مكانة ابن عربي في الأدب والتصوف
حياة ابن عربي
لقد عانيت مشقة عظيمة في إعداد هذا الفصل؛ لأن شخصية ابن عربي معقدة أشد التعقيد، ومن العسير بيان الخصائص الأساسية لهذا العقل المحيط في فصل من كتاب، ولكن يعزِّينا أن منهج البحث لا يفرض الكلام على ابن عربي من جميع نواحيه في إفاضة واستقصاء، وإنما يوجب عرض الجوانب البارزة التي تركت أثرًا ظاهرًا في الأدب والأخلاق.
كيف أفادته الرحلات
ولد في مرسية من بلاد الأندلس في أواخر رمضان سنة ٥٦٠، ثم انتقل من مرسية إلى أشبيلية سنة ٥٦٨، فأقام بها إلى سنة ٥٩٨ ثم انتقل إلى المشرق حاجًّا ولم يعد بعدها إلى الأندلس، وقد دخل مصر وأقام بالحجاز مدة، ودخل بغداد والموصل وبلاد الروم، وتوفي بدمشق ليلة الثامن والعشرين من ربيع الآخر سنة ٦٣٨.
صبوات ابن عربي
ويظهر من أخباره المبثوثة في تضاعيف مؤلفاته أنه اتصل بما مر به من البلاد اتصالًا قويًّا فكانت حياته سلسلة من التعرف إلى الرجال والآراء، ومن النقد والمصاولة في الميادين الفقهية والصوفية، وكان لذلك أبلغ الأثر في تكوين ذلك العقل الصوال.
وقد كانت الرحلات من التقاليد المصطفاة عند علماء الإسلام، وكان لها فضل عظيم في صقل العقول، وكان ابن عربي من أظهر من استفادوا من نظام الرحلات، ففي كتبه إشارات كثيرة إلى من عرف من الرجال، وفي أبحاثه صدى للمشكلات التي عرضت له وهو يحاور علماء المشرق وعلماء المغرب، وكذلك كان اسمه ملء الأفواه في أواخر القرن السادس وصدر القرن السابع، وكانت أفكاره وآراؤه شغل الناس في تلك الحقبة من الزمان، وليس ذلك بالأثر القليل.
فتنته بنفسه
لا نعرف كثيرًا من أخبار ابن عربي في صباه، ولكن يظهر أنه كان مرهف الحس والذوق، وأنه نعم بماض خصب في عالم المحسوس، والنعيم في عالم المحسوس يزيد الأنس بالمعاني في عالم المعقول، فالذين عرفوا «ليلى» في عالم المحسوسات يرون لها وجودًا مشرقًا في عالم المعقولات، والذين شهدوا «الكأس» في عالم الحس يتمثلون لها صورًا فتانة في عالم الوجدان، ومن أجل ذلك نرى أشعار ابن عربي أثارة من رقدة الشوق ولفحة الحنين.
إن التصوف في جوهره نوع من التسامي في الروحانية، والصوفية الأخيار كانوا في الأصل من عشاق الصورة الحسية، ثم ضاقت أمامهم دنيا الحس فتساموا إلى دنيا الروح، وهي دنيا حافلة بمعاني الحب والجمال.
إن الرجل لا يتصوف إلا بعد أن يصبح روحه أقوى وأعنف من أن يقف عند الجمال المحسوس، وهو جمال ينبت من الأرض ويتغذى من الأرض، ويرجع إلى الأرض، هو جمال يفتن به كبار الأطفال، فإذا نضجت أرواحهم استصغروه واستقلوه واحتقروه، ثم مضوا يبحثون عن جمال يوائم ما في أرواحهم من قوة وصفاء.
قوة شخصيته
ولكن من أين عرفنا أن ابن عربي كانت له صبوات في عالم الحس قبل أن تنقل صبواته إلى عالم الروح؟
إن القول بذلك لا يحتاج إلى دليل، فسنرى حين نتكلم عن الحب في باب الأخلاق أن الصوفية جميعًا بدءوا معارفهم الوجدانية بالصبوات الحسية، والتصوف ذاته هو انتقال من حال إلى حال، انتقال من عالم الأرض إلى عالم السماء.
على أن الدليل تحت أيدينا، سطره ابن عربي نفسه في مقدمة شرح ترجمان الأشواق، وإلى القارئ قصة تلك النفس:
وفد ابن عربي على الحجاز وهو في الثامنة والثلاثين، وهي سن محفوفة بالأشواك؛ لأنها صلة بين دنيا الشباب ودنيا الكهول، وكان ابن عربي في ذلك الوقت يقاسي مشقة الانتقال من عهد إلى عهد، فاتصل حبله برجل من أهل العلم في مكة، وكان لذلك الرجل بنية خفيفة الظل، عذبة الحديث، فملكت عليه أقطار روحه، وسارت به في شعاب الهوى العذري فلم يرجع إلا وهو أشلاء من الأسى والحنين.
كان لهذا الشيخ (رضي الله عنه) بنت عذراء، طفيلة هيفاء، تقيد النظر، وتزين المحاضر، وتحير المناظر، تسمى بالنظام وتلقب بعين الشمس والبهاء، من العابدات العالمات، السابحات الزاهدات، شيخة الحرمين، وتربية البلد الأمين الأعظم بلا مين، ساحرة الطرف، عراقية الظرف، إن أسهبت أتعبت، وإن أوجزت أتعبت، وإن أفصحت أوضحت، إن نطقت خرس قُسُّ بن ساعدة، وإن كرمت خنس معن بن زائدة، وإن وفت قصر السموأل خطاه، وأغري بظهر الغرور فامتطاه، ولولا النفوس الضعيفة السريعة الأمراض، السيئة الأغراض؛ لأخذت في شرح ما أودع الله تعالى في خلقها من الحسن، وفي خلقها الذي هو روضة المزن، شمس بين العلماء، بستان بين الأدباء، حقة مختومة واسطة عقد منظومة، يتيمة دهرها، كريمة عصرها، سابغة الكرم، عالية الهمم، سيدة والديها، شريفة ناديها، مسكنها جياد، وبيتها من العين السواد، ومن الصدر الفؤاد، أشرقت بها تهامة، وفتح الروض لمجاورتها أكمامه، فنمت أعراف المعارف بما تحمله من الرقائق واللطائف، علمها عملها، عليها مسحة ملك وهمة ملك، فراعينا في صحبتها كريم ذاتها، مع ما انضاف إلى ذلك من صحبة العمة والوالد، فقلدناها من نظمنا في هذا الكتاب أحسن القلائد، بلسان النسيب الرائق، وعبارات الغزل اللائق، ولم أبلغ في ذلك بعض ما تجده النفس ويثير الأنس، من كريم ودها، وقديم عهدها، ولطافة معناها، وطهارة مغناها، إذ هي السؤل والمأمول، والعذراء البتول، فأعربت عن نفس تواقة، ونبهت على ما عندنا من العلاقة، اهتمامًا بالأمر القديم، وإيثارًا لمجلسها الكريم، فكل اسم أذكره في هذا الجزء فعنها أكني، وكل دار أندبها فدارها أعني.
