أحمس الأول (١٥٨٠–١٥٥٨)
(١) أحمس الأول مؤسس الأسرة الثامنة عشرة
لقد كان «مانيتون» المؤرخ المصري القديم محقًّا عندما جعل «أحمس» الأول فاتحة ملوك الأسرة الثامنة عشرة، على الرغم من أنه من أسرة كانت تسيطر على جزء كبير من البلاد في عهد الأسرة السابعة عشرة؛ إذ الواقع أنه في حكم هذا الفرعون قد طُوِيت صحيفة من تاريخ البلاد سُطِّر عليها عهدُ استعباد الشعب المصري مدةَ قرنٍ ونصف من الزمان، ثم بدأ صحيفة جديدة كان أول ما خُطَّ فيها آيات بينات تحدِّثنا عن استقلال البلاد وطرد الغزاة الغاصبين من أرض الكنانة، ثم الإصلاحات التي قامت في طول البلاد وعرضها، بعد استتباب الأمن في الداخل والخارج على أُسُسٍ متينة هيَّأَتْ لمَن جاء بعده من الفراعنة الشجعان أن يؤسِّسوا دولةً متراميةَ الأطراف، تمتد من الشلال الرابع جنوبًا إلى أعالي نهر دجلة والفرات شمالًا، وتدين لها كل الأمم المجاورة ماديًّا وأدبيًّا، حتى أصبحَتْ في عهد «تحتمس» الثالث — الذي يلقِّبه مؤرخو الغرب «بنابليون» الشرق — الإمبراطوريةَ الأولى في عالم التاريخ القديم؛ وقد كانت المثل الذي احتذَتْه الإمبراطوريات الغربية العظيمة قديمها وحديثها في تأسيسِ ملكها ومدِّ سلطانها.
(٢) أعماله الحربية في الخارج والداخل
على أنه لما قفل راجعًا وجد أن بعض الثورات قد اندلع لهيبها في داخل البلاد، ولا يبعد أن الذين قاموا بتدبيرها أفرادٌ من الذين تخلفوا في البلاد من الهكسوس بعد طردهم، وهذا ليس بالحادث المستغرب؛ لأن طرد قوم بأكملهم استوطنوا البلاد مدة طويلة دفعة واحدة يُعَدُّ من الأمور الصعبة التحقيق، ولا نزاع في أن الثورتين اللتين قام بهما «آتا» ثم «تتاعان»، وكان يجري في عروقهما الدم الهكسوسي، قد هُزِم كلٌّ منهما في ثورته هزيمة منكرة، ومن ثَمَّ لم نسمع بقيام ثورات داخلية بعد ذلك.
والظاهر أنه بعد هذه الحروب لم تصادفنا حوادث خطيرة في حكم هذا الفرعون، بل تدل الأحول على أنه أخذ في تنظيم حكومة البلاد وإصلاح ما تخرَّبَ فيها خلال حرب الاستقلال، ممَّا استنفد الجزءَ الأكبر من مدة حكمه.
(٣) اللوحة التي أقامها في معبد الكرنك تخليدًا لأعماله وأعمال والدته
وهاك النص كما جاء في الأصل المصري القديم مع التعليق عليه.
وهي (١) حور — عظيم الشكل (٢) العقاب والصل = حسن الولادة (٣) حور القاهر = الضام الأرضين (٤) ملك الوجه القبلي والبحري = رب الأرضين نب بختي رع (٥) ابن الشمس = الذي يحب أحمس عاش مخلدًا (راجع تفسير الألقاب الملكية مصر القديمة جزء أول).
ثم أمر جلالته أن تنزل السفينة في النهر، واسمها «وسرحات» (تمثال آمون صاحب التمثال النصفي القوي)، وأن تكون من خشب الأرز الجديد من أحسن خشب المدرج (أي جبال لبنان) لتقوم برحلة السنة الجديدة … ولقد أقمت عمد أعلام من خشب الأرز، وكذلك السقف والأرضية، وأعطيت …
(٣-١) أهمية هذا النص من الوجهة التاريخية
هذا النص على ما يحتويه من تفاصيل دقيقة، وإشارات بعيدة إلى أمور جسام في حياة الفرعون «أحمس» الأول؛ يرى فيه المؤرخون أنه عبارات مدح تقليدية تشغل نحو ستة وعشرين سطرًا منه، وستة الأسطر الباقية تعدد إصلاحات هذا الملك التي قام بها لإعادة أثاث معبد «آمون» وأوانيه، وأن الملك لم يُشِرْ إلا إشارة عابرة مبهمة عن حروبه في خلال تلك الجمل المملة المتتابعة، ولكن الواقع أن هذه اللوحة تُعَدُّ على جانب عظيم من الأهمية من الناحية التاريخية والثقافية والأدبية في عهد هذا الفرعون؛ وبخاصة لأنها تشير من طرف خفي إلى علاقة مصر بجيرانها، وتصوِّر لنا حالة البلاد، وعلاقتها بالملك وأمه «أعح حتب»، ثم الدور التي لعبته هذه الملكة في إدارة سكان هذه البلاد؛ وقد كان أول مَن لفت النظر إلى مكانة هذه الملكة في تسيير أمور الدولة في عهد ابنها «أحمس» هو الأستاذ «إدورد مير» مما سنفصله هنا.
