النيران والقروش!
قالت لهم «إلهام»: سأنزل إلى الماء وستحمون ظهري.
صاح «عثمان» يُحذِّرها قائلًا: في هذا الماء وفي هذا الوقت من الليل … لن نعرفَ لكِ ظهرًا … وقد نقتلكِ دون أن نراكِ.
أحمد: أو قد تُعطلينا عن إطلاق السهام خوفًا عليكِ.
مرة أخرى قال «عثمان» ليُثنيَها عن قرارها: هذا قرارٌ غير صائب يا «إلهام» … ونحن نحتاجُكِ هنا …
وفي إصرارٍ صاحَت «إلهام» قائلةً: أنا أرى أنني أستطيع أن أصنعَ شيئًا.
– قالت هذا وهي في طريقها إلى سلَّمِ اليخت … فصاح فيها «أحمد» قائلًا: أنا أطلب منكِ هذا بالأمر المباشر.
تسلَّقَت «إلهام» اليخت الحديدي … وانطلقَت تهبطه في إصرار، غيرَ عابئة بما يقوله لها «أحمد» و«عثمان».
كان اللنش المُقِلُّ ﻟ «دايو» يدور في حلقات … والقرش المُطارِد له يدور حوله في إصرار قاتل على الحصول عليه … غير أن الحلقاتِ التي ارتسمَت حول اللنش، أفصحَت عن نبأٍ مزعج للغاية … فقد أصبح القرش المطارِد ﻟ «دايو» ثلاثةَ قروش … و«إلهام» لا تعرف ذلك … وكالصاعقة، سقط «عثمان» قفزًا من فوق سطح كابينة القيادة إلى سطح اليخت، ثم نزل على سُلَّمِه مسرعًا وهو ينادي على «إلهام» قائلًا: القروش المطارِدة ﻟ «دايو» أصبحَت ثلاثةَ قروش … لن تُجديَ المواجهة المباشرة … أنتِ تُعرِّضين نفسكِ للقتل.
كانت «إلهام» تسمع «عثمان»، ولكنها كانت تسير كالمغيَّبة.
وانطلق سهمٌ آخر على سطح كابينة القيادة … وكان هذه المرة صائبًا … فقد أطلق «أحمد» شعاعَ ليزر، حدَّد الهدف بدقَّة … إنه قرش أبيض … من أكثر أنواع القروش شراسة …
وانطلقَت نافورة الدماء من جسم القرش تخترق سطحَ الماء، وتتناثر هنا وهناك، وامتلأ سطحُ الماء بالدم … ورائحة الدم تجذب المزيدَ من القروش.
لقد أصبح موقف «دايو» صعبًا للغاية … فالقروش من حوله لن تدعَ له فرصةً للنجاة … وإذا نجا منها فلن ينجوَ من سماسرة البحار …
لقد تكاثرَت القروش التي جذبَتها رائحةُ دم القرش القتيل … وأصبح قرارُ نزول «إلهام» المياه صعبًا للغاية … نعم، لقد تراجعت «إلهام»، وصَحِبها «عثمان» إلى سطح كابينة القيادة، حيث يقف «أحمد» يتابع ما يجري … وما إن رآهم حتى صاح في «إلهام» قائلًا: ما هذا الذي فعلتيه؟
وأجابَته «إلهام» بسؤال قائلة: وما هذا الذي فعلته أنت؟
وفي دهشة سألها «أحمد» قائلًا: ماذا تقصدين؟
إلهام: أقصد القرش الذي قتلتَه … لقد تسبَّبتَ في ازدحام المكان بالقروش.
وفي هدوء شديد تلقَّى «أحمد» اتهامَها وقال مدافعًا عن نفسه: أنا لم أقتل القرش لأجذبَ برائحة دمائه المزيدَ من القروش … بل لأصرفَ القروش عن «دايو»، وأُلهيهم بالتهام القرش القتيل … ويمكنكم أن ترَوا النتيجة.
