عصر الهكسوس
مقدمة
لقد كان موضوع «الهكسوس» من أبرز ما تناوله علماء الآثار من الموضوعات في السنين
الأخيرة، وبخاصة بعد الكشوف الحديثة الناجمة من الحفائر التي قامت في الشرق الأدنى؛
سنحاول هنا الاستفادة من كل ما كتبه هؤلاء الباحثون لنكوِّنَ صورةً واضحة بقدر ما
تسمح به معلوماتنا عن هؤلاء الغزاة.
ولقد احتدَمَ الجدل في الماضي في الوقت الذي اجتاح فيه الهكسوس البلاد المصرية،
أما تاريخ طردهم من أرض الكنانة فيكاد يكون من المتفق عليه الآن أنه كان حوالي عام
١٥٨٠ق.م على يد الفرعون أحمس الأول، مؤسس الأسرة الثامنة عشرة، كما سنشرح ذلك فيما
بعدُ، وكذلك نعلم حسب تفسير الأستاذ «زيته» للوحة «أربعمائة السنة» أن الهكسوس
كانوا قد أصبحوا أصحاب السلطان في أرض الدلتا حولي عام ١٧٣٠ق.م، وعلى ذلك نرى أنهم
كانوا قد حكموا مصر بين مدٍّ وجزر نحو قرن ونصف قرن من الزمان.
وقد كانت الفكرة الراسخة في الأذهان عند عامة المؤرخين إلى بضع سنين مضت أن هؤلاء
الغزاة قد انقضُّوا على الديار المصرية فُجاءةً من بلادهم الأصلية، واستولوا عليها
عنوةً، وأن ذلك قد حدث في فترةٍ كانت مصر قد بلغت فيها من الضعف والوهن حدًّا
بعيدًا، أي عندما كانت الحروب الداخلية تفتك بها كلَّ الفتك، ولكن سيرى القارئ فيما
بعدُ أن هذا الزعم خاطئ من أساسه، بل الواقع أنه توجد أسباب عدَّة تدلُّ على أن
أولئك الغزاة كانوا قوة ثقافية في وادي النيل منذ عهد الملك «سنوسرت» الثاني
(١٩٠٦–١٨٨٧ق.م)، أي في منتصف عهد «الدولة الوسطى»، عندما كانت مصر في أوج عظمتها،
أو بعبارة أخرى في إبَّان عصرها الذهبي، وسنميز تمييزًا بيِّنًا بين المؤثرات
الثقافية والمؤثرات السياسية التي أدَّتْ إلى ذلك. وتدل شواهد الأحوال على أنه لا
توجد أسباب تدعو إلى الشك في أن الهكسوس قد حكموا مصر قبل عام ١٧٣٠ق.م، ولكن من
الطبيعي أن المؤثرات الثقافية التي كانت موجودة قبل ذلك العهد في الأقطار الآسيوية
المجاورة قد تركت أثرها إلى حدٍّ ما في مصر، ومن المحتمل أن المصريين أنفسهم قد
نقولها إلى بلادهم، وهذه المسألة نجد حلها في الجواب على السؤال التالي، وهو: كيف
يتسنَّى للمرء أن يفسِّر ظهور ثقافة جديدة في بلدٍ ما؟ وسيرى القارئ فيما بعدُ أن
عناصر ثقافية جديدة قد أُدخِلت في كلٍّ من سوريا وفلسطين، بل وفي مصر نفسها حوالي
عام ١٩٠٠ق.م، وسيلاحظ كذلك وجود علاقة بين هذه العناصر الثقافية الجديدة وبين ثقافة
الهكسوس الخاصة بهم مدةَ عهد سلطانهم السياسي في مصر؛ على أن هذا القول يحتاج إلى
تفسير وإيضاح ينسجم مع الحقيقة القائلة: إن مصر كانت وقتئذٍ في عصرٍ من أزهر
عصورها، وإن «ببلوص» الواقعة على الشاطئ السوري كانت موالية لمصر حتى عام ١٧٤٠ق.م،
ويظهر أن الجواب المقنع على ذلك هو أن غزو الهكسوس لمصر لم يتم دفعةً واحدةً بين
عشية وضحاها، ولكنه قد تمَّ تدريجًا وعلى مهل، فكان يكتسب قوته بمرور الزمن كالشجرة
التي تضرب بأعراقها على مرِّ الأيام في أرض خصبةٍ، فتزداد نموًّا وإيناعًا. على
أننا من جهة أخرى لا نجد في سقوط الأسرة الثانية عشرة، الذي أدَّى إلى ضعف مصر،
سببًا يساعد على حركةٍ قامت للأسباب التي أوردناها هنا، وهي التي كانت نتيجتها
توطيد أول أسرة للهكسوس في أرض الدلتا حوالي عام ١٧٣٠ق.م.
(١) هجرة الهكسوس
وإذا أخذنا بأن هجرة الهكسوس قد بدأت من المنطقة الشرقية للبحر الأبيض المتوسط
حوالي بداية القرن التاسع عشر ق.م، على حسب ما سنورده من البراهين التي نستخلصها من
قطع الفخار الأثرية، فإنَّا لن نجد تضارُبًا في ذلك مع الحقائق التاريخية، ويكون
لدينا في الوقت نفسه تفسيرٌ لظهور منتجات مبكرة، لو وُجِدت في متون مؤرَّخة يرجع
عهدها إلى قرنين بعد ذلك، لَحكمنا بأنها من عهد «الهكسوس» بلا ريب. والحقيقة
الوحيدة التي لا بد من التذكير بها بالنسبة للهكسوس هي أنهم لم يدخلوا البلاد دفعةً
واحدةً، بل وفدوا إليها جماعات صغيرة متفرقة، وهذه الجماعات كانت تزداد في عددها
إلى أن أصبح لهم سلطان عظيم في البلاد بتسرُّبهم بهذه الكيفية، فكان مثلهم في ذلك
كمثل الكاسيين الذين استولوا على بابل بهذه الطريقة؛ حتى إن هذه العناصر المختلفة
الجنسية قد أصبحَتْ فيما بعدُ عاملًا سياسيًّا قويًّا في مصر أدَّى إلى جعل البلاد
تحت سلطانهم، وعلى هذا الأساس ظهرت الأسرة الخامسة عشرة في مصر.
(٢) طرد الهكسوس
والواقع أن الهكسوس قد قُضِي عليهم جملةً في مصر بوصفهم أمةً حاكمةً على يد
«أحمس» الأول، وليس معنى هذا أنه قد قُضِي على نفوذهم الثقافي من البلاد؛ إذ ليس من
الضروري أن يسير النفوذُ السياسي جنبًا لجنب مع النفوذ الثقافي، أو أن كلاهما ينسب
إلى الآخر بصفة مباشرة؛ إذ لدينا من الأدلة ما يبرهن على أن ثقافة الهكسوس قد
استمرت تطبع الحياة المصرية بطابعها الخاص إلى مدةٍ لا يُستهان بها في عهد الأسرة
الثامنة عشرة بعد طردهم من البلاد كما سنشرح ذلك في حينه. أما من جهة فلسطين،
فإنَّا نعتقد أن «تحتمس الثالث» قد ضرب الهكسوس ضربةً قاصمةً قضَتْ على أطماعهم
فيها، وعلى نفوذهم في «آسيا» ولكن مع ذلك نجد أن دم «الهكسوس» وطرق حياتهم وعاداتهم
قد تغلغلت في نفوس أهل «كنعان» سكان «فلسطين»، كما نجد ذلك عند وفود «العبرانيين»
على هذه البلاد.
ولا يخيل أن غرضنا هنا أن نقدِّم صورةً مفصلة دقيقة من الوجهة الأثرية عن ثقافة
الهكسوس المادية، فإن مثل هذه المعلومات ليست من أغراضنا هنا، ويمكن للباحث في
التفاصيل أن يستقي معلوماتٍ غزيرةً في هذا الصدد من تقارير عمَّال الحفر المختلفة
التي لها علاقة بهذا الموضوع، على أننا من جهة أخرى قد حاولنا أن نضع أمام القارئ
رأيًا شاملًا لبعض المسائل الخاصة بالهكسوس، متجاوزين الحدَّ في التفصيل كلما
دَعَتِ الضرورة، وذلك رجاء الوصول إلى ما نرمي إليه من كشف النقاب عن هذا الموضوع
المعقَّد الذي شغل بال العلماء زمنًا طويلًا، ولا تزال بعض مسائله تحتاج إلى بحوث
عميقة أهمها القيام بحفائر في كل الجهات التي احتلَّها أولئك الغزاة.
(٣) معلوماتنا عن الهكسوس من المصادر القديمة المدوَّنة
لقد كانت معلوماتنا عن «الهكسوس» قبل كشف النقاب عن رموز اللغة المصرية القديمة
وغيرها من لغات الشرق القديمة، تنحصر فيما رواه لنا «فلافيوس يوسفس»
Flavious Josephus المؤرخ اليهودي الذي
عاش في خلال القرن الأول من التاريخ الميلادي، والمعلومات التي قدَّمها لنا هذا
المؤرخ قد أخذها بدوره عن المؤرخ المصري «مانيتون» المعروف، وقد كان غرض «يوسفس»
الأول فيما نقله عن «مانيتون» العمل جهد الطاقة في الرفع من شأن قومه اليهود، الذين
كان يحتقرهم كتَّاب الإغريق، ويحطُّون من شأنهم؛ لذلك أخذ المؤرخ «يوسفس» يبرهن
للملأ أن اليهود والهكسوس هم عنصر واحد، وأنهم خرجوا من مصر منذ حوالي ألف سنة قبل
حروب «طروادة»
١ الذائعة الصيت، وهي تلك الحروب التي خلَّدها «هوميروس» الشاعر اليوناني
في كتاب «الإلياذة» وكتاب «الأوديسة»؛ وقد كان عهد هذه الحروب في نظر الإغريق
تاريخًا سحيقًا في القِدَم. وممَّا يُؤسَف له أشدَّ الأسف أنه لم يُعثَر حتى الآن
عن أصل إغريقي من كتاب «مانيتون» الذي وضعه في تاريخ مصر، ولم يَبْقَ لنا من كتابه
هذا إلا بعض فقرات نقلها بعض الكتَّاب مثل «يوسفس»
٢ وغيره، ومع ذلك فإن هذه الفقرات أو الاقتباسات التي بقيت لنا قد كُتِبت
بعد طرد الهكسوس من مصر بنحو ١٣٠٠ سنة تقريبًا، وعلى ذلك أضحى الاعتماد عليها
بوصفها مصدرًا تاريخيًّا لا يُوثَق به كثيرًا، وبخاصة إذا كنَّا نعلم أن بعض
الوقائع التي ذكرها لنا «مانيتون» تكاد تكون من الوجهة التاريخية مستحيلة.
على أن هذا لا يحملنا على التخلِّي عن ذِكْر بعض الوقائع الصادقة المعقولة فيما
رواه، كما سنرى عند فحص المصادر القديمة المصرية الأصلية التي كشف عنها في خلال نصف
القرن الأخير.
٣
والظاهر أن كلمة «هكسوس» لم تكن معروفة قبل عهد «مانيتون»، وأنه هو أول مَن
استعملها، وسنورد فيما يلي الاقتباسات الهامة التي ذكرها «يوسفس» نقلًا عن
«مانيتون».