تبتدئ اللوحة بذكر ألقاب الفرعون الخمسة التي لا بد أن يحملها كل فرعون بعد تتويجه ملكًا على البلاد، ثم يذكر لنا «أحمس» أنه من نسل الآلهة، وأنه وارث «أوزير» والإله «رع» أول من حكم على الأرض، ونشر فيها العدالة، ثم يذكر لنا هذا الفرعون أنه أصبح ملك الملوك بعد انتصاراته على الغزاة القاهرين، حتى إن آلهتهم يقدِّمون له الحياة والسعادة، ثم يذكر لنا المتن أنه واحد في السماء، والثاني على الأرض، فهل يعني بذلك أن والدته كانت شريكته في ملك مصر؟ وبعد ذلك يقول إنه ملك الوجه القبلي في «بوتو»، و«بوتو» كانت العاصمة الدينية للوجه البحري منذ القِدَم، فهل معنى ذلك أنه بعد أن كان حاكمًا على الوجه القبلي وحده، أصبح يمتد سلطانه حتى «بوت» العاصمة الدينية للوجه البحري بعد طرد الهكسوس؟
ولا نزاع في أن هذا المعنى هو المقصود من المتن؛ إذ بعد هذه الجملة يأتي مباشَرةً أنه حاكم «تميرا»، أيْ أرض مصر كلها، ثم يستمر المتن قائلًا إنه قد استولى على ما تحيط به الشمس، وإن نصيبي «حور» و«ست» وهما الوجه القبلي والوجه البحري قد أصبحَا تحت سلطانه، وإن سكان الجنوب والشمال والشرق والغرب يأتون إليه طائعين، وإن طبقات سكان مصر الثلاث «رخيت» (العامة)، وسكان الوجه القبلي «بعت» (الأغنياء)، وبنو الإنسان (حنممت)؛ لا يعقدون الأيمان إلا باسمه، وإنهم يمدحونه، ويعظِّمونه مثلما يعظمون ويمدحون الشمس والقمر، ثم بعد ذلك تأتي فقرة لم نلحظ مثلها في النقوش الملكية قطُّ، وأعني بها ذلك الأمر الذي دعا به «أحمس» الناس للتعظيم من شأن أمه الملكة «أعح حتب»، وهي التي تحمل لقب سيدة الأرض (أي مصر)، وأميرة شواطئ «حايونبوت»، وكلمة «حايونبوت» كناية عن سكان جزر البحر الأبيض، وهي في هذه الفقرة لا بد يقصد بها جزيرة «كريت» وما جاورها من الجزر. وبعد ذلك تأتي عقود المديح التي صيغت لهذه الملكة فاستمع إليها: «اسمها رفيع الشأن في كل بلد أجنبي، فهي التي تقود الجماهير، زوجة ملك، وأخت ملك، وبنت ملك، وأم ملك، الفاخرة والحاذقة التي تهتم وتضطلع بكل شئون مصر، وهي التي جمعت جيشها، وحمت أولئك الناس، وأعادت الهاربين، وجمعت شمل الذين هاجروا، وهدأت روع الوجه القبلي (أي مملكة طيبة)، وأخضعت عصاته بوصفها الزوجة الملكية «أعح حتب» العائشة.» ففي هذه الكلمات التي فاه بها ابنها، تظهر فيها هذه الملكة بأنها هي التي أنشأت مصر الجديدة، وأنها الروح الذي أقال مصر من عثرتها، وكتب لها النجاح، يُضاف إلى ذلك أنه قد يُستنبَط من هذه الكلمات أنها لا بد كانت قد قامت بنشاط محس في خارج بلادها؛ إذ كان لا يمكنها أن تحمي الهاربين وتجمع شتاتهم إلا في البلاد الأجنبية، وكذلك كان في مقدورها أن تقود هناك جيشها إلى النصر. ومن أجل ذلك يجب أن نسلم أنها بعد وفاة زوجها «تاعا» الشجاع، أخذت في يدها مقاليد الأمور بعزم وحزم، معضدةً ابنها «كامس» المحارب الذي كان على ما يظهر لا يزال حدث السن، على أن مظهرها هذا ليس فيه ما يتناقض مع موقف «كامس». ولما تولى «أحمس»، وقد كان على ما يظهر حدث السن أيضًا، أصبحت هي الوصية الحقيقية على عرش «طيبة»؛ ولكن لا بد أنها كانت في الوقت نفسه قد عقدت أواصر المودة والصداقة بينها وبين ملك «كريت»، ومن المحتمل أنها تزوَّجَتْ منه؛ وذلك لأنه لا يمكننا تفسير عبارة «أميرة شواطئ حايونبوت» على أي وجه آخَر كما يقول «إدورد مير».
وما سبق يتضح — إذا كان التفسير الذي أوردناه مقبولًا — أن الهكسوس قد وقعوا بين مخالب مملكة «طيبة» وجزيرة «كريت» التي أصبحت حليفتها، وبهذا أصبح من السهل حصار «أواريس» والتغلُّب عليها؛ ونجد في هذه الأنشودة الملكية فضلًا عن ذلك ما يُثبِت هذا الزعم، فطبقات الشعب الثلاث تقول: «إنه سيدنا.» ويقول أهل «حايونبوت»: نحن في ركابه. والأراضين تقول: نحن ملكه. وفي استطاعة الإنسان أن يميِّز بوضوح ثلاث طوائف مختلفة؛ الرعية المصرية، وأهل «كريت» حلفاء مصر، وهم الذين يقومون لها بالمساعدة الحربية، ثم سائر العالم (أيْ سوريا وبلاد السودان)، وهي الأراضي التي يظلها سلطان مصر.