وهذه العبارات صريحة كل الصراحة، وهي تفصح عن تعلقه بتلك الفتاة التي رأى في وجهها وحديثها نعيم السمع والبصر والفؤاد، ولا شك عندنا في نبل ذلك الهوى وطهارته، وبراءته من وضيع الأغراض؛ لأن ابن عربي يتحدث حديث الرجل العفيف، وهو عندنا صادق، ولكن ذلك العفاف هو الدرجة الأولى بين هوى الأرض وهوى السماء، هو بداية العزوف عن المتعة الحسية والإقبال على المتعة الروحية، هو طليعة الإيمان بأن للحب غاية غير نعيم الحواس.
ولم أزد فيما نظمته في هذا الجزء على الإيماء إلى الواردات الإلهية والتنزلات الروحانية والمناسبات العلوية؛ جريًا على طريقتنا المثلى، فإن الآخرة خير لنا من الأولى، لعلمها (رضي الله عنها) بما إليه أشير، ولا ينبئك مثل خبير، والله يعصم قارئ هذا الديوان من سبق خاطره إلى ما لا يليق بالنفوس الأبية، والهمم العلية المتعلقة بالأمور السماوية، آمين. بعزة من لا رب غيره، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
الموازنة بينه وبين الغزالي
والتجارب علَّمَتْنَا أن الأرض ليست بعيدة من السماء كل البعد، فالأرض والسماء في عالم الأخلاق مقتربتان أشد الاقتراب، وقد تكون الظواهر ممَّا يجزم بقوة الصلة الأرضية، على حين تكون البواطن موصولة الأواصر بأقطار السماء.
ما أضيف إلى مؤلفات ابن عربي من الزيادات
ولكن لِمَ نمشي على الشوك ونحن نكتب هذا الكلام؟
لِمَ هذا التهيُّب؟ نقول بكل صراحة: إن ابن عربي كان رجلًا مقهور النزوات والأهواء، كان رجلًا محبوسًا عن اللَّذَّات الحسية فاندفع يطوف حولها في رحاب عقلية، لها رَوْنق ورُواء، وآية ذلك أنَّهُ أطلق لنفسه العنان في امتلاك ناصية المجد، والمجد له معسول يفوق طعم الشهوات، وهو المفزَع لكل نفس طامحة ضاعت حظوظها في ميدان الحواس.
إن ابن عربي في أبحاثه يفترع المعاني افتراع الفحول: فهو يشفي شهوة مقهورة عزَّ عليها أن يتنفس، ويداوي جوًى في الصدر عزَّ منه الشفاء.
وأكاد أجزم بأن حاله يشبه حال ساكنات الديارات: فالراهبة الجميلة لا تعرف الدير إلا بعد أن يطول شقاؤها بما تحمل من قلب ظامئ ممنوع من الورود. وهنالك تنتظر الشفاء بما تتلهى به من العظمة الكهنوتية، ومن التطلع إلى النعيم المرموق في عالم السماء.
كانت الشهوات الحسية تطارد ابن عربي أينما توجَّه، وكانت تطالعه في صور موشاة بالتهاويل، فكان يلتمس المخرج بالتعلُّق بأذيال التفسير والتآويل: لأنه كان انغمر في عالم المجد، وكان يحب أن تكون جميع النوازع تفسيرًا لما ينتظره في أودية المعقول.
وإليكم هذه الرؤيا، فهي وحدها شاهد على أنه يتناول المعاني بطرائق حسية ويواجه الدنيا بعين متشوقة إلى الصور والأشكال، إليكم هذه الرؤيا ففيها المقنَع لمن يزعم أن في مقدور المتصوف أن يخلص كل الخلاص من عالم الحسِّ، إليكم هذه الرؤيا التي غمرت ابن عربي في تيار الشهوات من حيث لا يريد، إليكم هذه الرؤيا لتعرفوا كيف كان رجل اقتحام، وكيف كانت غرائزه المقهورة تصور له العوالم القوية بصورة الخضوع المؤنث.
رأيت ليلة أني نكحت نجوم السماء كلها فما بقي منها نجم إلا نكحته بلذة عظيمة روحانية، ثُمَّ لمَّا أكملت نكاح النجوم أُعطيت الحروف فنكحتها، وعَرَضْتُ رؤياي هذه على مَن عَرَضَها على رجل عارف بالرؤيا بصير بها، وقلت للذي عرضتها عليه: لا تذكرني، فلما ذكر له الرؤيا استعظمها وقال: هذا هو البحر العميق الذي لا يُدْرَكُ قعره، صاحب هذه الرؤيا يفتح له من العلوم العلوية وعلوم الأسرار وخواص الكواكب ما لا يكون فيه أحد من أهل زمانه، ثم سكت ساعة وقال: إن كان صاحب هذه الرؤيا في هذه المدينة فهو ذلك الشاب الأندلسي الذي وصل إليها.
وأين هذه الرؤيا البهلوانية من رؤيا يوسف إذا قال لأبيه: يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ.
إن الفرق بين هذين الخيالين كالفرق بين هذين الروحين، سواء بسواء وما كذب يوسف، وإنما استطال محيي الدين!
تحفظ واحتراس
والدعوى كانت تتَّسِعُ أمام الرجلين في كثير من الشئون، فقد نقل أن امرأة كانت تُرضِعُ صغيرًا لها فمر رجل ذو شارة حسنة وخَوَل وحَشَمٍ فقالت: اللهم اجعل ابني مثل هذا، فترك الرضيع الثدي ونظر إليه، وقال: اللهم لا تجعلني مثله. ومرت عليه امرأة وهي تُضرَب والناس يقولون فيها: زنت وسرقت فقالت: اللهم لا تجعل ابني مثل هذه. فترك الصغير الثدي ونظر إليها وقال: اللهم اجعلني مثلها.
ثم يحدثنا ابن عربي أن رسول الله قال في ذلك الرجل: إنه كان جبارًا متكبرًا، وإنه قال في المرأة: كانت بريئة مما نسب إليها.
وقد مرت الأجيال الطوال ولم يشهد أحد بنفسه ما شهد ابن عربي بنفسه، فهي دعوى أعرض من الصحراء.
شعره ونثره
على أنه لا ينبغي أن نسرف في تعقب ابن عربي، فهذه الشطحات تُقْبَلُ من رجل مثله كان يملك ناصية العلوم الشرعية والعقلية، وكان الزهو يقوده إلى الغفلة في بعض الأحيان.
وهذه النظرة فيها ما فيها من قوة الشخصية، ولو مضينا نتعقب دراساته الفقهية لرأينا لهذه النظرة كثيرًا من الأشباه والأمثال، وهو في دراساته الفقهية يتلمس مسالك التصوف، ويجعل في كل مبحث مجالًا لأرباب القلوب.
ومن هنا يمكن الحكم بأن ابن عربي كان يرى الشريعة من حظ العوامِّ، ويرى الحقيقة من حظ الخواصِّ، وكانت دراساته للشريعة تمهيدًا لشرح الحقيقة، وكان الفقه عنده مقدمة لدرس أحوال القلوب.
