نظرة عامة في حكم الأسرة الثالثة عشرة
تدل شواهد الأحوال على أن نظام الحكومة في عهد الأسرة الثالثة عشرة بقي على حاله كما كان في زمن الأسرة الثانية عشرة، فنشاهد أن الملك «نفر حتب» الأول يجمع كبار الموظفين والمستشارين حول عرشه في السنة الثانية مِن حُكمه، ويأمر بإخراج الكتاب المقدس لتاسوع الإله «آتوم»، وهذا الكتاب يوحي إليه بفكرة القيام بإنجاز أعمال في معبد «أوزير» «بالعرابة المدفونة»؛ وكذلك أمر الفرعون «خنزر» الأول وزيرَه «عنخو» أن يقوم بإنجاز إصلاح في معبد «سنوسرت» الأول، هذا إلى أن كثيرًا من فراعنة هذه الأسرة قاموا بإصلاحات عدة في المعابد القائمة في أمَّهات المدن ﮐ «قفط» و«العرابة المدفونة»، وبخاصة معابد الإله «مين» والإله «أوزير» والإله «وبوات»، وهم الذين شاعت عبادتهم في هذه الفترة، بذلك قد أظهروا ما في قلوبهم من الرغبة والاحترام لخدمة آلهتهم متى أتيحت لهم الفرص كما كان يفعل ملوك الأسرة الثانية عشرة.
فقد كانوا يقطعون الأحجار من وادي الحمامات لنحت تماثيل ضخمة لأنفسهم، وبنوا بها كذلك مقابرهم، وقد أقام «سبك أم ساف» وزوجه قبرَيهما في «طيبة»، ولكن يَظهر أن «نفر حتب» الأول كان مقرُّ ملكه في منطقة «منف».
وكان الموظفون متواضعين، يَحْنون رءوسهم أمام الأوامر التي تهبط عليهم، ويتقبلون الهبات الملكية التي كانت تُجزل لهم، غير أن هذه الهزة القاسية التي هزتْ أركان الإمبراطورية لم تحدِّثنا النقوشُ الباقية حديثًا شافيًا يجعلنا نصل إلى كُنْهها، ومع ذلك فإنَّا نلمس حقيقتها من اضطراب البيت المالك؛ فما يكاد الفرعون يستقر في عرشه حتى يُغتصب منه الملك ويُطرد، ثم يتلوه غيره، وتتجدد معه المأساة؛ مما يدل على أن البلاد كانت منحدرة نحو الخراب والتدهور المُشين، ولا يبعد أن يكون الملوك الذين يموتون على فراشهم مِيتَةً طَبَعِيَّةً قلائلَ جدًّا، غير أنه لا يمكننا أن نفسر الأسباب التي أدت إلى سوء النظام وقتئذٍ؛ إذ كانت أحوال البلاد لا تزال غامضة لدينا؛ لأن السجلات الرسمية والنقوش الجنازية، أو نقوش الإهداء التي بقيتْ لنا لا تسعفنا بشيء ينير لنا السبيل في هذه الناحية.
وأقدم هؤلاء الأشراف من أصحاب «الكاب» هو «سبك نخت»، الذي عاش في عهد الفرعون «سبك حتب» السادس، والفرعون «نفر حتب» وكان يحمل لقب «أمير» وكاهن أعظم، وكذلك كان يحمل لقب «حامل الخاتم» و«السمير الوحيد»، مما يذكرنا بالأمراء الوراثيين، ولكن نجد أن خليفته «ران سنب» و«ببي» كان كلٌّ منهما يحمل لقب «رئيس مائدة الحاكم»، وقد كانا أقرباء ملوك وكبار موظفين، ومع ذلك فقد كان «ببي» له من الاستقلال ما يكفي أن يتكلم بلهجة أمراء المقاطعات الأقدمين عن أعمال الخير التي أغدقها على بلدته؛ إذ زعم أنه كان يوزع خمسين رغيفًا على كل فرد فقير أو غني؛ وكذلك تكلَّم عن الحقول التي أمر بزرعها … إلخ، وعلى ذلك نجد أنه في عهد الأسرتين السادسة عشرة والسابعة عشرة قد تكوَّنت من جديد إمارة حقيقية، ولكن كان يَشْغلها في هذه الحالة موظفون وصلوا إلى مركزٍ قوي أو مرتبة أمير؛ وذلك إما بالزواج أو بامتلاك أراضٍ.
على أن ما كان يحدث في «الكاب» — على حسب ما تسمح به الوثائق التي في متناولنا — يكشف لنا بعض الشيء عن الحالة الحقيقية لهذه الأزمة التي ارتسمت في عهد الأسرة الثالثة عشرة؛ وهي أن كبار الموظفين الخاضعين للتاج، وبخاصة الضباط منهم الذين كانوا وقتئذٍ يغتصبون العرش، كانوا يتشاحنون فيما بينهم، وكان كلٌّ منهم يطمح إلى أن يكون الفائز، فكان يحل الواحدُ منهم مكان الآخر دون أن يفوز مغتصِب بأن يضمن لنفسه مركزًا ثابتًا أو يفلح في تأسيس أسرة قوية الأركان مدعمة البنيان، هذا إلى أن كبار رجال الدولة كانوا يبيعون وظائفهم كما تُباع السلع، فلا غرابة في أن يكون العرش كذلك يباع ويشترى لمن في يده قوة وجاه.