وقد كان أثر هذه العلاقة الوثيقة التي توثقت عراها بين مصر «وكريت» على جانب عظيم من الأهمية، وبخاصة في الثقافة والصناعة التي تبودلت بين أهل البلدين منذ زمن بعيد، وقد زادتها هذه الروابط الجديدة قوةً، ممَّا جعلها تنمو وتعظم في الأزمان المقبلة.
أما علاقة هذا الملك بشعبه، وما يحملونه له من رهبة وتجلة في قلوبهم، وما يحيط به نفسه من الأبهة والعظمة عند خروجه على الناس في المحافل الرسمية، فقد جاء وصف كل ذلك في قطعة رائعة ربما تذكِّرنا بعهد ملوك الدولة العباسية، وما كانت تُوصَف به مواكبهم، وكذلك ينطبق على سلاطين المماليك، وما كانوا يحيطون به أنفسهم من مظاهر الملك الرائعة، فاستمع إلى هذه الفقرة التي لم نجد لها مثيلًا في النقوش المصرية التي طبقت هذا العصر، ولم نقرأ ما يشابهها في العصور التي تلت: «ويطلع الملك وحاشيته كأنه القمر في وسط النجوم، ويسير في رفقٍ وبخطًى وئيدة، وبقدم ثابتة، ونعل ينطبع على الثرى أثره، ويرفرف عليه بهاء «رع»، ويحميه «آمون» والده الفاخر، مفسحًا له الطريق، والقطران يقولان: حقًّا إنَّا نراه، وحبه يغمر كل إنسان، وتنبهر العينان لرؤية هذا الملك، والقلوب تخفق له، وتنظر إليه كأنه «رع» عند إشراقه … إلخ.»
(٤) إصلاحات أحمس
ولا عجب في أن نرى «أحمس» يصف نفسه بهذه الأوصاف، ويجعل قومه المدينين له يردِّدونها بصوتٍ عالٍ، فهو جدير بكل مراسيم الاحترام، وآيات الحب والإعظام؛ لأنه هو الذي خلَّصَ البلاد من ربق العبودية الأجنبية.
ثم نرى بعد ذلك «أحمس» يوجِّه عنايته نحو إصلاح ما أفسده الدهر من آثار إلهه العظيم «آمون»، الذي كان بزعمه قد هيَّأَ له النصر على الأعداء، هذا فضلًا عن أنه كان إله الدولة، وحامي حماها، فأمر بصنع أوانٍ جديدة لمعبده «بالكرنك»، معظمها من خالص النضار والفضة، والأحجار الغالية على يد مَهَرَة الصنَّاع، ومن أوصاف تلك الأواني وحدها يمكننا أن نعرف ما وصل إليه الفن المصري من الدقة والإتقان، وحسن الذوق في زمنه، ولا بد من أن الذهب كان يوجد بكثرة في مصر الآن، وبخاصة بعد أن أخضع بلاد النوبة التي كانت أكبر مصدر لهذا المعدن الكريم، وكذلك نجد أن هذا الفرعون قد صنع سفينة الإله «آمون» التي كانت تجري في النيل بين «الكرنك» و«الأقصر»، تحمل تمثالَ الإله في عيد رأس السنة من خشب الأرز الجديد. وفي وصف هذا الخشب بالجديد فوز جديد ﻟ «أحمس» الأول؛ إذ إنه قد أحضره من الجبال الواقعة على شاطئ «لبنان»؛ ممَّا يبرهن على أن هذه الجهات قد أصبحت في قبضة يده، كما يدل على ذلك النص المصري.
(٤-١) مبانيه
والظاهر أن هذا الفرعون كان في الوقت الذي أمر فيه بصنع الأواني والحلي الخاصة بمعبد «آمون»؛ كان قد بدأ يحوِّل عنايته لإعادة بناء المعابد الهامة في عاصمة الملك، على أن بقاء عاصمة البلاد وأهم مركز ديني بدون إصلاح ما خرب منها، لَأكبر دليل على ما كانت تحتاج إليه البلاد من تنمية الثروة الضرورية لنهوض البلاد من كبوتها المادية الطويلة الأمد، قبل أن يهتم مليكها بإنشاء الكماليات، وما تطمح إليه نفسه، وقد كان ذلك يحتاج إلى نهوض جيل جديد يجري في عروقه دم الحرية، تنتعش به البلاد ممَّا حلَّ بها من خراب واضطهاد.
السنة الثانية والعشرون من حكم الفرعون «أحمس» بن «رع» معطي الحياة. هذه الحجرات الخاصة بقطع الأحجار قد فُتِحت من جديد، واستُخرِج الحجر الجيري الأبيض الجميل من عيان (اسم الإقليم القديم) لبناء معابده التي ستبقى ملايين السنين، وهما معبد «بتاح» في «منف» ومعبد «آمون» في «الأقصر»، ولكل الآثار التي يقيمها جلالته له (أيْ لآمون)، وقد جرت الأحجار بالثيران التي غنمها جلالته في انتصاراته على «الفنخو».
(٤-٢) الملكة نفرتاري
ومن المدهش أن هذه الملكة كانت تُقدَّس أكثرَ من زوجها، وقد بقي تقديسها على مر السنين أكثرَ من أي ملك آخَر، فقد وُجِدت آثارٌ تدل على ذلك حتى عهد الأسرة الواحدة والعشرين.
ويمكن الإنسان أن يقول: إنها عند مماتها كانت امرأة طاعنة في السن هزيلة الجسم تكاد تكون صلعاء، وقد غطَّتْ هذا الصلع بجدائل من الشعر المستعار، ولا بد أن نلفت النظر هنا إلى أنها كانت أكبر من أخيها «أحمس» بسنين عدة، وقد لفظت النفس الأخير في عهد ابنها «أمنحوتب الأول».
