الملك خع سخم رع-نفر حتب
•••
وقد أراد هذا الفرعون أن يسير على نهج أسلافه في إحياء ذكرى الإله «أوزير»، وقد تَرك لنا لوحة في «العرابة المدفونة» يعدِّد لنا فيها ما قام به من عظيم الأعمال الدينية لوالده «أوزير»، وقد أدَّتْ به غيرته أن قام بنفسه برحلة إلى «العرابة المدفونة»؛ حيث أَحضر على حسب أوامره الخاصةِ تمثالَ الإله «أوزير» من قبره ليقابله عند وصوله، ثم عاد بعد ذلك الإلهُ والملك سويًّا إلى المعبد، وهناك مُثِّلَت «دراما» موتِ الإله «أوزير» ثم إحيائِه ثانية، وقد تَكلَّمنا عن ذلك فيما سبق.
في السنة الثانية من حكم جلالة الملك «نفر حتب» الذي أنجبتْه الأم الملكية «كمي» لها الحياة والثبات والسعادة مثل «رع» مخلدًا (عندما) اعتلى جلالته عرش الصقر (الملك) في القصر المسمَّى «المسيطر على الجمال» (ويحتمل أن هذا القصر كان بالقرب من «أثت تاوي» أو «منف»). خاطب الأشراف والنبلاء من أتباعه، ومَهَرَة الكتاب وحفَّاظ كل الكتب السرية قائلًا: لقد تاق قلبي إلى رؤية الكتابات القديمة الخاصة بالإله «آتوم»؛ ولذلك يجب عليكم أن تقوموا لي ببحوث عظيمة حتى يمكن للإله (أي الملك) أن يعلم كيف خُلق، وكيف فُطرت الآلهة، ويعلم ما يجب أن تتألف منه القرابين الخاصة بهم، وحتى يمكنني أن أعرف الإله «أوزير» في صورته الحقيقية، وبذلك يكون في مقدوري أن أَنْحِتَ له تمثالًا كما كان في غابر الزمان، في الوقت الذي كان فيه الآلهة يَنحِتون تماثيل «لأنفسهم» في مجلسهم «السماوي»؛ لأجل أن يثبتوا آثارهم على الأرض، فقد منحوني إرث إله الشمس إلى آخِر ما تحيط به دائرة الشمس. وإني سأزيد ما هو موكل بي (من القرابين) وهُم من جانبهم سيزيد حبهم لي ما دمتُ أعمل على حسب ما يأمرون.
فأجاب الأشراف على ذلك بقولهم: «يا أيها الملك والسيد، إن كل ما أَمر به جلالتكم سينفَّذ؛ وعلى ذلك فلتذهبْ جلالتكم إلى المكتبات، ولتنظرْ جلالتكم إلى كل كلمة مدونة.»
وعندئذٍ ذهب جلالته إلى المكتبة، وفَتَحَ الكتب في حضرة الأشراف فوَجد سجلاتِ معبد «أوزير» أولَ أهل الغرب، وسيد «العرابة المدفونة»، ثم قال جلالته للأشراف: إن جلالتي يحيِّي «أوزير» أول أهل الغرب ورب «العرابة المدفونة»، وإني سأَنْحت تمثالًا له تكون أعضاؤه ويداه على حسب (الإيضاح) الذي رأيته في هذه الكتب، وهي التي تمثِّله بوصفه ملك الوجهين القبلي والبحري عندما خرج من فرج إلهة السماء (نوت). ومن أجل ذلك أَمَر بإحضار ضابط كان في معيَّته للمثول بين يديه، وقال له: «عليك أن تصعد في النيل وبصحبتك جنود وبحَّارة، ولا تنمْ ليلًا ولا نهارًا حتى تصل إلى «العرابة»، وعليك أن تأتي بتمثال أول أهل الجبانة الغربية حتى أُقِيم آثاره كما كانت عليه في بداية الزمن. وحينئذٍ قال الأِشراف: إن كل ما أَمرتَ به سيكون يا أيها الملك والسيد، وإنك ستفعل لجدك أول أهل الجبانة الغربية في «العرابة» على حسب قولك.» ثم انطلق هذا الضابط جنوبًا لينفذ ما أَمر به جلالته، وقد وصل إلى العرابة (حيث أَمَرَ بإخراج تمثال أول أهل الجبانة الغربية من قبره). وبعد بضعة أيام وصل جلالة هذا الإله (الملك)، ونزل في القارب المقدس «لأوزير» رب الأبدية؛ حيث كان شاطئَا النهر مفعمَين بالعطور وروائح بلاد «بنت» (أي كان يطلق البخور عند حافة النهر). وأخيرًا وصل الملك إلى «العرابة» سائحًا في القناة الخارجة من النيل إلى «العرابة»، ووصل في وسط المدينة حيث حضر رسول منه قائلًا: إن هذا الإله «أوزير» قد خرج من قبره في أمان، وعندئذٍ ذهب جلالته إلى القارب المقدس عند رأس القناة (حيث كان تمثال «أوزير» ينتظره ومن ثَم ذهب إلى المعبد) ومعه هذا الإله، وهناك أَمَرَ بتقديم قربان لجدِّه أول أهل الجبانة الغربية، فأحرق البخور والمواد المقدسة «لأوزير» أول أهل الجبانة الغربية في كل مظاهره (وأنهى الاحتفال التقليدي الخاص بهزيمة أولئك الذين كانوا أعداء القارب المقدس). وبعد ذلك ظهر جلالة هذا الإله في احتفال تاسوعِه المتحدين معه في حين أن «وبوات» (الإله الذي في صورة ابن آوى) كان يسير أمامه بوصفه مرشدًا للطريق.