فيقول «يوسفس»: إن «مانيتون» كتب عنَّا (أي اليهود) ما يأتي، وإني سأقتبس كلماته
كأني قد وضعته في قفص الشهادة: «لا أعرف لماذا قد نزلت بنا في عهد توتيمايوس Tutimaeus (تحتمس) صاعقةٌ من غضب الإله، فقد
تجرَّأ قوم من أصلٍ وضيعٍ من الشرق على غزو بلادنا، وقد كان مجيئهم أمرًا مفاجئًا،
وقد تسلَّطوا على البلاد بمجرد القوة في غير صعوبةٍ ما، وبدون نشوبِ واقعة حربية،
وبعد أن تغلَّبوا على الرؤساء أحرقوا المدن بوحشية، وأزالوا معابد الآلهة من
أساسها، وساروا في معاملة الأهلين بكل قسوة، فقتلوا بعضَ القوم، وسبوا نساء وأطفال
أناسٍ آخَرين، وفي نهاية الأمر نصبوا واحدًا منهم اسمه «سالاتيس» ملكًا، فاتخذوا
مدينة «منف» مقرًّا له، وضرب الضرائب على الوجه القبلي والوجه البحري، وترك له
حاميات في الأماكن التي كانت أعظم صلاحيةً للدفاع، وقد أمَّنَ جناحه الأيمن بوجه
خاص؛ لأنه كان يتنبَّأ بما عساه أن يحدث من اغتصاب الآشوريين بمهاجمته عندما تزداد
قوتهم في المستقبل، ولما كشف في مقاطعة «سترويت Sethroite» عن مدينة حسنة الموقع مقامة على الجهة الشرقية من فرع
«بوبسطة»، عمل على بنائها من جديد، وحصَّنَ جدرانها ووضع فيها حامية يبلغ عددها
نحوًا من ٢٤٠٠٠٠ رجل مسلحين لحماية حدوده، وكان قد اعتاد زيارة هذا المكان كلَّ صيف
لتوزيع الجرايات ودفع أجور الجنود من جهة، وكذلك ليُلقِي عليهم دروسًا هامة في فنون
الحركات الحربية، ولأجل أن يُلقِي الخوفَ في قلوب الأجانب من جهة أخرى، ثم توفي بعد
أن حكم البلاد تسع عشرة سنة.» بعد ذلك تأتي قائمة بأسماء الملوك التالية: «بنون»
حكم ٤٤ سنة، «أبا خناس» حكم ستًّا وثلاثين سنة وسبعة أشهر، «أبو فيس» حكم إحدى
وستين سنة، «يناس» حكم خمسين سنة وشهرًا، و«أسيس» حكم ٤٩ سنة وشهرين. وقد كان هؤلاء
الملوك الستة الذين يعتبرون حكامهم الأول، يطمعون باستمرارٍ في محو الشعب المصري،
وكان شعب هؤلاء الغزاة يُسمَّون «هكسوس»، ومعنى الاسم «ملك الرعاة»؛ وذلك لأن كلمة
«هك» معناها في اللغة المقدسة «ملك»، أما كلمة «سوس» فمعناها في اللهجة الدارجة
«راعي» أو «رعاة»، ومن ثَمَّ كانت الكلمة المركبة «هكسوس»، ويقول البعض: إنهم
«عرب».
ثم يستمر «يوسفس» بألفاظه هو قائلًا: وعلى أية حال، فإنه جاء في نسخة أخرى أن
كلمة «هك» لا تعني «ملوكًا»، بل تدل على العكس على أن الرعاة كانوا «أسرى»، وهذا
الرأي يظهر لي أكثر احتمالًا وأكثر موافقةً للتاريخ القديم.
وملوك القوم الذين يُطلَق عليهم الرعاة ومَن تناسَلَ منهم، وهم الذين عددناهم
فيما سبق، قد ظلُّوا أسيادَ مصر — على حسب ما ذكره «مانيتون» — نحو خمسمائة وإحدى
عشرة سنة.
وفي الفقرة التالية يحلِّل «يوسفس» ما جاء في «مانيتون»:
وبعد ذلك قام ملوك إقليم «طيبة» وسائر البلاد المصرية بثورة على الرعاة،
وشبَّتْ نار حرب عظيمة طالت مدتها، ويقول إنه في عهد ملكٍ يُدعَى
«مسفراجموثيس
Misphragmouthis» هُزِم
الرعاة وطُرِدوا من مصر كلها، وحُوصِروا في مكانٍ يُدعَى «أواريس»، ومساحته
عشرة آلاف «أرورا»، وكان الرعاة كما ذكر لنا «مانيتون» قد أحاطوا كلَّ هذه
المساحة بجدران عظيمة مبنية حماية لكلِّ متاعهم وغنائمهم. ثم يستمر قائلًا:
إن «توموسس
Thoummosis» ابن «مسفراجموثيس»
حاصَرَ الجدران بجيشٍ يبلغ ٤٨٠٠٠٠ رجل، وحاوَلَ أن يجعلهم يستسلمون
بالحصار، ولكنه لما يئس من بلوغ غرضه عقد معهم معاهدة تقضي بأن يخلوا كلَّ
أرض مصر، وأن يذهبوا حيث شاءوا دون أن يضيق عليهم، وبمقتضى هذه الشروط غادر
مصر ما لا يقل عن ٢٤٠٠٠٠ من الأسرى جميعًا يحملون متاعهم، ومخترقين الصحراء
إلى «سوريا»، ولما كان الرعب قد أخذ منهم كلَّ مأخذ خوفًا من بطش الآشوريين
الذين كانوا في خلال هذه الفترة أصحابَ السيادة في «آسيا»، فإنهم أقاموا
مدينةً في الإقليم الذي يُدعَى «يودا»، صالحةً لإيواء جمعهم الهائل، وقد
أطلقوا عليها اسم «أورشليم».
٤
التعليق على رواية يوسفس
ويحقُّ لنا أن نشكَّ في الحال في قوة «آشور» في تلك الفترة من التاريخ، كما
يحقُّ لنا كذلك أن نتشكَّكَ في مساحة مدينة «أواريس» عاصمة «الهكسوس»، وفي عدد
الرجال الذين كانوا فيها وقتئذٍ، يضاف إلى ذلك أنه ليس من المعقول أن «الهكسوس»
بعد طردهم من مصر قد استوطنوا بلدة جديدة هي «أورشليم»، ولكن لا يخفى ما لهذه
الحقيقة من قيمة في نظر «يوسفس» اليهودي.
ولكن قبل فحص الوثائق الأقدم من تلك، بالنسبة لعلاقتها بتقاليد البطالمة،
دَعْنا نفحص كلمة «هكسوس» أولًا.
(٤) تفسير كلمة هكسوس
ذكرنا من قبلُ أن كلمة «هكسوس» تُنسَب نشأتها للمؤرخ «مانيتون»، والتفسير اللغوي
الذي وضعه لها مقبول؛ وذلك لأن كلًّا من جزأَيِ الكلمة له ما يقابله في اللغة
المصرية القديمة، فكلمة «حقا» معناها «حاكم»، وكلمة «شاسو» معناها «بدوي»، ومن
الجائز أن الأخيرة قد كُتِبت بالإغريقية «سوس»، وبالقبطية «شوس»؛
٥ وعلى آية حال فإن الرأي المتفق عليه الآن في تفسير كلمة «هكسوس» هو
أنها مركبة من كلمتَيْ «حقاو» و«خاسوت»، ومعناهما معًا هو «حكام الأقاليم
الأجنبية»، وهذا التفسير لا يتناقض مع ما جاء في القاموس المصري القديم
(W.B. III. p. 171)، وقد كان أول مَن اقترح هذا
الاشتقاق هو الأستاذ «جرفث».
٦ وممَّا تجدر ملاحظته أن هذا التعبير كان معروفًا في المصادر المصرية من
عهدٍ مبكرٍ يرجع للأسرة السادسة، وبقي مستعملًا حتى عهد البطالمة،
٧ وهذه فترة أطول بداهةً من العصر الذي احتلَّ فيه الهكسوس البلاد
المصرية، وليس لدينا من البراهين القاطعة الآن ما يُثبِت أنَّ هذه العبارة كانت
تُطلَق على الهكسوس فحسب، وإذا كان لنا أن نفهم نشأة كلمة الهكسوس على حقيقتها، فلا
بد أن نتصوَّر أن كلمتَيْ «حقاو» و«خاسوت» قد مُزِجتا كاسم جنس، واستعملتَا في
الصورة التي نقلها لنا «مانيتون»، ولكن المدهش في ذلك أننا نجد استعمال هذا التعبير
في النقوش قبل الأسرة الثامنة عشرة بعد طرد الهكسوس من مصر، غير أننا من جهة أخرى
نلحظ أن بعض ملوك الهكسوس أنفسهم قد سموا على الآثار أو على الجعارين «حقاخاسوت»
أي: «حاكم البلاد الأجنبية»، مثل الملك «خيان»،
٨ و«سمقن»،
٩ و«عنات هر»،
١٠ فقد لُقِّبَ كلٌّ منهم بهذا اللقب.
وقد كان أول ما عُثِر على كلمة «حقاوخاسوت» في صيغة الجمع في قصة «سنوهيت» (راجع
كتاب الأدب المصري القديم ص٣٥)، ويظن الأستاذ «ولف» خطأً أن المقصود منها في هذا
النص هم بدو «فلسطين».
١١
ومما يلفت النظر أننا لم نعثر على كلمة بعينها في اللغة المصرية القديمة وُضِعت
عَلَمًا لأولئك الغزاة الذين سمَّاهم «مانيتون» الهكسوس، فنجد مثلًا في «ورقة
سالييه» الأولى أنهم سموا «الطاعون»، غير أن ذلك ليس بغريب؛ لأن المصريين كانوا
يطلقون عليهم هذا الاسم بوصفهم أعداء، والظاهر أنهم كانوا يسمون «عامو»؛ أي
الآسيويين في عهد الهكسوس أنفسهم،
١٢ وكذلك كانوا يسمون «ستتيو» في لوحة «كارترفون» (راجع:
J. F. A., V. p. 46)، وأُطلِق عليهم في نقش
تاريخ «أحمس بن أبانا» اسم «منثيوستت» (راجع:
Urk. IV. 5:
4).
(٥) ملوك الهكسوس في ورقة تورين
وفضلًا عن المصادر اليونانية التي ذكرت لنا بعض أسماء ملوك «الهكسوس» كما كتبها
الإغريق، فإنه يوجد لدينا قوائم ملوك مصرية بحتة أتم من القوائم اليونانية، وإن
كانت متناقضة في بعض الحالات، وأهمها «ورقة تورين»، وهي المصدر الذي كان في الأصل
يشمل على ما يظهر كل أسماء ملوك «الهكسوس» ولكن، ممَّا يُؤسَف له أن بعض أجزائها قد
حدث فيه تمزيق بالغ،
١٣ غير أنه لحسن الحظ وجدنا فيها قائمة تحتوي على ما يظهر أسماء ستة من
ملوك «الهكسوس» حكموا مائةً وثماني سنين.
ولدينا قائمة ملوك أخرى محفوظة بمتحف «اللوفر» نُقِلت من معبد «تحتمس الثالث»
بالكرنك، وهي المعروفة «بقاعة الأجداد»، وقد ذكرناها فيما سبق.
١٤
وكذلك توجد قائمة ملوك في «العرابة»، وأخرى «بسقارة»، ولكنهما لا تحتويان أسماء
ملوك «الهكسوس» احتقارًا لهم، ولعدم الاعتراف بحكمهم؛ وذلك لأن أولئك الغاصبين قد
بقيت ذكراهم في أذهان القوم بوصفهم أعداء مغتصبين لمدة طويلة بعد طردهم وهربهم من
مصر.
وقد ذكرنا هذه الحقائق هنا بصفة عابرة؛ لأنه لو كان لدينا حتى الأسماء الصحيحة
لأولئك الملوك مرتَّبة ترتيبًا تاريخيًّا متسلسلًا، لَكان مع ذلك تنقصنا الحوادث
والأحوال التي تربط أسماء بعضهم ببعض، والظاهر أن الأمل الوحيد في الحصول على مثل
هذه المعلومات لن يأتي إلا عن طريق إجراء حفائر في مصر في المواقع الهامة التي
استوطنها «الهكسوس»، وقد تصلنا هذه المعلومات الأثرية في صورة أوراق بردية.
