(٣) اللوحة التذكارية التي أقامها بجوار «بو الهول»
وقد كُشِف حديثًا عن لوحة في الجهة الشمالية الشرقية من المكان الذي يربض فيه
تمثال «بو الهول» في عام ١٩٣٦، وقد أقامها «أمنحتب» الثاني في هذه الجهة تذكارًا
لزيارته لهذا الإله العظيم الذي كان كعبة ملوك الأسرة الثامنة عشرة ومَن بعدهم،
يحجون إليه عند توليتهم عرش الملك كما سنرى بعدُ، وقد بنى «أمنحتب» معبدًا صغيرًا
لهذه اللوحة وغيرها، وقد كُشِف عن بقاياه أيضًا، واللوحة تُعَدُّ من أعظم اللوحات
التي كُشِف عنها وأكبرها حجمًا حتى الآن؛ إذ يبلغ ارتفاعها نحو أربعة أمتار وخمسة
وعشرين سنتيمترًا، وعرضها نحو مترين وثلاثة وخمسين سنتيمترًا، وتنقسم هذه اللوحة
قسمين: القسم الأعلى مثل فيه الفرعون «أمنحتب» يتعبَّد لصورة «بو الهول»، والقسم
الأسفل يحتوي نص اللوحة الذي يُعتبَر من أهم النقوش التي كُشِف عنها حديثًا؛ إذ
يحدِّثنا عن صفحة مجيدة في تاريخ حياة هذا الفرعون وتنشئته على يد والده، كما
يقدِّم لنا معلوماتٍ هامةً عن ممارسته الرياضة، وتربيته الخيل وأساليبها، وعبادة
«بو الهول» في تلك الفترة من تاريخ البلاد.
(٣-١) معلوماتنا عن «أمنحتب الثاني» قبل كشف هذه اللوحة في صغر سنه
غرامه بالرياضة البدنية
حقًّا يدل ما وصل إلينا من الرسوم والنقوش على أن «أمنحتب» الثاني كان
رجل رياضة عظيمًا قوي العضلات، كما تدل موميته على أنه كان طويل القامة قوي
الساعد.
والواقع أن «أمنحتب» كان مولعًا بالرماية، بل كانت شغله الشاغل طوال
حياته منذ نعومة أظفاره؛ إذ في «طيبة» الغربية نجد — في القبر رقم ١٠٩ وهو
قبر «مين» عمدة مدينة «طينة»، وهو الذي حارَبَ في شبابه مع «تحتمس الثالث»
في حملاته — لمحةً طريفةً عن طفولة «أمنحتب الثاني»، فقد كان «مين» هذا
مدرِّب الأمير «أمنحتب»، فنشاهده في منظر قبره يحمل ملك المستقبل على حجره
وهو عاري الجسم، مما يدل على أنه كان لا يزال صغير السن جدًّا، عندما وكل
أمر تنشئة هذا الأمير لهذا الجندي القديم، وفي منظر آخر ممتع في نفس القبر
نشاهد هذا الجندي وهو يدرِّب «أمنحتب» على الرماية، وقد كان يرتدي وقتئذٍ
ثوبًا شفيفًا فضفاضًا، ومفوقًا سهمه نحو هدف مستطيل الشكل كان قد أصاب
الهدف فيه أربع مرات من قبلُ، وكان يقف خلفه مربيه «مين» مصحِّحًا لتلميذه
الوضع الذي يجب عليه أن يتَّخِذه لإصابة المرمى، كما تدلنا على ذلك النقوش
التي تقول: «إنه (أي: مين) قد لقن الصبي القواعد الأولى في تعليم الرماية
قائلًا: شدَّ القوس حتى أذنك، واستعمل كل قوة ذراعيك، وثبِّتِ السهم … يا
أيها الأمير «أمنحتب».» وهذا المنظر كُتِب فوقه العبارة التالية تفسيرًا
له: «الأمير «أمنحتب» يتمتع بدرس في الرماية في ساحة القصر في طيبة.»
(راجع: Davies, M. M. A. (1935), Pp.
52-53).
(٣-٢) متن لوحة (بو الهول)
أما متن لوحة «بو الهول» فينقسم بدوره قسمين: (أ) مديح الفرعون. (ب)
وأعماله.