(٤-٣) اللوحة التي أقامها في العرابة للملكة تيتي شري
والآن اتفق أن جلالة ملك الوجه القبلي والوجه البحري «سنب بحتي رع» ابن الشمس «أحمس» كان جالسًا في قاعة الاستقبال (في القصر)، في حين كانت الأميرة الوراثية صاحبة الحظوة العظيمة والرقة الفائقة، بنت الملك، وأخت الملك، والزوجة المقدسة، والزوجة العظيمة «أحمس نفرتاري»؛ كانت مع جلالته، وكان الأول يتكلَّم للأخرى باحثين عمَّا فيه صلاح أولئك الذين هنالك (الأموات)، ويتكلمان عن تقديم القربان، وتقريب الضحايا على المذبح، وتزيين اللوحة الجنازية التي سيشرع في عملها في عيد أول يوم من كل فصل، وفي العيد الشهري لأول الشهر، وفي عيد خروج الكاهن «سم»، وعيد ليلة التضحية، اليوم الخامس من الشهر، وفي عيد اليوم السادس من الشهر، وفي عيد «حكرو»، وفي عيد «واج» (عيد الخمر)، وفي عيد الإله «تحوت»، وفي عيد بداية كل فصل في السماء والأرض؛ وعندئذٍ قالت له أخته إجابةً على ما قال: لماذا قد ذكرتَ هذه الأشياء؟ فقال لها الملك نفسه: إني قد كنتُ أفكِّر في والدة والدتي بنفسي (وهي التي كانت كذلك) والدة والدي، الزوجة الملكية العظيمة، والدة الملك الراحلة «تيتي شري».
وعلى الرغم من أن قبرها وضريحها موجودان في هذا الوقت على أرض طيبة والعرابة على التولي، فإني مع ذلك قلتُ لك ذلك لأن جلالتي يرغب في إقامة هرم لها ومحراب في جبانة «العرابة المدفونة» بمثابة أثرٍ لها من جلالتي، فبحيرته المقدسة ستكرى، وتُغرَس الأشجار حولها، ويُؤسَّس قربانه، ويمد بالرجال الذين تحبس عليهم الأراضي المجهزة بالماشية، وسيكون له كهنة جنازيون ومرتلون، كلُّ واحد منهم يعرف واجباته، وعلى إثر نُطْقِ جلالته بهذه الكلمات أُقِيمت هذه المباني على وجه السرعة، وقد فعل ذلك جلالته لأنه كان يحبها أكثر من أي شيء، على أنه لم يفعل ملوك سبقوه مثل ذلك لأمهاتهم، وعندما تمَّتِ المباني جاء جلالته ومدَّ ذراعه، وحنى رأسه (إجلالًا)، ونطق لها بصيغة دعاء القربان الملكي، وقدَّمَ قربانًا للإله «جب» (إله الأرض) ولتاسوع الآلهة العظام، ولتاسوع الآلهة الصغار، وللإله «أنوبيس» في محرابه المقدس، ومقدمًا آلافًا من القربان من الخبز والجعة والثيران، والإوز والماشية إلى روحها … (بقية النقش قد فُقِد.)
(٤-٤) الكشف عن الآثار التي ذُكِرت على هذه اللوحة
(٥) أسرة أحمس الأول
(٦) بعض آثار هذا الفرعون
(٧) مومية أحمس الأول
وتدل مومية هذا الفرعون الذي تدين له مصر بتحريرها النهائي من ربق عبودية الهكسوس، وبتأسيس أسرة تُعَدُّ من أشهر أسر العالم إن لم تكن أعظمها، مما جعله من أعظم ملوك التاريخ المصري، على أنه مات في ربيع العمر بين الأربعين والخمسين، وكذلك نستنبط من موميته التي وُجِدت بين الموميات التي عُثِر عليها في خبيئة الدير البحري، أنها لرجل قوي الجسم عظيم المنكبين عريضهما، طوله نحو خمسة أقدام، وست بوصات، أسود الشهر مجعده، له ثنايا بارزة بعض الشيء، وتلك من مميزات الأسرة، وقد طوَّق جيده إكليل من الأزهار.
(٨) الأميرة أحمس حنت تمحو والدة حتشبسوت
وبالإضافة إلى زوجته الأولى تزوَّج من نساء عدة، نذكر منهن غير ما ذكرناه آنفًا الأميرة «أنحابي» التي وضعت له ابنةً أطلق عليها الأميرة «أحمس حنت تمحو»، وهي التي يقال إنها أنجبت له من «تحتمس» الأول حتشبسوت الذائعة الصيت، ومن ثَمَّ نرى أن «أحمس الأول» لم يكن مؤسس الأسرة الثامنة عشرة فقط، بل كان له نصيب وافر في أنه أنجب لهذه الأسرة بعض أفرادها المشهورين.
(٩) عبادة أحمس الأوَّل
وهذه اللوحة أقامها كاهن مطهر للإله «أوزير» ويُدعَى «موسى»، ويُشاهَد في أعلاها صورة السفينة المقدسة يحملها ثمانية من الكهنة، وفي وسطها محراب للإله «أحمس الأول»، وأمامه صورة الملكة «نفرتيتي» تلوح بكلتا يديها صاجتين، ويرى أمام السفينة الكاهن «موسى» يتضرع للإله «أحمس» ليحكم في صالح ابنه «باسر».