وهو في هذا المسلك مَسْبوق بالغزالي، فكتاب الفتوحات المكية صدًى لكتاب إحياء علوم الدين، والفرق بين الرجلين أن الغزالي يحترم الأحكام الفقهية ويدرُسها درس الفقيه، ثم ينتقل إلى المعاني الصوفية فيدرسها في حرارة وشوق، أما ابن عربي فيظهر بشخصية جارفة في البابين، فيقتحم في الفقه ويقتحم في التصوف، ولا يكاد مع عنفوانه ينير العقل أو يشرح الصدر، وهل تُشْرح الصدور بالغطرسة والكبرياء؟
إن كل صفحة من صفحات الإحياء ترسل إلى القلب أشعة من الأنوار الروحانية، أما كتاب الفتوحات فكل صفحة فيه تثير مشكلة أمام العقل.
وربما كان السر في ذلك أن الغزالي ألَّف كتابه بعد أن صفا وطاب، وأن ابن ألَّف كتابه وهو يتسامى إلى أن يكون خاتم الأولياء، كما كان محمد صلوات الله عليه خاتم الأنبياء.
ويوضح هذا السر أن الغزالي يملأ كتابه بالنُّقول كأنه يستمد معانيه من كرام الأسلاف، أما ابن عربي فيتكلم وحده، ولا يستأنس بكلام من سلف إلا في قليل من الأحايين.
وقد كان لمسلك ابن عربي أثر عنيف فيمن جاء بعده من الصوفية، فالعُنجُهيَّة التي نراها في الشعراني هي بالتأكيد عَدْوَى وصلت إليه من ابن عربي، والتطاول إلى معرفة ملكوت السموات جرأة خطرة لا تتيسر لكل مدَّعٍ، وإنما يملكها من يرى نفسه عنصرًا من الوحدة الكلية حين يؤمن بوحدة الوجود.
ترجمان الأشواق
ونحن نلمح في كلام الشعراني شيئًا من التكلُّف، فإنه يبعد جدًّا أن يكون ابن عربي وقف في تفكيره عند الحدود التي وقف في تفكيره عند الحدود التي وقف عندها أهل السنة والجماعة، وإن كنَّا لا نستبعد أن تكون كتبه ابتُلِيَتْ بمن أضاف إليها بعض الزيادات.
ولكن مَن هم الذين زادوا كتب ابن عربي فحمَّلوه ما لم يحمل؟
إن كانت الزيادات وقعت بالفعل فهي لم تقع من أهل السنة، وإنما وقعت من الصوفية، من طائفة منهم عجزوا عن الجهر بآرائهم فأضافوا أعباءها إلى رجل يحمل الجبال!
وتكون النتيجة أن تكون كتب ابن عربي مراجع صوفية وإن اختلفت شخصيات الكاتبين.
مزج الأدب بالتصوف
على أنه لا مندوحة من النص على أن ابن عربي كان يتحفظ فيما يكتب، وكان يطلب السلامة قبل كل شيء، فإن وُجد في كتبه شيء يتجاوز مألوف الحدود فهو مدسوس.
وهذا الكلام قاله ابن عربي بعد أن شرح أطوار التجليات وانتهى إلى الموازنة بين من يقول:
وقوله هو:
وقد تأملت طويلًا في كتاب الفتوحات فرأيت ابن عربي يدور حول فكرة «وحدة الوجود» دورانًا لَبِقًا ولا يكاد يفصح عنها إلا عن طريق الإيماء.
ألفاظ ومصطلحات
ندع هذا مؤقتًا، ونأخذ في الكلام عن ابن عربي الأديب، فنقول:
يُعَدُّ هذا الرجل من طبقة الكتاب العظام، ويمتاز نثره بميزة عجيبة: هي أنه لا يشغلك بالألفاظ، وإنما يشغلك بالمعاني، ففي كل صفحة من كتبه معركة عقلية: فالقوة البيانية عنده قوة فكر لا قوة تهويل؟
ونثره يينقسم إلى قسمين: النثر العلمي، والنثر الفني.
وهو في نثره الفني رجلٌ مَرَنَ وَانْطَبَعَ على الكلام المطمع الممتنع، وما ترك من ألوف الصفحات يشهد أنه كان من أملك الناس لناصية البيان، ولا يؤخذ عليه غير التفريط في ربط الجمل بعضها ببعض، وربما كان من أسباب ذلك أنه يحاول ستر أغراضه الحقيقة في كثير من الأحيان، فالكلام يَتَّسِقُ له ما دام في حدود المألوف من آراء الناس، فإذا تفلسف تلوَّى واعتسف؛ لأنه يحاول اقتحام الوعر من مسالك العقول.
وهو لا يصطنع النثر الفني إلا في المواطن التي يقف موقف الواعظ أو الخطيب، ففي مقدمات كتبه وفي خطبه التي يحدِّث أنه ألقاها في حضرة الله أو حضرة الرسول نراه يوشِّي كلامه بأكثر فنون البديع من سجع وتورية وجناس وطباق.
ونثره في شرح ترجمان الأشواق هو من النثر الفني، وإليكم هذا الشاهد الذي يمثل ما يتفق لهذا الرجل أحيانًا من خفة الروح:
«كنت أطوف ذات ليلة بالبيت فطاب وقتي، وهزني حال كنت أعرفه، فخرجت من البلاط من أجل الناس وطفت على الرمل، فحضرتني أبيات فأنشدتها أُسمع بها نفسي ومن يليني، لو كان هناك أحد، فقلت:
فلم أشعر إلَّا بضربة بين كتفي بِيَدٍ ألين من الخَزِّ، فالتفتُّ فإذا بجارية من بنات الروم لم أرَ أحسن وجهًا ولا أعذب منطقًا، ولا أرق حاشيةً، ولا ألطف معنًى، ولا أدقَّ إشارةً، ولا أظرف محاورةً منها، قد فاقت أهل زمانها ظرفًا وأدبًا وجمالًا ومعرفة؛ فقالت: يا سيدي، كيف قلت؟ فقلت:
فقالت: عجبًا منك، وأنت عارف زمانك، تقول مثل هذا!! أليس كل مملوك معروف؟ وهل يصح الملك إلا بعد المعرفة، وتمنِّي الشعور يؤْذِن بعدمها، والطريق لسان صدق، فكيف يجوز لمثلك أن يقول مثل هذا؟ قل يا سيدي، فماذا قلت بعده؟ فقلت:
ذلك طراز من نثره الفني، وهو نثر مقبول، لا تكلُّف فيه ولا افتعال.
ثروته اللغوية
أما شعره فهو فن قائم بذاته، هو الشعر الصوفي، وقد ترك من الشعر تركة ثقيلة، فله ديوان ضخم. وكتاب الفتوحات ذاته يقوم في الأغلب على شرح مقطوعات شعرية، ويعز علينا أن نصرح بأن هذا الرجل أضاع وقته في صوغ القريض، فديوانه الضخم مجموعة من الأحجار وضعت على غير نظام، وهو في ديوانه هذا رجل مزعج لا تكاد تستروح الإنس به حتى تعود فتنكره؛ لأنك لا تعرف أين يتوجه، ولا تكاد تلمس في أشعار الديوان لفحة من الشوق إلى العالم المجهول.