(أ) مديح الفرعون: «يعيش «حور»،
الثور القوي، صاحب القوة العظيمة، ملك الوجه القبلي والوجه البحري، ذو
السلطان القوي، الذي ظهر ملكًا في «طيبة»، «حور» الذهبي الذي يتغلَّب
(على كل شيء) بصولجانه في كل الأراضي، ملك الوجه القبلي والوجه البحري،
«عا خبرو رع» (= عظيمة صورة رع =) ابن الشمس «أمنحتب» حاكم «هليوبوليس»
الإلهي، ابن «آمون» الذي خلفه، ونسل «حوراختي»، والبذرة الفاخرة من
الأعضاء المقدسة، ومَن برأت صورته الإلهة «نيت»، ومَن أوجده في الحياة؛
إله مصر الأزلي، لأجل أن يستولي على الملك الذي فتحه، ومَن جعله يظهر
بنفسه ملكًا على عرش الأحياء، ومَن منحه مصر تحت سلطانه، والصحراء رعية
له، ومَن نقل إليه إرثه مخلدًا، والملك إلى الأبد، ومَن أعطاه عرش
الأرض (جب) ووظيفته الإله «آتوم» الفاخرة، وملك «حور» و«ست»، ونصيب
إلهتَيِ الوجه القبلي والوجه البحري، وسيتمهما في حياة وسعادة، ومَن
وضع له بنته (ماعت) على جسمه،
١ ومَن ثبت له تاجه على رأسه، وهو الذي وطئ النوبيين تحت
نعلَيْه، وأهل الشمال ينحنون لقوته، وكل الأراضي الأجنبية تخافه، وقد
حزم له رؤساء قبائل البدو التسع، والأرضان في قبضته، وأهل مصر في وجل
منه، والآلهة يحبونه، وقد رقاه «آمون» حاكمًا على ما تحيط به عينه،
وعلى ما يضيئه قرص الشمس، ولقد استولى على مصر كلها، والأرض الجنوبية
والأرض الشمالية في كنفه، والأرض الحمراء تقدِّم له محاصيلها، في حين
أن كل أرض أجنبية تحت حمايته، وحدوده تصل إلى ما تحيطه السماء،
والأراضي في قبضته في عقدة واحدة، ولقد ظهر ملكًا على العرش العظيم
ضامًّا لنفسه الساحرين العظيمين (التاجين)، والتاجان العظيمان (بشنت)
منضمان على رأسه، وأتف (تاج رع) على جبينه، وقد زين محيَّاه بتاجَيِ
الوجه القبلي والوجه البحري، واستولى على العصابة والقبعة الزرقاء،
والريشتان العظيمتان على رأسه، والنمس «لباس الرأس» يغطي كتفيه، وعلى
ذلك ضمت تيجان «آتوم» ومنحتها صورته أي: (صورة آتوم) على حسب أوامر
الآلهة، وأعطى الإله «آمون» الإله الأزلي الذي جعله يظهر الأوامر؛
ليكون في مقدوره أن يستولي على كل الأرض متحدةً دون أن تنتقص، (أعني)
ابن الشمس أمنحتب حاكم «إيون» الإلهي، ووارث «رع»، وبذرة «آمون»
الفاخرة، والبيضة الرفيعة (الخارجة) عن الأعضاء المقدسة، الواحد النبيل
صاحب السلطة، والواحد الذي عندما خرج من الفرج كان متوَّجًا بالتاج
الأبيض، والذي غزا الأرض بوصفه ملكًا يجري في عروقه الدم المصري، وهو
الذي ليس أمامه عدو فيما ترسل عليه عين «آتوم» أشعتها، وقوة الإله
«منتو» في أعضائه، ومَن انتصاراته مثل انتصارات ابن «نوت»، وهو الذي
حكم ووحَّد نبات الجنوب مع نبات الوجه البحري (البشنين والبردي)، ومَن
أهل الجنوب وأهل الشمال في وجل منه، ومَن نصيبه هو ما يضيء عليه (رع)،
ومَن يملك ما يكتنفه المحيط العظيم، ومَن ساعد رسوله لا يقاوم في كل
أراضي «الفنخو»، ومَن لا نظير له على أعداء حور (؟)، ومَن لا يوجد
للإنسانية حامٍ (غيره)، وهو الذي يأتي إليه أهل الجنوب منحنين، وأهل
الشمال ساجدين على بطونهم، وكلهم منضمون في قبضته، وهو الذي يهشم
صولجانُه رءوسَهم كما أمر بذلك رب الآلهة «آمون رع-آتوم»، ومَن يفتح
الأراضي مظفرًا دون أن يكون له قرين في كل الأبدية.»