كان «باسر» بن «موس» يملك حقلًا ادَّعى بعض الأهالي ملكيته (على ما يظهر)، وقد كان يظن أن «باسر» لا بد أن يرفع للإله أوزير وكهنته ظلامته؛ إذ إنه هو الإله الأعظم في تلك المنطقة، غير أنه رفعها إلى الملك «أحمس الأول» الذي كان على ما يظهر على جانب عظيم من القداسة بوصفه مؤسس الأسرة الثامنة عشرة، والظاهر أن الحكم في هذه القضية قد صدر بحركةٍ قام بها حامل المركب المقدسة التي كانت تحتوي محراب تمثال الإله؛ وهذه الحركة كانت إما بلفته نحو صاحب الحق، وإما بإشارة من التمثال نفسه، وفي كلتا الحالتين كان هذا من عمل الكهنة أنفسهم؛ وهذا هو نفس ما نشاهده اليوم عندما يحمل جثمان أحد المشايخ، فإننا نشاهد الحملة يُحدِثون مثل هذه الحركات المصطنعة، فيقفون طويلًا أو يلتفتون نحو مكان خاص، ويفسرون ذلك بأنه كان مرتاد الشيخ، ومن الأماكن المحببة إليه، وأظن أن مثل هذه الحركات تأتي من إيحاء نفسي يصوِّره الخيال والشعور بالرهبة والخوف، فيتمثَّل حقيقةً في أذهان الحملة، وقد يكون ذلك كله محض تمويه واختلاق يدفع إليه الرشوة أو المحاباة.
(١٠) رجال الدولة والحياة الاجتماعية في عهد أحمس الأول
(١٠-١) مقدمة
عندما يفحص المؤرخ تاريخَ مصر في أي عصر من عصورها القديمة، تعترضه صعوبةً لا يمكن التغلُّب عليها إلا بعد بحوث طويلة قد لا تُجدِي في النهاية، وبخاصة عندما يريد إبراز شخصية فرعون من آثاره التي تركها لنا؛ حقًّا يمكننا أن نعرف طراز الفرعون الخاص، أما إبراز شخصيته وبيان الناحية التي ظهر فيها فذًّا ممتازًا، فذلك لا يتسنى لنا إلا في حالات قليلة جدًّا؛ لأنَّا نرى كل فرعون يحدِّثنا في آثاره عن فتوحه في الخارج، وما قام به من مبانٍ وأعمال ضخمة في داخل مملكته، في جمل وعبارات ومناظر تقليدية ثابتة تناقلتها الملوك منذ فجر ظهور الوثائق المدوَّنة، مثل منظر ضرب الفرعون المظفر أعداءه بصولجانه، وقد وجدناه للمرة الأولى على لوحة «نعرمر»، وقد بقي هذا المنظر ينتحله كل ملك بعده حتى العهد الروماني، وهذه التقاليد ثابتة في المناظر الملكية. هذا ونجد مثل ذلك في النقوش التي من هذا الصنف، فكانت متبعة عن قصد؛ لأن كل فرعون يرغب في أن يظهر أمام العالم بأنه هو الملك المؤله التقليدي، وكان لذلك تأثيره السيئ على فهمنا تاريخ أولئك الملوك. ولما كانت العادات تحتم أن يُوصَف الفرعون أو يُمثَّل وهو يقوم بعمل خاص، فإن كل فرعون كان يرغب في اتِّبَاع هذا التقليد دون مراعاةٍ للصدق في القول أو العمل؛ ففي عهد الأسرة الثامنة عشر مثلًا كان من مفاخر الملوك أن يسيروا على رأس جيوشهم، ويقهروا بلاد آسيا ويعودوا منها بالغنائم، وقد ذكر لنا «أمنحتب الثالث» وكذلك «توت عنخ آمون» أنهما ذهبا إلى بلاد آسيا وقهرَا الأعداء، والواقع أنهما لم يذهَبَا قطُّ إلى هذه الجهات للغزو والفتح كما تحدِّثنا الآثار صراحةً عن ذلك كما سيأتي بعدُ.
وكذلك نعلم أن «تحتمس الرابع» قد سار على رأس جيشه وهزم السوريين، وخلَّدَ انتصاراته برسم إحدى المواقع على ظهر عربته التي عُثِر عليهما في قبره، وقد أراد «توت عنخ آمون» أن يظهر هو من ناحيته بدور الفاتح، فترك لنا رسمَ موقعةٍ حربيةٍ على جدران أحد الصناديق التي وُجِدت في قبره، وهو كما نعلم لم يذهب قطُّ إلى ساحة القتال؛ كل ذلك يجعلنا نشك كثيرًا في القيمة التاريخية للمناظر التي تركها لنا أولئك الملوك.
حقًّا في استطاعتنا أن نستخلص بعض حقائق تاريخية من النقوش الملكية في كثيرٍ من الأحوال، على الرغم ممَّا فيها من مبالغات، ولكن إذا أردنا أن نعلم شيئًا عن الحالات الاجتماعية المعاصرة لكل فرعون، أو نختلس نظرات سانحة عن شخصيات أولئك الفراعنة وشعوبهم؛ فعلينا أن نوجه عنايتنا وكل اهتمامنا إلى النقوش التي تركها لنا كبار رجال الدولة الذين كانوا يقومون بالأعمال الحكومية في عهد كل ملك، ويتعاملون مع أفراد الشعب من كل الطبقات؛ فالواقع أن الموظف المصري منذ عهد الدولة القديمة كان شخصًا مغرمًا بالتحدُّث عن نفسه؛ إذ كان دائمًا حريصًا على أن يذكر لخلفه كلَّ ما قام به من أعمال جليلة، وما ناله من شرف وفخار على يد سيده الفرعون مدة خدمته له، ولا شك في أننا مدينون لمثل أولئك الأفراد وما دوَّنوه على جدران مقابرهم، بجزء كبير من تاريخ البلاد الحقيقي، أيْ تاريخ البلاد الاجتماعي؛ فإن الموظف عندما كان يعدِّد لنا ما ناله من مِنَح وشرف على يد مليكه، يذكر لنا لمحات هامة عن أعمال سيده وعلاقته بشعبه، بل أحيانًا تسعدنا المقادير فنجد بعض المناظر في قبور علية القوم، يظهر فيها الفرعون وأفراد أسرته؛ فمثلًا يدين التاريخ لما دُوِّن على مقابر رجال عهد «أخناتون» في معرفة عصر الانقلاب الديني الذي قام في عهده، وأكثر من ذلك النقوش التي تركها لنا كلٌّ من «أحمس بن أبانا» و«أحمس بننخبت» اللذين عاصَرا أوائل ملوك الأسرة الثامنة عشرة، فهي تُعَدُّ حتى الآن مصدرنا الوحيد عن الحروب التي شنَّها «أحمس الأول»، ومن بعده «أمنحتب الأول» و«تحتمس الأول» لطرد الهكسوس من مصر؛ هذا فضلًا عن أن المقابر التي بقيت محفوظةً بعض الشيء من عهد الأسرة الثامنة عشرة، قد وُجِد على جدرانها مناظر عدَّة تكشف لنا الغطاءَ عن حياة القوم الاجتماعية والدينية والسياسية معًا.
ومُمَّا يُؤسَف له جد الأسف أن عهد باكورة الأسرة الثامنة عشرة كان فقيرًا في المقابر الشعبية المؤرَّخة التي تحتوي على مناظر ونقوش، ممَّا نحتاج إليه في كشف النقاب عن أحوال البلاد الداخلية وأحوال معيشة أهلها وعاداتهم، وبخاصة أخلاقهم.
على أننا مع ذلك عندما نفحص تاريخ موظفي هذا العصر وألقابهم الرسمية، نرى بعض الضوء على كثير من النقط الغامضة في تاريخ البلاد، وبخاصة من الوجهة الإدارية والدينية.
فمنذ عهد «أحمس الأول» نجد أن الألقاب الدينية المحضة قد أخذت تفسح الطريق لغيرها من الألقاب الحربية والإدارية الجديدة، على أننا نجد مع ذلك أن الفرد الواحد كان يشغل عدة وظائف في آنٍ واحد، ولا بد من أن نشير هنا إلى أن الأفراد الذين كانوا يحملون هذه الألقاب معظمهم من عامة الشعب، الذين كوَّنوا أنفسهم بأنفسهم في تلك الفترة التي اختفى فيها كلُّ الأمراء الوراثيين الذين قد قُضِي عليهم منذ نهاية الأسرة الثامنة عشرة.
وقد كان من أول نتائج توسيعِ رقعة البلاد ومدِّ حدودها في الجنوب، أنْ عيَّنَ الفرعون نائبًا له في السودان كما فصَّلنا القول في ذلك، وكذلك كان من جرَّاء ظهور «طيبة» واتخاذها عاصمةً للملك بوصفها مقرَّ الإله «آمون»، أنْ عُيِّن لها حاكم خاص أُطلِق عليه لقب «عمدة المدينة الجنوبية»، كما أصبح للإله «آمون» أملاك خاصة وموظفون مختصون بإدارة شئون أملاكه التي كانت وقفًا عليه في آسيا وبلاد النوبة، وقد أصبح اسمه يُقرَن بهذه الوظائف مثل «مدير مخازن غلال الإله آمون»، كما كان يُقرَن اسم الفرعون باسم كل إدارة من إدارات مملكته.
والواقع أن المرأة المصرية، لم تكن محجوبة عن الأنظار كما هي العادة في التقاليد الشرقية، بل كانت الملكة والفلاحة على السواء تظهر كلتاهما في المجتمع منذ الدولة القديمة، ولكن ظهور المرأة في المجتمع الراقي قد ازداد زيادة محسة في عهد الدولة الحديثة، وبخاصة لتمسُّك القوم بتقاليد وراثة الملك، وما كان للمرأة من نصيب في حكم البلاد، فكان للملكة حاشيتها الخاصة وأملاكها وموظفوها، وقد عظم سلطان الملكات حتى كُنَّ يعيِّنَّ أصحابَ الحظوة عندهن في أعلى مناصب الدولة، وكذلك أخذ الفراعنة يتخذون لأنفسهم وصيفات وخليلات ومربيات ومرضعات لأولادهن، وقد نتج عن ذلك أن كلَّ مَن اتصل بأولئك النسوة عن طريق النسب أو المصاهرة، يمنح أعظم الوظائف في الدولة كما سنشرح ذلك في حينه.
ولما جُلِبت الخيلُ إلى مصر في تلك الفترة، وأُنشِئ أسطول بحري للبلاد، خُلِقت وظائف جديدة لم تكن معروفةً من قبلُ بطبيعة الحال، هذا فضلًا عن أن علاقات مصر بما جاورها من البلاد قد أوجَدَ في البلاط الفرعوني جوًّا جديدًا وحياة جديدة، دعَتْ إلى إنشاء وظائف عدة لم يُسمَع بمثلها في عهد الدولة المصرية السابقة.
والآن سنحاول هنا فحص ألقاب أهم الموظفين في عهد الأسرة الثامنة عشرة، وما تركه كلٌّ منهم من آثار هامة يمكن أن تكشف لنا عن بعض نواحي حياة القوم في خلال هذه الأسرة، وسنتناول فحص آثار كل موظف وتاريخ حياته الحكومية في عهد الملك أو الملوك الذين عاصَرَهم، وبخاصة من الناحية الاجتماعية بقدر ما تسمح به الأحوال.
(١٠-٢) أحمس بن أبانا
كان «أحمس بن أبانا» في نظر المؤرخين المحدثين أهمَّ شخصية بين موظفي عهد «أحمس الأول»، وقد كان يحمل الألقاب التالية: (١) رئيس بحارة الفرعون. (٢) ورئيس بحارة ملك الوجه القبلي والوجه البحري الملك «زسر كارع» (أمنحوتب الأول). (٣) وحاجب الملك. على أن ألقابه لا يمكن أن نستخلص منها كثيرًا عن حياته، ولكنه ترك لنا على جدرانَ قبرِه في «الكاب» ترجمةَ حياته التي يحدِّثنا فيها عن شجاعته، وما ناله من فخار وترف، ولحسن الحظ قد قصَّ علينا فيها تاريخ الحروب التي شنَّها الفرعون «أحمس» على الهكسوس، وكانت نتيجتها طردهم من البلاد، وهذه الوثيقة تُعَدُّ مصدرنا الهام عن حرب الخلاص كما سبق شرحه؛ والمناظرُ التي تركها لنا على جدران قبره قليلةٌ فقد حُطم معظمها، وما بقي منها يقدِّم لنا معلوماتٍ ضئيلةً عن أسرته، فنرى من بينهم أحدَ أحفاده المسمَّى «جر إري»، الذي كان يحمل لقب «رسام آمون»، وقد مثل واقفًا أمام والده، كما نشاهد حفيدًا آخَر يُدعَى «باحري» ويشغل وظيفة «رسام آمون»، وقد نُقِش منظره واقفًا أمام جده «أحمس بن أبانا» وزوجه يرتل صيغة القربان.
وقد مثل «أحمس أبانا» وزوجه جالسين معًا، وتحت كرسيهما قرد أليف يأكل من سلة فاكهة، وقد كان يقلد في ذلك «أحمس» الذي كان يمدُّ يده ليأخذ بعض الطعام من مائدة قربان أمامه، غير أن هذه المائدة لم تُصوَّر على الجدار، ولكن النقوش تدل على وجودها، وهذا يعني أن المفتن لم يتم رسم المنظر.
(١٠-٣) أحمس بِننخبت
وكذلك ظهر في بلدة «الكاب» جندي آخر في هذه الآونة يُسمَّى «أحمس بننخبت»، وكان يحمل لقب «محارب الفرعون»، ولقب «حامل الخاتم»، و«حامل خاتم الوجه البحري»، وهذا اللقب الأخير يرجع تاريخ استعماله إلى الدولة القديمة. هذا، إلى أنه كان يحمل ألقاب الشرف القديمة الآتية: «الأمير الوراثي والحاكم والسمير الوحيد»، وقد كانت في الأزمان القديمة ألقابًا تحمل معناه الحقيقي، غير أنها أصبحت في ذلك العهد تُمنَح مثل ألقاب الشرف والأوسمة الحالية. وقد لعب «أحمس بننخبت» مثل «أحمس بن أبانا» دورًا هامًّا في حروب الهكسوس، وقد ترك لنا تاريخ حياته على جدران قبره في «الكاب»، وقد بلغ من العمر أرذله؛ إذ امتَدَّ به الأجل حتى عهد «تحتمس الثالث» والملكة «حتشبسوت»، وقد كانت آخِر وظيفة شغلها هي (مربي الأميرة «نفرو رع» ابنة «حتشبسوت») كما ذكرنا ذلك.
(١٠-٤) «سني»
(١٠-٥) نفر برت
ومن رجال هذا العصر «نفر برت» الذي كان يُلقَّب «مدير الخزانة» إلخ كما أسلفنا.
(١٠-٦) عاباو
(١٠-٧) باكا
(١٠-٨) إيوف
(١٠-٩) حري
غير أننا لا نعرف عن هذا الموظف غير لقبه هذا، ولم يَبْقَ لنا من رسوم قبره إلا منظر وليمة، وقد بقي يشغل وظيفته هذه حتى عهد «أمنحتوب الأول».
(١٠-١٠) تتي كي
ومن كبار الموظفين في عهد «أحمس الأول» عمدة المدينة الجنوبية «طيبة» المسمَّى «تتي كي»، وكان يُلقَّب كذلك «ابن الملك»، غير أن هذا اللقب هنا لا يعني أنه كان نائب الفرعون في بلاد كوش، كما لا يعني أنه هو ابن الفرعون نسبًا؛ لأن والده كان مجرد موظف يُلقَّب «بالمشرف على متنزه الفرعون»، وكانت أمه تُدعَى «ربة البيت»، وهو لقب يطلق على كل زوجة عادية، وعلى ذلك فهذا اللقب كان مجرد لقب فخري أعطيه «تتي كي» وحسب.
أهمية مناظر قبر تتي كي
- منظر الوليمة: أما الجزء الأعلى من الجدار الغربي فنشاهد فيه «تتي كي» يقدِّم قربانًا، ويحرق بخورًا للإله «أوزير»، وخلفه شخصٌ يُدعَى «سورس» يُلقَّب بالمحارب يضحِّي بغزالة، وفي أسفل يُشاهَد والدا «تتي كي» وهو يقدِّم لهما قربانًا (Ibid, Pl. III)، وعلى الجدار الشمالي نرى منظر وليمة، وقد جلس فيها «تتي كي» وزوجه «سنب» في مقصورة ترتكز على عمد على هيئة سيقان البشنين، وتحت مقعدهما جلس كلبهما المسمى «عزا»، وأمامهما الضيفان نساء وعذارى؛ ويلحظ أن أحد الضيفان قد غالى في التمتع بالوليمة أكثر مما يجب، وأفرط في معاقرة الشراب حتى غلب عليه القيء، فنراه في هذه الحالة وإحدى السيدات تقدِّم له بشفقة إناء يفرغ فيه ما زاد على جوفه (Ibid, Pl. IV)، على أن منظر القيء الذي كان يحدث لأولئك الذين يفرطون في المأكل والمشرب في الولائم يُرى هنا للمرة الأولى في عهد الدولة الحديثة على ما يُظن، ولم يكن هذا يقتصر على الرجال، بل تعدَّاهم إلى السيدات، فنراهن وقد أخذت منهن الخمر المصرية اللذيذة كلَّ مأخذ يَقِئْنَ من شدة الإفراط.
- الإشراف على الحصاد: ومن المناظر الطريفة التي أخذت تظهر منذ هذا العهد، المنظرُ الذي مُثِّل فيه «تتي كي» وزوجه وهما جالسان تحت شجرة يشرفان على آخِر مرحلة للحصاد في حقلهما، فنرى أمام «تتي كي» رجالًا وبناتًا يذرون الحبوب التي كانت تُوضَع بعد ذلك في حقائب، وتُحمَل على ظهور الحمير، وقد خارت قوى حمار ناء بحمله، وبعد ذلك تُجمَع الحبوب حتى تصير كومة كبيرة حيث تُكال ويدون مقدارها كاتب جلس فوق كومة القمح، وهذه المناظر كانت مستعملة في الرسوم بطبيعة الحال منذ الدولة القديمة، ولا تزال تُشاهد حتى الآن في ريف مصر وصعيدها.
-
الاحتفال بالجنازة: أما الجدار الجنوبي فقد خُصِّص لمناظر الاحتفالات
الجنازية، وقد كان معظمها يُستعمَل منذ عهد الدولة الوسطى،
وكذلك في عهد الدولة القديمة (Ibid. Pl.
V)، ففي الجزء الأعلى نشاهد تابوتَ
المتوفى تحت عرش، وقد وضع على زحافة يجرها ثوران وثلاثة
رجال، ونشاهد مثل هذا المنظر في مقبرة «نب كاوحر» التي
كشفنا عنها في سقارة (A. S. Vol. XXXVIII.
Pl. XCVII)، وكذلك نشاهده في مقبرة
«سنفرو آني مرتف» في دهشور (De Morgan,
“Fouilles à Dahchour” Pl. XXII)، غير
أنه في كلٍّ من هذين المثالين يُرَى أن التابوت قد وُضِع
على قارب صغير بدلًا من الزحافة، وأنه كان يُجَر برجال
فقط، وقد ظهرت الثيران والزحافات في عهد الدولة الوسطى في
مقبرة «أنتف أقر» (Davies and Gardiner,
The Tomb of Antefoker, Pl. XIX,
XXI)، ونلحظ في هذا المنظر أنه يتقدم نحو
الجنازة راقصون يسمون «موو» يرقصون رقصة جنازية خاصة،
ويرجع تاريخ هذه الرقصة وممثليها إلى عهد الدولة القديمة،
وقد عُثِر عليها أول مرة في مقبرة «نب كاوحر» في
سقارة.
ومن المناظر الهامة كذلك هنا المنظر الذي نشاهد فيه مومية المتوفى موضوعة في محراب على تلٍّ من الرمال وأمامها كاهن يحرق البخور، وهذا المنظر جزء من الاحتفال بفتح الفم الذي نقرأ عنه في متون الأهرام، ونشاهده كذلك في مقابر الدولة القديمة، وسنتكلم عنه في ترجمة الوزير «رخ مي رع».
- شعيرة تكنو: وفي مناظر مقبرة «تتي كي» نشاهد كذلك منظر إقامة الشعيرة الغامضة المسماة إحضار «تكنو»، فيشاهد رجل ملفوف في عباءة إلا رأسه، على أن صفة هذه الشعيرة الحقيقية غير معروفة، والظاهر أنها تمثِّل تضحية إنسان، ويحتمل أنها تمثِّل شعيرة قديمة تنحصر في ذبح خدم ليكونوا مع سيدهم في عالم الآخرة (راجع: Gardiner, The Tomb of Amenemhet, p. 51. & 52).
- مركز المرضعة الملكية: وفي المنظر الذي مثلت فيه «أحمس نفرتاري» تتعبد للبقرة «حتحور» صورة امرأة واقفة خلف الملكة مباشرة، وقد كُتِب عليها مرضعتها «تتي حمت»، والظاهر أن هذه المرأة هي إحدى أقارب صاحب المقبرة «تتي كي»، ولا غرابة في أن نرى رسمها هنا؛ لأن مركز المرضعة الملكية على وجه عام كان له أهمية كبرى وتأثير عظيم كما سنرى بعدُ، فقد كان زوج المرضعة الملكية وأولادها يشغلون في كثيرٍ من الأحوال مناصبَ عظيمة في الدولة.
(١٠-١١) رعي
(١٠-١٢) تحوتي
ومن الموظفين الذين عاصروا «أحمس الأول» الكاهن الأكبر للإله «آمون رع» المسمى «تحوتي»، وكان يحمل كذلك لقبَ المشرف على حاملي الأختام.