نظروا جميعًا إلى حيث أشار «أحمد» … فرأوا اللنش يخترق دواماتِ الماء التي تصنعها القروش ويقترب في سرعة من اليخت.
صاحَت «إلهام» في بهجة قائلة ﻟ «أحمد»: يا لكَ من قائد ماهر … لقد أنقذتَ «دايو» من براثن القروش وسماسرة البحار بطلقة واحدة.
فصاح «عثمان» ضاحكًا: لا بطلقتين فقد طاشت الأولى.
كان لنش «دايو» قد عاد إلى اليخت مرة أخرى … ومرة أخرى تسلَّق «دايو» السلَّمَ الحديديَّ … وعندما استقرَّ على سطح اليخت لم يجد أحدًا، فأخذ يصيح قائلًا: أين أنتم يا مَن أنقذتموني؟
هبطَت «إلهام» ومن خلفها «أحمد» و«عثمان»، و«دايو» يُهلِّل لرؤيتهم … وعندما استقروا على سطح اليخت، صاح «دايو» قائلًا: لقد تصورتُ أني هالك لا محالة … وعندما أُصيبَ القرش … قلت اقتربت النجاة … فالدور القادم على القرش الآخر … وعندما ازدحم المكان بالقروش … قلت يا لَكم من حمقى، لقد أهلكتموني … ولكني رأيتُهم ينصرفون عني إلى القرش القتيل … فوجدتها فرصة للهرب والوصول إلى أقرب ملجأ … قبل أن ينتهوا من صديقهم ويلتفتوا لي. في هذه اللحظة … ارتجَّ جسمُ اليخت … وكأن جبلًا قد ارتطم به أو أنه ارتطم بجبل … فبادر «عثمان» بسؤال «دايو» قائلًا: هل عَلِقت دماء بجسم اللنش؟
أجاب «دايو» دون أن يفكر قائلًا: بالطبع حدث هذا …
علَّق «أحمد» قائلًا: ليس هذا فقط … فحركةُ اللنش قد حرَّكَت معها المياهَ الملوثة بالدماء وأتَت بها إلى هنا …
نظرَت «إلهام» إليهم مبتسمةً، وقالت: تقصدون أن هذا الارتجاج سببه القروش؟
أحمد: نعم.
عثمان: الغريب في الأمر أن «دايو» كان ذاهبًا إلى موته بنفسه، فحضرَت إليه القروش لتُنقذَه من الموت بإجباره على العودة.
وفي شغفٍ قالت «إلهام» تسأل «دايو»: هل هاجمك القرش فأوقفك عن الحركة؟
دايو: لقد كان القرشُ مُثارًا … وقد انتزع شيئًا عالقًا باللنش والتهمَه.
عثمان: قد تكون سمكة ميتة.
دايو: لا يا صديقي … لا يوجد أسفل اللنش ما تعلق به السمكة … بل هناك مَن ربط شيئًا في دفَّة اللنش من الأسفل.
أحمد: وماذا كان يقصد؟
دايو: كان يقصد ما حدث.
صمت «دايو» للحظات قبل أن يقول: أو أنهم أرادوا أن يتخلصوا من شيء ما …
أحمد: مثل ماذا؟
دايو: مثل جثةِ زميل لنا على المركب غائب من يومين.
عثمان: ولماذا لم يُلقوه في البحر؟
دايو: ستطفو الجثة إن آجلًا أو عاجلًا … أم أنها قد ابتعدَت عن المكان … بل وأكلَتها القروش.
أحمد: وهل يمكننا التأكد من ظنك هذا؟
دايو: نعم … بفحص قاع اللنش.
ضحك «عثمان» وهو يقول: مَن يريد الفحص فليفحص.
أحمد: لن يكون الآن بالطبع … بل بعد ما تبتعد القروش.
وبالفعل بدأت القروش في الابتعاد … وعن بُعد بدَت أنوارُ سفينة المنظَّمة تقترب شيئًا فشيئًا إلى أن لاح جسمُ السفينة … وبدأ التوتر يسودُ كلَّ مَن باليخت.
