المنظومات الصوفية
هذا بحث لو أطلناه طال: لأن الصوفية عاشوا دهرهم كله في ظلال الشعر والغناء، ولهم على النهضات الموسيقية فضل عظيم، وكانوا في أكثر أحوالهم يتمثلون بالأشعار فينقلونها من الصبوات الحسية إلى الأغراض الروحية، وشواهد ذلك تعد بالألوف، ويكفي أن نذكر ما وقع لأبي الحسن بن الصباغ وقد مر وقت الضحى ببساتين قوص فسمع حمامة على شجرة تغرد بصوت شجي فاستمع ثم تواجد، واستغرق وأنشد:
ثم بكى طويلًا وأنشد:
ثم خر مغشيًّا عليه فلما أفاق أنشد:
ولهذا الحديث نظائر كثيرة في كتب الصوفية. وهو يشهد بأنهم كانوا ينقلون الصبوات الحسية إلى الأغراض الروحية.
ثم اندفع أدباء الصوفية فنظموا بأنفسهم أشعارًا كثيرة تشرح ما يعانون من خطرات القلوب. وأكثر ما أجادوه وصف أخلاق الرجال، كالذي يقول:
ونريد هنا أن نمر مسرعين على بعض الآثار التي حاول أهلها تقعيد التصوف على نحو ما صنع ناظمو المتون في أكثر الفنون.
والذين سنتحدث عنهم في هذا الباب لهم خصائص شعرية تغاير الخصائص المعروفة عند شعراء الوجدان من الصوفية أمثال ابن الفارض والشبلي والحلاج وهم جماعة من كبار الأدباء حاولوا تقعيد التصوف فوصلوا إلى غاية من النجاح لا يمكن إغفالها في مثل هذا الكتاب.
وليتذكر القارئ أننا لا نريد الاستقصاء؛ لأن هذا الباب وحده يحتاج إلى فصول طوال، وإنما نريد فقط أن ندل على ناحية أدبية شغلت جماهير المريدين حينًا من الزمان.
وكذلك (مرثية خالد) وقد شرحها شهاب الدين الألوسي وسمى شرحه (الفيض الوارد، على مرثية خالد)، وهو مطبوع على الحجر وفيه كثير من الفوائد اللغوية والصوفية والفقهية وأعظم منظومة في قواعد التصوف هي منظومة حسن رضوان، وسيأتي الكلام عليها في سياق هذه الفصول.