اعتلاؤه العرش وعلمه بفنون الحرب
والرياضة: «والآن أشرق جلالته ملكًا، وهو لا يزال
شابًّا جميلًا سليم الجسم، بعد أن ختم الثامنة عشرة من عمره على
قدمَيْه في قوة، وقد كان على علم بكل أعمال الإله «منتو»؛ إذ كان منقطع
النظير في الميدان، وكان ماهرًا في معرفة الخيل، فلم يكن له مثيل بين
أولئك الجنود الكثيرين، ولم يكن في مقدور واحدٍ منهم أن يشدَّ قوسه؛
ولا أن يناهضه في الجري على الأقدام.»
أمنحتب الثاني المجدف: «وقد كان
قوي الساعد لا يكلُّ من التجديف، واتفق أنه كان يجدف في مؤخرة سفينته
الملكية المجهزة بمائتَيْ بحَّار، وقد تركوا الشاطئ وجدفوا نحو نصف
ميل، غير أن قوتهم خارت وانحلت أعضاؤهم، ولم يكن في استطاعتهم النفس
(بعد ذلك)، ولكن جلالته كان قويًّا بمجدافه الذي كان يبلغ طوله عشرين
ذراعًا، فعاود الشاطئ ثم نزل على البر بعد أن جدف مسافة ثلاثة أميال،
وهو مضاد للتيار دون أن يتوقَّف عن العمل، وقد كان الأهلون ينظرون إليه
مُظهِرين إعجابهم بذلك العمل.»
أمنحتب الرامي: «ثم قام بالعمل
التالي: وهو أنه شد ثلاثمائة قوس قوية ممتحنًا إياها ليقرن عمل الصناع،
ليميز الخبيث من الطيب من بينهم (في الصناعة)، والآن حضر وقام ليعمل ما
هو أمام وجوهكم، فدخل في مكانه الشمالي ووجد أنه قد نصب له أربعة أهداف
من النحاس الآسيوي، سمك الواحد منها قدر كف اليد، وبين كل هدف وما بعده
عشرون ذراعًا، ثم ظهر بعد ذلك جلالته على عربته التي تجرها الجياد مثل
الإله «منتو» في شدة بأسه، وشدَّ قوسه، وقبض على أربعة سهام معًا، ثم
سار شمالًا وأطلقها مثل «منتو» في تأهبه (للقتال)، فنفذ سهمه من ظهر
الهدف، ثم رمى هدفًا آخَر، وهذا هو الشيء الذي لم يؤت مثله من قبلُ،
ولم يسمع به في القصص: إن سهمًا قد فوق على هدف من النحاس، وإنه نفذ
فيه ساقطًا على الأرض، ولكن مثل هذا العمل قد حدث على يد الملك صاحب
البأس الشديد، ومَن أعطاه الإله «آمون» القوةَ، أَلَا وهو ملك الوجه
القبلي والوجه البحري، «عا خبرو رع» الشجاع مثل «منتو».»
أمنحتب الخيَّال: «وعندما كان
أميرًا حديث السن، كان مغرمًا بجياده ينعم بها وفَرِحًا بتعهُّدها،
وكان يعرف طبائعها، كما كان ماهرًا في تدريبها متعمِّقًا في أحوالها،
ولما وصل خبر ذلك من القصر إلى سامع والده «حور» الثور القوي الذي يشرق
في «طيبة»، كان له أثر طيِّب في قلب جلالته عند سماعه، وفرح بما قيل عن
ولده البكر، وقال في قلبه: إنه هو
الذي سيكون سيد البلاد قاطبة، ولن يوجد مَن ينازله؛ لأنه يضحي بنفسه
لإحراز الشجاعة، وينعم بالنصر، وإنه لا يزال طفلًا رقيقًا، ولم يصل
بعدُ السنَّ التي يأتي فيها بعمل «منتو»، ولكن تأمَّلْ! فإنه قد تغاضى
عن شهوات الجسم، وأحَبَّ الشجاعة؛ لأن الإله هو الذي وضع في لبِّه أن
يفعل هكذا حتى يستطيع أن تصبح مصر محميةً به، وتنحني إجلالًا له
(؟).
