الملك سقنن رع «تاعا» الثاني
•••
كان الفرعون «سقنن رع تاعا» الثاني من أعظم ملوك مصر وأمجدهم في تاريخ البلاد؛ إذ تدل كل الأحوال على أنه في عهده قد بدأ النضال الفعلي لطرد الهكسوس من مصر، وتخليص البلاد من النير الأجنبي الذي ظلَّ يُثقِل عاتقها حقبة طويلة من الزمن.
وقبل أن نفصِّل القول في ذلك سنتكلم عن الآثار الباقية لهذا الفرعون وأسرته.
قبر الملك «سقنن رع» (له الحياة والسعادة والصحة)، ابن الشمس «تاعا» (له الحياة والسعادة والصحة)، قد فحَصَه هذا اليوم المفتشون، ووُجِد أنه سليم.
(١) وصف تابوت الملك سقنن رع
(٢) دفن هذا الفرعون بسرعة
(٣) الملك سقنن رع يموت في ساحة القتال
أما المغامرة التي لاقى فيها الملك «سقنن رع» حتفه، فجعلته من أعظم الشخصيات المصرية بطولةً في التاريخ المصري، فتظهر من تصوير الأستاذ «إليوت سمث» قصة موته من الجروح التي في رأسه، فيقول: «إنه كان فريسة هجمة غادرة قام بها عدوان أو يزيد، فقد أُخِذ على غرة عندما كان نائمًا في فراشه، أو أنهم تسلَّلوا من خلفه وطعنوه بخنجر تحت أذنه اليسرى، فغاص الخنجر في عنقه، ولقد كانت الضربة مفاجئة فلم يَقْوَ على رفع يده ليدرأ عن نفسه ضرباتهم التي انهالت من «البلط» والسيوف والعصي على وجهه فهشمته وهو ملقًى طريحًا؛ وتدل شواهد الأحوال على أن تجهيز الجثة للدفن كان على عجل، وأن عملية التحنيط كانت بسرعةٍ فائقةٍ، فجاءت غايةً في الاختصار، ولم تعمل أية محاولة لوضع الجسم في وضعه المستقيم الطبعي؛ إذ قد تُرِك منكمشًا كما كان طريحًا وهو في حالة النزع، فكان الرأس مُلقًى إلى الخلف، ومنثنيًا نحو اليسار، ولسانه بارز من فمه يضغط عليه بأسنانه توجُّعًا وألمًا، ولم يمسح سائل مخه الذي كان يجري على جبينه بسبب الجروح التي أصابت رأسه، وكانت ساقاه منبسطتين بعض الشيء، ويداه وذراعاه منكمشتين كما كانتا عندما لفظ روحه، وقد أُزِيلت أحشاؤه من فتحةٍ عُمِلت في بطنه، وقد حُفِظ الجسم بوضع نشارة معطرة عليه وحسب، والواقع أن الجسم في حالته الراهنة يشبه مومية قبطية قد يبست وثقبها الدود.»
وقد ظنَّ «مسبرو» وتبعه في ظنه «إليوت سمث» أنه قد قُتِل بعيدًا عن «طيبة»، والمحتمل أنه مات في ساحة القتال، وأن تحنيطه في مكان القتال كان إجراءً مؤقتًا لعدم توفُّر المعدات للذين قاموا بهذه العملية في هذا المكان. أما «بتري» الذي وافَقَه الدكتور «فوكييه» في رأيه، فيزعم أن الجسم كان قد تعفَّنَ في أثناء نقله إلى «طيبة»، ولم يعتنِ به في ساحة القتال، ثم حُووِل تحنيطُه ثانيةً بعد وصوله إلى «طيبة». وترتكز نظرية قتله في ساحة القتال على ما توحي به محتويات قصة «ورقة سالييه»، التي نقرأ فيها أن «سقنن رع» كان مناهضًا لملك الهكسوس «أبو فيس»، وليس هناك ما يدعو إلى تجريح هذه النظرية.
(٤) «الملكة أعح حتب»
وعلى الرغم من أن دفن الملكة «أعح حتب» لم يحدث في عهد الأسرة السابعة عشرة كما دفنت الملكة «تيتي شري»، فإن هناك من الأسباب مع ذلك ما يدعونا للإشارة إليه هنا.
الكشف عن تابوت الملكة «أعح حتب»
نص خطاب «دفريا»
ولما أعلن المسيو «مونييه» مساعد قنصل مصر خبرَ هذا الكشفِ، أرسل إلى «مريت» نسخةً من النقوش التي على التابوت، فأمكنني منها الاهتداء إلى أن هذه كانت مومية الملكة «أعح حتب»، وعندئذٍ كتب «مريت» لإرسالها في الحال إلى متحف «بولاق» على ظهر باخرة خاصة، ولكن لسوء الحظ كان مدير الجهة (قنا) قد فتح التابوت قبل أن يصل الخطاب، ولا نعرف سبب ذلك؛ أحُبًّا في الاطِّلاع، أم حقدًا وغيظًا منه؟ ومهما يكن من أمرٍ فإني لم أرغب في أن أوجد نفسي في نعل هذا الموظف عندما يقع نظر «مريت» عليه لأول مرة. وقد حدث كالمعتاد؛ فأُلقِيت أكفان الملكة وعظمها جانبًا، واحتُفِظ بالأشياء التي دُفِنت مع المومية، وقد حصل «مريت» على قائمةٍ بمحتويات التابوت من أحد الموظفين المصريين هناك، وقد أرسل مدير «قنا» من جانبه قائمةً بتلك الأشياء للوالي، مُعلِنًا إياه أنه مُرسِلُ الأشياء مباشَرةً إلى بلاطه.
