اختطاف سفينة المنظمة!
كان القبض على سماسرة البحار هو أغربُ انتصار يُحقِّقه الشياطين، منذ بدءوا عملَهم مع المنظمة … فقد كانوا في طريقهم إلى «مستعمرة الأوغاد» للقبض على «هينو» و«مارلو»، فوقع في أيديهم سماسرةُ البحار …
ورغم أنهم لم يكن لديهم معلوماتٌ سابقة عنهم … ولم يكن في نيَّتِهم الدخول في صراعات، ورغم أنهم تمكَّنوا من إنهاء هذه المهمة الطارئة بنجاح، تلقَّوا عليه تهنئةَ قيادات المنظمة، عن طريق اتصالٍ أجراه بهم رقم «صفر».
ولم يقتصر الاتصال على التهنئة فقط … بل تمَّ عقْدُ اجتماعٍ سريع لإعادة ترتيب الأوراق … فقد كان لديهم شكٌّ في أن مَن تمَّ القبض عليهم ليسوا هم كل السماسرة … بل هناك غيُرهم يطوفون البحر الأبيض، بعيدًا عن المياه الإقليمية لأيِّ دولة … وبعيدًا عن أعين رجال الأمن في هذه الدول … وقد كان لهذا الشكِّ مبررٌ، طرحَه رقم «صفر» على الشياطين قائلًا: أنتم معي في أنها سوقٌ مبتكرة … وأنها مخاطرة كبيرة تحتاج لجرأة متناهية … ولن يتوافرَ هذا إلَّا بوقوفِ قوًى دولية منظمة خلف هؤلاء السماسرة … قوًى توفِّر لهم الدَّعم التسليحي والأمني، الذي يُمكِّنُهم من الحركة بحريَّة في هذا البحر.
أحمد: تقصد مافيا؟
رقم «صفر»: نعم …
أحمد: ولماذا لا يكونون هم مافيا جديدة؟
رقم «صفر»: لن أختلفَ معك … فهذا أيضًا يعني أنهم ليسوا وحدَهم … وأنَّ هناك غيرَهم في مكان ما على سطح البحر الأبيض، يمارسون نفس النشاط.
أحمد: وهل سنمسح البحر بحثًا عنهم؟
رقم «صفر»: لا … إنَّ لنا مهمَّة محدَّدة في جزيرةِ الشرِّ … وعلينا إنهاؤها …
أحمد: تقصد «مستعمرة الأوغاد»؟
رقم «صفر»: نعم، فهي في ظني بؤرةُ كلِّ هذه الأنشطة الإجرامية في المنطقة.
أحمد: ألَا تظنُّ أنَّ لهذه المافيا عيونًا … وأنهم قد عَلِموا بأمرِ القبضِ على زملائِهم وغرَقِ سفينتِهم.
وقد تكون لهم عيونٌ تُراقبنا الآن.
وهنا قال رقم «صفر» مصدِّقًا على كلام «أحمد»: بالفعل هناك عيونٌ ترصدكم، من خلال مركبِ صيدٍ، يعمل عليه مجموعةٌ من البحَّارة والصيادين … وهم أيضًا أعضاءُ هذه المافيا.
إلهام: وهل تراقبونهم أيضا بنفس الأسلوب؟
رقم «صفر»: لا … فنحن لدينا عميلٌ داهية يعمل ضمن طاقمِ البحارة … وهو أكثرهم دراية بأحوال البحر الأبيض وجُزُره ومساراته … لذلك هو من أفضل رجالهم، ويُدعَى «دايو».
أحمد: وهل ينقل لكم «دايو» كلَّ ما يدور على المركب … وكل ما يكلفونه به؟
رقم «صفر»: للأسف هم لا يكلفونه بمهمَّة خارج مهام الصيد … ولا يُطلعونه على أسرارهم، فهم يتخوفون منه … ويتعاملون معه بحذرٍ خفيٍّ.
أحمد: إذن؛ فهم يشكُّون فيه؟
رقم «صفر»: لو كانوا يشكُّون فيه لعرَفْنا.
إلهام: وكيف عرف «دايو» إذن بخبرِ مراقبتِهم لنا؟
رقم «صفر»: إنَّ له أساليبَه الخاصة في التقفِّي والتتبُّع والاستنتاج.
أحمد: لو كان لهذا المركب علاقة ﺑ «مستعمرة الأوغاد» … فهذا يعني أنَّ الأمر خطير … وأنَّ لرجال «هينو» نفوذًا واسعًا.
رقم «صفر»: هذا حقيقي … ولهذا كانت أهمية التسلل إلى الجزيرة، وإنهاء أسطورة «هينو» ومَن حوله.
أحمد: نحن مستعدون للتحرك الآن.