وعندئذٍ قال جلالته (تحتمس الثالث) لمَن كان في حاشيته: «لتعط أكرم
الجياد في حظيرة جلالته التي في «منف»، وَلْيقل له: اعتنِ بها واجعلها
سلسةَ القياد، واجعلها تخبُّ في سيرها، ورضها إذا كانت جامحة.» وبعد
هذه المحادثة أخبر الابن الملكي أنه في حلٍّ من القيام بالعناية بخيل
حظيرة الفرعون، وقد قام بما عرض عليه، وكان كلٌّ من الإله «رشف»
٢ والإلهة «عشترت» مسرورين منه عندما رأياه يفعل كل شيء يحبه
قلبه، وقد ربَّى جيادًا منقطعة النظير، لا يحيق بها التعب، عندما كان
يأخذ بعنانها، وكان لا يتصبَّب عرقها حتى بعد شوط بعيد، وقد شدَّ جياده
في «منف» وهو لا يزال صبيًّا، ووقف عند محراب الإله «حورام أخت» (حر
مخيس أي: بو الهول)، وقد مكث مدةً هناك جائلًا حوله (بعربته)،
متأمِّلًا جمالَ محراب «خوفو» و«خفرع» (المبجَّلين)، وكان قلبه يتوق
لإبقاء اسمَيْهما حيًّا، وأن يضعه في قلبه، والآن كان قد اعتاد أن
يؤدِّي ما أمر به والده «رع».»
إهداء محراب الجيزة: «والآن بعد أن
تُوِّج جلالته ملكًا، واتخذ الصل مكانه على رأسه، ورمز «رع» آوى إلى
مكانه، وعندما كانت البلاد في أمان كما كانت من قبلُ في عهد سيدهم،
وحكم «عا خبرو رع» الأرضين، وكل الأرض الأجنبية خاضعة لنعلَيْه؛ عندئذٍ
تذكَّرَ جلالته المكانَ الذي تمتَّع فيه بجوار أهرام «حور أم أخت» «بو
الهول»، فأصدر الأمر بإقامة محراب هناك على أن تُنحَت لوحة من الحجر
الجيري الأبيض، يُكتَب عليها اسمه العظيم «عا خبرو رع» محبوب «حر مخيس»
معطي الحياة مخلدًا.»
(٣-٣) التعليق على هذا النص
ولا نزاع في أن نص هذه اللوحة يكشف لنا عن صفحة مجيدة في تاريخ حياة الفرعون،
بل في تاريخ الحياة المصرية من الوجهة الرياضية والحربية، ومقدار شغف الملوك
والشعب بهما، فنعلم زيادةً على المدائح والنعوت التي كان يُوصَف بها الفرعون
عادة، أن «أمنحتب الثاني» تولَّى عرش البلاد في ختام الثامنة عشرة من عمره، بعد
وفاة والده العظيم «تحتمس الثالث» مباشَرةً، ولدينا نقوش قد تدل على أنه كان
مشتركًا معه في الملك مدةً ما، لا نعرف مداها على وجه التحقيق. وقد كان أول مَن
قدر بحق عمر «أمنحتب الثاني» عند توليته عرش الملك، هو السير «فلندرز بتري»
(راجع: Petrie, “History”, II. p. 154).
ثم نجد بعد أوصاف هذا الفرعون عرضًا رائعًا لضروب أنواع الرياضة البدنية التي
حذقها هذا الفرعون وهو لا يزال يافعًا، ولا نزاع في أنها كانت بتوجيهٍ من والده
الذي كان كما سبق يجيد ضروب الرياضة ويتفوق فيها على رجال جيشه قاطبة، غير أن
«أمنحتب» قد تخطَّى والده في صنوفٍ منها، وأحرز قصب السبق في ضروبٍ لم نعرف أن
والده قد زاوَلَها، وتدلُّ الظواهر على أن «أمنحتب» الثاني لم يكن مولودًا في
«منف» عاصمة الملك الثانية وحسب، بل كذلك قد تربَّى فيها، ولا يبعد أنه كان في
أثناء اشتراكه مع والده في الحكم، قد اتخذ مقرَّ ملكه في إحدى العاصمتين، فبينا
كان «تحتمس» يسكن «طيبة»، كان «أمنحتب» ابنه قد اتخذ مقره في «منف».