والواقع أن القائمتين كانتا شبه موحَّدتين في المحتويات، غير أن فيهما مبالغة ظاهرة في عدد الأشياء الموصوفة، وفي وزن الذهب الذي تحتويه، ولما حصلنا على أمرٍ وزاريٍّ بأن يكون لنا الحق في الاستيلاء على أي قارب يحمل آثارًا ونقلها إلى قاربنا، سرنا في النيل في باكورة يوم واحد وعشرين من مارس، ولم نكد نصل إلى «سمنود» حتى لمحنا القارب الذي كان يحمل الكنزَ الذي أُخِذ من المومية الفرعونية، يقترب منَّا، وما هي إلا نصف ساعة حتى تلاقَى القاربان، وبعدَ تبادُلِ كلمات صاخبة مصحوبة بإشارات عنيفة، هدَّدَ «مريت» أحدهم بأنه سيلقيه في الماء، وهدَّدَ الثاني بأنه سيشوي مخه، والثالث بأنه سيرسله إلى الأعمال الشاقة في السفن، والرابع بأنه سيضع حبل المشنقة في عنقه؛ وكانت نتيجة ذلك أن حَفَظَة الكنز سلَّموه مقابل صكٍّ من «مريت»، وقد كانت دهشتنا عظيمةً عندما رأينا أن الصندوق يحتوي كميةً من المجوهرات، ورموزًا ملكية وتعاويذَ، وتكاد كلها تحمل اسم «أحمس» أحد ملوك الأسرة الثامنة عشرة، في حين أن الملكة «أعح حتب» لم يُذكَر اسمها على واحدة منها، ودقة صُنْع هذه المجوهرات يفوق كلَّ الذي عُرِف حتى الآن، وهو قليل جدًّا، وعلى ما أظن لم يكن الذهب الذي تحتويه هذه التحف يزيد عن كيلوجرامين في الوزن، غير أن قطع المجوهرات كانت قد صيغت بمهارة عظيمة، ورُصِّعَتْ بأحجار صلبة وميناء ملونة.
سبب وجود آثار للملكين «كامس» و«أحمس» في تابوت الملكة «أعح حتب»
وخلافًا لهذه المجوهرات التي نُقِشت باسم الملك «أحمس»، كان معها أشياء أخرى باسم ولدها البكر «كامس»، ففي التابوت وُجِد قاربان نموذجيان بمجاديف، واحد منهما مصنوع من الذهب وعليه اسم «كامس»، والثاني من الفضة خالٍ من النقش. أما الأشياء فهي: مذبة و«بلطة» من الشبه باسم «كامس»، ويحتمل كذلك «بلط» أخرى، وحربة باسمه محفوظة الآن في إنجلترا، وقد أتَتْ من نفس الكنز، ولا نزاع في أن هذه المجوهرات عنوان واضح على التقدم الطبعي في ثروة البلاد والمهارة الفنية، التي جاءت نتيجةً لطرد الهكسوس من مصر، ولا أدل على ذلك ممَّا نشاهده من المجوهرات الخشنة الصنع التي تُعزَى لأول حكم «أحمس»، وهي التي وُجِدت على جسم الفرعون «كامس»، الذي كان في حروبٍ مستمرَّةٍ مع الهكسوس.
ومن هذا التمثال نعرف علاقة «أعح حتب» بالملك «سقنن رع»؛ إذ نجد بين الدعاء يطلب قرابين للإله «بتاح سكر» قد ذكر أسماء أفراد أسرة هذا الأمير، الذين جعلوا اسمه يعيش لأجل أن يقوم بكل عمل خيري لهم في العالم السفلي، وهؤلاء الأقارب هم والده «تاعا» الثاني، وأمه «أعح حتب» كما ذكرنا آنفًا، ثم أخته الابنة الملكية العظيمة «أحمس»، وأخته الابنة الملكية العظيمة «أحمس» الصغرى، وقد كانت على قيد الحياة.
(٥) التعرُّف على شخصية «أحمس نفرتاري»
ولا شك في أن المسائل التاريخية التي سنعالجها هنا من الصعوبة بمكان بالنسبة لهذا العصر كله، ولا بد من أن نلتمس حلها، وعلى أية حال فإن اشتراك «أحمس» و«بنبو» في طغراء واحد يذكِّرنا باسم آخَر في قائمة مقبرة «خع بخت» الخاصة بأرباب الغرب، كان يُلقَّب «الابن الملكي» «بنبو» معطي الحياة مثل «رع». وليس لدينا حلٌّ آخَر الآن لهذه المعضلة، إلا أن نرجع ﺑ «بنبو» الذي جاء في قائمة مقبرة «خع بخت» إلى عهد الملك «تاعا» الثاني، وأن نعده مؤقتًا أحدَ أولاده إلى أن نتحقَّق من شخصية كلٍّ من «أحمس» و«بنبو» اللذين ذُكِرَا على لوحة «حربو خراد»، وسنذكر هنا ما استخلصناه من الدراسة السابقة لأولاد الملك «تاعا» الثاني، و«أعح حتب» بصورة مختصرة واضحة.
-
(١)
الأمير «أحمس» الأكبر، مات صغيرًا في خلال حكم والده.
-
(٢)
الأميرة «أحمس نفرتيري» تزوَّجت من الملكين اللذين خلفا «تاعا» الثاني.
-
(٣)
الملك «كامس» تولَّى بعد والده عرشَ الملك، ومات بعد توليته بقليلٍ.
-
(٤)
الملك «أحمس» خلف أخاه وأسَّسَ الأسرة الثامنة عشرة.
-
(٥)
الأميرة «أحمس» الصغيرة.
-
(٦)
الأمير «بنبو» (؟) مات صغيرًا، ومن المحتمل أنه قضى نحبه في الوقت نفسه الذي مات فيه «أحمس» الأكبر.