رقم «صفر»: لن يُجديَ التحرك الآن بنفس اليخت ونفس مجموعة العمل.
أحمد: هل سنعود إلى المقر لتغيير كلِّ ذلك؟
إلهام: لا؛ بل نعود نحن في الوقت الذي يخرج فيه يختٌ آخر، وعليه مجموعةٌ من زملائنا.
رقم «صفر»: لا هذا ولا ذاك، بل ما سيحدث أنَّ سفينةَ كلِّ منظمة سوف تقابلكم في عرض البحر، في نقطة سوف نتفق عليها … وسيكون على ظهرها كلٌّ من «ريما» و«مصباح»، وسينتقل إليه منكم «أحمد» وأنتم و«عثمان» … شريطةَ ألَّا يُلاحظَ أحدٌ ما يحدث.
أحمد: فلْيجرِ هذا في جُنح الظلام.
رقم «صفر»: هذا احتياطٌ أمني من عدة احتياطات يجب أخذها في الاعتبار … وأنتم تعرفونها جيدًا … وفَّقكم الله!
انتهت المكالمة الجماعية التي تلقَّاها كلُّ الشياطين على سطح اليخت سويًّا … وعقد معهم رقم «صفر» من خلالها اجتماعَه المهمَّ … وأبلغهم قرارَه وقرارَ قادة المنظمة.
وبدأ الشياطين ومعهم بعضُ العاملين على ظهر اليخت في إعداد قوارب النجاة التي سينتقلون بها إلى سفينة المنظمة … وفي رأس «عثمان» تحرَّك سؤالٌ حيوي … ورأى أنه من المهمِّ أن يجدَ له إجابة، فقال ﻟ «أحمد»: وماذا عن هذا اليخت؟
وكان هذا السؤال قد راود «أحمد» … فقد أجابه فورَ سماعه قائلًا: أعتقد أنه سيرسو على أحد الموانئ الأفريقية.
عثمان: تقصد غير المصرية؟
أحمد: نعم …
عثمان: ولماذا لا يرسو على ميناء مصري؟
أحمد: لإخفاء مصدر الخطر عليهم … وهذا يُعطينا المرونة في الحركة.
صفيرٌ حادٌّ متقطع انطلق في هذه اللحظة من وحدة الاتصالات الخاصة باليخت … فهرول إليها «عثمان»، وغاب لعدَّة دقائق، ثم عاد متجهِّمًا، وقال في جديَّة شديدة: سفينة المنظمة تعرَّضَت للاختطاف …
أحمد: مَن الذي اتصل بك؟
عثمان: ضابط الاتصال.
إلهام: وكيف تركه المختطِفون يُجري هذا الاتصال؟
عثمان: إنها رسالة شفرية، وقد وعد بإرسال غيرها بمجرد تمكنه من ذلك.
إلهام: وما العمل الآن؟
انطلقَت النبضاتُ من ساعة «أحمد» تخزُّ رسغَه … فضغط زرًّا أسفل الشاشة … فعرف أنها رسالة من رقم «صفر» … وبضغط الزر مرة أخرى … انطلقَت الحروف تتوالى لتزدحم بها الشاشة … وقرأ عليهم بصوتٍ مسموعٍ قائلًا: هوجمت سفينة المنظمة التي كانت في طريقها إليكم … وستمرُّ بكم بعد ساعات فلا تعترضوها ولا تتدخَّلوا إلَّا بعد الرجوع إلينا … رقم «صفر».
بمجرد انتهاء «أحمد» من قراءة الرسالة علَّقَت «إلهام» قائلة: معنى ذلك أن هناك احتمالًا كبيرًا لتدخُّلِنا.
أحمد: يبدو هذا …
عثمان: ولكن كيف هوجمت هذه السفينة؟
أحمد: لقد خرجَت هذه السفينة في مهمة محددة … وهي الوصول إلينا … ومعنى هذا، أن مَن على ظهرها غير مسموح لهم بالدخول في صراعات مهما كانت أسبابها.
عثمان: حتى ولو للدفاع عن السفينة؟
أحمد: أنا أرى أن قادتَنا لهم رؤية بعيدة في هذا.
إلهام: وعلى هذا يكون الهجوم على اليخت له هدفٌ واحد.
أحمد: السرقة …
ابتلع «عثمان» ريقَه قبل أن يسألَه قائلًا: سرقة ماذا … السفينة؟!
أحمد: نعم … وما عليها …
إلهام: ومَن عليها ماذا سيكون مصيرهم؟
أحمد: هذا ما يُقلقني.
وفي حماس قال «عثمان»: أتظنُّ أن رقم «صفر» لم يحسب حسابَ كلِّ هذا؟
أحمد: بالطبع … حسبَ حسابَ كلِّ شيء.