وإلا فأي روعة في أمثال هذه الأبيات:
هذا شعر ضعيف، وكل ما فيه هو الطواف حول الإشارة إلى وحدة الوجود والأثر الشعري الحق لابن عربي هو قصائد ترجمان الأشواق: ففي هذه القصائد نفحات شعرية، وهو بهذا الديوان يستطيع أن يزاحم الأقطاب من شعراء الصوفية.
وأكبر الظن أن نجاحه في هذا الديوان يرجع الفضل فيه إلى تلك الإنسانة التي أذكت نار جواه، فهي وقدات حِسِّيَّة مشبوبة وجهها عند الشرح إلى معان علوية ليسير في ركاب أصحاب الأذواق.
وانظروا كيف يقول:
فهذه قصيدة جيدة والغرام فيها حسيّ؛ لأن الكلام موجه إلى تلك الفتاة الأصبهانية التي عرفها بمكة، ولكنه في الشرح يحول صبابته إلى معان روحية ولننظر كيف شرح المطلع:
المرض: الميل، يقول: لما مالت عيون الحضرة المطلوبة للعارفين من جانب الحق سبحانه بالرحمة والتلطف إلينا أمالت قلبي بالتعشق إليها، فإنها لما تنزهت جلالا وعلت قدرًا، وسَمَت جبروتًا وكبرًا، لم يمكن أن تُعْرَف فتحبَّ، فتنزلت بالألطاف الخفية إلى قلوب العارفين … إلخ.
ولننظر كيف شرح هذين البيتين:
وصف هذه المعرفة الذاتية بأنها ذات نثر ونظام، وهما عبارتان عن المقيد والمطلق، فمن حيث الذات وجود مطلق، ومن حيث المالك مقيد بالملك، فإنهم ما أشرنا إليه في هذا فإنه عزيز ما رأينا أحدًا نبه عليه قبلنا في كتاب من كتب المعرفة بالله تعالى، وقوله: (منبر) يعني درجات الأسماء الحسنى، والرقيُّ فيها التخلُّق بها، فهي منبر الكون، والبيان عبارة عن مقام الرسالة، هذه المعارف كلها خلف حجاب النظم بنت شيخنا العذراء البتول شيخة الحرمين، وهي من العالمات المذكورات، وقوله: (من بنات الملوك) لزهادتها: فالزهاد ملوك الأرض. فستر ما يريده من المعارف بذكر دارها وأصلها، يشير من بنات الملوك يعني: أن هذه المعرفة لها وجه بالتقييد، وقوله: (من دار فرس) يقول: وإن كانت عربية من حيث البيان فهي فارسية عجماء من حيث الأصل؛ لأنه لا يمكن في الأصل بيان عزته وتعلق الحكم به … إلخ.
وهذا الشرح، كما ترون، كله تعمُّل واعتساف، والاطلاع عليه يقدم إلينا متعة من متع الأنس بالذكاء.
وأشعار ابن عربي كلها رمزيات، كما يريد أن تكون، وهي لا تخلو من طلاوة، وقد يقع فيها أحيانًا شيء من طريف الخيال، كأن يقول:
وحدة الوجود
يضاف إلى هذا ما صنعه في إذاعة الثقافة الصوفية، فقد هضم كل ما قرأ، ووعى كل ما سمع، وراح يهدر كالفحل في لغة قوية عاتية لا يعيبها غير ما كان يقصد إليه أحيانًا من الغموض.
ولنسجل أيضًا أنه راض اللغة على الجري في شعاب مجهولة، وانطلق يتحدث عن فروض غيبية جلاها قلمه في معارض شائقة فأصبحت وكأنها من الحديث المأنوس.
ولقوة الشخصية أثر في الحيوية الأدبية، والأدباء لا يخدمون لغتهم بالبيان وحده، وإنما يخدمونها بالبيان المقتحم الذي يوقظ المشاعر والعقول.
ويمكن أيضًا أن نقول: إن كتاب الإحياء يصلح لكل قارئ، أما كتاب الفتوحات فيتسامى على أوساط القراء، فهو لون من الأريستوقراطية العقلية؛ لأنه يعز على من يرومه من سواد الناس، ويطول على من لم تؤهله ثقافته إلى المشاركة في مصاولة العقول.
دفاع العاملي
تلكم جوانب من ابن عربي تمثل شخصيته الأدبية والذوقية، ولكن بقي جانب مهم هو قوله بوحدة الوجود، وهذه المسألة لها أثر في طريقة فهمه لقواعد الأخلاق.
ونبادر فنذكر أن الإشارات إلى وحدة الوجود منبثة في كتاب الفتوحات، ولكن ابن عربي يتكلم في تحفظ واحتراس، وليس من همنا في هذا البحث أن نبين كيف وصلت هذه الفكرة إلى ابن عربي، فقد سبقنا الدكتور أبو العلاء عفيفي إلى ذلك في بحث نشره في مجلة كلية الآداب (مايو سنة ١٩٣٣)، وإنما يهمنا أن نشرح هذه الفكرة ونبين خطرها في الأخلاق.
ونظرية وحدة الوجود شغلت جمهورًا كبيرًا من علماء الإسلام، واصطنعها كثير من أقطاب الصوفية منهم ابن الفارض الذي يقول:
وما حكم به العاملي على الصور المقبولة والمرذولة يحكم به على ساتر الأحكام الكونية كالألم والتلذذ والسعادة والشقاوة والحسن والقبح، فكل هذه لا يلزم منها نقص ولا شينٌ للحقيقة الكلية، إذ ليس الشين والنقص لشيء إلا كون ذلك الشيء في معرض الإمكان والحدوث.
أوجه من الحق في وحدة الوجود
وقد فكرت في هذا المذهب طويلًا، وهو عندي من الوجهة النظرية مقبول، على شرط أن نتجاهل جميع المصطلحات، فنحن إلى اليوم لا نعرف الله كما ينبغي أن يُعرف. ومن المحتمل أن نكون أضفنا إليه صفات لا نعرف حظها من الصدق، فنحن ننزهه عن كل ما يلابس الناس، ونقضي بأن ليس كمثله شيء، كما قضى القرآن، وهنا يبدأ الخطر؛ لأننا إن كذبنا القرآن فماذا تملك؟ وما الدليل على أن القرآن أسرف؟ القرآن يقضي بأن ليس كمثله شيء، فأين اليقين عندنا على أنه يشبه شيئًا أو يشبهه شيء؟
نحن نصف الله بالغنى المطلق، والفطرة هي التي هدتنا إلى ذلك، ولا نكاد نصدق أن واهب الوجود يحتاج إلى شيء، وإن احتاج كما نحتاج فأين تكون عظمته الذاتية؟
ونحن حين نقول بوحدة الوجود نقضي بأننا جزء من الوحدة الإلهية، ولا شك أن فينا شمائل روحية وخلقية تدعونا إلى القول بصحة ذلك الادعاء، ولكننا نتلفت فنرانا نعْرَى ونظمأ ونجوع، ونرى أكبر المتفلسفين لا يغنيه التفلسف عن طلب الرزق، وتمر بنا أحداث نرى الناس فيها صغارًا جدًّا لا يصلحون أبدًا للاتسام بالسمة الإلهية.
