سفينة المراقبة!
سفينة تتوقَّف في عرض البحر الأبيض المتوسط … عليها طاقمُ بحَّارة، وطاقمُ فنيِّين، وطاقم خدمة مطبخ، وخدمة غُرف، وغيرهم الكثير … ألَا تحتاج هذه السفينة إلى مُؤَن بأحجام كبيرة؟
كان هذا سؤال «عثمان» … وقد أكمله قائلًا: من أين تأتي هذه السفينة بهذه المؤن؟
ورأى «أحمد» أن يُجيبَه ليستكملَ تصوُّراتِه … فقال له: قد يكون لديها مخزونٌ كبير من هذه المؤن.
عثمان: مخزون كبير … أي ثلاجات ضخمة، أي تيار كهربائي متوفِّر، أي مولِّدات متطوِّرة … أي وقود مُستهلك بكميات كبيرة … أي أن هذه السفينة ليست ملكَ شخص عادي.
نظرَت له «إلهام» مليًّا تفكِّر فيما قال، ثم قالت له: استنتاج معقول …
وعاد «عثمان» يعدِّد قدراتهم، فقال: وهذا البالون الضخم، الذي يحمل أجهزةَ التصوير عن بُعد، والتتبُّع الراداري وغيره، لن يكون مملوكًا لشخص عادي.
عادَت «إلهام» تقول له: معك حقٌّ.
وعاد «عثمان» يقول: ولماذا يُراقبنا صاحبُ كلِّ هذا … أليس لأننا تسبَّبنا في القبض على سماسرة البحار؟
هذا يعني أنَّ هناك علاقةً ما بينهم … وأنَّ القبض عليهم أحدث تأثيرًا لديهم قويًّا؛ حتى إنهم وضعوا كلَّ هذه الإمكانيات لمراقبتنا.
وقد تكون مراقبتُهم لنا، أيضًا؛ لأنهم لا يزالون يمارسون أنشطتَهم المختلفة على سطح البحر … ويخافون من أن نتسبب في القبض على المزيد منهم.
إلهام: ولماذا لا يتخلصون منَّا؟
عثمان: إنهم لا يعرفون حتى الآن حدودَ قوَّتنا … لذلك لم يقتحموا قلعتنا، وأقصد اليخت بالطبع.
وقطع «عثمان» كلامه عندما رأى الكشاف المتحرك، وقد اقترب كثيرًا من اليخت، وأمامه خيالٌ لرأسِ إنسان يتحرك يمينًا ويسارًا، وكأنه في محاولة لتحرِّي الطريق … وفي حركة مفاجئة، رفع «عثمان» ذراعَه لأعلى ملوِّحًا بيده … ولدهشة الجميع رفع الرجلُ يدَه يُحيِّيهم.
أخذتهم المفاجأة … فلم يأتِ أحد منهم بأيِّ ردِّ فعل … إلَّا «أحمد» … فقد أمسك بمنظاره ووضعه على عينَيه … وعندما نظر فيه قال لهم: هذا الرجل من المنظَّمة …
خرج «عثمان» من صمتِه وسأله في شكٍّ: كيف عرفت؟
أحمد: إنه يرفع ثلاثة أصابع من يده اليمنى.
إلهام: قد تكون مصادفة.
أحمد: لا … لقد أجاب الاختبار.
عثمان: اختبار ماذا؟
أحمد: اختبار الأعداد التي رفعَت له إصبعًا … فرفع إصبعَين.
إلهام: أي أكمل العددَ ثلاثة؟
أحمد: نعم … إنه عميل المنظَّمة … ولأنه يأتي من الاتجاه الذي يؤدي إلى السفينة، فقد يكون «دايو».
وفي هذه اللحظة، سمعوا صوت الرجل وهو يتسلَّق سلَّمَ اليخت ويقول لهم: نعم … أنا «دايو» …
ابتسمَت «إلهام» وقالت له: سآتيك بكوب شاي ساخن حالًا.
ابتسم «دايو» وهو يستقر على سطح اليخت، وعلَّق قائلًا: هذه هي الأنثى … أمٌّ بالغريزة … إنها دائمًا أمٌّ لكل المخلوقات، ولا يهمُّ مَن تكون أنت بالنسبة لها.
