلي كما تفعلين، وأن تكوني آمنة
سوء العواقب، وليس ثَمَّ رجل يستطيع أن يحتمل ذلك، وإذا كان هناك شيء ضد جورج،
فيحسن أن تخبريني (كلير تهز رأسها) ينبغي أن
تعلمي أني في هذه الحالة أقف إلى جانبك. ماذا هناك؟ قولي.
كلير
:
تزوج واكتشف بعد سنة أنك تزوجت المرأة التي لم يكن ينبغي أن تتزوج، وأن الخطأ
الذي حدث بلغ من شدته أنه لا سبيل إلى تبادر فكرة واحدة، وأن دمك يقف حين تقبلك —
حينئذ تستطيع أن تفهم.
هنتنجدون
:
يا فتاتي العزيزة، لست أحب أن أكون وحشًا، ولكن من الصعب أن يصدق المرء ذلك في
غير القصص.
كلير
:
نعم، لا يحتمل التصديق ما دمت لم تجرب.
هنتنجدون
:
أعني أنك اخترت زوجك بنفسك (لم يكرهك أحد على زواجه).
كلير
:
الحقيقة أن الأمر يبدو فظيعًا، أليس كذلك؟
هنتنجدون
:
يا فتاتي العزيزة، هاتي سببًا.
كلير
:
انظر (تشير إلى الليل والبرج المظلم) إذا رأى
جورج هذا البرج لأول مرة فإنه يقول: «آه! وستمنستر ساعة البرج! أتستطيعين أن تقرئي
الوقت على وجهها» كأن المرء يهتم أين أو ماذا هي ويغضي عن جمالها! طبق هذا على كل —
كل شيء.
هنتنجدون
(بنظرة ثانية)
:
قد يكون جورج غير ذي نفس شاعرة، ولكن إذا كان هذا كله …
كلير
:
ليس هذا كل شيء، إنه لا شيء، ولا أستطيع أن أشرح يا ريجي. ليست المسألة مسألة
منطق أو عقل؛ وإنما هي شعور يشبه شعور المقيم تحت الأرض في محبس رطب؛ كشعور من يعلم
أنه لن يخرج أبدًا، لا يَجِدُّ شيء، ولا يتكرر شيء، لا شيء.
هنتنجدون
(بتأثر وحيرة)
:
يا فتاتي، يجب ألاَّ تتعلقي بهذه الخيالات، وإذا كان الأمر كما تصفين؛ فيحسن
ألاَّ تفكري فيه.
كلير
:
لا أفكر فيه إذا كان الأمر كذلك كل يوم وكل ليلة! أوه! إني أعلم أنها غلطتي؛ لأني
تزوجته، ولكن هذا لا يفيد شيئًا.
هنتنجدون
:
اسمعي، إن جورج رجل كريم، أليس كذلك؟ ثم إنه لا فائدة من الإغضاء عن الحقائق،
فإنك محتاجة إليه كل الاحتياج، وحَسْب أبيك أنه يتَجشَّم كل المتاعب للمحافظة على
البيت.
كلير
:
أعرف ذلك.
هنتنجدون
:
ثم عليك أن تفكري في أخواتك؛ فإن أي حادث لك يسيء إليهن، وخليق بأبيك أن يتأثر
جدًّا.
كلير
:
لو لم أكن أعرف هذا كله يا ريجي لعدت إلى بيت أبي من زمان.
هنتنجدون
:
إذن ما العمل؟ لو كان مرتبي يكفي، ولكنه لا يكفي أبدًا.
كلير
:
أشكرك، ولكنه — بالطبع — لا يكفي.
هنتنجدون
:
ألا تستطيعين أن تحاولي أن تري وجهة نظر جورج.
كلير
:
إني أحاول. أوه، لا تدعنا نتكلم عن هذا.
هنتنجدون
:
حسن يا فتاتي، ولكن لي كلمة واحدة: لا أظنك ستُعرِّضين نفسك للرياح والعواصف؟!