يضاف إلى ذلك أن القول بوحدة الوجود يجعل الثواب والعقاب من المشكلات، فمن الذين يثيبنا حين نحسن؟ ومن الذي يعاقبنا حين نسيء؟
ومن نحن حتى نحسن؟ ألسنا جزءًا من الله؟ ومن نحن حتى نسيء؟ ألسنا بضعة من واجب الوجود؟ أيحسن الله نفسه ثم يثيب، ويسيء ثم يعاقب؟ تلك مشكلة المشكلات.
مشكلة الثواب والعقاب
إن ابن عربي يحل هذه المشكلة حلًّا طريفًا، وهو ينصح للعوام بأن يكتفوا بالشريعة فيفهموا الثواب والعقاب على نحو ما يفهم جمهور المسلمين؛ ويحتفظ بذلك السمو الروحاني لأقطاب الواصلين، فمن سمت به التجليات إلى مقام الفناء عرف أن لا موجود إلا الله، واستطاع أن يقول: أنا الله.
ولهذا الرأي خطر عظيم من الوجهة الأخلاقية، فالعارف يرى الناس جميعًا مضللين، ولكنه يعذرهم وينظر إليهم كما ينظر الرجل إلى صغار الأطفال.
أتريدون الحق؟ إن القول بوحدة الوجود له وجه، فمنذ اكتشف اللاسلكي وأنا أعتقد أن العالم كله مربوط أوثق رباط بوحدة كهربائية لا تقبل الانفصام.
وأكاد أحكم بأن الخطأ والصواب، والهدى والضلال، لا يقع شيء منه إلا طاعة لتلك القوة الكهرابئية، فهي التي تبرم وتنُقض، وتأسو وتجرح، لأغراض مستورة قد لا يفهمها الإنسان بإدراكه الضعيف.
ولكن كيف يكون الحال لو وضعت القوانين على هذا الأساس؟
كيف يكون الحال حين يحكم بأن المجرم يجرم وهو غير مسئول؟
أتنفعني هذه الفلسفة التي أدونها في غرفة مغلقة النوافذ؟
ألا يكون من حق كل مجرم أن ينتهب مني ما يشاء، حتى هذا الرغيف الذي أعددته للغداء؟
إن القول بوحدة الوجود ليس إلا شطحة صوفية، وهو خطر كل الخطر في عالم الأخلاق.
كيف جاء القول بوحدة الوجود
لقد أجهدت عقلي في البحث عن السبب الذي دعا إلى القول بوحدة الوجود، وانتهيت إلى أن هذه النظرية لم تنشأ إلا؛ لأن الإنسان بطبيعة تكوينه لا يتصور موجودًا بلا حيز ولا جهة ولا مكان، وهو حين يؤمن بوجود الله يسأل من حيث لا يشعر: وأين الله؟ ولا تزال الدنيا تعج بألوف الملايين ممن يتصورون أن الله في السماء فيرفعون إليها أبصارهم عند الدعاء.
والمؤمنون الصالحون يقولون: الله في كل مكان، والقرآن نفسه يقول: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ولست بهذا أقضى بأن القرآن يجعل الله في مكان، وإنما أحكم بأن هذه الآية تخاطب الناس بما يفهمون، فتصوروا الله موجودًا في كل مكان؛ لأنهم لا يعقلون وجودًا بلا حيز ولا مكان.
ولقد قلت: إن اللاسلكي هيأ ذهني للقول بوحدة الوجود، وإنما كان ذلك؛ لأني تبينت أن الحرية الذاتية قد تكون وهمًا من الأوهام، فأنا حين أتنفس، أو أتحدث، أو أحزن، أو أجذل، أو أسكن، أو أتحرك، أنا في جميع الأحوال موصول السرائر بالعالم كله، ومن آيات ذلك أني أتأثر بما لا أدرك من أحوال الوجود: فأسعد أو أشقى في سريرة نفسي بلا سبب معروف.
وقد حملني هذا الفهم على إقرار مبالغات الشعراء حين يحكمون بأن الشمس والقمر والنجوم جزعت لموت من يبكون من الأعزاء. وبدا لي أنه لا يبعد أن يجيء يوم يثبت فيه أنه لا تجف ورقة، ولا تسقط ثمرة، إلا ويتأثر الوجود كله تأثرًا يتناسب مع الموجود الذي يناله الجفاف أو السقوط.
وهذه القوة الكهربائية التي تربط العالم بعضه ببعض تنفي الحرية الذاتية، وتجعلنا مقرونين إلى القطار الخالد، قطار الموجودات من أراض وبحار وأنهار وجبال وكواكب ونجوم، وما لا نعلم من أشتات الوجود.
قد تقولون: إن الله هو الذي خلق العالم وربطه بذلك الرباط الكهربائي الوثيق.
وهو كذلك، ولكن أين الله؟ أين كان قبل أن يخلق هذا الوجود؟
تقولون: إنه منزه عن الحيز والجهة والمكان.
صدقتم، ولكن انتظروا حتى تخلق الأفهام التي تتصور موجودًا بلا حيز ولا جهة ولا مكان.
لا تظنوني أتسامى إلى حل هذه المشكلة حلًّا نهائيًّا، هيهات، وإنما أردت أن أبين كيف اضطر بعض الفلاسفة إلى القول بوحدة الوجود، والله وحده يعلم أين مكان الخطأ في هذه المسألة، وأين مكان الصواب.
تهافت من يقولون بهذه النظرية
والمهم أن نعرف الآن كيف يصح التكليف مع القول بوحدة الوجود.
وهذا جواب ليس فيه شفاء.
إن غاية الأخلاق عند سبينوزا هي السعادة، والسعادة عنده ليست إلا طمأنينة النفس التي تنشأ من معرفة الله، والله هو كل الوجود، فأين الشخصية الإنسانية التي تحب وتبغض وتحسن وتسيء، في حرية واستقلال، حتى تصلح صلاحية واقعية للثواب والعقاب؟
إن القول بوحدة الوجود يأتي على قواعد الأخلاق من الأساس، ونحن لا نملك التفريط في قواعد الأخلاق، ولا نملك النيل من أصول القوانين؛ لأن أقل محاولة من هذا النوع تعرض المجتمع للفساد، وتسوق الفلاسفة أنفسهم إلى مهاوي الفناء.
هل قال ابن عربي بوحدة الوجود؟
ولكن هل قال ابن عربي بوحدة الوجود؟
ومعنى ذلك أننا موجودون بوجود الله؛ ونشتاق إليه لأنه أصل الوجود.
وهذا له تأويل، وليس من المحتم أن يكون نصًّا في القول بوحدة الوجود.
ولهذا أيضًا تأويل.
وعند مراجعة الفتوحات نجد إشارات كثيرة إلى مقامات الأولياء ونرى ابن عربي يتحفظ ويحترس، فلا ينص صراحة على وحدة الوجود، وإن كان دفاعه عن الحلاج يؤذن بارتياحه إلى هذه النظرية، ويشعر بأنه يتحامى التصريح خوفًا من التعرض لحملات من يقفون عند الظواهر من الفقهاء.