ونشاهد أن بطلنا قد أخذ ينكبُّ على التمرينات الرياضية المحبَّبة إليه وإلى
والده، وقد رأى معلموه أن يدرِّبوه بإرشادٍ من والده طبعًا أولًا على الجري
أشواطًا بعيدة، حتى أصبح لا يدانيه في هذا المضمار جنديٌّ من رجال الجيش
المدرَّبين، ثم نجده قد دُرِّب على التجديف في النيل الذي كان يُعَدُّ في تلك
الأزمان أعظم طرق الموصلات والتجارة، فنراه يركب ظهر سفينة كبيرة من سفن القصر
مُعَدَّة بمائتي مجدف، وهو واقف في الخلف يقبض بيدَيْه على مجداف طوله أكثر من
عشرة أمتار (يحتمل أنه الدفة)، وتدل الأحوال على أن السير في النيل كان صعبًا
بسبب التيار، فنرى أنه بعد أن قطع المجدفون الذين كانوا بصحبته نحو نصف ميل،
خارت قواهم وتلاشت عزيمتهم، ولم يَكَدْ يرى «أمنحتب» ذلك حتى جاء لمعونتهم،
وأخذ يجدف وحده بقوة ونشاط ومثابرة لا تعرف الملل، لدرجة أنه قطع بمفرده نحو
ستة كيلومترات، ووصل بالسفينة إلى البر بصورة رائعة تسترعي النظر وتدهش
اللب.
حقًّا إن القارئ الحديث لا يكاد يصدِّق أنه كان في استطاعة بشر أن يأتي بمثل
هذا العمل الخارق لكلِّ ما هو مألوف، ولكن لا يفوته أن ملوك مصر كانوا من نسل
الآلهة، وكان لا بد لهم أن يفوقوا البشر في كل شيء يعملونه! ثم نرى هذا الأمير
الفتيَّ يعرض أمامنا صورةً أخرى من تفوُّقه في ضروب الرياضة البدنية والمهارة
اليدوية؛ فبعد أن حاز قصب السبق في مضمار التجديف، نجده يتبارى في تفويق سهامه
في الرماية، فقد كان الرماة في سالف الأزمان يكتفون برمي الهدف وإصابته، ولكنه
منذ استعمال الخيل والعربات في الصيد والحروب، كان من مستلزمات فارس العربة أن
يكون ماهرًا في الرماية وهو في عربته، ويكون قادرًا على إصابة مرماه على الرغم
من حركات الخيل وقفزها بسرعة عظيمة.
وقد أراد «أمنحتب» الثاني فضلًا عن ذلك أن يظهر فوقه في ضروب الرماية على
والده «تحتمس الثالث»، الذي كان على ما نعلم أول مَن استعمَلَ هدفًا من النحاس
بدلًا من الهدف الذي كان يُصنَع عادةً من الخشب، وقد اختار البقعةَ التي تحيط
«بمنف» على مقربةٍ من السهل الذي أُقِيم فيه الأهرام و«بو الهول»، وهذه الجهة
كانت على ما يظهر مسرحًا مختارًا للصيد والقنص.
وتحدِّثنا النقوش أن الفرعون قد بذل مجهودًا عظيمًا في العناية باختيار
السلاح الذي أراد استعماله في رمايته؛ إذ قد امتحن نحو ثلاثمائة قوس على
التعاقُب ليعجم عودها، ويعرف غثها من ثمينها، ثم انطلق بعد اختيار سهامه في
ميدان الرماية، حيث كان قد نصب له أربعة أهداف على مسافات متساوية، كل هدف منها
صُنِع من لوح من النحاس سُمْكه يساوي سُمْكَ راحة اليد، وعندئذٍ فوَّقَ سهامه
بدقةٍ وحذقٍ وقوةِ ساعِدٍ، فلم يطش منها سهم واحد، هذا فضلًا عن أن كل سهم قد
اخترق هدفه النحاسي ومرق في الجهة الأخرى هاويًا على الأرض، وبذلك فاق والده في
الرماية؛ لأن سهم الأخير على الرغم من أنه قد أصاب الهدف إلا أنه لم ينفذ كله
منه إلى الجهة الأخرى؛ إذ يقول المتن: «وقد فوَّقَ سهامه على لوحة من النحاس
بعد أن تهشَّمَتْ كل الأخشاب كأنها اليراع، وقد وضع جلالته واحدًا منها في معبد
«آمون»، وهو هدف سُمْكه ثلاث أصابع رشق فيه سهم من سهامه، وقد جعل السهم ينفذ
في الهدف مقدار ثلاثة أشبار من الجانب الآخر.»