وعن بُعد شقَّ ظلامَ الليل ضوءٌ خافت … لفت نظرَ «إلهام»، والتي صاحَت قائلة: هناك مَن يراقبنا.
نظر «أحمد» إلى حيث تُشير، ثم علَّق قائلًا: قد تكون سفينة عابرة.
علَّق «عثمان» معترضًا بقوله: وهل يكون ضوء السفينة خافتًا هكذا؟
أحمد: إنها بعيدة.
عثمان: ولكنه كشَّاف واحد.
أحمد: قد يكون هو الأقوى؛ لذلك وصلَنا ضوءُه هو فقط …
إلهام: هل تعتقد أنها سفينتُنا؟
أحمد: لا أعرف … وقد أمرَنا رقم «صفر» بعدم التدخل إلَّا بناءً على أوامر مباشرة منه …
عثمان: حتى لو هاجمونا.
أحمد: لو كانت هناك خطورة على حياتنا، سندافع عن أنفسنا بالطبع.
اقترب الضوءُ منهم بعضَ الشيء، وقد كان يهتزُّ كثيرًا، مما دفع «عثمان» للتعليق قائلًا: إنها ليست سفينة … فلو كان هذا الضوء لكشاف سفينة، لكان أكثرَ استقرارًا من ذلك …
أحمد: قد تكون مركب صيد.
عثمان: أو أحد مراقبينا.
إلهام: معنى ذلك أنه لن يقترب أكثر من ذلك.
عثمان: ولكني أراه يقترب، وأسمع عن بُعد ضجيجًا يُشبه ضجيج موتور لنش.
أحمد: هذا يرجِّح رأيك يا «عثمان»، أنه أحدُ مراقبينا.
إلهام: وما الذي أتى به الآن؟
أحمد: لقد سرَّب إليهم «دايو» نبأَ اقتراب سفينتنا المختطفة …
إلهام: هل تُخمِّن ذلك؟
أحمد: نعم.
عثمان: لا أظن ذلك … فليس هناك سببٌ معقول لفعل ذلك.
أحمد: أشعر أن هناك أسبابًا قوية، لا سببًا واحدًا.
إلهام: وبمَ يتعلق هذا السبب؟
نظر «أحمد» إلى السماء بعيدًا حيث تزدحم النجوم … وقال متأملًا: سنرى.
وإلى حيث ينظر «أحمد» … نظرت «إلهام» ونظر «عثمان»، وغابَا … لقد شعروا ثلاثتُهم أنهم سافروا في الزمان إلى ما وراء الأكوان … ولكنَّ شيئًا ما لفت نظرَهم من بعيد … هذا الشيء هو الذي علَّق أبصارَهم بالسماء؛ حيث ينظر «أحمد» … لقد كان جسمًا كبيرًا يتحرك صعودًا وهبوطًا مع الريح … إنه … إنه بالون ضخم.
هكذا صاحَت «إلهام» قائلة، وهي تُشير بإصبعها إلى حيث ينظر «أحمد» و«عثمان»، الذي علَّق قائلًا: هذا البالون لا يتحرك إلَّا صعودًا وهبوطًا، لكنه لا يسير ذهابًا وعودة.
أحمد: ماذا تقصد؟
عثمان: إنه مثبَّت في مكان ما …
إلهام: لا تنسَ أننا في وسط البحر الأبيض.
عثمان: قد يكون مثبتًا في صاري مركب ضخم.
وافق «أحمد» على فكرة «عثمان» مع تعديل جوهري، فقال له: لا يمكن لمركب شراعي أن تأتيَ إلى هنا … وهذا لا يعني أنني أرفض فكرتَك كلَّها، لا … فقد يكون البالون مربوطًا في برج سفينة.
إلهام: ولماذا اتفقتم على نفس الفكرة؟
أحمد: لأن البالون يتحرك صعودًا وهبوطًا مع حركة السفينة على الماء … ولا يتحرك ذهابًا وإيابًا؛ لأن السفينة المربوط بها البالون واقفة.
إلهام: هل هي سفينة أبحاث؟
عثمان: حتى الآن لا نعرف.
نظر أحمد مرة ثانية إلى الماء، فرأى الضوء أيضًا يتحرك صعودًا وهبوطًا، ولا يقترب أو يبتعد، فقال لهما: ألَا يكون البالون مربوطًا في السفينة التي ينبعث منها هذا الضوء؟
نظر «عثمان» إلى الضوء، فرآه يقترب، فصاح قائلًا: أقسم أن هذا الضوء لكشَّاف مثبت بمقدِّمة لنش.
إلهام: معك حق؛ فقد اقترب صوتُ مُحرِّكِه.
أحمد: إذن فالذي يراقبنا ليس راكبَ هذا اللنش.
عثمان: مَن إذن؟
أحمد: إنه صاحب هذا البالون!