قاطعه «عثمان» يعلِّق على ما يقوله … بقوله: كل هذا لأنها ستأتيك بكوب شاي … ماذا ستقول إذا أحضرَت لك ساندويتشات؟
ضحكَت «إلهام» وهي تقول له: هل أنت جوعان؟
فلم يترك «عثمان» القفشةَ تمرُّ، وقال لها: لا، أنا «عثمان».
ضحكَت «إلهام» وهي في طريقها إلى طاقم المطبخ تطلب منهم إعدادَ العشاء لهم جميعًا … وعندما عادت … لم تكن وحدها … بل كان معها مضيفتان تحملان صواني الشاي والساندويتشات.
وأثناء تناولهم الطعام، سأل «أحمد» «دايو» بقوله: هل عندك معلومات عن هذه السفينة المتوقفة على بُعد عدَّة مترات منَّا؟
ارتسمَت على وجه «دايو» علاماتُ الدهشة، ونظر ﻟ «أحمد» متأملًا، وقال له: كيف عرفتَ بأمر هذه السفينة؟
لم يلتفت «أحمد» لسؤال «دايو» … بل سأله سؤالًا آخر قائلًا: هل سفينة أبحاث؟
مرة أخرى تتملَّك «دايو» الدهشة، ويجيب سؤال «أحمد» بسؤال قائلًا: كيف عرفت بكل هذا؟
لم يَجِد «أحمد» مفرًّا من أن يُخبرَه بأمر البالون المعلَّق في السماء … غير أن «دايو» ظل على دهشته، وعندما سألَته «إلهام» عن السبب أجاب قائلًا: قد يلفت نظرَ الآخرين هذا البالون وسباحته في السماء … لكن أن يستنتج أحدٌ كلَّ هذه النتائج من طريقة حركته … فهذا هو المدهش.
لم يلتفت «أحمد» كثيرًا لهذا الإطراء، وسأله قائلًا: هل لك علاقة بهذه السفينة؟
دايو: لا … ولكني سمعتُ عنها بعضَ الأخبار.
أحمد: ممن يعملون عليها؟
دايو: لا، بل من بعض مَن يعملون معي …
أحمد: هل يمكنك تقديرُ قُدراتهم التسليحية؟
دايو: ما أعرفه، أنهم مسلَّحون … لكني لا أعرف قُدراتهم.
وطرأ استفهامٌ مهمٌّ على ذهن «عثمان»، فقال يسأل «دايو»: ألن ترصدَك سفينةُ المراقبة هذه وأنت قادم إلى هنا؟
نظر له «دايو» مليًّا، ولم يُجبْه … فتدخَّل «أحمد» قائلًا: هناك رسالة ما، أتيتَ بها يا «دايو» إلينا … أليس كذلك؟
دايو: نعم …
أحمد: من فضلك أبلغنا بها …
دايو: سفينتكم المختطفة على بُعد دقائق منكم، كونوا مستعدين.
عثمان: ولماذا لم تتصل بنا؟
دايو: ليس لديَّ وسيلة اتصال بكم … سأترككم الآن.
ومن حيث أتى عاد مرة أخرى إلى سُلَّم اليخت … وأثناء هبوطه قال ﻟ «عثمان»: هل تظن أنهم رأوني؟
جرى «عثمان» إلى حيث السور الخارجي لسطح اليخت، فرآه ينقل قدمه بحذرٍ إلى اللنش المربوط فيه … فقال له: لا تَعُد إليهم إن كنت تشعر بالخطر.
كان «دايو» قد استقر خلف عجلة قيادة اللنش … فقال له قبل أن يُديرَ محركَه: دائمًا أنا أشعر بالخطر … هذه طبيعة عملي.
وهنا صاح «أحمد» يقول له: نعم هي طبيعة عملنا … ولكن إذا كانت كلُّ الحسابات تُشير إلى صواب قرار الانسحاب يجب أن تنسحب.
أمسك «دايو» بمفتاح إدارة المحرك وهو يصيح قائلًا: سأفكر في الأمر.
