بداية المناوشات مع الهكسوس
وتدل شواهد الأحوال على أن الفرعون «تاعا» الثاني الملقَّب بالشجاع هو أول ملك بدأ النزاع بينه وبين ملك الهكسوس، مما أدَّى إلى قيام البلاد كلها دفعة واحدة في وجه أولئك الغزاة، فلدينا وثيقة في هذا الصدد جاءت في صورة قصة وهي «ورقة سالييه» الأولى، وعلى الرغم من أنها تُنسَب إلى العصر الذي نكتب عنه، إلا أنها قد كُتِبت بعد وقوع حوادثها بنحو أربعمائة سنة، ومع ذلك فإنها على ما يظهر ترسم لنا صورة تاريخية عن الخلاف الذي وقع بين ملك الهكسوس المسمَّى «عاقنن رع أبو فيس» والملك «سقنن رع» الشجاع، الذي فصَّلنا القول فيما نعرف عنه فيما سبق، وظاهر الخلاف هو أن «أبو فيس» ملك الهكسوس ادَّعَى وهو في «أواريس» الواقعة في شمال الدلتا أن أصوات أفراس البحر التي تعيش في «بحيرة طيبة» تزعجه وتقضُّ مضجعه لقوتها، على الرغم من أن المسافة بين «طيبة» و«أواريس» تبلغ نحو ٥٠٠ ميل، وأنه لذلك يأمر ملك «طيبة» أن يبيد فرس البحر الذي يسكن في تلك البحيرة إن أراد أن يبقي على إرضاء الملك «سقنن رع». وهذه الورقة قد كُتِبت على أن تكون تمارين لتلميذ من تلاميذ العصر الذي كُتِبت فيه، ونهايتها وهو الجزء الهام فيها لم يتم نقله، ومن أجل ذلك كانت القصة التي وصلتنا ناقصة، ولكن إذا وازَنَّاها بقصص أخرى مماثلة لها من قصص الشرق الأدنى، كان من المحتمل جدًّا أن تدلنا نهايتها على سرعة بديهة «سقنن رع»، أو سرعة خاطر نصحائه الذين كانوا حوله، فأحسنوا الرد على ملك الهكسوس، فخلصوا بذلك ملك مصر من الورطة التي أراد أن يُوقِعَه غريمه فيها، ومن المحتمل جدًّا أن الجزء الضائع من الورقة كان يحتوي على بداية المقاومة المنظمة التي قام بها المصريون ضد الهكسوس.
متن القصة
حدث أن أرض مصر كانت في جائحة شنعاء (؟) ولم يكن للبلاد حاكم يعد ملكًا في هذا الوقت. وقد حدث أن الفرعون «سقنن رع» كان حاكمًا على المدينة الجنوبية (يعني طيبة)، ولكن كانت الجائحة الشنعاء في بلد «العامو» (الهكسوس)، وكان الأمير «أبو فيس» في «أواريس»، وكانت كل البلاد خاضعة له، وكذلك كل حاصلاتها بأكملها، وكذلك كل طيبات «تميرا» (أيْ مصر)، وقد بقي هذا اللفظ في كلمة الدمير.
وقد اتخذ الملك «أبو فيس» الإله «ستخ» ربًّا له، ولم يعبد أي إله آخَر في البلاد غير «ستخ». وقد بنى معبدًا ليكون عملًا حسنًا خالدًا بجانب قصر «أبو فيس»، وقد كان يستيقظ كل يوم ليقرب الذبائح اليومية للإله «ستخ»، وكان موظفو جلالته يحملون الأكاليل من الزهر كما كان يفعل تمامًا في معبد «رع حوراختي».
وكان الملك «أبو فيس» يرغب في خلق موضوع للنفار بينه وبين الملك «سقنن رع» أمير المدينة الجنوبية.
والآن بعد انقضاء عدة أيام على ذلك أمر الملك «أبو فيس» بإحضار … رئيسه … (عند هذه النقطة نجد المتن غير متصل لكثرة الفجوات، وقد حاول «مسبرو» أن يملأها على وجه التقريب).
(… وقال لهم (أي المستشارين): إن رغبة جلالتي في أن أرسل رسولًا إلى المدينة الجنوبية لألصق تهمةً بالملك «سقنن ربع»)، و… لم يعرفوا كيف يجيبونه، وعندئذٍ أمر بإحضار كتَّابه والحكماء من أجل ذلك، فأجابوه قائلين: «أيها الحاكم، يا سيدنا … توجد بحيرة فرس بحر (في المدينة الجنوبية …) النهر (…) وهي (فرس البحر)، لا تسمح للنوم أن يأتي لنا نهارًا ولا ليلًا؛ لأن الضجيج في أذننا، وعلى ذلك أرسِلْ جلالتك إلى أمير المدينة الجنوبية … الملك «سقنن رع»، ودَعِ الرسولَ يَقُلْ له: الملك «أبو فيس» (…) يأمرك بأن تجعل فرس البحر يترك البحيرة … وبذلك سترى جلالتك قلة أعوانه؛ لأنه لا يميل لإلهٍ في الأرض كلها إلا «آمون رع» ملك الآلهة.»
وبعد مرور عدة أيام على ذلك أرسل الملك «أبو فيس» إلى أمير المدينة الجنوبية بشأن التهمة التي قالها له كتَّابه والحكماء، ووصل رسول الملك «أبو فيس» إلى أمير المدينة الجنوبية فأخذوه إلى حضرة الأمير، فقال الواحد (الفرعون) لرسول الملك «أبو فيس»: ما رسالتك إلى المدينة الجنوبية؟ وكيف قطعتَ هذه الرحلة؟ فقال له الرسول: «لقد أرسل لك الملك «أبو فيس» يقول: مُرْ بأن يهجر فرس البحر بحيرته التي في ينبوع المدينة الجاري (المدينة هنا طيبة)؛ لأنه (أي: فرس البحر) لا يسمح للنوم أن يغشاني ليلًا أو نهارًا؛ إذ إن أصواته المزعجة في أذني.»
وعندئذٍ بقي أمير المدينة الجنوبية صامتًا، وبكى مدة طويلة، ولم يكن يعرف كيف يصوغ جوابًا لرسول الملك «أبو فيس»، فقال له أمير المدينة الجنوبية: كيف سمع سيدك عن البحيرة التي في ينبوع المدينة الجاري؟ فقال له الرسول: … الموضوع الذي من أجله قد أرسلك (؟)، وأمر أمير المدينة الجنوبية أن يقدم لرسول الملك «أبو فيس» كل الأشياء الطيبة من لحم وخبز … وقال له أمير المدينة الجنوبية: ارجع إلى الملك «أبو فيس» سيدك! … أي شيء تقول له سأفعله عندما تأتي (؟) (…) وعاد رسول الملك «أبو فيس» مسافرًا إلى المكان الذي فيه سيده.
وعندئذٍ أمر أمير المدينة الجنوبية بإحضار ضباطه العظام، وكذلك كل كبار الجند الذين كانوا عنده، وأعاد عليهم التهمةَ التي بعث بها إليه الملك «أبو فيس»، وقد ظلوا صامتين جميعًا لمدة طويلة، ولم يستطيعوا الإجابةَ بخير أو شر، وأرسل الملك «أبو فيس» إلى …
(وهنا تنقطع القصة في الورقة التي استُعمِلت بقيتها في خطابات نموذجية، وهي أسلوب إنشائي كان بلا شك في ذلك الوقت أكثر فائدةً، ولكنها ليست بذات أهمية لنا الآن؛ لأننا كنا نَوَدُّ أن نعرف نهاية القصة.)