لبنان
جمهورية تتركب أرضها من سهل يقع محاذيًا ساحل البحر المتوسط، وأهم ثغوره طرابلس الشام وبيروت — عاصمة الجمهورية — ثم صيدا وصور، ومن سلسلة من الجبال تحاذي الساحل، جبال كثيرة المال جيدة الزراعة ومن قممها ما يرتفع إلى ١٠٠٠٠ قدم، وبعد هذه الجبال من سفوحها الشرقية السهل المرتفع كثيرًا عن سطح البحر المشهور باسم سهل البقاع.
وسكان الجمهورية يقربون من مليون ونصف، وسكان بيروت نحو ٢٥٠٠٠٠ وطرابلس نحو ٩٠٠٠٠، وصيدا نحو ٨٠٠٠٠، وزحلة نحو ٨٠٠٠٠.
والهجرة من لبنان ظاهرة اجتماعية مشهورة. وقد هاجر منه — ويهاجر منه — إلى الولايات المتحدة وجمهوريات أميريكا الجنوبية وجزائر الهند الغربية وأفريقية الغربية وغيرها.
والطوائف المذهبية في لبنان كثيرة، فالمسلمون منهم سنيون ومنهم شيعة، وكذلك توجد طائفة الدروز وطائفة النصيرية، والمسيحيون هم أيضًا طوائف، فمنهم الموارنة وكنيستهم وطنية — يعني أنها لبنانية؛ فهي في هذا كالكنيسة المصرية القبطية — وهي في الوقت نفسه مرتبطة بالكنيسة الرومانية الكاثوليكية وإن احتفظت لنفسها بخصائص. ومنهم طوائف كاثوليكية مرتبطة هي أيضًا بالكنيسة الرومانية الكاثوليكية، نذكر منها الروم الكاثوليك والسوريان الكاثوليك والأرمن الكاثوليك والكلدان، ثم يوجد كاثوليك لاتين يتبعون الكنيسة الرومانية الكاثوليكية رأسًا، ثم توجد الكنائس الشرقية الأرثوذكسية المختلفة، من روم أرثوذكس وأرمن أرثوذكس وسوريان أرثوذكس. وكذلك توجد طائفة مسيحية تتبع مذاهب بروتستنتية مختلفة … إلخ.
«وللطائفية» وحقوق الطوائف شأنٌ أساسي في أنظمة الجمهورية، ورئيس الجمهورية يختار من الموارنة، ورئيس الوزارة من المسلمين السنيين، والمناصب الأخرى يراعى فيها تمثيل الطوائف، كما يراعى هذا في توزيع مقاعد البرلمان.
وكثرة الطوائف أدت إلى سعي الرياسات من دينية وإقطاعية — وجبل لبنان يمثل في ماضيه التنظيم الإقطاعي خير تمثيل — إلى إيجاد قدر من التوازن يمكِّن كلَّ طائفة من أن تبقى، ويقلل بقدر الإمكان من آثار المنافسات والمخاصمات والمنازعات، وهي كثيرة في هذا الحيز الضيق.
وكان لهذه الحالة أثرها في وجود قدر من الحرية ومن فرص العمل في مصالح عامة للجميع. ولكن كان لها في الوقت نفسه أثر آخر هو التقارب بين مختلف الطوائف والهيئات الدينية والسياسية الأجنبية، فتعمل الهيئة الأجنبية — دولة أو كنيسة — مثلًا على أن تحتضن طائفة من الطوائف، وأن تكسب لها مزايا من حكومة الدولة العثمانية أيامَ أن كان لبنان خاضعًا للدولة العثمانية، وأن تُتيح لأبنائها فرص التعلم والترقي، وأن تُكسِبهم حمايتها — إن لم تكن تبعيتها — وأسوأ من هذا أن الهيئة الأجنبية — دولة أو كنيسة — لا يسوءها كثيرًا بذر بذور العصبية الطائفية والكراهية.
«والجبل» في الأصل كان قائمًا بنفسه، حَكَمَهُ أيام السلاطين المصريين المماليك ثم أيام السلاطين العثمانيين حكامٌ من أبنائه، واكتفت الدولة المملوكية ثم الدولة العثمانية بجمع ماله وبالإشراف عليه من قواعد الحكم العثماني في طرابلس أو في صيدا أو في دمشق. على أنه يجب أن نتذكَّر دائمًا أن هذا الحكم الذاتي أو الكيان القائم بنفسه كان في الجبل وحده، فلم تكن الأراضي الساحلية بينه وبين البحر أو الأراضي المنبسطة في شرقيه جزءًا منه.
وقد اكتسب هذا الكيان دستورًا على أثر الاضطراب الذي ساده في ١٨٦٠، والقتال والمذابح التي وقعت فيه وفي دمشق وغيرها.
كان هناك تدخل أوروبي، وأنشأت الحكومة العثمانية بالاتفاق مع الدول حكمًا ذاتيًّا للجبل على رأسه حاكم مسيحي يعيِّنه السلطان ويعاونه مجلس … إلخ، ولا يسري هذا الحكم الذاتي إلا على الجبل نفسه.
وتاريخ متصرفية الجبل هذه فيما بين ١٨٦٤ وقيام الحرب العالمية الأولى في سنة ١٩١٤ جدير بالدرس، ممتع من حيث التطور الاجتماعي، ومن حيث الحركة العقلية، ومن حيث الهجرة، ومن حيث النشاط في مختلف الأقطار العربية، ومن حيث نشاط المساعي الأجنبية في التعليم والاقتصاد ونشر النفوذ.
وكانت الحربُ العالمية الأولى، وذاق فيها أهل الجبل الكثير، وكان الحرمانُ بل كانت المجاعةُ.
وعند نهايتها، وعندما أُطلقت يد فرنسا في تلك الجهات، أقامت جمهورية لبنان الكبير، وأدخلت فيه الساحل البحري وأرض البقاع. وكانت فرنسا منتدبة للبنان الكبير، وبقي الانتداب إلى ١٩٤٥، وفيها توطَّدَ الجلاء والاستقلال.