(٦) العثور على جعارين من عهد الهكسوس
هذا وقد عُثِر في أوقات متفرقة على جعارين نقش عليها أسماء بعض ملوك لم تكن
معروفة لنا من قبلُ، وقد تحقَّقَ بالدرس أنها لملوك من «الهكسوس»، ومع ذلك فإن هذا
الكشف لم يحل لنا مسألة التسلسل التاريخي لأولئك الملوك، وهي المسألة التي يجدُّ
المؤرخون للوصول إليها، هذا فضلًا عن أن كشفها لم يُضِفْ شيئًا ماديًّا لفهم عصر
أولئك الغزاة.
ولكن من جهة أخرى نجد أنه قد حدث بعض التقدُّم في إماطة اللثام عن أحوال العصر
المظلم الذي تلا سقوط الأسرة الثانية عشرة؛ إذ قد أصبح من المسلَّم به على وجه عام
أن العصر الذي يقع بين الأسرتين الثالثة عشرة والسابعة عشرة كما لخَّصَه «مانيتون»
لا يمكن أن تكون الأحوال قد سارت فيه سيرها الطبيعي، بل كان عصر تقلُّبات وقلاقل،
ولم تنسجم فيه أمور البلاد إلا غرارًا؛ فقد استوطن ملوك الأسرة الثالثة عشرة مدينة
«طيبة»، وسيطروا في بداية الأمر على البلاد كما ذكرنا آنفًا (حوالي عام ١٧٨٨ق.م) من
الدلتا حتى الشلال الثاني،
١٥ وقد ظلت الأحوال في البلاد تسودها السكينة والنظام حتى نهاية عهد رابع
ملوك هذه الأسرة، وعلى أية حال نجد أن خامس ملوك هذه الأسرة، الذي كان يحمل اسم
«يوفني» كما جاء في «ورقة تورين»، قد دُوِّن بصورةٍ تختلف عن طريقة تدوين أسماء
الملوك المتبعة.
١٦
الأسرة الرابعة عشرة: أما الأسرة الرابعة عشرة
فكما ذكرنا كانت عاصمتها بلدة «سخا» (اكسيوس) من أعمال الدلتا، على حسب ما جاء في
«مانيتون»؛ والظاهر أنها كانت وليدة تمزُّق شمل الدولة بعد بداية الأسرة الثالثة
عشرة مباشَرةً، وبعبارة أخرى كانت كلٌّ من الأسرة الثالثة عشرة والرابعة عشرة
معاصرة لزميلتها، فالأولى كان مقرها مدينة «طيبة»، والثانية كان مقرها مدينة «سخا»
من أعمال الدلتا.
وعلى الرغم ممَّا يحيط بمعلوماتنا من إبهام وغموض عن هذا العصر، فإنه مما لا ريب
فيه أن أول أسرة أسَّسَها «الهكسوس» — أي الأسرة الخامسة عشرة — قد قامت على حساب
الأسرة الرابعة عشرة، أما الأسرة الثالثة عشرة التي كانت لا تزال قائمة في «طيبة»،
فإن شواهد الأحول تدل على أن أواخر ملوكها كانوا خاضعين لنفوذ «الهكسوس»، فقد ذهب
الأستاذ «إدورد مير» إلى أن «نحسي» ثالث ملك من أواخر ملوك الأسرة الثالثة عشرة
ووالده، كانَا تابعَيْن لملوك «الهكسوس».
١٧
أما عن الوقت الذي أسَّسَ فيه «الهكسوس» الأسرةَ الخامسة عشرة في بلدة «أواريس»
وعبادة الإله «ست»، فإن المعلومات الجديدة التي لدينا عن هذا الموضوع ترتكز على
تفسير الأستاذ «زيته» للوحة «أربعمائة السنة»، التي عثر عليها أولًا «مريت» في
«تانيس» في منتصف القرن الأخير،
١٨ وهي التي كشف عنها ثانيًا الأستاذ «مونتييه» منذ بضع سنين، بعد أن بقيت
مطمورةً في الرمال مدة طويلة،
١٩ وكذلك على ما ألقاه من الضوء الأستاذ «ينكر» في مقاله عن «بحر نفر» أحد
كبار رجال الدولة في عهد الأسرة الرابعة، وقد أبان فيه حقيقة عبادة الإله «ست» في
«أواريس»، ولما كان موضوع عبادة «ست» مرتبطًا بعيد «أربعمائة السنة» الذي كان قد
أُقِيم احتفالًا بهذا الإله، رأينا أن نبحث هنا موضوع علاقة الإله «ست» بالهكسوس،
ثم علاقته بلوحة أربعمائة السنة، وكذلك نبحث مسألة عبادة هذا الإله في عهد الأسرة
الثالثة عشرة في «أواريس»، وأخيرًا لا بد من تحقيق أن «تانيس» هي نفس «بررعمسيس»،
وبذلك يمكن فهم المعنى الحقيقي للوحة «أربعمائة السنة»، وموقف الإله «ست» وعلاقته
بالهكسوس والمصريين.
(٧) علاقة الإله «ست» بالهكسوس
لقد ظل موضوع علاقة الإله «ست» بالهكسوس من الموضوعات الغامضة، إلى أن أجلى
معمياته الأستاذ «ينكر» في مقال رائع عن نقوش مقبرة العظيم «بحر نفر»؛ أحد كبار
رجال الدولة في أوائل الدولة القديمة، وقد عُثِر على قبره في «سقارة»،
٢٠ وقد برهن الأستاذ «ينكر» في مقاله هذا على أن الإله «ست» كان الإله
المحلي لبلدة «سترت»
Strt، وهي سترويت
Sethroite في العهد الإغريقي، الواقعة في الشمال
الشرقي من الدلتا، كما يعتقد ينكر، وعلى ذلك كان لإثبات وجود عبادة هذا الإله منذ
هذا العهد السحيق في القدم في هذه الجهة أثر في تغيير الآراء التي كانت معروفة عن
موقف هذا الإله بالنسبة لعلاقته «بالهكسوس» تغيرًا أساسيًّا؛ ولا غرابة في ذلك، فقد
كان المعتقد حتى قبل هذا الكشف الذي وُفِّقَ إليه الأستاذ «ينكر» أن الهكسوس هم
الذين جلبوا عبادة «ست» إلى هذه الجهة؛ لأنه كان موحدًا مع معبود لهم، كما كان يزعم
كل علماء الآثار، ولكنا نعلم الآن أن الهكسوس لما اجتاحوا البلاد وتسلَّطوا عليها،
وجدوا عند استيطانهم فيها أن الإله «ست» كان هو المعبود المحلي للبقعة التي أقاموا
فيها تحصينات عاصمتهم العظيمة التي اتخذوها بمثابة نقطة الاتصال بين أجزاء دولتهم
الضخمة، وهي التي كانت تضم بين جوانبها مصر وفلسطين وسوريا، وقد كان مثل أولئك
الفاتحين كغيرهم ممَّن غزوا أرض الكنانة؛ اعتنقوا الديانة المصرية القديمة على إثر
دخولهم البلاد، فلا عجب إذن أن يختار غزاة الهكسوس الإله المحلي للبقعة التي ألقوا
فيها عصا تسيارهم، وبنوا فيها عاصمة ملكهم؛ إلهًا لهم، وهو الإله «ست»؛ وقد اتخذوه
حاميًا لدولتهم الجديدة، وعلَّلَ البعض اختيارهم لهذا الإله بما يوجد بين «ست» هذا
وبين إلههم «بعل» أو الإله «تشب» من تشابه في الصفات.
حاكم البلاد الأجنبية في شيء من هذا، بل كل
ما فعلوه أنهم نقلوا الإله المحلي القديم وهو «ست» إلى عاصمتهم الجديدة وعبدوه،
وهذا الرأي أقرب للفهم من أنهم كانوا يبحثون عن إله حامٍ ينتخبونه من بين جماعة
الآلهة المصريين، ليُوضَع جنبًا إلى جنب مع إله قبيلتهم، وسيظل مقدار مدى الأهمية
التي كان يتوقف عليها اختيار الإله «ست» وما بينه وبين إله الغزاة الفاتحين من
روابط وصفات خفية مشتركة؛ من الموضوعات المغلقة التي لا يمكن الفصل فيها؛ وذلك لأن
الهكسوس على ما يظهر، وكما سنرى بعدُ، كانوا خليطًا من أجناس متباينة ممَّا جعلنا
نجهل حقيقة كل شيء عن آلهتهم أو الإله المرشد لقبيلتهم. حقًّا نعلم أن كلًّا من
الإلهين «بعل» و«تشب» قد وحد بالإله «ست»، ولكن ذلك قد حدث في عصور متأخرة عن عصر
الهكسوس، ومع ذلك يبقى علينا أن نوضح بجلاء أن الإله «ست» كان في عهد الهكسوس هو
إله الفاتحين الأجانب، والواقع أنه بوصفه إله الحرب قد ظهر فيه بعض الصفات المشتركة
بينه وبين آلهة الآسيويين، ممَّا حبَّبَ فيه الهكسوس.
عبادة الإله ست في الدلتا
ولما كانت عبادة الإله «ست» في الشمال الشرقي من الدلتا قائمةً منذ فترة
طويلة، ثم اعتنقها «الهكسوس» عند غزوهم البلاد، فإنه كان من الطبعي أن تظل
عبادته بعد طرد أولئك الغزاة، حتى ولو بوصفه الإلهَ المحليَّ لتلك
الجهة.
وإذا كان الأمر قاصرًا على موضوع توحيد الإله الأجنبي بالإله «ست» رب «أمبوس»
(كوم أمبو) القديم وحسب، لاختفت عبادته باختفائهم من البلاد، ولكن الأمر كان
أعظم شأنًا وأجل خطرًا من ذلك؛ إذ كان الإله «ست» منذ زمن سحيق في القدم قد
اتخذ الدلتا موطنًا ثانيًا له، وبذلك لم يكن في مقدور إنسان أن يزحزحه عن
مكانه؛ لأن عبادته كانت قد ضربت بأعراقها في أعماق نفوس القوم القاطنين في تلك
البقعة.
على أن تقديس «الهكسوس» للإله «ست» لم يكن موضوعًا ذا بال عند المصري نفسه؛
لأنه على الرغم مما كان لهذا الإله من سوء السمعة منذ القِدَم، فإن عبادته كانت
لا تزال مرعية قائمة على أقل تقدير في المدن التي كان يُعبَد فيها قديمًا مثل
«أمبوس» (كوم أمبو)، والإقليم الذي يشتمل على المقاطعتين الحادية عشرة والثانية
عشرة من مقاطعات الوجه القبلي، وكذلك في الشمال الشرقي من الدلتا؛ على أن كل ما
فعله الفاتحون هو أنهم رفعوه بصفة بارزة إلى مرتبة الإله الأعلى، بل وإله
دولتهم، والواقع أن هذا الحديث كان ضربة قاسية في صميم قلب مدن «طيبة» و«منف»
و«هليوبوليس»، وهي التي كانت تمجد فيها عبادة «آمون» و«بتاح» و«رع» على التوالي
بوصفهم أعظم الآلهة سلطانًا ونفوذًا في الديار المصرية، هذا فضلًا عن اتصالهم
الوثيق بحكومة البلاد، وقد كان ممَّا يمكن احتماله أن يكون «ست» معبودًا
محليًّا بوصفه رفيقًا لهذه الآلهة العظام؛ ولكن الذي لم يكن في استطاعة الكهنة
والحكومة استساغته أن يصبح «ست» صاحب السيادة الدينية في البلاد كلها، وهو
الإله المعروف بعدائه للإله «حور»، بل كان قاتل الإله «أوزير» والده
أيضًا.