وبعد ذلك أَمَرَ جلالته أن يذهب هذا الإله إلى معبده، وأن يوضع في المقعد الموجود في المحراب الذهبي (لمدة بضعة أسابيع في أثناء اشتغال الصناع في العمل)؛ ليمثِّلوا جمال جلالة «أوزير» وتاسوعه، ولِيضعوا موائد قربان مِن كل الأحجار الفاخرة الغالية المجلوبة من أرض الإله، وقد كان الملك يشرف على صناعة ما يصاغ من الذهب بنفسه، ولكن جلالته قبل أن يفعل ذلك تُطهَّر بالطَّهور اللائق بالإله. (الجمل التي تتلو ذلك في المتن مهشمة ولا يمكن ترجمتها)، والظاهر أنه بعد انتهاء العمل خاطَب الفرعونُ الكهنةَ بنفسه قائلًا: «كونوا يقِظِين في المعبد وحافظوا على هذه الآثار التي أَقَمتُها، ولقد وضعتُ أمامكم تصميمًا لكل الأزمان، وعندما وضعتُ هذا المَثَل في قلوبكم كنتُ أبحث وراء عملٍ ما، يجب أن يكون صحيحًا للمستقبل، وما يجب أن يَحدث بانتظام في هذا المكان الذي صنعه الإله؛ وذلك لرغبتي في توطيد ذكرياتي في معبده، ولأجْل أن تبقى أوامري دائمًا في هذا البيت، وأن جلالة «أوزير» يحبُّ ما قمتُ به له، وإنه لَفرِحٌ بما قد أمرت بعمله؛ لأنه بذلك قد تأكَّد من انتصاره، على أني له بمثابة ابن وحام، وأنه هو الذي يعطيني وراثة الأرض، وأنا بذلك ملك عظيمُ القوة ممتاز في مراسيمي، ولن يعيش مَن يعاديني، ولن يتنسَّم النفس مَن يثور عليَّ، ولن يبقى اسمه بين الأحياء، وسيقبض على روحه أمام مَن في يَدِهم السلطان، وسيُلقي به بعيدًا عن حضرة الآلهة؛ هذا هو العقاب الذي سيحل بمن سيهمل أوامر جلالتي، وبكل من لا يعمل على حسب هذا الأمر الذي أصدرته جلالتي، وبكل مَن لا يدعو لي هذا الإله الجليل، وبكل مَن لا يحترم ما فعلتُه خاصًّا بقربانه، ولكل من لا يقدم لي الشكر في كل عيد في هذا المعبد، سواء أكان ضمن طائفة من كهنة محراب هذا المعبد أم يشغل أيَّة وظيفة أخرى في مدينة «العرابة»؛ وذلك لأني قد أقمتُ هذه الآثار لجدِّي «أوزير» أوَّل أهل الجبانة الغربية، ورب العرابة؛ لأني أحببتُه أكثر من كل الآلهة، ولأجل أن يمنحني جزاء ما قمتُ به له «ملايين» السنين.
قرر جلالتي أن هذه الجبانة الواقعة جنوب «العرابة» يجب أن تُصان وتُخصَّص لوالدي «وبوات» رب الجبانة «تاجسر» (اسم جبانة العرابة)، كما فعل الإله «حور» لوالده «أوزير»، فلا يسمح لأي شخص أن تطأ قدمه هذه الجبانة. ولهذا فإن هاتين اللوحتين قد أقيمتا في نهايتَي الجنوب والشمال ونُقش عليهما اسم جلالته. وأي شخص يوجد داخل المساحة المعينة بهاتين اللوحتين تجب معاقبته، ولو كان صانعًا أو كاهنًا يزاوِل صناعته؛ وأي موظف يقيم لنفسه قبرًا داخل هذه الجبانة فلا بد من التبليغ عنه، ويجب أن ينفَّذ فيه القانون، وكذلك تنفَّذ هذه الأوامر حتى على حارس الجبانة من هذا اليوم، أما أي امتداد وراء هذا الجزء المعين فليصرح لهم بالدفن فيه.
ومما سبق يتضح لنا ما كان للإله «أوزير» والإله «وبوات» من المكانة في ديانة القوم، وبخاصة عند الملوك. ولا غرابة في ذلك؛ فقد أخذ الإله «أوزير» يحتل مكانة عظيمة في الديانة في عهد الدولة الوسطى، حتى أصبح يُعتبر أعظم الآلهة شأنًا، وبخاصة في إقامة شعائره الدينية، كما أفضْنا القول في ذلك في الجزء السابق (راجع ج٣).
وقد حكم نحو إحدى عشرة سنة على وجه التقريب.