أعني أنه يوجد دائمًا رجال مستعدون لاقتناص النساء.
كلير
:
«ذلك الرجل ماليس، خير لك أن تتجنبيه»! ولكن لماذا؟!
هنتنجدون
:
أوه. إني لا أعرفه، وقد يكون رجلًا طيبًا، ولكنه ليس من طرازنا، وأنت أجمل من أن
تجري على آثار المرأة الجديدة». إلى آخر ذلك. كلا، لم تكن نشأتك في هذا
الطريق.
كلير
:
بضائع بريطانية صيفية صميمة، خفيفة وجذابة، ولا تعيش طويلًا (تسمع أصواتًا في الصالة) يظهر أنهم خارجون يا
ريجي.
(هنتنجدون ينظر إليها وهو قلق متأثر.)
هنتنجدون
:
لا تركبي رأسك إلى المتاعب يا فتاتي، تجلدي. بارك الله فيك. عمي مساء.
(كلير تقبله، وبعد أن يذهب تدير وجهها عن الباب وتتماسك، وتأبى أن
تطلق العنان لعاطفتها التي تهم بالانفجار، ثم تجلس فجأة إلى منضدة البردج التي لم
تستعمل، وتسند كوعيها عليها، وذقنها على كتفيها وهي هادئة تمامًا. يدخل جورج ويتبعه
بينتر.)
كلير
:
لا نريد شيئًا آخر يا بينتر. شكرًا لك، ويمكنك أن تذهب إلى بيتك، وقل للخادمات
إنهن يستطعن أن ينمن.
بينتر
:
نحن شاكرون لك يا سيدتي.
كلير
:
لقد دست كلبًا، واضطررت إلى العناية به، والنظر في أمره.
بينتر
:
طبيعي يا سيدتي.
كلير
:
عم مساء.
بينتر
:
ألا أجيء لك بشيء قليل تأكلينه يا سيدتي.
كلير
:
كلا، وشكرًا لك.
بينتر
:
حسن يا سيدتي. عمي مساء سيدتي (يخرج).
جورج
:
لم يكن من الضروري أن تخرجي عن طريقك لتكذبي كذبة لا تجوز على خنزير. (يدنو منها) لعلك مسرورة بنفسك هذه الليلة؟ (كلير تهز رأسها) وأمام ذلك الرجل ماليس كأنَّ أهلنا
ليسوا كفاية.
كلير
:
هل يستحق الأمر أن تعذبني؟ إني أعلم أن سلوكي كان معيبًا، ولكنه لم تكن لي حيلة
حقيقةً.
جورج
:
أكان لا بد أن تجعلي سلوكك كسلوك العاملات في الدكاكين. يا إلهي! لقد ربيت تربية
حسنة مثلي تمامًا.
كلير
:
وا أسفاه.
جورج
:
وتدعين كل امرئ يرى أننا غير متفقين! ليس ثَمَّ إلا وصف واحد لهذا السلوك: إنه
يبعث على التقزز.
كلير
:
أعرف ذلك.
جورج
:
إذن لماذا تفعلين ذلك؟ لقد حافظت أنا دائمًا على المظاهر؛ فلماذا بحق السماء هذا
الجنون؟
كلير
:
إني آسفة.
جورج
(بتأثر شديد)
:
إنك تتمتعين بأن تظهري في هذا المظهر السخيف.
كلير
:
كلا — حقيقة — إنما لا بد لي أن أجمح أحيانًا.
جورج
:
توجد أشياء لا يفعلها المرء.
كلير
:
لقد عدت إلى البيت لأني أسفت.
جورج
:
وما كدت تعودين حتى ذهبت تكررين نفس العمل! يخيل إليَّ أنك تفرحين
بالمشاجرات!
كلير
:
إذ لم نتشاجر فإنك خليق أن تُفقِد لذة الصلح.
جورج
:
أرجو منك يا كلير أن تدعي هذه الزراية.
كلير
:
وأترك الحقيقة أيضًا.