ومما هو جدير بالاهتمام الآن إذن أن نفحص المصادر التي وصلتنا مرة أخرى عن
طريق «مانيتون»، وغيره من النقوش والكتابة القديمة، وهي التي تحدِّثنا عن غزو
الهكسوس وتقدسيهم للإله «ست»، على ضوء ما لدينا من المعلومات الجديدة؛ حتى
يتبيَّنَ لنا حقيقة الأمر بقدر المستطاع.
رواية مانيتون عن الهكسوس
يدل ما رواه «مانيتون» على أنه قد ناقَضَ نفسه في موضوع مدينة «أواريس»؛ إذ
ذكر لنا في بداية كلامه أن «ملك الهكسوس» قد وجد المدينة قائمةً عند وصوله، ثم
عاد فقال إنه أسَّسَها؛ وقد بحث المؤرخون المتن اليوناني، ونخصُّ بالذكر منهم
«إدورد مير» ثم الأستاذ «ينكر» (A. Z. Vol. LXXV. p.
8.) وقد وصل الأخير إلى النتيجة الآتية وهي: «أن المتن
يكون منطقيًّا عندما نفهم أن رواية «مانيتون» تحمل في ثنايا ألفاظها أن الهكسوس
قد وجدوا مدينة مشيدة عند دخولهم البلاد تُدعَى «أواريس»، واتخذوها عاصمة
مختارة لملكهم، وأنهم قد أصلحوها وأمروا بتحصينها.» وبذلك تكون الفقرة التي
اخْتُلِف في ترجمتها قد حافظت على معناها الحقيقي على حسب رأي «ينكر»، وهي:
«ولكن المدينة كانت على حسب التعاليم الإلهية منذ أقدم العهود هي مدينة «تيفون»
(أي ست).» ولذلك يجب علينا أن نقول هنا بحقٍّ إن الهكسوس قد انتخبوا «أواريس»
عاصمة لهم؛ وهي المدينة التي كان يُقدَّس فيها «ست» منذ زمن سحيق في القِدَم،
أي منذ أن اتخذها هذا الإله موطنًا له قبل الأسرة الرابعة بزمن بعيد.
وكذلك جاء في فاتحة متن «ورقة سالييه» وصْفٌ يدل على أن الهكسوس قد انتخبوا
الإله «ست» معبودًا لهم.
اتخذ الملك «أبو فيس» لنفسه الإله «ستخ» (ست) معبودًا، ولم يقدِّس من
آلهة البلاد كلها سوى الإله «ستخ»، وقد أقام له معبدًا بمثابة عمل جليل
خالد بجوار مقر الملك، وكان يخرج كل يوم ليقدِّم القربان للإله «ستخ»، في
حين كان وجهاء القوم يحملون الأكاليل على غرار ما كان يفعله الناس في معبد
الإله «رع حوراختي».
ومن هذا النص نرى أن هذه القصة تحدِّثنا أن ملك «الهكسوس» قد رفع الإله «ست»
إلى مرتبة السيادة على ملكه وجعله إله الدولة الأعظم، وقام له على حسب التقاليد
المصرية بأعظم آيات التجلة والاحترام، على أننا وإنْ كنَّا نجد بين السطور
تجريحًا لاذعًا للإله «ست»، فإن ذلك يرجع فقط إلى أولئك الذين لم يَرُقْ في
نظرهم المقام الأسمى والمكانة الممتازة التي اعتلاها هذا الإله، ولا غرابةَ في
ذلك؛ فإن التقاليد قد شوَّهت اسمه بكثير من المساوئ كما هو معروف؛ على أنه ليس
لدينا من جهة أخرى أقل إشارة تدل على إدخال إله أجنبي في البلاد أتى به
الهكسوس، ولا نزاع في أن مؤلف «ورقة سالييه» لم يكن ليتغافل عن ذكر أية إشارة
خاصة بذلك، وعندما قيل «إن ملك الهكسوس» الأجنبي قدَّمَ قربانًا للإله «ست» كما
يفعل الناس في معبد الإله «رع» أعظم الآلهة المصرية مقامًا، فلا يعني ذلك أن
القوم كانوا يقدِّسون على وجهٍ عامٍّ إله «أواريس»، بل على العكس يدلُّ ذلك على
أن الغزاة قد رفعوه إلى درجة أعلى من درجات الآلهة الأخرى وحسب، وينبغي علينا
إذن أن نقرر أن الملك «أبو فيس» لم يعبد إلهًا آخَر، وأن الأجانب لم يعرفوا
الإله «رع»، أو أنهم أرادوا القضاء عليه، بل كان كل ما يبتغونه هو إبراز الشهرة
الكاذبة التي أرادوها لإله دولتهم الجديد، هذا إلى التخلِّي عن التجريح الذي
كان يغمز به هذا الإله العظيم القديم. والواقع أن هؤلاء الملوك الفاتحين كانوا
كذلك يقدِّسون آلهة أخرى من آلهة وطنهم ممَّن نجد اسمهم قد رُكِّبَ مع اسم
الملوك تركيبًا مزجيًّا، مثل اسم الملك «عنات هر» وكذلك نجد بعض هؤلاء الملوك
قد اتخذوا لأنفسهم لقب «ابن الشمس»، ممَّا يدل على عبادتهم للإله «رع»؛ هذا إلى
أننا نجد أسماء التتويج لكثير من ملوك «الهكسوس» قد رُكِّبت مع اسم «رع» أعظم
الآلهة المصرية شهرةً وقدمًا كما سيجيء بعدُ.
اللوحة التذكارية للاحتفال بعيد أربعمائة السنة التي مرَّتْ على تتويج
«تبتي» (الإله ست) ملكًا على دولة الهكسوس
الآن وقد أثبتنا أن الإله «ست» كان إلهًا أصليًّا يُعبَد في «أواريس» منذ
القِدَم، نعود إلى التكلُّم عن لوحة أربعمائة السنة وقيمتها التاريخية بالنسبة
لعهد «الهكسوس».
لقد ظنَّ بعض المؤرخين أن «تبتي» الذي جاء في لوحة «أربعمائة السنة» ملك حكم
البلاد المصرية، وظلَّ الرأي كذلك إلى أن كتب الأستاذ «زيته» مقالًا رائعًا في
هذا الصدد (راجع:
A. Z. LXV. p. 85) أدلى فيه
بالحجج المقنعة بأن نقش لوحة «أربعمائة السنة» خاص بالإله «ست»، لا بملك من
ملوك عصر الهكسوس الذين حكموا مصر، وهاك نصُّ ما جاء في هذه اللوحة مع اختصار
الألقاب الرسمية:
يعيش الملك «رعمسيس» الثاني الأمير الذي زين الأرضين بآثار تحمل
اسمه، والذي يشرق بحب إله الشمس له في السماء. لقد أمر جلالته بإقامة
لوحة من الجرانيت الأحمر باسم آبائه العظام لتعيد ذكر اسم آباء والده
ثانيةً، واسم الملك «سيتي الأول» باقيًا وخالدًا إلى الأبد مثل اسم
«رع» كل يوم.
هذا هو الجزء الأول من هذا الأثر، أما الجزء الثاني ويحتوي على ستة أسطر مثل
الجزء السابق، فإنه يحدِّثنا عن حادث من الأهمية بمكانٍ حدَثَ في الماضي، وتدل
الرسوم التي في أعلى اللوحة على ما كان عليه الملك «رعمسيس الثاني» من التقوى
نحو أجداده، وما قام لهم به من عظيم الخدمات، وهذا القرار الذي اتخذه قد
أُرِّخَ ووُضِع في صورة مرسوم كما يأتي:
السنة الأربعمائة، الشهر الرابع من فصل الصيف، اليوم الرابع من حكم
ملك الوجهين القبلي والبحري «ست» عظيم القوة ابن الشمس المحبوب «تبتي»
المحبوب من «رع حوراختي» الذي سيبقى مخلدًا. لقد حضر الأمير الوراثي
والمشرف على العاصمة والوزير وحامل المروحة على يمين الفرعون، ورئيس
الرماة، والمشرف على البلاد الأجنبية، والمشرف على حصن «ثارو»، ورئيس
المازوي (جنود الشرطة في الصحراء) والكاتب الملكي، والمشرف على
الخيالة، ومدير عيد كبش «منديس» (تل الربع الخالي)، والكاهن الأول
للإله «ست»، والمرتل للإلهة «بوتو» فاتحة الأرضين، والمشرف على كل كهنة
الإلهة «سيتي المرحوم» ابن الأمير الوراثي وعمدة العاصمة، والوزير رئيس
الرماة، والمشرف على البلاد الأجنبية، والمشرف على حصن ثارو (تل أبو
صيغة الحالي)، والكاتب الملكي، والمشرف على الخيالة «برعمسيس» المرحوم
الذي وضعته ربة البيت المغنية «تيا» المرحومة؛ ويقول: الحمد لك يا «ست»
يابن «نوت»، يا صاحب القوة العظيمة في سفينة الملايين (أي سفينة
الشمس)، والذي طرح الثعبان المعادي (لرع) أرضًا، والذي على رأس سفينة
رع، ومن صوته عظيم في الحرب، ليتك تمنحني حياةً جميلةً لأجل أن أخدمك،
ولأجل أن أبقى في (حظوتك).
وقد ظنَّ الأستاذ «زيته»، لأسبابٍ ذكرها عن هذا العيد الربعمائي أنه قد احتفل
به في مدينة «تانيس» لمرور أربعمائة سنة على تأسيسها، فيقول: ومن البدهي أننا
نعالج هنا موضوع عيد أربعمائة السنة، الذي يدل على وجود مدينة «تانيس»، ووجود
هذه المدينة يُفهَم منه في المتن السيادة الملكية للإله المحلي «ست»، ولكن
ينبغي على العكس أن تكون علاقة هذا العيد بتأسيس هذه البلدة علاقة غير مباشرة،
وبخاصة عندما نعرف أنه لم يأتِ ذكرٌ في النقوش عن هذه المدينة بوجه خاص.
والواقع أنه لا يحتمل أن يحتفل القوم ثانيةً بذلك اليوم الذي أقام فيه الغزاة
مدينةً لتكون بمثابة حصن منيع في وجه المصريين، بل الحقيقة الواقعة أن هذا
العيد قد احتُفِل به تذكارًا لاعتلاء الإله «ست» مرتبة السيادة على البلاد،
وجعله إله الدولة الرسمي للهكسوس، وهذا هو نفس الرأي الذي قصته علينا «ورقة
سالييه» الأولى؛ إذ جاء فيها أن الهكسوس قد نصبوا الإله «ستخ» سيدًا على
البلاد، وينبغي علينا أن نضع الشرح التالي نتيجةً لما سبق تفصيله: كان الإله
«ست» منذ العهود القديمة قد اتخذ لنفسه موطنًا مختارًا في الشمال الشرقي من
الدلتا، وفي الإقليم الذي تقع فيه بلدة «تانيس»، عندما اقتحم الهكسوس البلاد،
وأقاموا فيها عاصمةً لملكهم كان أول ما فعلوه أن اتخذوا الإله المحلي حاميًا
لدولتهم، وفي هذه الفترة اعتلى الإله «ست» عرش الملك الإلهي، وقد كان حتى الآن،
أو على الأقل في العصور التاريخية، يُعتبَر أحد الآلهة الذين يُعَدُّون في
درجةٍ أقل من درجة إله الدولة الأعظم، على أنه بطرد الهكسوس من البلاد زالت عنه
تلك السيادة الإلهية على البلاد.
وعلى الرغم من ازدهار سلطان «ست» وسيادته مدة ارتباطه بالغزاة «الهكسوس»،
فإنه قد ضرب من جديد ضربةً قاسيةً في الصميم، كانت لا تقلُّ عن الضربة التي
صُوِّبت إليه عند انهزامه وقهره على يد الملوك الحوريين في عصر ما قبل التاريخ،
ومع ذلك فقد بقيت عبادته في الشمال الشرقي من الدلتا موطنه الثاني قائمةً لم
تُصَبْ بسوء، حيث نجد من جديد أن معبده قد بقي قائمًا على الرغم من تغيير
الأحوال في مصر بقيام دولة وسقوط أخرى، ولا بد أن عبادته في «تانيس» كانت تذكر
بفخار وكبرياء دائمًا ذلك العصر الزاهر الذي مدَّ فيه هذا الإلهُ سلطانَه على
البلاد كلها؛ ولذلك عندما انقضت أربعمائة سنة على اعتلائه عرش دولة الهكسوس،
احتفَلَ القوم بهذا الحادث الضخم بمهرجان عظيم، وقد تولَّى الموظف «سيتي» —
الذي أضحى فيما بعدُ ملكًا على البلاد باسم «سيتي الأول» — إدارةَ شئون
الاحتفال بهذا العيد؛ وقد كان «سيتي» هذا موظفًا في شرق الدلتا إذ كان يحمل لقب
المشرف على حصون «ثارو»، والمشرف على البلاد الأجنبية، ومدير عيد كبش «منديس»،
ويُحتمَل أن وطنه الأصلي الإقليم الذي أُقِيم فيه الاحتفال، هذا إلى أنه كان
يحمل كذلك لقب الكاهن الأول للإله «ست»؛ ولا بد أن هذه الوظيفة الدينية كانت
خاصةً بخدمة الإله «ست» في الدلتا، وعلى ذلك يكون «سيتي» هذا قد قام بوظيفة
الكاهن الأول للإله «ست» في الاحتفال بالعيد في «تانيس».
وقد فهم الأستاذ «زيته» من الجملة التي جاءت على هذا الأثر، وهي: «يريد إحياء
اسم آباء والده ثانية» أنه يقصد من هذه العبارة ردَّ اعتبارٍ للإله «ست» الذي
كان اسمه قد لُوِّثَ بالعار في مصر منذ الأزمان العتيقة، ولكن ينبغي ألَّا
تُؤخَذ هذه الجملة على هذا المعنى المشين، بل يجب أن تؤخذ على المعنى الجديد
الذي اكتسبه عندما كان اسمه يلمع ويضيء منذ أربعمائة سنة مضت، أيْ عندما رفعه
الهكسوس إلى مرتبة ملك الدولة.
وسقوط الإله «ست» كان انتصارًا للإله «آمون»، في حين أن «آمون» نفسه كان قد
هزمه عدوه «آتون» رب أخناتون، ولكن أفول نجم «آتون» إلى الأبد لم يقضِ على كل
عداء كان مُوجَّهًا لقوة إله «طيبة» وهو «آمون»؛ إذ يُلاحَظ أن ملوك الأسرة
التاسعة عشرة الذين يظنُّ الأستاذ «زيته» أن وطنهم الأصلي الإقليم الشمالي
الشرقي من الوجه البحري، لم يمزجوا أسماء أعلامهم باسم الإله «آمون» كما كان
يفعل كثير من ملوك الأسرة الثامنة عشرة مثل «أمنحتب» الأول والثاني … إلخ، بل
مزجوا أسماءهم باسم الإله «رع» أو «بتاح» أو «ست». ويرجع السبب في ذلك إلى ما
كان يلوح في الأفق من الخطر الذي يهدِّد ملكهم بازدياد قوة «آمون» واتساع
نفوذه، ومن هنا نفهم السرَّ في نقل «رعمسيس» الثاني (الذي أقام هذه اللوحة)
عاصمةَ ملكه إلى «تانيس»، فإنه لم يفعل ذلك لقربها من ممتلكاته في آسيا، أو
لأنه كان يرغب في جعل بلاطه في البقعة التي وُلِد فيها آباؤه وحسب، بل ليقصي
كذلك بلاطه عن كهنة «آمون»، ويُبعِد المسافة بينهم وبين عاصمته، وقد كان تنفيذه
لهذه الفكرة ضربة قاسية لمدينة «طيبة»؛ ويمكننا أن نفهم الآن أكثر من ذي قبلُ
سببَ محو اسم الإله «ست» في معابده القديمة، التي كانت قائمة في الدلتا بعد
انتصار «آمون»، وعودة عاصمة الملك إلى «طيبة» في عهد الأسرة التاسعة
عشرة.
عبادة الإله «ست» في «أواريس» وفي عهد الأسرة الثالثة عشرة
أثبتنا فيما سبق قِدَم عبادة الإله «ست» في الشمال الشرقي من الدلتا في
مقاطعة «سترويت»؛ والآن نريد أن نبرهن على أن عبادة هذا الإله في بلدة «أواريس»
في عهد الأسرة الثالثة عشرة لم تكن بالأمر الغريب كما يزعم بعض المؤرخين؛ فقد
كتب الأستاذ «إدورد مير» الذي يُعَدُّ عمدةَ مؤرِّخي العصور القديمة،
٢١ عن الأسرة الثالثة عشرة يقول: لدينا آثار غريبة من عصر ثالثِ آخِر
ملوك الأسرة الثالثة عشرة، الذي كان يُدعَى «نحسي» (العبد)، وهو اسم كان
يُسمَّى به كثير من أفراد عامة الشعب؛ ففي «تانيس» وجدنا اسم هذا الأمير على
قطعة حجر ربما كانت من أثرٍ قد أهداه والده للإله «ست» صاحب «را أخت»؛ وكذلك
وُجِد في «تل المقدام» الواقعة في قلب الدلتا (مركز ميت غمر) تمثالٌ ملكيٌّ
لهذا الأمير نُقِش عليه «محبوب ست» صاحب «أواريس»، ولكنا نعرف أنه لم يذكر لنا
على أي أثرٍ اسم الإله «ست» في «تانيس» قبل عهد «الهكسوس»، وقد ذكر لنا كلٌّ من
الملك «مرمشع» والملك «سبك حتب» الرابع كثيرًا على تماثيله التي وُجِدت في
«تانيس»؛ أنه المحبوب من «بتاح» صاحب «منف»، وأن «أواريس» كانت عاصمة الهكسوس،
وأن «ست» صاحب «أواريس» هو إلههم، ومن ثَمَّ نعلم أن كلًّا من «نحسي» ووالده
كان قد أصبح من أتباع «الهكسوس»، وأن غزو هؤلاء القوم الأجانب للبلاد كان قد
حدث قبل نهاية الأسرة الثالثة عشرة، ومن المحتمل أنَّ تتابُعَ تولِّي الملوك
عرشَ البلاد بسرعة مدهشة في هذه الفترة يرجع بعضه إلى عِظَم نفوذهم.
والواقع أن ما وصلنا من معلومات جديدة يجعلنا نعيد النظر فيما كتبه هذا
المؤرخ؛ وذلك لأنه في إقليم «تانيس» كانت عبادة الإله «ست» قائمة منذ العهود
القديمة، وقد عرفنا الآن أن معبد هذا الإله موجود في «سثرت» على مقربة من
«تانيس» منذ أوائل الدولة القديمة على أقل تقدير، وعلى ذلك فإن إقامة «نحسي»
أثرًا لهذا الإله القديم في إقليم «تانيس» لا يدلُّ على أي اتصال «بالهكسوس»،
كما لا تدل عبارة وصف الإله بأنه صاحب «أواريس» على أية علاقة قطُّ بالهكسوس؛
وذلك لأن هذه المدينة
٢٢ كانت قائمةً قبل غزو الهكسوس كما سبقت الإشارة إلى ذلك، هذا فضلًا
عن أن اسم مدينة «أواريس» مصري خالص، ولا يُشَمُّ منه أن الغزاة قد أسَّسوا
بنيانها، ويجب أن يفهم الإنسان ذلك حقًّا، فقد ميَّزَ «رعمسيس» الثاني المباني
الجديدة التي أقامها في المدينة بتخليد اسمه، فأطلق عليها اسم «بررعمسيس» (بيت
رعمسيس)، ولا شك في أن توحيد «تانيس» ﺑ «أواريس» يقدِّم لنا سندًا قويًّا
لتفسير الرأي الذي نعرضه هنا الآن؛ وذلك لأن الآثار المكشوفة تحدِّثنا بأنه منذ
القِدَم كانت تقوم في هذه البقعة مدينةٌ على جانب عظيم من الأهمية، وكذلك يدل
ما كُشِف من آثارٍ على أن نشاط «نحسي» من ناحية البناء في «تانيس» كان ضئيلًا
بدرجة مدهشة، كما كانت الحال مع أسلافه في عهد الدولتين القديمة
والوسطى.
والواقع أن التفسير الذي أدَلَى به الأستاذ «إدورد مير» عن «نحسي» وآثاره لا
يصمد أمام النقد؛ إذ كيف ينبغي ﻟ «نحسي» أو والده أن يقيم معبدًا لإله الغزاة
الأجانب في عقر عاصمتهم؟ والأحرى بهذا الأمير إذا كان يريد أن يُظهِر خضوعَه
وتبعيته للغزاة أن يقيم أثرًا لإله الدولة الجديد الذي كان يُعتبَر هو من
أتباعه في الإقليم الذي يقع خارج مدينتهم، أما في «تانيس-أواريس» التي بناها
الهكسوس ثانية على حسب «تصميم» موضوع لم يكن ليسمح ﻟ «نحسي» أن يقيم فيها للإله
«ست» معبدًا بوصفه إلهه، بل كان ذلك من الأمور الخاصة التي يمتاز بها أسياده
الفاتحون. هذا ونعلم من النقوش التي دُوِّنت على المباني أشياء أخرى؛ إذ نعرف
أنه قبل الغزو الأجنبي كانت توجد مدن لعبادة «ست» غير بلدة «سثرت» ومدينة «حوت
وعرت» (أواريس)، مثل «را أخت» التي كانت تقع حتمًا في إقليم «أواريس»، وخلافًا
لهذه المعابد نعلم أن الإله «ست» كان يشغل مكانة ممتازة في مقاطعته.
(٨) تانيس-أواريس-بررعمسيس٢٣
لقد أشرنا في سياق عرضنا لهذا الموضوع إلى أن هذه الأسماء الثلاثة قد تدل على
مدينة واحدة بعينها.
وفي الوقع إن النقوش التي لدينا قد لا تذكر لنا ذلك صراحة، ولكن عندنا من الحوادث
والأدلة التي تقصها هذه الآثار، ما يعتمد عليه في إدحاض المعارضة التي أدلى بها
الأستاذ «فيل» في أمر توحيد هذه البلاد (J. E. A., Vol.
XXI). هذا فضلًا عن أن الأستاذ «مونتيه» قد أدلى بشرح طويل في
كتابه عن «حفائر تانيس»، مبيِّنًا الأسبابَ التي جعلته يوحِّد «تانيس» مع «أواريس»،
وكذلك يوحِّدها مع «بررعمسيس».
وقد وصل كذلك الأستاذ «جاردنر» في بحثه موضوع «بررعمسيس» إلى نفس النتيجة التي
تقول بتوحيد هذه المدن الثلاث، ويظهر لنا أن تفسيره وما أدلى به من حجج لا يمكن
الاعتراض عليه كثيرًا، هذا إلى أن تفسيره للوحة «عيد أربعمائة السنة» الخاص بالإله
«ست» يُعَدُّ تفسيرًا مُقنِعًا؛ إذ يقول: ولكن الاستنباطات المختلفة التي اقترحها
الأستاذ «زيته» ينقصها الأساس الأصلي كما يظهر لي، اللهم إلا إذا كان الإله «ستخ»
المرسوم في المنظر الذي في أعلى اللوحة هو نفس «ستخ» صاحب «أواريس»، وأن «تانيس»
التي وجد فيها «مريت» اللوحةَ هي المدينة التي تشمل كلًّا من «ستخ رعمسيس» و«ستخ
أواريس» بوصفه إلهها المحلي؛ وبعبارة أخرى كانت «أواريس» و«بررعمسيس» و«زعنت»
(تانيس) هي أسماء ثلاثة جاءت متتالية لبلد واحد بعينه. ثم يقول في مكان آخَر في نفس
المقال (p. 126): وإني أظن الآن أنه حتى نفس
التغيرات التي حدثت في الاسم يمكن أن تفسر تفسيرًا مقبولًا، فمن الجائز أن «أواريس»
كان الاسم الذي عُرِفت به مدينة «تانيس» في عهد الدولتين القديمة والوسطى، وليس
لدينا من الأدلة ما يوحي بأنها أُسِّست في عهد «الهكسوس».
على أن هذا ليس بالمثال الوحيد الذي نجد فيه أن مدينة مصرية قد غيَّرت اسمها في
عهود التاريخ؛ إذ نرى مثلًا أن «إنب حز» قد أصبحت تُدعَى منذ الأسرة الثامنة عشرة
«من نفر» (منف)، ومن المحتمل أن السبب الذي دعا إلى تغيير اسمها هو أن المدينة
القديمة التي كان يُطلَق عليها «حوت وعرت»، والتي أقامها الهكسوس لتكون حصنًا
منيعًا، قد هدمها «الطيبيون» عند إعادة فتحهم للبلاد وطرد الهكسوس.
ولما أسَّسَ «رعمسيس» الثاني عاصمة ملكه في هذا المكان سمَّاها باسمه «بيت
رعمسيس»، غير أن الاسم القديم لم يُنْسَ كما يدلُّ على ذلك اسم الإله «ست» صاحب
«أواريس»، الذي نجده على التماثيل القديمة التي اغتصبها «مرنبتاح» لنفسه، دون أن
يفطن لتغيير كل ما عليها من النقوش االقديمة التي تدلُّ على أصلها،
٢٤ وقد كان أول اختفاء لاسم المدينة واسم الإله عند حدوث الانقلاب الحكومي
في عهد الأسرة الواحدة والعشرين، فأصبحت تُسمَّى المدينة من وقتئذٍ «تانيس»، وهذا
ليس باسم جديد؛ إذ الواقع أن اسم «زعنت» (تانيس) لم يجرِ على ألسنة القوم مدة حكم
الهكسوس، وكما نجد اسم «را-أخت»
٢٥ يظهر في قائمة هذا الإقليم، ويليه بالتوالي: «سخت زعنت»، «غيط تانيس»،
و«حوت وعرت»، بوصفها أسماء لبلدة واحدة، نجد كذلك أسماء «لطيبة» مثل «الأقصر»
و«الكرنك»، وقد تخلَّى القوم عن تسمية البلدة باسم «أواريس» تفاديًا من استذكار اسم
هذا الإله البغيض لهم، وكذلك قضوا على معابده جملةً، غير أننا لا نعلم للآن إلى أي
مدًى كان انتقال قلب المدينة بالنسبة ﻟ «تانيس» الأصلية.
وقد بحث الأستاذ «فيل» مسألة موقع «أواريس» (J. E. A. Vol. 215.
p. 10) قاصدًا تفنيد القول بتوحيد «تانيس» و«أواريس»؛ إذ يقول
في خلاصة مقاله: «ويمكن استنباط ما يأتي … إن «تانيس» و«أواريس» كانتا محتلَّتَيْن،
وأن الإله «ستخ» قد استوطن كلتيهما مع قوم يُدْعَون «الهكسوس»، وليس من الضروري أن
يكونوا ملوكًا من أسرة «أبو فيس» الذين تدل رواية «مانيتون» على أنهم نفس الهكسوس
الغزاة، بل في الواقع هم أولئك الغزاة أنفسهم عندما أقاموا مستعمراتهم الأولى في
«الدلتا» قبل عهد «أبو فيس»، بحسب ما أصبنا من النجاح في تصوير الصورة التاريخية
التي شرحناها هنا. وبعبارة أخرى فإن استيطانَ الإله «ست» «تانيس» (وقد فهم الأستاذ
«زيته» من هذه العبارة تأسيس «تانيس») وإقامةَ الهكسوس في «أواريس» (ويُلاحَظ هنا
أن «مانيتون» لم يذهب في روايته إلى حد تأسيس «أواريس»)؛ كانَا حادثين تاريخيين
لهما أهمية أعظم بكثير، وهما وصول الآسيويين الجدد واستعمارهم للبلاد.»
والواقع أن الأستاذ «فيل» قد بنى استنباطاته على أسس خاطئة، وهذا فيما يخص أولًا
فهمه لفن عصر الهكسوس، والعهد الذي غزوا فيه البلاد وعلاقته بالأسرة الثالثة عشرة،
وهذا الموضوع قد بحث في غير هذا المكان (Ed. Meyer “Gesch”. I.
§. 303).
أما أهم خطأ وقع فيه فهو قوله إن «ستخ» إله أجنبي قد أحضره الغزاة معهم من
«آسيا»، مع أنه هو نفس الإله «ست» المصري كما شرحنا ذلك من قبلُ، وبخاصة في النقوش
الخاصة بالموظف «بحر نفر»، التي قدَّمَتْ لنا برهانًا آخَر قاطعًا بأن «ست» المصري
كان يُعبَد منذ الأزمان القديمة في الشمال الشرقي للدلتا بعد أن اتخذها موطنًا له،
وبذلك هدم أقوى عماد يرتكز عليه مقال الأستاذ «فيل». والواقع أن «ست» كان الإله
المحلي منذ زمن بعيد في «أواريس»، وقد اتخذه الهكسوس بمثابة إلهٍ حامٍ لملكهم، وقد
رفعوه إلى مرتبة «ملك الآلهة». والواقع أن لوحة أربعمائة السنة لم تذكر لنا دخوله
«تانيس»، بل ذكرت لنا النقوش حقًّا اسمَ المدينة التي استوطنها الإله الجديد، ولم
يبقَ علينا هنا إلا الاعتراف بصحة ما استنبطه الأستاذ «جاردنر»، وأن اعتلاء «ست»
المصري (نبتي) عرشَ الملك لا يمكن إلا أن يكون في عاصمة الملك التي وضعها تحت
حمايته، وهذه كانت «أواريس»، وفي ربوعها فقط يمكن للإنسان أن يعقد الاحتفالَ بعيده،
ونصب لوحة تذكارية له.
وفي الختام يجب أن نبحث على وجه التحقيق في أي زمن اتخذ «ست» صاحب «أمبوس» (كوم
أمبو) بلدة «سثرت» موطنًا له، وهذه الهجرة يمكن أن تكون قد حدثت في أي زمن، ولكن
يجب أن يعتبر الإنسان أمرين هامين: أولًا يجب أن يكون انتقال معبود من مملكة لمملكة
أخرى عن طريق الفتح، وذلك أن يستولي إله الفاتحين على أرض القوم المغلوبين، وهذا ما
حدث على سبيل المثال في عبادة «آمون» في السودان وفي المستعمرات الآسيوية؛ إذ قد
نقلها الفاتحون إلى هذه البقاع. ثانيًا: لم يكن من المعقول أن الإله «ست» يؤسس بلدة
جديدة تقام فيها عبادته في الوجه البحري في وقتٍ كانت سمعته سيئة فيه منذ القِدَم،
غير أننا نعلم أنه كان يقطن منذ بداية الدولة القديمة «سثرت»، فيجوز في أمر هجرته
إلى الشمال أنها حدثت عندما أخضع «ست» مملكة الإله «أوزير عنزتي» أمير مقاطعات شرق
الدلتا، أو عندما قهر «مينا» الوجه البحري وجعله تحت سيادة الجنوب، وقد سلم الأستاذ
«زيته» في كتابه في عصر ما قبل التاريخ (Sethe, “Urgeschichte und
Alteste Religion der Agypter”, § 47. ff.) أن «ست» قد
هاجَرَ منذ زمن يبعد بكثير عن «حور» معبود «دمنهور» نحو «إدفو»، فقد هاجر أولًا في
العصر التاريخي إلى الشمال الشرقي من الوجه البحري، غير أنه لم يقدِّم لنا أي برهان
على هذا الزعم، ولكن على حسب ما جاء عن العيد الذي كان يقام هنا للإله «ست» قبل
الأسرة الرابعة، يمكننا أن نبحث على ضوء الاحتمالين اللذين قدَّمناهما للفصل في هذا
الموضوع، ونرجح أن هذا الانتقال قد حدث في أواخر عصر ما قبل التاريخ؛ وذلك لأن حكام
الوجه القبلي الذين كانوا قد أخذوا منذ الأسرة الأولى يخضعون الوجه البحري تدريجًا،
كانوا يعبدون كذلك الإله «ست» بوصفه الإله الحامي للمملكة، غير أن «حور» كان مع ذلك
الإله الرئيسي؛ ففي الحروب التي انعكست صورتها أمامنا في قصة «أوزير»، كان «ست» إله
الحرب في الوجه القبلي هو المنتصر؛ وقد اغتصب شرقي الدلتا من «عنزتي» سيد المقاطعات
الشرقية، على أنه يمكننا من هذا أن نقرن استعمار جنوبي الوجه القبلي خلال سيادة
«هليوبوليس» باستعمار الجزء الشرقي من الوجه البحري بملوك أمبوس (كوم أمبو)، وقد
كان هذا الاستعمار بلا شك قليلَ الأهمية جدًّا؛ لأن المعلومات عنه كانت لا ترتكز
إلا على ذكر مقاطعة «سترويت» التي ذكرها مؤرِّخو اليونان.
(٩) تحديد تاريخ غزو الهكسوس لمصر
والآن نعود بعد أن أجلينا الموقف أمام القارئ عن الإله «ست» وعلاقته بالهكسوس
وبالمصريين، وبمدينة «أواريس» من كل النواحي إلى تحديد الزمن الذي أُقِيم فيه
الاحتفال بعيد أربعمائة السنة تخليدًا لطرد الهكسوس من مصر؛ فالأستاذ «زيته» يظن أن
ذلك العيد قد حدث في عهد حكم الملك «حور محب» حوالي عام ١٣٣٠ق.م على وجه التقريب،
مستنبطًا ذلك ممَّا جاء في لوحة أربعمائة السنة (A. Z. LXV. p.
85–89) أي حوالي عام ١٧٣٠ق.م؛ على أن هذا التاريخ وإن كان
مقبولًا شكلًا، فإنه تعوره بعض عيوب يمكن التغلُّب عليها؛ وعلى حسبه تكون مدة حكم
الأسرة الثالثة عشرة منحصرة في الفترة التي بين نهاية الأسرة الثانية عشرة، أي سنة
١٧٨٨ق.م ونهاية هذا القرن، وتكون النتيجة الفعلية لهذا التفسير أن نَعُدَّ الهكسوس
قومًا كانوا ذوي قوة سياسية في مصر لمدة قرن ونصف قرن من الزمان، غير أننا لا نعرف
الطريقةَ التي صار بها أولئك الأجانب قوة مسيطرة على البلاد، خلافًا لما نعلمه من
أنهم اتخذوا من ضعف البلاد الداخلي قوة لأنفسهم؛ وعلى ذلك فليس لدينا ما نستعين به
على فهم هذه الحالة إلا الاستنباط، وهو أمضى سلاح لدينا، فنجد من المعقول في هذه
المناسبة أن يصدق الإنسان الحالة التي كانت ترزح تحت عبئها البلاد، كما وصفها
«ابور» الكاهن والمفكر المصري في العهد الإقطاعي الأول، وأنها كانت تنطبق على حالة
البلاد في الواقع لو كان الإنسان يعيش فيها حوالي عام ١٧٠٠ق.م (راجع الجزء الأول من
كتاب الأدب المصري القديم ص٢٩٤–٣١٧). وهذه الوثيقة كما فصلنا القول فيها تعطينا
صورةً عن العصر الإقطاعي الأول؛ ولكنها في مجموعها كما يظهر تصوِّر لنا حالةً لا بد
من وجودها ليتسنى للآسيويين اغتصاب السلطة في أي وقت؛ ولذلك نجد «ابور» يتحدث إلينا
عن الفوضى التي عمَّتِ البلاد، ودخول الآسيويين أرض الدلتا، فيقول: «تأمل أنها
(الدلتا) في أيدي مَن لا يعرفها مثل أولئك الذين يعرفونها، وأن الآسيويين مهرة في
مهن أرض المستنقعات.» ويُلاحَظ حتى في البلاد الخارجة عن حدود الدلتا أن الأجانب قد
ضربوا بأعراقهم فيها، ولا بد أن بداية سيطرة الهكسوس السياسية قد اتخذت سبيلًا
مماثلة لتلك التي وصفناها، ولا غرابة في ذلك؛ فقد مرَّ بوادي النيل في عدة مناسبات
الدورة التي كانت تمثِّل فيها القوة فالانحلال فالاغتصاب، ثم تنتهي في آخِر المطاف
باسترجاع قوتها ونهوضها ثانية.
(١٠) الهكسوس وآثارهم الباقية
الواقع أننا لا نعرف إلا الشيء اليسير عن بداية عهد تسلُّط الهكسوس على مصر،
فنعلم أن الأسرة الخامسة عشرة قد نشأت ثم تلاشت وحلت محلها الأسرة السادسة عشرة على
حسب ما رواه «مانيتون»؛ لأن الوثائق التاريخية القيمة التي تساعد على فهم هذا العهد
من تاريخ البلاد معدومة بالمرة، وكل ما لدينا هو أسماء عدة ملوك لا يمكن ترتيبها
ترتيبًا تاريخيًّا متسلسلًا؛ ولذلك سنكتفي هنا بسردها وما ذكر عنها.
قسَّمَ «مانيتون» ملوك مصر في عهد الهكسوس إلى ثلاث أسرات، فذكر أولًا ستة ملوك،
يتألف منهم عهد الأسرة الخامسة عشرة هم: (١) سالاتيس (٢) بنون (٣) وأباخناس
(٤) وأبو فيس (٥) يناس (٦) وآسث.
بعد ذلك جاء في مختصر «أفريكانوس»
Africanus
أسرة ثانية وهي الأسرة السادسة عشرة، وعدد ملوكها اثنان وثلاثون ملكًا، ثم جاءت
الأسرة السابعة عشرة، وقد حكم فيها ثلاثة وأربعون ملكًا من الهكسوس ومثلهم من
الطيبيين جنبًا لجنب، وانتهت بطرد الهكسوس على يد الفرعون «أحمس» الأول مؤسِّس
الأسرة الثامنة عشرة، ولدينا في الوثائق المصرية، والنقوش الأثرية ثلاثة ملوك من
الهكسوس يحملون اسمًا واحدًا مشتركًا وهو «أبو فيس»، ولكن ألقابهم مختلفة
وهم:
- (١)
ملك الوجهين القبلي والبحري «ابن الشمس عاو سررع» = أبو فيس.
- (٢)
الإله الطيب رب الأرضين «ابن الشمس نب خبش رع» = أبو فيس.
- (٣)
الإله الطيب «غاقنن رع ابن الشمس» = أبو فيس.
وكذلك لدينا مجموعة من ملوك الهكسوس يحمل كلٌّ منهم لقبَ «حقا خاسوت» (أي:
الهكسوس)، هؤلاء هم:
- (١)
حاكم البلاد الأجنبية «سمقن» (راجع: G. Fraser, “A
Catalogue of the Scarabs Belonging to G. Fraser” (London, 1900),
p. 24, No. 80).
- (٢)
حاكم البلاد الأجنبية «عانت هر» (من تل بسطة) (راجع:
Ibid, p. 24 No. 180).
وهذان الملكان لم يُعرف لهما آثار غير الجعارين التي وُجِدت
باسميهما.
- (٣)
حاكم البلاد الأجنبية «خيان».
وكذلك عُثِر على مجموعة أخرى من الملوك يحمل كلٌّ منهم لقب «الإله الطيب»، ولم
نعرف لهم آثارًا عدا الجعارين، وهم:
- (١)
الإله الطيب «عاحتب رع» (راجع: H. R. Hall,
“Catalogue of the Egyptian Scarabs in the British Museum” Vol.
I. No. 283).
- (٢)
الإله الطيب «مروسر رع» (Newberry, “Scarabs”, Pl.
XXII. No. 27–30).
- (٣)
الإله الطيب «وازد» (راجع: Ibid Pl. XXII. No.
7–9).
- (٤)
الإله الطيب «خع وسر رع» (راجع: Ibid Pl. XXI. No.
25–29).
- (٥)
الإله الطيب «سخع ن رع» (راجع: Ibid Pl. XXI. No.
19–22).
- (٦)
الإله الطيب «ماع أب رع» (راجع: Ibid Pl. XXI. No.
1–8).
- (٧)
الإله الطيب «نب تاوي رع» (راجع: Hall, “Scarabs”,
No. 286).
- (٨)
الإله الطيب «خع مو رع» (راجع: Newberry, “Scarabs”,
Pl. XXI. No. 30).
وتوجد كذلك مجموعة رابعة من الملوك يحمل كلٌّ منهم لقبَ «ابن الشمس»، وقد عُرِفت
أسماؤهم كلها على وجه التقريب من الجعارين فقط وهم:
- (١)
ابن الشمس «ششي» (راجع: Hall, “Scarabs” No.
269).
- (٢)
ابن الشمس «سكت» (راجع: Ibid No.
282).
- (٣)
ابن الشمس «يعقوب هر» (راجع: Newberry, “Scarabs”,
Pl. 23 No. 13 & Petrie, “History”, I, p. 250 No. 146;
Newberry, Pl. 23 No. 1-2; Hall “Scarabs”, No. 284-285; Fraser,
“Coll”, No. 181).
- (٤)
ابن الشمس «إع» (راجع: Fraser, “Coll”, No.
182).
- (٥)
ابن الشمس «عامو» (راجع: Newberry, “Scarabs” Pl.
XXII. No. 14–18).
- (٦)
ابن الشمس «قار» (راجع: Newberry, “Scarabs”, Pl.
XXI. No. 23-24).
ولدينا من آثار عصر متأخر أسماء ثلاثة ملوك من الهكسوس؛ إذ في عام ١٩٣٢ ضم إلى
مجموعة متحف «برلين» قطعة كبيرة من جدار برقم ٢٣٦٧٣، وهي من مقبرة كاهن من «منف»
يرجع تاريخها إلى عام ٧٠٠ق.م، وقد دوَّنَ عليها هذا الكاهنُ شجرةَ سلسلة نسبه،
وكذلك دوَّنَ عليها أسماءَ الملوك الذين عاش أجداده في عهد حكمهم، ومن بين هؤلاء
ثلاثة من ملوك الهكسوس،
٢٦ وهؤلاء الملوك الثلاثة هم:
(١) عاقن
٢٧ (٢) و«شارك» (٣) و«ابب».
وقد وضعهم «بورخارت» بين عهد ملكٍ يُدعَى «أبي» في عصر الاضطرابات في المدة التي
تقع بين سقوط الأسرة الثانية عشرة، وعهد الملك «نب بحتي رع» (أحمس الأول) مؤسِّس
الأسرة الثامنة عشرة، وقال عنهم إنهم من ملوك الهكسوس، وآخِر واحد منهم وهو «ابب»
(أبو فيس) قد ذكره «مانيتون» بالاسم، على أن ذكر ملوك الهكسوس في هذه القائمة مما
يلفت النظر بوجه خاص؛ وذلك لأنهم لم يُذكَروا في قوائم الملوك الرسمية، ممَّا يدل
على أنهم قد أُغفِل تدوينهم قصدًا، ومن بين الملوك الستة الذين نقلهم لنا «مانيتون»
يمكن أن نعرف أسماء أربعة منهم على الآثار، وهم: (١) «بون Beon» أو «بنون» كما جاء في «أفريكانوس»، ونجد هذا الاسم في «ورقة
تورين» مكتوبًا بلفظ «بينم». (٢) وأباخنام Apakhnam (وقد كُتِب بلفظة «باختم» في أفريكانوس)، وينبغي أن
يكون هو الملك «عاقنن رع أبو فيس» الذي نجده مدوَّنًا على الآثار، وأخيرًا «يوناس»
و«أبو فيس» وهما اللذان وحدَا بسهولة مع «خيان» و«ابب». ومن المحتمل أن الملك
«آسث Aseth» هو ملك الهكسوس المسمَّى «عاسهر
رع».
ومما يُؤسَف له جد الأسف أننا لم نجد على الآثار أيَّ دليل يرشدنا إلى ترتيب
هؤلاء الملوك كما ذكرنا من قبلُ، وقد حاول «بتري» أن يرتب هؤلاء الملوك ترتيبًا
تاريخيًّا بوساطة اختلاف صناعة الجعارين المنقوش عليها أسماء هؤلاء الملوك، غير أن
ذلك لم يُجْدِ نفعًا،
٢٨ ومن المعلوم أن جعارين عهد الهكسوس تختلف عن جعارين كل العهود المصرية
كما أشار إلى ذلك الأستاذ «نيوبري».
٢٩
على أنه لم يَبْقَ لنا من آثار الهكسوس إلا النزر اليسير، وما تبقى منها يتضاءل
عندما نعلم أن عددًا عظيمًا من الآثار التي تركوها قد انتحلوها لأنفسهم باغتصابها
من الآثار القديمة التي تركها أسلافهم من ملوك مصر، ولا أدل على ذلك من تماثيل «أبو
الهول» التي وجدناه منسوبةً إليهم، وهي في الأصل للملك «أمنمحات الثالث». والآن
نُلقِي نظرةً خاطفةً على الآثار القليلة التي تركها لنا ملوك الهكسوس خلافًا
للجعارين.
آثار الملك عاوسر رع (أبو فيس)
وُجِد لهذا الفرعون بعض الآثار غير الجعارين، منها لوحة كاتب مصنوعة من الخشب
وُجِدت في الفيوم، وهي محفوظة الآن بمتحف «برلين» برقم ٧٧٩٨،
٣٠ وهذه اللوحة كانت هدية من هذا الفرعون لموظَّف يُدعَى «إثو»، وقد
جاء عليها أنها من ملك الوجهين القبلي والبحري «عاوسر رع» ابن الشمس «أبو فيس»
معطي الحياة مخلدًا مثل «رع» كل يوم، وابن الملك من جسمه، والابن المحبوب من
«رع»؛ و«إثو» هذا كان كاتبًا ملكيًّا، ويُلاحَظ أن الكتابة التي على هذه اللوحة
مهشمة بعض الشيء، ويمكن أن نقرأ عليها مديحًا للفرعون بوصفه ملك مصر كما يأتي:
««صورة رع» الحية على الأرض، والشجاع في يوم القتال، ومَن اسمه أعظم من أي ملك
آخَر، ومَن شهرته قد وصلت حتى الأراضي الأجنبية.»
وكذلك عُثِر في «الجبلين» على قطعة أخرى من الحجر محفوظة بمتحف القاهرة
(راجع:
Daressy, “Rec. Trav.” XIV, p. 26 (No.
XXX)) كُتِب عليها: يعيش الملك الطيب «عاوسر رع». وقد جاء
ذكر هذا الفرعون في «ورقة رند» الرياضية المحفوظة الآن بالمتحف البريطاني، وقد
ذكر فيها عام ٣٣ من حكم هذا الملك، وهو التاريخ الوحيد الذي حُفِظ لنا عن حكم
ملك من ملوك الهكسوس،
٣١ وقد دُوِّن هذا التاريخ كما يأتي:
السنة الثالثة والثلاثون، الشهر الرابع من فصل الزرع … ملك الوجهين
القبلي والبحري «عاوسر رع» معطي الحياة.
