الإشارة إلى حروب الهكسوس في المتون المصرية
وهذه المصادر الضئيلة التي لا تشفي غلة هي كل ما وصل إلينا من وثائق مدوَّنة عن تاريخ
الهكسوس السياسي حتى وقت طردهم من مصر جملة، وقد كان الفراعنة الذين جاءوا بعد هذا
الحادث الجلل في تاريخ البلاد يشيرون إليه في نقوشهم، وإلى ما لاقته البلاد من بؤس
وشقاء في عهد أولئك الغزاة القساة، فنجد على ما يظهر «تحتمس» الأول يشير إلى ذلك في
نقوشِ لوحةٍ كشف عنها في «العرابة» قال فيها: «لقد جعلتُ حدودَ مصر تمتد إلى ما تحيط
به
الشمس، ولقد هيَّأت النصر لأولئك الذين في وجل، ولقد أبعدت الشر منها، ولقد جعلت مصر
تصبح سيدة، وكل أرض أصبحت عبيدًا لها.»١ ويُلحظ في هذه العبارة أن الهكسوس لم يُذكَروا بالاسم، غير أنهم من غير
جدالٍ كانوا في ذهن المؤلف وهو يكتب هذا المتن.٢ وفي عهد الملكة «حتشبسوت» أصدرت الأوامر بحفر نقش على مدخل المعبد المنحوت
في الصخر في «بني حسن»، وهو المكان المعروف الآن عند العامة باسم «إصطبل عنتر»، وعند
اليونان باسم «سبيوس»، وسنتكلم عنه فيما بعدُ.
والجزء الخاص بالإهداء في هذا النص هو: «لقد أنجزت هذه الأشياء بتدبير قلبي، ولم
أغفل
بوصفي إنسانًا نساءة، بل لقد قويت ما تداعى، ولقد رتقت ما تمزَّق، وذلك منذ أن كان
الآسيويون في «أواريس» الشمال ومعهم قبائل حائلة بينهم، هادمين ما كان قائمًا، وقد
حكموا بدون «رع»، وإنه لم يعمل حسب الأمر الإلهي حتى عهد عظمتي.»٣
وفي الوقت الذي كان لا يخامر فيه الشك فكر أي إنسان في أن الهكسوس لم يَبْقَ لهم
أي
نفوذ فعلي مادي في البلاد بعد أوائل الأسرة الثامنة عشرة، كان لا بد من قيام أعمال حفر
واسعة النطاق إلى حدٍّ ما للاقتناع بأن الهكسوس بقوا مستوطنين في فلسطين وسوريا حتى عهد
«تحتمس» الثالث (١٤٧٩–١٤٤٧ق.م)، بل ويحتمل حتى عهد «أمنحوتب» الثاني (١٤٤٨–١٤٢٠ق.م)،
وقد كان أول مَن فطن إلى هذه الحقيقة الأستاذ «برستد»، وقد بنى استنباطه هذا على ما
لاحظه بذهنه الحاد عن أحوال بداية الأسرة الثامنة عشرة في غربي آسيا،٤ فقد رأى أن آخِر طائفة للهكسوس لم يُقْضَ عليها إلا في حروب «تحتمس»
الثالث، وقد وصل الأستاذ «زيته» كذلك إلى نفس النتيجة التي وصل إليها «برستد»، بانيًا
رأيه على لقبٍ كان يحمله كلٌّ من «تحتمس» الثالث وابنه «أمنحوتب» الثاني، وهذا اللقب
هو: «ضارب الهكسوس الذين هاجموه (حوي حقا وخاسوت بحوسو)».٥ وكذلك نجد عبارةً تشير إلى وجود هذا اللقب في عهد «أمنحوتب» الثاني على
لوحةٍ عُثِر عليها في «أمادا».٦
وسنرى فيما بعدُ إلى أي حدٍّ قد حقَّقَتِ الحفائرُ هذا الرأي.
١
راجع: Urkunden IV, p. 102; 11–15.
٢
راجع: Urkunden IV, p. 647: 12, 648:
7.
٣
راجع: J. E. A. V. p. 55, Urkunden IV. p. 390: 5–11 &
J. E. A. XXXII p. 46 etc.
٤
راجع: Breasted, “A History of Egypt”, p.
220.
٥
راجع: A. Z; XLVII, p. 86 ff.
٦
راجع: ibid p. 85.