ومن ذلك ما وقع له عند شرح هذين البيتين:
وابن عربي شديد الولع بالمقارنات بين الرسل والأولياء، وعنده أن الرسل لا يتفردون إلا بمزية واحدة هي التشريع، أما الإطلاع على أسرار الوجود فهو من الحظوظ التي تتاح للأولياء.
وما أحسب الفرصة سنحت أبدًا لابن عربي، الفرصة التي تمكنه من أن يقول: أنا الله، كما قال أبو يزيد وكما قال الحلاج، وهو حين يروي هذه الكلمة يلتمس لها مخارج من مقبول التأويل.
دفاع الشعراني عن ابن عربي
ولولا تحفظ ابن عربي لما استطاع أن ينجو في حياته من القتل، ولما استطاع مريدوه من بعد أن ينفوا عنه القول بوحدة الوجود أو الحلول، وسنرى عبد الغني النابلسي يقبح من يقول: بالحلول أو وحدة الوجود، والنابلسي كان من المفتونين بابن عربي ومن الذين اهتموا بأشعاره فرووها وتعقبوها بالتشطير والتخميس.
صور من شقاء العلماء والأولياء
وفي كتاب اليواقيت أسماء لطائفة من أعلام الفقهاء نفوا عن ابن عربي كل ريبة وأثنوا عليه أطيب الثناء.
وهذا كله يشهد بأن ابن عربي لم يمكن خصومه من مطاردته وهو حي، وإن كان من الممكن جدًّا أن يكون ستر آراءه حين اصطنع بعض الرموز والإشارات على نحو ما فعل أقطاب الصوفية الذين لم يروا فائدة في التعرض للقتل.
دوران ابن عربي حول وحدة الوجود
والإساءة إلى ابن عربي في دينه وعقيدته ساقت إلينا وثيقة أدبية قليلة الأمثال، وثيقة يجب تدوينها في هذا الكتاب؛ لتكون شاهدًا على أثر التصوف في الأدب، ولتكون عبرة لمن يسوءه أن يناله الأذى من الناس بسبب الحرية في الفكر والقول.
وهل من القليل في متعة العقل والذوق أن نتذكر أن أبا الدرداء قال: أزهد الناس في العالم أهله وجيرانه، إن كان في حسبه شيء عيروه، وإن كان عمل في عمره ذنبًا عيروه.
وأن كعب الأحبار قال: ما كان رجل حليم في قومه قط إلا بغوا عليه وحسدوه.
وأن الجلال السيوطي قال: ما كان كبير في عصر قط إلا كان له عدو من السفلة، إذ الأشراف لم تزل تُبْتَلَى بالأطراف، فكان لآدم إبليس، وكان لنوح حام وغيره، وكان لداود جالوت وأضرابه، وكان لسليمان صخر، وكان لعيسى بختنصَّر، وكان لإبراهيم النمرود، وكان لموسى فرعون، وهكذا إلى محمد ﷺ له أبو جهل.
وكان لابن عمر عدو يعبث به كلما مر عليه.
ونسبوا عبد الله بن الزبير إلى الرياء والنفاق في صلاته فصبوا على رأسه ماء حميمًا فزلع وجهه ورأسه وهو لا يشعر، فلما سلم من صلاته قال: ما شأني؟ فذكروا له القصة فقال: حسبنا الله ونعم الوكيل! ومكث زمانًا يتألم من رأسه ووجهه.
وكان لابن عباس نافع بن الأزرق، كان يؤذيه أشد الأذى ويقول: إنه يفسر القرآن بغير علم.
وكان لسعد بن أبي وقاص جهلة من رجال الكوفة يؤذونه مع أنه مشهود له بالجنة، وشكوه إلى عمر بن الخطاب وقالوا: إنه لا يحسن أن يصلي.
وقد نُفى أبو يزيد البسطامي سبع مرات من بسطام بواسطة جماعة من علمائها.
وشيعوا ذا النون المصري من مصر إلى بغداد مقيدًا مغلولًا وسافر معه جماعة من أهل مصر يشهدون عليه بالزندقة.
ورموا سمنُون المحب بالعظائم، ورشوا امرأة من البغايا فادعت عليه أنه يأتيها هو وأصحابه، واختفى بسبب ذلك سنة.
وأخرجوا سهل بن عبد الله التُّستري من بلده إلى البصرة ونسبوه إلى قبائح وكفروه مع إمامته وجلالته.
ورموا أبا سعيد الخراز بالعظائم وأفتى العلماء بكفره بألفاظ وجدوها في كتبه.
وشهدوا على الجنيد بالكفر مرارًا حين كان يتكلم في علم التوحيد على رءوس الأشهاد فصار يقرره في عُقْر بيته إلى أن مات.
وأخرجوا محمد بن الفضل البلخي من بلخ لكون مذهبه كان مذهب أهل الحديث من إجراء آيات الصفات وأخبارها على ظاهرها بلا تأويل والإيمان بها على علم الله فيها، ولما أرادوا إخراجه قال: لا أخرج إلا إن جعلتم في عنقي حبلًا ومررتم بي في أسواق البلد وقلتم: هذا مبتدع نريد أن نخرجه من بلدنا، ففعلوا ذلك وأخرجوه. فالتفت إليهم وقال: يا أهل بلخ، نزع الله من قلوبكم معرفته! قال الأشياخ: فلم يخرج بعد دعوته عليهم تلك من بلخ صوفيٌّ أبدًا، مع أنها كانت أكبر بلاد الله صوفية.
وأخرجوا أبا عثمان المغربي من مكة مع كثرة مجاهدته وتمام علمه وحاله وضربوه ضربًا مبرِّحًا، وطافوا به على جمل فأقام ببغداد إلى أن مات.
وشهدوا على الشِّبلي بالكفر مرارًا مع تمام علمه وكثرة مجاهداته وأدخله أصحابه البيمارستان؛ ليرجع الناس عنه مدة طويلة.
وأخرجوا الإمام أبا بكر النابلسي مع فضله واستقامته في طريقته من المغرب إلى مصر، وشهدوا عليه بالزندقة عند سلطان مصر فأمر بسلخه منكوسًا فصار يقرأ القرآن وهم يسلخونه بتدبر وخشوع حتى قطع قلوب الناس وكادوا يُفتنون به.
ورموا الشيخ أبا مدين بالزندقة وأخرجوه من بجاية إلى تلمسان.
وأخرجوا أبا الحسن الشاذلي من مصر، وشهدوا عليه بالزندقة.
ورموا عز الدين بن عبد السلام بالكفر وعقدوا له مجلسًا في كلمة قالها في عقيدته وحرشوا السلطان عليه.
ورموا تاج الدين السبكي بالكفر، وشهدوا عليه أنه يقول: بإباحة الخمر والفاحشة وأنه يلبس في الليل الغيار والزنار، وأتوا به مغلولًا مقيدًا من الشام إلى مصر، وخرج جمال الدين الأسنوي فتلقاه من الطريق وحكم بحقن دمه.
