الهيام في حب الله
قدم هذه النزعة في حياة المتبتلين
اللهم إني أسألك حبك، وحب من يحبك، والعمل الذي يبلغني حبك، اللهم اجعل حبك أحب إلي من نفسي وأهلي ومن الماء البارد.
وقد ورد هذا المعنى في القرآن يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ، قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ.
من أحب الله فليحبني، ومن أحبني فليحب أصحابي، ومن أحب أصحابي فليحب القرآن، ومن أحب القرآن فليحب المساجد؛ فإنها أبنية أذن الله تعالى برفعها وتطهيرها، وبارك فيها فهي ميمونة ميمون أهلها، فهم في صلاتهم والله تعالى في حوائجهم، وهم في مساجدهم والله تعالى في نُجح مقاصدهم.
الفرق بين حب المؤمن وحب الصوفي
ولكن هذا الحب تغلب عليه الصفة النفعية؛ فالمؤمن يحب الله — أي: يطيعه — ليدخل الجنة ويسلم من النار، وقد رأى الصوفية أن يجردوا الحب من الصفة النفعية فيجعلوه خالصًا لذات الله، بغض النظر عن رجاء الثوب، والخوف من العقاب.
وهذا السمو الروحاني عاد على الأدب بأجزل النفع، فقد رُويت عن المحبين أبيات وفقرات على جانب عظيم من الجمال، وانظروا هذه الأبيات:
وحدثوا أن ذا النون قال: بينا أنا مارٌّ في شوارع مصر إذ رأيت جارية مسفرة بغير خمار، فقلت لها: يا جارية! أما تستحين أن تمشي بغير خمار؟ فقالت: يا ذا النون، ما يصنع الخمار، بوجه قد علاه الاصفرار؟ فقال ذو النون: ومن أي شيء علاه الاصفرار؟ قالت: من محنته. قلت: يا جارية! عساك تناولت شيئًا من شراب القوم! فقالت: اسكت يا بطال! شربت بكأس وده ونمتُ مسرورة، فأصبحت بحب مولاي مخمورة. فقلت: يا جارية! عسى فائدة أنتفع بها منك، أو وصية أرويها عنك؟ فقالت: يا ذا النون عليك بالسكوت، حتى يتوهموا أنك مبهوت، وارض من الله بالقوت، يبن لك بيتًا في الجنة من ياقوت، ثم أنشدت:
وورود اسم «الجنة» في هذا الحديث لا ينفي صدق الحب؛ لأن الجنة في أكثر كلامهم إنما هي رمز لمعنى الرضوان في الحب.
فهذه المرأة الصالحة جعلت انتظار الثواب مما يقدح في أعمال الطائعين.
شواهد من أدب الحب
إشارة إلى أعلام المحبين
والواقع أن أهل الحقيقة تكلموا جميعًا في الحب؛ لأن هذه الحال هي الفيصل بينهم وبين أهل الشريعة الذين يعبدون الله طمعًا في الثواب وخوفًا من العقاب، ولا يستقيم حال المتصوف إلا إن خلص من دنياه وأخراه فلا يكون له مأرب غير لقاء الحبيب.
وأشهر من عرفوا بالحب رابعة العدوية، ولها أخبار طوال، وقد نشر عنها الأستاذ نصطفى عبد الرازق بحثًا في مجلة المعرفة منذ سنين، وهي التي تقول:
والتي تقول:
ومن أشهر من تكلموا في الحب سَمْنُون الذي سموه «سمنون الحب»، والذي حدثوا أن الطير كانت تسقط عن الشجر حين تسمع كلامه في الحب.
ومنهم ذو النون الذي كان يتكلم في الحب فيموج مجلسه بالصارخين والباكين.
وما نريد أن نستقصي أخبار من تكلموا في الحب أو نظموا في الحب من الصوفية فذلك باب يطول، ويكفي أن نتكلم عن الشاعر المحب عمر بن الفارض الذي سموه سلطان العاشقين: