الانفجار الرهيب والنهاية!
وافق الجميع على فكرة إسقاط البالون، واقتحام سفينة المراقبة، والقبض على مَن فيها … واعتبروها عملية مستقلة … ولم يتبقَّ غير كيفية تنفيذها.
وقال «أحمد» لهم مقترحًا: ما الذي يرفع هذا البالون … هل هو غازٌ أخفُّ من الهواء أم هواء ساخن؟
إلهام: أنا أرجِّح أنه غاز الهيليوم.
أحمد: أهو غازٌ أخفُّ من الهواء؟
إلهام: نعم …
أحمد: إذن نفجِّر هذا الخزَّان الذي يحوي غاز الهيليوم.
عثمان: إنها عملية خطيرة للغاية يا «أحمد».
أحمد: وما الذي فعلناه ليس خطيرًا؟
عثمان: ولكن ليس إلى حدِّ تفجيرِ خزَّان هيليوم فوق رءوسنا.
اندهش «أحمد» لما يقوله «عثمان» وقال له: كيف سنفجِّره فوق رءوسنا؟
عثمان: ألَا تراه يتبع السفينة أينما ذهبت؟
أحمد: لا أعتقد أنه سيتمادى في هذا.
ضحك «عثمان» وهو يقول له: أواثقٌ أنت من أخلاقه؟
ابتسم «أحمد» وقال له: بل واثق من قدراتي … المهم أن نستعدَّ لاستقبال سفينة المراقبة … فأنا أتوقع أنها تحمل لنا مفاجآت.
وهنا تدخَّل «مصباح» مقترحًا بقوله: ما رأيكم لو فجَّرناها فوق رءوسهم.
أحمد: كيف وقد غادرتهم ولن تعود إليهم؟
مصباح: إن لديَّ فكرة تستحق العرض عليكم.
أحمد: كلُّنا أُذُنٌ صاغية.
مصباح: ألَا ترون معي أن هذا البالون يبتعد عنَّا كلما اقتربنا منه؟
ريما: نعم …
مصباح: وإلى أين يتحرك؟ … إنه يتحرك دائمًا في الاتجاه المؤدِّي إلى السفينة … أليس كذلك؟
أحمد: من فضلك أكمل …
مصباح: لماذا لا نسير خلفه حتى نرى نهاية سيره … فقد يقودنا إلى السفينة.
عثمان: وإن كان يقودنا إلى فخ؟
مصباح: فجَّرنا خزَّان الغاز الخاص به.
رأَت «إلهام» أنه من الأجدى إنهاء هذا النقاش بالموافقة على مطاردة البالون … فليس أمامهم غير ذلك … فوافق الجميع على اقتراحها … وبدأت السفينة في التحرُّك خلف البالون …
وفجأة وبعد عدَّة كيلومترات … ارتفع البالون إلى أعلى وظل يرتفع حتى غاب عن عيونهم … نعم … لقد اختفى، وأثار الكثير من علامات الاستفهام لديهم … وكان يجب اتخاذ قرار سريع، إما باستكمال التحرك، أو بالعودة مرة أخرى … وقال «أحمد» في حيرة: لكي أتخذَ قرارًا الآن، يجب أن أعرف لماذا يُقدِم البالون على هذا السلوك؟
كاتو: أنا لا أرى غيرَ أنهم يُربكوننا، حتى يستجمعوا قواهم ثم ينقضُّون علينا.
أحمد: وما الحل؟
كاتو: علينا ألَّا نتوقفَ عن الحركة في أيِّ اتجاه.
أحمد: إذن نستكمل مسيرتنا إلى موقع السفينة.
كاتو: سأعتبره أمرًا بالتحرك.
قال هذا ثم أصدر القرار لرجاله … فواصلت السفينة التحرك … وبعد مسيرة عدَّة كيلومترات … قال «أحمد»: إن لم نعثر على السفينة، سنستكمل سيرَنا إلى «جزيرة الأوغاد» …
وفي هذه اللحظات ظهرَت السفينة، وعلى سطحها أكثرُ من مدفع آلي … ومن فتحات بجسمها تخرج مواسير النابالم … إن لها برجًا يُتيح لمَن على ظهرها رؤيةَ ميدان معركة كامل … واصطياد مَن يريد اصطيادَه … فمَن على ظهر هذه السفينة؟
عثمان: ولكن الصوت صادر من السفينة.
أحمد: نعم … فالسفينة بها جهازُ استقبال، يستقبل الصوتَ الصادر من البالون، ويُعيد بثَّه كما يفعل الراديو تمامًا!
عثمان: إذن نفجِّر البالون.
أحمد: ليس هذا هو الحل؛ فنحن نريد أن نعرف موقع هذا الرجل، الذي يُدير البحر، من خلال أجهزة متقدمة للمراقبة والتنصُّت … ويستطيع التخفِّي بهذه المهارة.
عثمان: ومَن إذن بالسفينة؟
أحمد: لا أحد … السفينة فارغة من البشر، وكلُّ ما عليها حصيلةُ سرقاته وتجارته غير المشروعة، من أموال ومعادن نفيسة.
عثمان: أَيُعرِّض ثرواته للسرقة أو الغرق؟
أحمد: إنه رجل داهية، ويعرف كيف يحمي أمواله، ألم ترَ كيف وضع البالون فوقنا؟
عثمان: ليفجرَنا وقتما يشعر بالخطر.
أحمد: لذلك عندي خطة على نفس مستوى دهائه، ولنحارب الدهاء بالدهاء.
عثمان: وما هي؟
أحمد: علينا أن ننتقل جميعًا إلى سفينته …
عثمان: لن يتركَنا نفعل ذلك … سيفجِّر سفينتَنا بمجرد انتقال أحدنا إلى سفينته.
أحمد: لن يرانا …
عثمان: كيف؟
أحمد: سنركب كلُّنا السيارة «الهامر»، ما عدا «كاتو»، الذي سيبقى على السفينة … وسيقوم بنقلنا باستخدام الونش.
صاح «عثمان» في صوت خافت قائلًا: فكرة مذهلة، وعلينا أن نشرحَها للجميع.
أحمد: يكفي أن يعرفَها الآن «كاتو» فقط …
انتحى «أحمد» ﺑ «كاتو» جانبًا، وشرح له الخطة، في الوقت الذي أخبر «عثمان» كلَّ مَن على ظهر السفينة بالتسلل إلى السيارة «الهامر»، دون أن يشعر أحد.
ولم يمضِ وقتٌ طويل، وكان الجميع قد تسلَّلوا إلى السيارة «الهامر» … وصاح الصوت الصادر من السفينة يقول: أين أنتم؟ ماذا يجري عندكم؟ أحذِّركم من خداعي، فأنا أرى كلَّ ما يدور …
أدار «كاتو» الونش نصف دورة، فوصل إلى سفينة المراقبة حاملًا السيارة «الهامر»، وما إن حطَّت السيارة على ظهر السفينة … حتى تسلَّل راكباها الواحدُ تلوَ الآخر، إلى غُرَفِها المختلفة … واكتشفوا في قاعها بابًا يُفتح عند الخطر، فيُغرق كلَّ الصناديق التي تحمل الأموال وسبائك الذهب … ثم يقوم بتفجير السفينة، فلا يعرف أحدٌ عن ذلك شيئًا، ويَصِل هو بعد ذلك بسهولة إلى تلك الأموال، فينتشلها بمعاونة رجاله …
قام «أحمد» بتعطيل هذه الأبواب … فتردَّد الصوت في جنبات السفينة يصيح قائلًا: ماذا فعلتم أيها الحمقى؟ لن أدعَكم تفرون بفعلتكم هذه.
كان «كاتو» قد انتقل هو الآخر إلى السفينة، تاركًا سفينتَه فارغة … فخرج «أحمد» إلى سطح سفينة «هينو» … فرأى البالون ما زال طائرًا فوق سفينتهم، فأطلق على خزَّان الهيليوم به رصاصة واحدة …
ودوَّى في سماء المكان صوتُ انفجار مروِّع، جعل الماء يعلو ويهبط في أمواج عالية متلاحقة …
وانقطع بعدها الصوت … صوت هذا الرجل الذي يظنُّ الجميع أنه «هينو»، فقدْ فقدَ القدرةَ على بثِّ صوته إلى السفينة، بعد تدمير البالون … وفقدَ القدرة على المراقبة … وفقدَ أمواله … وهي مصدر تمويل كلِّ ما يجري على الجزيرة وحولها، وعلى طول مسار البحر الأبيض.
بهذا، وضع الشياطين نهايةً تامة لتاريخ طويل من الشر، نشأ ونما واستفحل على أرض «مستعمرة الأوغاد»، دون أن يطئوها.