ومن هذا نعلم أنه ضرب الرقم القياسي في الرماية، وبهذه المناسبة لا يسعنا إلا
الإعجاب بالمهارة الفنية التي قاد بها هذا الأمير عربته، وساق بها جياده وهو
يفوِّق سهامه، وقد كان «تحتمس» الثالث الذي يُنسَب إليه هذا الفضل يحسُّ حسن
مستقبل ابنه في هذا الميدان إلى أبعد حدٍّ؛ ولذلك نجده قد سلَّمه قياد أكرم
جياده التي كانت تُربَّى في الحظيرة الملكية «بمنف»، وكذلك وكل إليه أمر
تدريبها، وقد برهن «أمنحتب» من ناحيته على أنه كان خليقًا بهذه الثقة الغالية
تمامًا، فنجده قد درَّبَ جياده على كل أنواع السير، كما مرَّنها على الجري
أشواطًا بعيدة دون أن يلحقها تعب، لدرجة أنها كانت تقطع المسافات الشاسعة
عَدْوًا من غير أن يسيل عرقها. وقد ترك لنا «أمنحتب» الثاني برهانًا قاطعًا على
حُسْن عنايته وتعهُّده لخيله؛ إذ قد عثر على لوحة صغيرة من «الكرنلين» (حجر
الدم)، مُثِّل عليها هذا الفرعون وهو يقدِّم العلف لجواده بنفسه، وقد قلَّده في
ذلك «رعمسيس الثاني» كما سنرى ذلك بعدُ (راجع: Hall, “Catalogue
of Scarabs” I. p. 161, No. 164).
وفي خلال إحدى الجولات التي كان يقوم بها للرياضة في سهل «منف»، أدَّى به
المطاف إلى الوقوف في بقعة بجوار تمثال «بو الهول» العظيم (وهو الذي يمثِّل
صورةَ إله الشمس)، الذي يربض في حرم معبد «خفرع»، وقد أعجب بجمال هذا التمثال
الذي أصبح محجًّا للزوَّار من الملوك وغيرهم، وقد بقيت في نفسه ذكريات عميقة
الأثر لهذه الزيارة، ولتلك اللحظات السعيدة التي أمضاها بجواره، حتى إنه لما
اعتلى عرشَ الملك كان من أول أعماله إقامة لوحةٍ تذكارًا لتلك الزيارة،
وتبرُّكًا بهذا الإله العظيم الذي كان يُعتبَر في عصره من أعظم الآلهة المصرية،
كما أقام محرابًا لهذه اللوحة كان قبلةَ الزوَّار للملوك من أخلافه، وكعبة
تركوا لنا فيها آثارهم.
ولقد حقَّقَ «أمنحتب» فراسةَ والده في مستقبله، فبرهَنَ على أنه كان ملكًا
نشيطًا ومحاربًا لا يجد الخوفُ إلى قلبه سبيلًا، فقد ظهر منتصرًا في ساحة الوغى
أكثر من مرة على أعدائه في «آسيا» كما سنرى، على أن انهماكه في مكافحة الثائرين
في البلاد الخاضعة لمصر لم يمنعه مزاولةَ ضروب الرياضة المحبَّبة إليه في أثناء
فراغه، حتى وهو في ساحة الوغى، كما تدل على ذلك الوثائق المختلفة التي وصلتنا
حتى الآن.
(٨) آثار أمنحتب الثاني الباقية
(٨-١) في سوريا
لم يُعثَر للآن على لوحة «أمنحوتب»
٣٨ الثاني التي أقامها عند حدود ملكه الشمالي، كما لم يُعثَر على لوحة
أخرى من اللوحات التي أقامها الملوك الذين سبقوه في هذه الجهة، وكل ما عثر عليه
من آثاره في سوريا هو مقبض إناء في «تل الحسي»،
٣٩ كُتِب عليه «قصر عا خبرو رع» و«أمنحتب الثاني» (راجع:
Bliss, “A Mound of Many Cities”, p. 89; Petrie,
“Researches in Sinai”, p. 107; Gardiner and Peet, “Inscriptions of
Sinai”, Pl. IX, 206)، ووُجِد اسمه في شبه جزيرة
سينا.
(٨-٢) في الدلتا
عُثِر له في الدلتا على لوحة في «منف»، كما عُثِر له في «ميدوم» على مجموعة
جعارين، وكذلك وُجِد اسمه في مبانٍ بطوخ في مقبرة «ست ميري» (؟) (راجع:
Rec. Trav., XVI. p. 44)، والظاهر أن هذا
الفرعون قد بدأ بإقامة آثار في بلدة الإلهة «باست» ربة القوة (بوبسطه) الزقازيق
الحالية؛ إذ نجد منظرين في أحد مباني المعبد يُشاهَد فيهما الفرعون «أمنحتب
الثاني» يقدِّم قربانًا للإله «آمون»، وقد أصلح «سيتي الأول» ما أُتلِف منهما
(راجع: Naville, “Bubastis”, p. 31, Pl.
XXXV).
ولدينا نقش هام أمر بنحته هذا الفرعون في محاجر «طرة»، وهذا النقش له أهمية
عظيمة من الوجهة الدينية والوجهة التاريخية؛ ففي الجزء العلوي من اللوحة نجد
منظرًا يُشاهَد فيه الفرعون واقفًا أمام صفين من الآلهة يبلغ عددهم ثلاثة عشر
إلهًا وإلهة، والظاهر أنهم قد ذكروا بترتيب عبادتهم، كلٌّ في جهته الخاصة به من
«طيبة» حتى الدلتا الغربية، وهم: «آمون»، و«حور»، و«سبك»، و«وبوات»، و«حتحور
أطفيح»، و«باست»، و«بتاح»، و«أوزير»، و«خنتخاتي»، و«عشتارت»، و«سلكت»، و«حتحور
آمو»، والإلهة «وازيت»؛ ومن ثَمَّ نعلم أن «عشتارت» و«خنتخاتي» كانَا يُعبَدان
في أعالي الدلتا. وأسفل هذا المنظر نجد المتن التالي: «السنة الرابعة في عهد
جلالة الملك «عا خبرو رع» بن رع «أمنحتب الثاني» معطي الحياة.
لقد أمر جلالته بفتح منجم قطع الأحجار ثانيةً لاستخراج حجر عيان (الجيري
الأبيض)؛ لبناء معابده المخلدة مئات السنين، وذلك بعد أن وجد جلالته حجرات قطع
الأحجار التي في «طرة» قد بدأت تئول إلى الخراب، منذ العهد الذي كان قبله، وإن
جلالتي هو الذي جدَّدَها لأجل أن يمنح الرضا والحياة مثل «رع» مخلدًا.
وقد عملت بإشراف الأمير الوراثي، والحاكم، ومرضي الفرعون بحفظ آثاره والساهر
على معابده، والذي أقام لوحتين في بلاد «نهرين» وبلاد «كاراي»، ومدير أعمال
معابد الآلهة في الجنوب والشمال، كاتب الملك «منحتب» (؟)» (راجع:
Breasted, A. R. II. § 799-800 & Petrie
“History” II. p. 157 & A. S. XI. p. 258). ويُحتمَل
أن العمد الثلاثة المغتصبة التي عُثِر عليها في الإسكندرية هي لهذا الملك، ولا
بد أنه قد أتى بها من مباني الدلتا (راجع: Rec. Trav., VII. p.
177)، أما في مصر الوسطى فلم يُعثَر لهذا الفرعون على آثار
ذات أهمية، اللهم إلا أربعة جعارين من «غراب» (راجع: Petrie,
“Kahun” P1. XXIII; Petrie, “Illahun” Pl. XXIII)، ووُجِد
اسمه في بلدة «نوبت» (بلاص الحالية) المقابلة لمدينة «قفط» على النيل، على
تعويذة ضخمة من الفخار المطلي في المعبد (راجع: South
Kensington Museum London)، ولا بد أن هذا الفرعون قد أقام
في معبد «المدمود» بعضَ مبانٍ؛ إذ عُثِر له هناك على عمود من الجرانيت الأحمر
(راجع: Champollion, “Notices”, II, p.