ولأول مرة منذ أن بدأَت هذه المهمَّة، يستقبل «أحمد» رسالة من «ريما»؛ فقد وخزَته ساعتُه في رسغه، وعندما نظر إلى شاشتها عرَف أنها «ريما»، فأسرع بقراءة الرسالة وانطلق في الضحك.
وبالطبع كان هذا مثيرًا للدهشة … ولم ينتظر «أحمد» حتى يسألوه عن سبب ضحكه … فقال لهم: «ريما» ليست مختطَفة.
إلهام: كيف؟
أحمد: سنعرف حالًا …
وعبر القمر الصناعي الخاص بالمنظمة … قام قائد السفينة بالاتصال ﺑ «أحمد» و«إلهام» و«عثمان»، وترك لهم «مصباح» يحكي لهم قائلًا: لقد كانت خطةُ المنظَّمة هي استبدال اليخت بيخت آخر … ونقل «أحمد» و«عثمان» و«إلهام» إليه، ومعهم السيارة «الهامر» … ولكن نما إلى علمهم أن هناك أكثرَ من مراقب لكم، ولكل مسارات البحر … فكانت الخطَّة المحسَّنة أو المطوَّرة لهذه الخطة … هي أن يخرج اليخت من ميناء «الإسكندرية»، وتخرج السفينة من ميناء «دمياط»، على أن تُلقيَها في مسارٍ غيرِ آمِن أخبرنا به «دايو»، ويدور صراعٌ تمثيليٌّ، يتم فيه اختطافي أنا و«ريما» على ظهر السفينة، والمطلوب الآن يحدث مثلما حدث من قبل.
أحمد: هل سيتم إطلاق نار؟
مصباح: نعم وبكثافة …
أحمد: هل نبدأ؟
مصباح: لا … بل نحن مَن سيبدأ.
وانطلقَت في الهواء دانةُ مدفع، لم تُصِب اليخت بالطبع، ولكنها أحدثَت دويًّا هائلًا … تردَّد صداه في سماء المنطقة.
ومرة أخرى، انطلقَت قنبلة، فأصابَت اللنش الخاص ﺑ «دايو»، وانفجر وتبعثرَت أشلاؤه مشتعلة في أماكن متفرقة.
وبالمثل قام «أحمد» بإطلاق دفعة رشاش … فردَّ عليهم مَن بالسفينة بقنبلة أخرى أطاحَت بقارب النجاة المثبت بجانب اليخت … وظهر بهذا فارق القوة … فرفع «أحمد» على سطح كابينة القيادة عصًا مثبَّتًا عليها قميص أبيض اللون.
وانتقل بعض الرجال من السفينة إلى اليخت، فقاموا باصطحاب «أحمد» و«إلهام» و«عثمان»، ونقلوهم إلى السفينة … وكذلك «دايو» … أما السيارة «الهامر» … فقد تم تعليقها في خُطَّاف ونش السفينة … وتم نقلها إلى سطحها.
وهكذا قامت المنظمة باغتصاب يختها … واختطاف مَن على ظهره ونقلهم إلى سفينتها، ثم أطلقوا سراح «دايو»، وأعطَوه قارب نجاة، وقال له قائدهم: الآن سيعرفون أنك عميل مخلص لهم … انطلق.
وهكذا تحرك اليخت في اتجاه جزيرة «قبرص» … أما السفينة فقد سارَت في اتجاه «مستعمرة الأوغاد»، والشياطين على يقين من أن جماعة «هينو» قد ابتلعوا الطُّعم … وأنهم يظنونهم الآن ضحيَّةً مجرمين زملاء لهم …
ولأول مرة منذ أن استقر «أحمد» في هذه المنطقة على ظهر يخت … يرى البالون يتحرك، وعندما أسرَّت له «ريما» بذلك، قال لها: هذا البالون لم يتحرك منذ أن وقف يختُنا إلى الآن.