رأيه في نشوء الموجودات
قد يسأل القارئ: وهل لنقل هذه الوثيقة أهمية في بناء هذا الفصل غير العبرة والتأسي؟
ونجيب بأن لها أهمية أعظم من تلك، فإن الشعراني استطرد في ذكر ما ابتلي به الأئمة والأولياء وتجاهل شخصية واحدة لقيت الحتف في سبيل الحق، وتلك شخصية الحلاج الذي أُوذي أبلغ إيذاء، وإنما تجاهل الشعراني شخصية الحلاج؛ لأنه كان يقول: بوحدة الوجود، وذكره بالخير في مثل هذا السياق قد يعرض ابن عربي لتهمة لا يرضاها له صاحب اليواقيت.
الحقيقة المحمدية
قلنا: إن ابن عربي تحفظ واحترس ليسلم من القتل، فهل تكون سلامته من القتل هي الدليل على أنه لم يتورط في القول بوحدة الوجود؟
نعم، سلامة ابن عربي من القتل هي الشاهد على ذلك؛ لأن القول بوحدة الوجود كان من علائم الزيغ والضلال، وهذه النظرية تبدو لأول وهلة غاية في السخف، ومن الذي يتوسم العقل في رجل يقف على قارعة الطريق ويقول: «أنا الله» مع أنه لا يستطيع أن يقول: «أنا حاكم هذا البلد»، وقد يكون في حالة من المتربة لا تمكنه من أن يقول: «أنا صاحب هذا الثوب!!»
أثر ابن عربي في الأدب والأخلاق
تهيب ابن أن يصرح بوحدة الوجود، ونفاها عنه كثير من أقطاب العلماء. ولكن هل تصرفنا هذه المناورات عن معرفة رأيه في وحدة الوجود؟
الواقع أنه يدور حول هذه النظرية ويكاد يفصح عنها بقوله في الفصوص:
فهذا الكلام هو القول بوحدة الوجود، وإن لم يعبر عنه باللفظة الاصطلاحية، فالحقيقة الكلية هي العالم وهي الحق (فإن قلت: إنها العالم صدقت، أو إنها ليست العالم صدقت، أو إنها الحق أو ليست الحق صدقت).
وقال ابن عربي:
قال تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، أي: لا أظهر له إلا في صورة معتقده، فإن شاء أطلق وإن شاء قيد، فإله المعتقدات تأخذه الحدود فهو الإله الذي وسعه قلب عبده، فإن الإله المطلق لا يسعه شيء؛ لأنه عين الأشياء وعين نفسه، والشيء لا يقال فيه: يسع نفسه ولا يسعها.
ومعنى ذلك أن هناك إلهين — وهما إله واحد — الإله الأول إله المعتقدات، والإله الثاني هو المطلق، والأول يسعه قلب العبد، والثاني لا يسعه شيء؛ لأنه عين نفسه وعين الأشياء.
والحقيقة المحمدية هذه مدهشة؛ لأنه يرد إليها كل شيء، فهي الموصوفة بالاستواء على العرش الرحماني، وهي لا تتحيز فلا يحصرها أين، ومفهوم جدًّا أن هذه حالة إلهية، والإنسان إله ومألوه في وقت واحد؛ هو إله لأنه يتصرف في الكون؛ وهو مألوه لأنه نشأ عن الحق: أي: أن له درجتين، درجة العبودية ودرجة الألوهية، أفيكون هذا كل شيئًا غير القول بوحدة الوجود؟
إن القائلين بوحدة الوجود ليسوا من الحمق بحيث يتصورون أن النسبة واحدة بين جميع الموجودات، ولا مفر لهم من الاعتراف بأن الحقائق تختلف، وأن بعض الموجودات أعظم من بعض، والمجذوب الذي وقف وقال: «أنا الله» لم يكن يفهم إلا أنه جزء من الحقيقة الأبدية التي لا تتصور بغير ما نشهد من الوجود.
وخلاصة القول: أن ابن عربي لا يعرف النظرية البسيطة نظرية التوحيد التي تقضي بأن الله منفصل كل الانفصال عن العالم، وأن نسبة العالم إليه هي النسبة بين «كن فيكون» ابن عربي لا يعرف الأحدية الذاتية إلا عن طريق الفرض، أي: حين يغض بصره فلا يرى الوجود، ولكنه حين يشهد العالم يقسمه إلى طبقات بعضها معلول لبعض، ويجعل الحقيقة المحمدية أصل ما في الوجود.
وهنا عبارة مريبة وهي قوله: بأن غاية الخلق التخلص من المزجة فيعرف كل عالم حظه من منشئة بغير امتزاج.
فما سر هذه العبارة؟ أيكون معناها أن العالم كان في ضمير الحق على نحو ما تكون الأشجار البواسق في ضمائر البذور؟
النابلسي والشعراني والقاشاني
بقي أن ننص على أن هذه المناورات التي اصطنعها محيي الدين كان لها أثر بليغ في عمق الثقافة الصوفية، فلو أن هذا الرجل كان أفصح عن غرضه بمثل ما أفصح الحلاج لشفى الناس صدورهم منه بالقتل، ولكنه حين آثر الرموز والإشارات فتح الباب أمام الدارسين من الصوفية والفقهاء فكانت كتبه مبعث نهضة أدبية قليلة الأمثال، وهذا بيت القصيد: فإن تصوف ابن عربي كان بليغ الأثر في حياة الأدب وحياة الأخلاق، ومن أجل هذا صح أن تكون له منزلة عظيمة في بناء هذا الكتاب.
إن ابن عربي لا تعرف أهميته في عالم الأدب والأخلاق إلا إذا فكرنا جيدًا فيما ترك من الثروة الأدبية والأخلاقية، يجب أن نتذكر أنه ترك ألوف الصفحات ومئات القصائد، وأنه راض اللغة على الطواعية للرموز والإشارات، وأنه علم الناس كيف يخوضون في أخطر الأحاديث ثم يسلمون، وأنه هضم ما درس من الفلسفة اليونانية ومن أصول الديانة اليهودية والديانة النصرانية والديانة الإسلامية، ثم أحال ذلك كله إلى مزاج من الفكر الفلسفي الدقيق يعز على من رامه ويطول.
ويجب أن نتذكر خطر المؤلفات التي صنفت في الرد عليه، أو الدفاع عنه، فتلك حركة فكرية لا يمكن إغفالها عند تقويم أثر ذلك الباحث الجليل.
تأثير ابن عربي في البيئات النصرانية
ولا يتسع المجال لبيان أثر ابن عربي فيمن جاء بعده من المفكرين، ولكن لا بد من الإشارة إلى شخصيات ثلاث كان له عليها فضل أي فضل.
الأولى شخصية عبد الغني النابلسي، وسنتحدث عن أشعاره الصوفية، وابن عربي له أثر بليغ في تكوين هذه الشخصية، وإن كان النابلسي في ذاته أضعف من أن يدرك ابن عربي تمام الإدراك.
والحق أن النابلسي مدين للعصر الذي نشأ فيه، فقد كان عصر انحطاط يستكثر فيه القليل، ولولا ذلك ما أمكن أن يلتفت إليه الناس.
الشخصية الثانية شخصية الشعراني، وهي شخصية جذابة كان لها في مصر مقام ملحوظ.
