دعاء الاستسقاء
الاستسقاء عند بني إسرائيل
وهذه الشواهد تدل على أنه كان مفهومًا عند بني إسرائيل أن الدعاء إنما يقبل من التائبين.
الاهتمام به في كتب الفقه الإسلامي
اللهم إنك أمرتنا بدعائك، ووعدتنا بإجابتك، فقد دعوناك كما أمرتنا فأجبنا كما وعدتنا، اللهم فامنن علينا بمغفرة ما قارفنا، وإجابتك في سقيانا وسعة أرزاقنا.
وصلاة الاستسقاء من أهم مظاهر التصوف، فإن المرء لا يقوم بها إلا وقد آمن إيمانًا صادقًا برحمة الله وفضله، وكيف يطمع المرء في أن تتغير القوانين الطبيعية فتمطر السماء لدعائه إلا إن وثق بأن الأمر كله لله، وأنه يحجب السماء حين يشاء، ويرسلها حين يشاء؟
وانظر هذا الخبر وتأمل ما فيه من صدق اليقين:
قال عطاء السلمي: منعنا الغيث فخرجنا نستسقي فإذا نحن بسعدون المجنون في المقابر، فنظر إليّ فقال: يا عطاء! أهذا يوم النشور، أو بعث ما في القبور؟ فقلت: لا، ولكنا منعنا الغيث، فخرجنا نستسقي. فقال: يا عطاء! بقلوب أرضية؟ أم بقلوب سماوية؟ فقلت: بل بقلوب سماوية. فقال: هيهات! يا عطاء، قل للمتبهرجين لا تتبهرجوا، فإن الناقد بصير! ثم رمق السماء بطرفه وقال: إلهي وسيدي ومولاي! لا تهلك بلادك، بذنوب عبادك، ولكن بالمكنون من أسمائك، وما وارت الحجب من آلائك، إلا ما سقيتنا ماء غدقًا فراتًا تحيي به العباد، وتروى به البلاد، يا من هو على كل شيء قدير! قال عطاء: فما استتم الكلام حتى أرعدت السماء وأبرقت وجاءت بمطر كأفواه القرب، فولى وهو يقول:
وفي عبارة «بقلوب أرضية، أم بقلوب سماوية» ما يشعر بأدق المعاني الروحية، ولهذا أثر بالغ في تربية الأخلاق، إذ يروض المرء على الإيمان بأن الخير لا يصيب إلا المخلصين من الأتقياء.
نماذج من أدعية الاستسقاء
ألا وإن الأرض التي تحملكم، والسماء التي تظلكم، مطيعتان لربكم، وما أصبحتا تجودان لكم ببركتهما توجعًا لكم، ولا زلفة إليكم، ولا لخير ترجوانه منكم، ولكن أمرتا بمنافعكم فأطاعتا، وأقيمتا على حدود مصالحكم فأقامتا.
إن الله يبتلي عباده عند الأعمال السيئة بنقص الثمرات، وحبس البركات وإغلاق خزائن الخيرات، ليتوب تائب، ويقلع مقلع، ويتذكر متذكر، ويزدجر مزدجر، وقد جعل الله الاستغفار سببًا لدرور الرزق، ورحمة الخلق، فقال: سْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِي فرحم الله امرءًا استقبل توبته، واستقال خطيئته، وبادر منيته.
وعند درس الخطبة الأولى نجد الخطيب ترفق في الدعاء حين اهتم بوصف حيرة الدواب في المرابض، وملالها من التردد في المراتع، والحنين إلى الموارد، وعجيجها على أولادها التي أودى بها الظمأ القتال، ونجده تلطف حين دعا الله أن لا يؤاخذهم بأعمالهم، ولا يأخذهم بذنوبهم، ثم نجده أغرق في وصف الغيث المرجو، والخصب المأمول، وكذلك كان صدر الخطبة نفحة وجدانية يتمثل فيها الجزع والإنابة، وكان شطرها الثاني بابًا من الصنعة والافتنان في التخييل والتمثيل.
وصدر الخطبة الثانية توحيد صرف، فالأرض والسماء من جنود الله، تجودان حين يشاء، وتمسكان حين يشاء، ثم يمضي الخطيب فيذكر أن نقص الثمرات ابتلاء من الله يصيب الناس حين تسوء أعمالهم ليتذكروا وينيبوا، وأن كشف الشر موقوف على الاستغفار، وهو بذلك يوجه قلوب المستسقين إلى المتاب، ويختم خطبته بدعاء طويل هو نموذج لرقة التوسل والابتهال.
والمعاني تختلف في هاتين الخطبتين بعض الاختلاف، وذلك يدل على أن الخطيب كان له في كل موقف شعور خاص، وأساس البلاغة أن يعبر المرء عما يساور نفسه عند الخطاب. ولا يعتمد على معانيه القديمة إلا المجدبون في عالم البيان.
فكاهة شعرية
ومن الملح المتصلة بدعاء الاستسقاء قول أبي علي بن المحسن بن علي: