الملك نب خبر رع-أنتف
•••
يظهر من تقرير «ورقة أبوت» أن قبر هذا الفرعون كان بوجه عام في واجهة «جبانة ذراع
أبو
النجا» في الطريق الشمالي من الجبانة، هذا إذا سلمنا بأن تقرير المفتشين كان قد عمل على
حسب ترتيب وضع القبور، وقد أثبتت الكشوف التي قام بها «مريت» في هذه الجهة أن هذا القبر
كان فعلًا في «ذراع أبو النجا».
١
أما في «ورقة أبوت» فقد جاء تقرير المفتشين عن قبره ما يأتي: «هرم الملك «نب خبر
رع»
له الحياة والسعادة والصحة، ابن الشمس «أنتف»، لقد وجد أن اللصوص كانوا جادين فعلًا في
نقبه، فقد حفروا نفقًا طوله ذراعان ونصف ذراع في جداره الخارجي، وذراع في الحجرة
الخارجية لقبر رئيس حملة قربان بيت «آمون» «شوري» المتوفى، ولم يُصَبْ قبر الملك بسوء؛
وذلك لأن اللصوص لم يتمكنوا من اقتحامه.»
٢ والواقع أن كل ما نستفيده من الوصف الذي جاء في هذا التقرير أن القبر كان
له جدار خارجي نقب فيه اللصوص نفقًا طوله حوالي متر وثلاثة سنتيمترات، دون أن يصلوا إلى
حجرة الدفن، وقد وجد أمام هذا القبر عدة قطع من مسلتين كانتا قائمتين أمامه، طول الأولى
ثلاثة أمتار ونصف متر، وطول الأخرى ثلاثة أمتار وسبعون سنتيمترًا، وقد نقش عليهما في
أربعة أسطر عمودية ألقاب الفرعون «نب خبرو رع» ابن الشمس «أنتف» لمحبوب الإله «أوزير»
«وسبد»
Sopd رب الجبال الشرقية، «أنوبيس» رب الأرض
المقدسة (تاجسرت).
والظاهر أن قبر هذا الملك كان قد وجد سليمًا عام ١٨٢٧ كما كان في عهد «رعمسيس
التاسع»، وقد نهبه رجال قرية «القرنة» المدربين على سرقة المقابر، وقد كان هذا القبر
يحتوي على حجرة واحدة وُجِد في وسطها تابوت محفور في أصل الصخر، وفي قلبه تابوت من
الخشب مذهب ومحلى بأشكال يغلب فيها رسم الريش، وقد كُتِب عليه «ملك الوجه القبلي والوجه
البحري» «أنتف» انظر الشكل
١، وتدل الآثار التي تركها هذا
الفرعون على أنه كان ذا جد ونشاط، وأن الدم المصري الخالص كان يجري في عروقه، على الرغم
مما أصاب البلاد من التمزق والكوارث التي سببها الفتح الأجنبي، وأكبر برهان على ذلك
المرسومُ الذي نقشه على مدخل بابٍ جميلٍ بناه «سنوسرت» الأول في معبد «قفط» (راجع:
Petrie, “Koptos”, Pl. VIII.) ويلوح من مضمون هذا
المرسوم أن شريفًا يُدعَى «توتي» بن «منحوتب» قد اشترك في مؤامرة مع أعداء الملك، وأن
هذا المرسوم الذي دوَّنه هذا الفرعون هو إعلان بنفي هذا الشريف عقابًا له على فعلته؛
ويحتمل أن الأعداء المشار إليهم في المرسوم هم «الهكسوس» حكام الدلتا، وربما كانوا
قبائل الصحراء الذين كانوا ينتمون إليهم، وهاك نص المرسوم كما جاء على هذا الأثر:
السنة الثانية، الشهر الثالث، اليوم الخامس والعشرون من حكم الملك «نب خبر
رع» ابن الشمس «أنتف»، الذي منح الحياة مثل إله الشمس مخلدًا؛ أمر ملكي لحامل
الخاتم أمير «قفط» المسمى «منمحات»، ولابن الملك وحاكم «قفط» «قانن»، ولحامل
الخاتم كاهن الإله «مين»، ولكاتب المعبد «نفر حتب ور»، ولكل جنود «قفط»، ولكل
موظفي المعبد: «تأملوا إن هذا المرسوم قد صدر إليكم ليجعلكم على علم بأن جلالتي
قد أرسل كاتب الخزانة المقدسة للإله «آمون»، وكذلك المسمى «سامون»، وكبير رجال
المحكمة؛ ليقوموا بتحقيق في معبد «آمون» وقد جاء من أجل ذلك موظفو معبد والدي
«آمون» إلى جلالتي بتقريرهم قائلين: إن مكروهًا يوشك أن يقع في هذا المعبد،
وذلك أن «توتي» بن «منحوتب» لعن اسمه قد تستر على العدو، فَلْيُطرَد من معبد
والدي «مين»، وَلْيُحرَم وظيفته في المعبد (هو وذريته) من ولد لولد ووارث
لوارث، وَلْيصبح طريدًا من الأرض، وَلْيُحرَم نصيبه من الخبز واللحم (الذي كان
دخل وظيفته)، وَلْيُجعَل اسمه منسيًّا في هذا المعبد، وذلك على حسب ما يستحقه
فرد مثله قد ثار وولى وجهه نحو أعداء إلهه، وَلْتُمْحَ ذكريات اسمه في معبد
«مين» وفي «الخزانة» وفي كل وثيقة أيضًا.
وأي ملك أو أي حاكم سيصفح عنه دعوت عليه أن يُحرَم التاج الأبيض، ولا يلبس
التاج الأحمر، وألا يجلس على عرش «حور» الملك الحي، وألا يفوز بعطف ربتي العقاب
والصل.
وأي حاكم أو موظف ينصح للفرعون بالعفو عنه أمسى أهله ومتاعه وأملاكه ملكًا
لوقف والدي «مين» رب «قفط»، وكذلك يجب ألا يعين في وظيفته أي فرد من أسرته، أو
أقارب والده أو والدته، بل يُعطَى حامل الخاتم والمشرف على الأملاك الفرعونية
«منمحات» وظيفته على أن يُعطَى ما يخصها من خبز ولحم، وأن يثبت ذلك كتابة في
معبد والدي «مين» رب «قفط»، وكذلك يكون ذلك (لنسله) من ولد لولد ووارث
لوارث».
على أن ما يلفت النظر في هذا المرسوم أن هذا الفرعون على ما يظهر كان يحذر ملوك
المستقبل بأنهم لن يصلوا إلى عرش الملك إذا أظهروا الرحمة مع الجاني، وذلك يوحي بأنه
في
هذا الوقت كان في مقدور الفرد أن يكون فرعونًا، وأن البلاد كانت في الواقع محكومة بملوك
صغار، كل مستقل في مملكته، ولا شك في أن عدد هؤلاء الملوك كان أقل في هذا العهد عنه في
العهد الإقطاعي الأول، يضاف إلى ذلك أن مرسوم الملك يشعر تمامًا بأنه كان في استطاعته
أن يتدخل في أمور رعاياه، وإن كان يستعمل هذا الحق لكل قوة غير أن هذه القوة على ما
يظهر كانت منحصرة في طرد المجرم وحرمانه أملاكه، وفي ذلك نرى منتهى الرقة والإنسانية
التي كان يتحلى بها المصري، إذا وازناها بالوحشية وحب سفك الدماء والغلظة التي كانت
شائعة بين الأقوام القديمة الأخرى المعاصرة.
وقد أقام هذا الفرعون مبانٍ كانت قد تهدَّمَتْ في معبد «قفط»، وقد عُثِر على عدة
ألواح من الحجر مغطاة بالرسوم والكتابة في معبد «قفط» خاصة بعهد هذا الفرعون، نرى عليها
أن هذا الفرعون يقدِّم القربان للإله «مين» والإله «حور»
٣ وإلهه، وكذلك نلاحظ أنه قد أقام مباني عظيمة في «العرابة».
٤ وقد كشف «بتري» غير عمد وأحجار منقوشة من هذا المعبد، عن لوحتين بين
خرائبه، يشاهد على إحداهما الفرعون وابنه نخت الذي كان يُلقب قائد الرماة، واقفًا أمام
صورة مهشمة للإله «أوزير»، وعلى الثانية يشاهد الملك «أنتف» وحامل خاتمه «أعح نفر» أمام
الإله.
الملكة سبكساف
أما زوج هذا الفرعون المسماة «سبكساف» فتدل الكشوف على أن مسقط رأسها «إدفو»، وهي
من أصل ملكي؛ إذ كانت تُلقَّب الزوجة الملكية العظيمة التي ترتدي التاج الأبيض
«سبكساف»، وقد دُفِنت في «إدفو» مع أتباعها، وأصلحت الملكة «أعح حتب» قبرها، وقد
عُثِر عليه ثانية، ونُهِب في الأزمان الحديثة.
٥
وعُثِر لهذه الملكة على قلادة في «إدفو» وقد كُتِب مع اسمها اسم الفرعون زوجها،
٦ وكذلك وُجِدت وسادة لرئيس خزائنها، وهي محفوظة الآن بالمتحف البريطاني.
ومن الآثار الصغيرة التي وُجِدت لهذا الفرعون رأس فهد من الخزف الأزرق،
٧ وعُثِر له على تمثال صغير يظهر فيه الفرعون منتصرًا على الآسيويين
والسود، وربما دلَّ ذلك على أنه كان في حربٍ مع الهكسوس في الدلتا، كما يشعر بذلك
مرسوم «قفط» السابق.
٨ هذا، وتوجد عدة جعارين له، جُمِع حتى الآن منها نحو ثلاثة عشر، كلها من
طراز واحد،
٩ هذا فضلًا عن خاتم أسطواني الشكل كُتِب عليه اسم هذا الفرعون ومعه آخَر
يُدعَى «واح نب رع»، وربما كان الأخير أحد صغار ملوك هذا العصر(؟).