وُلد الشعراني في قلقشندة سنة ٨٩٨، ونشأ بساقية أبي شعرة، وهي بلدة قريبة من سنتريس، وإلى ساقية أبي شعرة ينسب الشعراني، ثم تفقه على علماء القاهرة. وشغل نفسه بالتصوف ففتن فتنة عظيمة بأدب محيي الدين. وألف في شرح آرائه كتابًا طريفًا سماه «اليواقيت والجواهر: في بيان عقائد الأكابر» واختصر كتاب الفتوحات. وتوفي — رحمه الله — سنة ٩٧٣.
الشخصية الثالثة شخصية القاشاني شارح الفصوص المتوفى سنة ٨٨٧، وهذا الرجل يختلف عن الشعراني كل الاختلاف، فهو يفهم أن ابن عربي يقول: بوحدة الوجود، وهو يشرح الفصوص على هذا الأساس. وشرح القاشاني يستحق الدرس؛ لأن مؤلفه من المفكرين؛ ولأن فيه حقائق لا يطوف بها إلا قليل من العقول.
ولنذكر على سبيل المثال ميلاد عيسى عليه السلام، فإن القاشاني يكاد يجعله ميلادًا طبيعيًّا ويوافق ابن عربي في أن جسم عيسى خلق من ماء محقق من مريم وماء متوهم من جبريل سرى في رطوبة ذلك النفخ، ويقرر أن جبريل لما دنا من مريم في صورة البشر تحركت شهوتها بحكم البشرية؛ لأن أكثر هيجان الشهوة في النساء وقت النقاء من الحيض، وكان انتباذها للاغتسال وقت انقطاع الدم، وكان الوقت وقت غلبة الشهوة ففرحت بدنو هذا الشاب المليح فاحتلمت وجرى ماؤها مع النفخ إلى الرحم النقي الطاهر فعلقت، وخلق عيسى من ماء محقق من مريم وماء متوهم متخيل من نفخ جبريل؛ لأن النفخ من الحيوان رطب فيه أجزاء لطيفة مائية بالفعل مع أجزاء هوائية سريعة المصير إلى الماء.
وبقليل من التأمل نفهم أنه يكاد يصرح بالامتزاج بين الطبيعة الإنسانية والطبيعة الإلهية، وذلك هو القول بوحدة الوجود.
وجملة الأمر أن القاشاني يساير ابن عربي مسايرة تامة، ابن عربي الذي يعرفه هو، لا ابن عربي الذي يعرفه الشعراني، فإن الفرق بين الشخصيتين بعيد.
تأثيره في الجيل الحديث
ولكن هل وقف تأثير ابن عربي عند البيئات الإسلامية؟
لا، فقد سرى روحه إلى البيئات المسيحية ولون أفكارها بعض التلوين.
ويؤكد بعض المستشرقين أن دانتي تأثر بابن عربي حين نظم الكوميديا الإلهية، وأن معظم ما جاء به دانتي كان ألفه ابن عربي من قبل، وأن الرجلين يتشابهان في الصور والأمثال والاصطلاحات والأساليب الفنية. ومن المعقول أن يتفق اثنان في فكرة عامة، فهذا من توارد الخواطر، أما اتفاق اثنين في الفكرة والصورة فأمر لا يفسر إلا بالنقل أو المحاكاة.
وقد يمكن أن يقال: إن حرص المستشرقين على تعقب الأصول الفكرية هو الذي حملهم على تجسيم قوة ابن عربي في سيطرتها على دانتي.
ولكن الذي لا يمكن نكرانه أن ابن عربي شغل الناس في عصره وبعد عصره، وكان النصارى في الأقطار الإيطالية والفرنسية والإسبانية يتشوفون إلى المعارف الإسلامية؛ لأنها في الأغلب كانت تمس المسائل الميتافيزيكية، وكان النصارى في القرون الوسطى يهتمون بهذه المسائل ويجعلونها محور المجادلات في الكنائس والديارات.
قد تقولون: وأين ابن عربي اليوم؟ أين آثاره في الأدب والأخلاق؟
واقترحت مرة على الأستاذ الشيخ علي عبد الحميد مبارك أن ينتفع بكتاب الفتوحات في دروس الوعظ، فأجابني بأن مشيخة الأزهر تمنع ذلك: لأنها لا تريد أن تنقل إلى العوام دقائق علم التصوف، فقلت: انتفع بكتاب الإحياء، فقال: ولا كتاب الإحياء.
وهذا يشرح جانبًا من العقلية الدينية في مصر لهذا العهد، فالأزهر لا يريد أبدًا نشر الثقافة الصوفية، وهذه المقاومة هي في ذاتها مظهر من سلطة التصوف في عالم الأخلاق.
وقد حدث في العام الماضي (سنة ١٣٥٤هـ) أن فكرت مشيخة الأزهر في مقاومة التصوف مقاومة رسمية، وكتب فضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغي كتابًا في ذلك إلى وزير الأوقاف السابق سعادة عبد العزيز بك محمد، ولكن وقع أن رد عليه السيد عبد الحميد البكري بجواب فيه عنف، وكانت هذه المصاولة إحياء للاصطدامات القديمة بين الشريعة والحقيقة، وكانت بين المذهبين تراث سيرى القارئ بعض أخبارها في مقدمة القسم الثاني من هذا الكتاب.
•••
أما بعد فقد آن أن نكتفي بما أسلفنا من الكلام في شخصية محيي الدين بن عربي؛ لأننا لا نكتب عنه كتابًا، وإنما نكتب فصلًا من كتاب، والإيجاز يطلب في بعض الأحوال.
ويكفي أن يتذكر القارئ أن ابن عربي سيشغل الناس ما دام في الدنيا إنسان يهمه درس التصوف الإسلامي، وسيشغل الناس ما دام في الدنيا إنسان يهمه الوقوف على ما صنع الذكاء في درس أسرار الوجود.
لا تقولوا: أخطأ ابن عربي أو أصاب، ولكن قولوا: إنه رجل قضى العمر كله في محاورة العقل ومناجاة الروح.
فإن لم يكن بد في ختام هذا البحث من شطحة أدبية تذكر بشطحات الصوفية، فإني أصرح بأن في آثار ابن عربي ما يقبل كل القبول، أو بعض القبول، إلا ديوان شعره فإنه فيما أرى لغو وفضول:
وسلام على ابن عربي بين أعلام الفكر وأقطاب البيان.
وسنرى فيما بعد أن الجيلاني يرى أن العاصي والمطيع أمام الحق سواء.
اللهم لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك. في ليلة الخميس الرابع من شعبان المبارك سنة ألف وثلاث مئة وسبعة عشر من الهجرة النبوية وقت أذان العشاء وليلة السابع من شهر ديسمبر سنة ١٨٩٩ أفرنكية ولد للعبد الفقير غلام، فتيمنًا بالسلف الصالح رضوان الله عليهم اخترت أن أجمع له بين اسم سيدي محيي الدين ابن العربي وسيدي أبي حامد الغزالي ولقب الأول وكنية الثاني، فإنه كما ترى محمد أبو حامد محيي الدين، وجمل ذلك تاريخ مولده من بعد الألف وقد أتممت له التاريخ فكان ما يأتي: ولد في أوائل شعبان المبارك السيد أبو حامد محمد محيي الدين سنة ١٣١٧؛ كاتبه محمد شاكر.