قال هذا ثم أدار مفتاح الإشعال وسحب عصا السرعة … فانطلق اللنش طائرًا فوق الماء … وصاحَت «ريما» معترضة بقولها: كان يجب أن ينصرف من هنا بهدوء حتى لا يُثيرَهم.
وفي أسًى قال «عثمان»: لقد رأوه بالفعل يا «إلهام» ولن يتركوه حيًّا.
احتدَّت «إلهام» وهي تلومهم بقولها: ولماذا تركتموه يعود؟
قال «أحمد» بهدوء: هذا ليس من سلطتنا وقد يكون هو على حقٍّ وسيتمكن من علاج الأمر … وفي إصرار قالت «إلهام»: لقد رأيتموه أثناء انصرافه من هنا … وكان يبدو عليه القلق.
كان «عثمان» يتابعه أثناء ابتعاده عن اليخت فقال لهما: يمكنني حتى الآن استدعاؤه.
صاحَت «إلهام» تحثُّه في حماس قائلة: استدعِه يا «عثمان» … فأنا أشعر أنه سيموت.
نظر «عثمان» ﻟ «أحمد» … فلم يعترض … فقام بإطلاق سارينة صوتُها كأنين الحوت … فلم يستجب «دايو»، ولم يلتفت إلى مصدر الصوت … فصاحَت «إلهام» تستحثُّ «عثمان» على إعادة المحاولة وتكرارها إلى أن يستجيبَ «دايو».
وبالفعل قام «عثمان» بإطلاق السارينة أكثر من مرة، حتى رأى اللنش يستدير دورةً واسعة … وكانت «إلهام» تتابعه … فصاحَت بصوتٍ خفيض قائلة: لقد سمع صوت السارينة.
وفي قلقٍ قال «عثمان»: لا أظن.
لم تفهم «إلهام» ما يقصده، فقالت له: ماذا ترى يا «عثمان»؟
لم يُجِبها «عثمان» بل جلس على سور اليخت يتابع ما يدور … مما أثار أعصاب «إلهام»، فصاحَت تسأله في حنَق قائلة: ماذا يجري يا «عثمان»؟
نظر لها «عثمان» مليًّا، ثم قال في جديَّة شديدة: أنا أرى أنَّه مُطارَد …
إلهام: ممَّن؟
عثمان: من أعضاء العصابة …
إلهام: لماذا؟
عثمان: لقد افتضح أمرُه عندما صَعِد إلى يختِنا.
وهنا فقط تحدَّث «أحمد» قائلًا: «دايو» مُطارَدٌ حقًّا … ولكن ليس من أعضاء العصابة.
وفي لهفةٍ قالت «إلهام» تسأله: ممن يا «أحمد» … مَن الذي يطارده؟
أحمد: هناك سمكة ضخمة، لا أعرف، كأنها تدور حول لنشه، فتصنع حوله دواماتٍ تُعرقل المحرك عن دفع اللنش.
صاح «عثمان» في دهشة قائلًا: يا لكِ من سمكة ماكرة.
انطلق «أحمد» يجري إلى كابينتِه ثم خرج منها ومعه بندقيتُه يخرج منها رمحًا … ثم أشار ﻟ «عثمان»، وأكمل جرْيَه إلى سطح كابينة القيادة.
كان المنظار المكبِّر معلَّقًا برقبته … فاستطلع الأمر، ثم صاح يُسمع «إلهام» قائلًا: إنه قرش كبير.
وما إن سمعَت «إلهام» هذا، حتى صاحَت تُخبره باقتراحها قائلة: أنا أرى أن نلفتَ نظره …
لم تكَدْ تُكمل جملتَها … حتى رأَت سهمًا ينطلق في اتجاه اللنش … فصاحَت تسأل «أحمد» قائلة: هل أصبته؟
أحمد: ليس بعد … أين نظارتك يا «إلهام»؟
كانت سخونةُ الأحداث قد أنسَت «إلهام» الاستعانةَ بمعدَّاتها … فانطلقَت إلى كابينتِها، وعادَت ترتدي ملابس الغوص، وتحمل على ظهرها بندقيةً ومجموعةً من السهام، وما إن رآها «أحمد» حتى صاح فيها قائلًا: ماذا تنوينَ فعْلَه الآن يا «إلهام»؟!