وفي مقبرة الملك «أمنحتب» الأول وُجِدت قطعة من آنية من الجرانيت باسم الملك
«أبو فيس» وأخته «هرتي»، كُتِب عليها: ابن الشمس أبو فيس الملك الطيب «عاوسر
رع» والابنة الملكية «هرتي».
٣٢ أما عن الجعارين التي عُثِر عليها حتى الآن لهذا الفرعون فقد كتب
عنها الأستاذ «فيل».
٣٣
آثار الملك نب خبش رع (أبو فيس)
•••
من أهم الآثار التي وُجِدت لهذا الفرعون خنجر من الشبه في «سقارة»، في تابوت
شخص يُدعَى «عابد»
(Daressy, “Un Poignard du Temps du Rois
Pasteurs,” A. S. VII, Pp. 115–120, Pl. VII)، وقبضته تشمل
قطعة من الشبه مستديرة السطح، وعلى وجهها منظر صيد يُشاهَد فيه صياد يرمي
أسدًا، كما يُشاهَد غزال يقفز فوق الأسد (؟). (انظر الصورة
١).
وتحت منظر الصيد هذا نُقِش لقب صاحب هذا الخنجر الفاخر واسمه: «تابع سيده
«نحمن»»، وهذا الاسم لم يَرِد إلا في هذا النص، وعلى الجانب الآخر نجد النقوش
التالية: «الإله الطيب رب الأرضين، ثم الاسم «نب خبش رع بن الشمس» «أبو فيس»
معطي الحياة»، وهذا الخنجر كما يقول الأستاذ «باهور لبيب» أقدم خنجر زُيِّن
بالنقوش التاريخية المصرية، ولصناعته أهمية عظيمة جدًّا؛ إذ يذكِّرنا بخنجر
الملك «أحمس»، وكذلك يعتقد أن هذين الخنجرين بينهما ارتباط من جهة الصناعة وإنْ
اختلفَا بعض الشيء من حيث الزينة التي على كلٍّ منهما، فخنجر «أبو فيس» قد
رُسِم على مقبضه منظر صيد، أما خنجر «أحمس الأول» فقد جاء الرسم على نصله، وليس
ثمة شك في أن الرسم الذي على نصله قد تأثَّرَ من حيث الفن والشكل، بالفن الذي
على قبضة خنجر الهكسوس؛ ويمكننا أن نحكم الآن بأن هذا الخنجر إنما هو تقليد من
كل الوجوه للخنجر الذي كان يُصنَع في «كريت» و«مسينا» (راجع:
Fimmen, “Kret. Myken. Kultur”, 1921, p.
204).
وفي «المتحف البريطاني» «ملعقة» من الظران نُقِش عليها العبارة التالية:
الإله الطيب رب الأرضين «نبخبش رع» ابن الشمس ومحبوبه «أبو فيس» (راجع:
British Mus. No. 44988 & Weill, “La Fin du Moyen
Emp”. p. 176, No. 3).
الملك عاقنن رع (أبو فيس)
•••
-
(١)
يوجد الآن في «متحف برلين» قطعة كبيرة من إناء باسم هذا الفرعون،
٣٤ عُثِر عليها في «ميت رهينه»، وقد نُقِش عليها ما يأتي:
الإله الطيب «عاقنن رع» ابن الشمس «أبو فيس» معطي الحياة
والسعادة.
-
(٢)
وفي «متحف القاهرة» توجد له مائدة قربان من حجر الجرانيت الأسود،
ولا بد أنه قد عثر عليها في ضواحي القاهرة، وقد نُقِش عليها النص التالي:
حور مهدئ الأرضين الإله الطيب «عاقنن رع» قد أقام هذا
الأثر بمثابة ذكرى لوالده «ستخ» رب «أواريس»، الذي جعل كل
الأراضي تحت قدمَيْه.
أما الكتابة التي على الجهة اليمنى فتحدِّثنا فضلًا عن ذلك عن
إهداء عمد الأعلام.
٣٥
-
(٣)
وفي «تانيس» عُثِر على تمثال للملك «مرمشع» أحد ملوك الأسرة
الثالثة عشرة، وقد كُتِب عليه فيما بعدُ النقشُ التالي: ««الإله
الطيب» «عاقنن رع» ابن الشمس «أبو فيس» معطي الحياة»،
٣٦ مما يدل على أن الأخير قد اغتصب هذا التمثال.
ولدينا بعض آثار تُنسَب للملوك الثلاثة الذين قد تسمَّوا باسم
«أبو فيس»، غير أنه لا يمكننا أن نميِّز أي «أبو فيس» كان المقصود؛
لأن اللقب الذي يدل على شخصيته لم يُذكَر.
فلدينا أولًا قطعة من قاعدة آنية موجودة الآن «بمتحف برلين»،
٣٧ وقد كُتِب على الجزء الأمامي منها: «إنها مهداة للإله
«منتو» سيد «طيبة» من «سنوسرت» الأول محبوبه.» أما على الخلف فقد
نُقِش ما يأتي: «… «أبو فيس» معطي الحياة»، وقد ذكر كذلك اسم الأخت
الملكية «ثاني»
Thany وحامل
الخاتم … وهذا دليل على أنه اغتصب من «سنوسرت» الأول.
-
(٤)
وكُشِف في «تل بسطة» عن قطعة من الحجر خاصة بنقوش مبانٍ لملكٍ
يحمل اسم «أبو فيس»، وهي الآن «بالمتحف المصري»،
٣٨ وقد نُقِش عليها: «إن ابن الشمس «أبو فيس» معطي الحياة
قد (صنع) عددًا عظيمًا من عمد الأعلام ومصاريع الأبواب من النحاس
لهذا الإله.»
-
(٥)
صاجات وُجِدت في «دندرة» باسم ملكٍ يُدعَى «أبو فيس» (راجع:
A. Z. XXXIX, p. 86).
-
(٦)
وفي «كاهون» وُجِد خاتم من خشبٍ لملكٍ يُدعَى «أبو فيس».
٣٩
الملك سوسرن رع خيان
•••
كان الملك «خيان» الذي جاء ذكره في قائمة «مانيتون» وعلى الآثار من أعظم ملوك
الهكسوس الذين حكموا مصر، وقد ذُكِر اسمه في قائمة «مانيتون» على ما يظهر باسم
«يناس»
Jannas وآثاره منتشرة في جهات
مختلفة، وقد عُثِر له على جعارين عدة وأختام باسمه، ومنها نعلم أنه كان يحمل
الألقاء التالية: (١) حاكم البلاد الأجنبية «خيان».
٤٠ (٢) الإله الطيب «خيان» أو الإله الطيب «سوسرن رع».
٤١ (٣) حاكم المجندين «خيان».
٤٢ (٤) ابن الشمس «سوسرن رع»
٤٣ أو ابن الشمس «خيان»؛ وكذلك أصبح يحمل اللقب الحوري «حور» ضام
الأرضين، الإله الطيب أو ابن الشمس «خيان» محبوب قرينه (كا)، وقد كان المنتظر
أن يقول محبوب إلهه بدلًا من لفظة «قرين (كا)»؛ وهذا اللقب وُجِد منقوشًا على
تمثال قديم من الدول الوسطى محفوظ الآن بالمتحف المصري، وفي «متحف ليدن» يوجد
له خاتم من الذهب لا يُعرَف في أي مكان عُثِر عليه.
على أن أهم ظاهرة في حكم الملك «خيان»
٤٤ هي وجود آثار له خارج القطر المصري في جهات نائية بعيدة جدًّا،
لدرجة أن بعض المؤرخين ظنَّ أن مملكته قد مدَّت أطرافها إلى تلك البقاع، فقد
وُجِد له آثار في «سوريا» و«فلسطين» من جهة، وفي «بغداد» و«كريت» من جهة أخرى،
أما عن وجود جعارين باسم هذا الملك في «سوريا» و«فلسطين» فلا غرابة فيه؛ لأننا
سنرى أن هذين القطرين كانَا ضمن البلاد التي يسيطر عليها الهكسوس أيام عظمة مجدهم.
٤٥
وأما عن وجود آثاره في «بغداد» و«كريت»، فيرجع إلى سبب آخَر. والواقع أنه قد
عُثِر على تمثال أسد صغير ارتفاعه نحو ٢٥٫٤ سنتيمترًا، وطوله نحو ٤٨٫٢
سنتيمترًا، نُقِش عليه اسم «خيان»: الإله الطيب «سوسرن» رع. وهذه العبارة قد
نُقِشت على صدر هذا الأسد.
٤٦
وهذا التمثال قد اشتُرِي في «بغداد» من تجار الآثار؛ أما في «كريت» فقد كشف
الأثري «إيفان» في أثناء أعمال الحفر التي قام بها في هذه الجزيرة في أساس قصر
«كنوسوس» الثاني، عن غطاء آنية من المرمر باسم «خيان»؛ وقد نُقِش عليه النص
التالي: «الإله الطيب سوسرن رع بن الشمس «خيان».» وهذه القطعة محفوظة الآن
بمتحف «كندية» عاصمة جزيرة «كريت».
٤٧ والسؤال الهام هنا هو: كيف تسرَّبَتْ هاتان القطعتان الأثريتان إلى
«بغداد» و«كريت»؟ أما من جهة الأسد الذي وُجِد في «بغداد»، فإن الجواب على
وجوده في هذه البقعة بسيط؛ إذ من الجائز أنه قد وصل إلى «بغداد» عن طريق
التجارة وحسب، وبذلك لا يدل قطُّ على اتساع رقعة ملك الهكسوس حتى بلاد النهرين
كما يدَّعِي ذلك الأستاذ «إدورد مير»
(Gesch I. §§
306-307)؛ إذ بهذا الادِّعاء يكون الهكسوس قد مدُّوا
سلطانهم حتى «بابل» و«كريت». والواقع أن وجود مثل هذه القطع المفردة في مثل هذه
الجهات النائية لا يمكن أن يكون إلا عن طريق التجارة أو الهدايا، وبخاصة في
«كريت» التي كانت مصر على اتصال تجاري بها وبغيرها من جزر البحر الأبيض
المتوسط. وإذا كان سلطان الهكسوس قد امتدَّ فعلًا إلى «بابل» و«كريت»، لكان من
المعقول — بل ومن الضروري — أن نجد فيها قطعًا كثيرة من الآثار تثبت هذه
السيطرة وتؤكدها، ولكان من المنتظر كذلك أن يجد الإنسان تأثيرًا فنيًّا
بابليًّا أو كريتيًّا في هذه القطع، ولكن الواقع أنها مصرية بحتة في صورها
وصناعتها.
وهذا هو كل ما نعلمه عن ملوك الهكسوس في عهد الأسرتين الخامسة عشرة والسادسة
عشرة، أما عن ملوك مصر فإنا لا نعلم عنهم شيئًا في ذلك العهد، إلى أن ظهر على
الآثار ملوك مصريون، وهم الذين عدَّهم «مانيتون» فراعنة الأسرة السابعة عشرة،
وقد اتخذوا مدينة «طيبة» عاصمة لملكهم، وهي التي كان يحكم فيها ملوك الأسرة
الثالثة عشرة، وعلى يد ملوك هذه الأسرة بدأ النضال لطرد الغزاة من البلاد. وقبل
أن نشرح الحروب التي انتهت بهزيمة الهكسوس وإقصائهم عن البلاد جملةً، سنتكلم
ببعض الاختصار عن فراعنة هذه الفترة وما جرى في عهدهم من أحداث؛ وبخاصة لأن هذه
الفترة من تاريخ البلاد غامضة. والواقع أن تاريخ أواخر الأسرة السابعة عشرة قد
بقي مبهمًا حتى جمع الأستاذ «ونلك» شتات المعلومات الخاصة بتاريخ ملوكها،
٤٨ مما سهَّلَ علينا تفهم سير الحوادث التي أدت إلى نزع النير عن عاتق
البلاد على يد أبنائها من الفراعنة الأمجاد (انظر مصور طيبة الغربية
١).