جورج
:
أظنك زوجتي.
كلير
:
والاثنان يؤلفان روحًا واحدًا!
جورج
:
لا تتكلمي هذا الكلام الجنوني (صمت).
كلير
(برقة)
:
إني لست أبعث على الرضا؛ فأنذرني بالطرد.
جورج
:
بش!
كلير
:
خمس سنوات أربعة منها هكذا. لا شك أننا وفينا مدة الخدمة، ألا تظن حقيقة أننا قد
نكون أكثر اتفاقًا وتفاهمًا إذا تركتك؟
جورج
:
لقد قلت لك أني لا يمكن أن أقبل الانفصال لغير سبب جدي، ولا أستطيع أن أدع اسمك
مُضْغة في لندن، فإن لي شعورًا بالشرف.
كلير
:
إنك تعني اسمك أنت، أليس كذلك؟
جورج
:
اسمعي. هل ذلك الرجل ماليس هو الذي أدخل في رأسك كل هذه الآراء والنزعات؟
كلير
:
كلا، طبيعتي الشريرة هي التي فعلت ذلك.
جورج
:
ليتنا لم نقابله قط، ولم نعرفه. هذه نتيجة التقاط الناس الذين لا نعرف عنهم
شيئًا. إني سيِّئ الظن به؛ نظراته، أسلوبه الساخر الجهنمي، حتى الثياب لا يلبسها
على نحو محترم. إنه ليس شخصًا لائقًا.
كلير
(بشيء من الجذل)
:
آه.
جورج
:
لماذا تسمحين له بالمجيء؟ ماذا يعجبك منه؟
كلير
:
عقله.
جورج
:
عقل سخيف لعين. إن كون المرء له عقل — كما تقولين — لا يستلزم التحدث في الفنون
والآداب.
كلير
:
إننا لا نتحدث في هذا.
جورج
:
إذن في أي شيء تتحدثان، هيه — في عقليكما؟ (كلير تنظر
إليه) هل لك أن تجيبيني بصراحة على سؤال صريح؟ هل هو يحبك؟
كلير
:
يحسن أن تسأله.
جورج
:
إني أقول لك بصفتي رجلًا عارفًا بالدنيا: إني لا أؤمن بصداقة الفيلسوف المرشد
الهادي.
كلير
:
أشكرك.
(صمت. كلير ترفع كفيها إلى ما وراء رأسها فجأة.)
كلير
:
اتركني أمْضِ، وستكون أسعد ممَّا أنت مع أي امرأة أخرى.
جورج
:
كلير.
كلير
:
أعتقد، بل أنا واثقة أني أستطيع أن أكسب رزقي جادة جدًّا.
جورج
:
أمجنونة أنت؟
كلير
:
لقد فعل هذا غيري.
جورج
:
ولكنك لن تفعليه أبدًا — اعرفي هذا.
كلير
:
الحقيقة أن وقت الانفصال قد أَزِفَ. سأخرج من أُفِق حياتك تمامًا، ولا أريد منك
معونة إلا إذا كنت أعطيك شيئًا في مقابل مالك.
جورج
:
للمرة الأخيرة أقول لك: إنه ليس في عزمي أن أدعك تجعلينا كلينا هُزْءَة.
كلير
:
ولكنَّا كذلك الآن. انظر إلى حياتنا؛ إننا نستمر ونستمر غير أنَّا فرجة.
جورج
:
لا أرى رأيك، ولا هذا برأي أي إنسان، ما دام أنك تُحسنين السيرة.
كلير
:
يعني على النحو الذي تعده أنت حسنًا.
جورج
:
أإنك محرجة يا كلير؟
كلير
:
لا أحب أن أكون فظيعة، ولكني في هذه المرة جادة.
جورج
:
كذلك أنا.
(كلير تتجه إلى الباب ذي الستائر.)
جورج
:
اسمعي. إني آسف، والله يعلم أني لا أريد أن أكون وحشًا، إني أعرف أنك غير
سعيدة.