ريما: معنى هذا أنه يتابعكم.
أحمد: نعم.
ريما: كيف … هل هو مزود بمحركات؟
أحمد: لا … إنه مثبَّت ببرج سفينة تخصُّ جماعة «هينو».
فجأةً اختفى البالون … وكما تكاثرَت القروش على «دايو» من قبل … تكاثرت السفن والقوارب السائرة في اتجاه سفينة المنظمة … فقال «أحمد»: نحن الآن سنقع فريسةً في أيدي جماعة «هينو».
عثمان: لو حدث هذا فسينتقمون منَّا شرَّ انتقام.
وهنا صاح «مصباح» قائلًا: يجب ألَّا نقعَ في أيديهم … لأن ذلك سيُبعدنا تمامًا عن جزيرة «الأوغاد» … فهم لا يصطحبون إليها الأغراب … أو الوجهاء.
إلهام: تقصد أن تأشيرةَ دخولك إلى هذه المستعمرة … هي أن تكون مجرمًا.
مصباح: نعم …
عثمان: ولماذا لا نتحوَّل جميعًا إلى مجرمين؟
مصباح: إن السيناريو الذي دار حتى الآن يقول غير ذلك … فأنتم وجهاء وقعتم فريسةً في أيدي قراصنة.
انطلقَت من عمق الظلام قنبلةٌ أطاحَت بإحدى قوارب النجاة المعلَّقة على جانبَي السفينة، فأطلق رُبَّانُها صاروخًا في نفس الاتجاه … ودوَّى في الأفق انفجارٌ هائل … تردَّد في جنبات الفضاء السحيق … واشتعلَت نيرانُه عن بُعد … أضاءت ما حولها … فرأى الشياطين سفينةً خشبية، وقد أمسكَت بها النيران من كل جانب … ومَن عليها من الرجال … يُلقون بأنفسهم في المياه هربًا … فيعلو صراخهم … فقالت «ريما» في تساؤل: لماذا يصرخون عندما يسقطون في الماء؟
عثمان: لأنهم وقعوا في وعاء شوربة ساخن.
ضحك «أحمد» وقال لها: إنها منطقةٌ تزدحم بها أسماك القرش.
صاحَت «ريما» قائلة: مساكين …
فقال «أحمد» مضيفًا: نعم مساكين … ولكنهم هم الذين اختاروا هذا الطريق … طريق الجريمة؛ لذلك كان هذا مصيرهم.
مرة أخرى انطلقَت قذيفة في اتجاه سفينة المنظمة … بل سقطت في البحر، فقالت «إلهام» معلِّقة: إنهم يحاولون إرهابنا.
أحمد: نعم … حتى إذا ما هاجمونا استسلمنا لهم بلا مقاومة.
عثمان: ولكننا ردَدنا عليهم بحرق إحدى سفنهم.
أحمد: وهذا ما زادهم إصرارًا على مهاجمتنا.
ريما: لماذا؟
أحمد: لقد تم السطو على اليخت … ونقل ما به إلى السفينة … كل هذا في منطقتهم، وهذا يهدِّد نفوذهم … ثم الآن ردَدنا على تدمير قارب النجاة … بإحراق إحدى سفنهم، وقد رأيتم مَن عليها والقروش تفترسهم.
إلهام: وهل سنظل نُبادلهم نيرانًا بنيران هكذا؟
أحمد: هم لن يستمروا في هذا طويلًا …
وبعد مشاورات قصيرة بين «أحمد» وقائد السفينة، انطلق صاروخ آخر … فأصاب إحدى السفن الخشبية الضخمة … وكانت تحمل أطنانًا من خشب أشجار السنط … فاشتعلَت فيه النيران … ولكنها لم تكن أي نيران … لقد كانت كالبركان … وبدلًا من التفاف السفن الأخرى حولها … انطلقت كلُّ السفن والمراكب بعيدة عنها … وابتلعها الظلام …