كلير
:
وأنت؛ هل أنت سعيد؟
جورج
:
لا أقول إني سعيد، ولكن لماذا لا نستطيع؟
كلير
:
لا أرى سببًا سوى أنك أنت، وأنا أنا!
جورج
:
يمكننا أن نجتهد.
كلير
:
لقد فعلت. وأنت؟
جورج
:
لقد كنا.
كلير
:
ربما.
جورج
:
إنك تعلمين أننا فعلنا.
كلير
:
من زمان طويل — إذا كان صحيحًا.
جورج
(دانيًا منها)
:
أنا لا أزال.
كلير
(تصده بيديها)
:
إنك تعلم أن هذا حب مادي الغايات.
جورج
:
إن علينا أن نواجه الحقائق.
كلير
:
لقد كنت أظن أني أواجهها.
جورج
:
الحقائق أننا متزوجان على الخير والشر، وهناك أشياء معينة مُنتَظَرة منَّا كلينا،
وهو انتحار لك وجنون مني — في مثل مركزي — إذا أغفلنا ذلك، وأنت متمتعة بكل ما
تطلبين، ولستُ أطلب أي تغيير، ولو كان في وُسْعك أن تتهميني بشيء — إذا كنت مثلًا
أسكر أو أعربد في المدينة، أو أنتظر منك أن تعطيني أكثر مما يجب. لستُ غير معقول —
فيما أرى.
كلير
:
حسن، ولكني أظن أنَّا أطَلْنا الكلام.
(تقصد مرة أخرى إلى الباب ذي الستائر.)
جورج
:
اسمعي يا كلير، إنك لا تقصدين أنك تنتظرين مني أن أطيق مركز رجل لا هو متزوج ولا
غير متزوج؛ إن هذا يكون عذابًا، وينبغي لك أن تعرفي.
كلير
:
نعم، لم أعرف إلى الآن، أليس كذلك؟
جورج
:
لا تذهبي هكذا. هل تظنين أنا الزوجان الوحيدان اللذان تبين لهما أن الأمور ليست
كما كانا يظنان، ومع ذلك احتمل أحدهما الآخر، واستخلصا خير ما يمكن من
حياتهما؟
كلير
:
إن أمثالنا يعدون بالآلاف.
جورج
:
حسن. لماذا يفعلون ذلك؟
كلير
:
لا أدري.
جورج
:
يدفعهم إلى ذلك الإحساس العادي بالكرامة.
كلير
:
طبعًا.
جورج
:
والله إنك لتكونين أحيانًا أبعث شيء في هذه الدنيا على الجنون (يتناول بعض أوراق اللعب، ثم يتركها تتناثر على
الأرض) بعد هذا السلوك منك في هذه الليلة كان واجبك أن تحاولي إصلاح
ما فسد.
(كلير تهز رأسها من ناحية إلى ناحية كأنها أمام شيء لا سبيل إلى
اتفاقه، يضع جورج يده على ذراعها.)
كلير
:
لا لا.
جورج
(مرخيًا يده)
:
أليس في الإمكان أن تصلحي ما فسد؟
كلير
:
لست أحس بروح التسامح المسيحي.
(تفتح الباب وتخرج وتوصده خلفها. جورج يتبعها، ولكنه يقف ويعود إلى
الغرفة، ويقف مطلًا من النافذة، ثم يغلقها، ويعود ويتأمل الباب، ثم يتحرك ويضع يده على
منضدة اللعب ممسكًا بحرفها ومتمتمًا، ثم يذهب إلى باب الصالة ويطفئ النور، ويفتح الباب
ليخرج، ثم يقف مترددًا في الظلام ويرسل زفرة عميقة، ثم يرفع صوته فجأة بكلمة
«كلا».
ويقطع الغرفة مصممًا إلى الباب ذي الستار ويفتحه، وترى كلير في
النور واقفة تخلع عن عنقها عقدًا. يذهب إليها ويوصد الباب وراءه بعنف.)