291).
وكذلك وُجِد له عتب باب هناك من الجرانيت الأحمر أيضًا (راجع:
Rec. Trav. VII. p. 129).
وفي «دندرة» عُثِر له على قواعد وأوانٍ مصنوعة في صورة زهرة اللوتس من الفخار
المطلي (راجع: Petrie, “Dendereh”, Pl.
XXIII).
(٨-٣) الكرنك
أقام «أمنحتب الثاني» مقصورة في «الكرنك» كشف عن بعض بقاياها «لجران» بالقرب
من «النوبة الخامسة» (راجع: A. S., V, p. 34)،
والأحجار الباقية من هذه المقصورة رُسِم عليها منظر يُشاهَد فيه «أمنحتب
الثاني» يقود سبعين سجينًا آسيويًّا للإله «آمون»، وقد وُجِد معهم المتن
التفسيري التالي: «قائمة بتلك الأقطار التي ضرب جلالته أهلها في وديانهم، وقد
جدلوا في دمائهم … لأجل أن يعطى الحياة مخلدًا.» ويُلاحَظ أن أربعة وعشرين
سجينًا، صفوا صفين نُقِش معهم أسماء الأقاليم التي يمثلونها، ولا يزال من
المستطاع قراءة الأسماء الآتية من بينها: «رتنو العليا»، «رتنو السفلى»،
«خارو»، «قادش»، «حلب»، «ني»، «ثنو»، «قطنة».
وفي الكرنك كذلك يُنسَب لهذا الفرعون بناء غريب الشكل كما يقول «بتري»
(Petrie, “History”, II. p. 158)، فقد بنى
الجدار الشرقي الموصل للبوابتين اللتين في أقصى الجنوب، وهما البوابة العاشرة
والبوابة الحادية عشرة، وأقام البناء الغريب الشكل الذي يوجد في وسط هذا
الجدار، ولما كان هذا البناء الأخير ليس بمعبد ولا قصر، فقد ظنَّ أنه قاعة
حراسة أو مكان راحة للاحتفال أو قاعة مجلس، ويشبه هذا البناء قاعة عمد واجهتها
في الشمال الغربي، وخلفها ردهة عظيمة مؤلَّفة من عشرين عمودًا، يكتنفها من
الجهتين ثلاث حجرات متصل بعضها ببعض.
وقد أضاف «أمنحتب الثاني» على واجهة بوابة «تحتمس الأول» (وهي البوابة
التاسعة) منظرين يمثِّلان ذبحه الأعداء (راجع: L. D. III. Pl.
61; Champollion, “Notices”, II P, 183).
وكذلك نُلاحِظ أن «سيتي الثاني» قد استعمل قطعًا عدة من الأحجار عليها اسم
«أمنحتب»، عندما كان يعيد المباني التي كانت أمام محرابه المصنوع من الجرانيت،
وكذلك وُجِد له بقايا معبد جميل من المرمر الفاخر — كان قد أمر هذا الفرعون
بإقامته في معبد الكرنك — في حشو «البوابة» الثالثة التي أقامها «أمنحتب
الثالث»، وقد نشر كثيرًا من نقوشها المهندس «بلييه»، وكذلك «شفرييه» (راجع:
A. S. Vol. XXIII. (1923). Pl. VI, XXIV, (1924). Pl. I, X
& XI, Vol. XXV. (1925). Pl. I. & IV. & Vol. XXVIII.
p. 126).
وأقام هذا الفرعون عمدًا في الجزء الجنوبي من قاعة العمد التي أقامها «تحتمس
الأول»، وهي التي هدمتها «حتشبسوت» لتقيم مكانها مسلتها، وقد ترك لنا نقشًا
هامًّا على عمود من العمد التي أقامها هذا الفرعون بين البوابتين الرابعة
والخامسة، وهذا المتن يصف لنا الثراء الذي أحرزه من حروبه، وهو:
السيادة العالمية: «يعيش حور الثور
القوي، العظيم القوة، محبوب الإلهتين، عظيم الثراء، والذي خُلِق ليضيء
في «طيبة» حور الذهبي، الذي يقبض بسلطانه على كل الأراضي، الإله الطيب،
مثيل «رع»، وبذرة «آتوم» الفاخرة، ابن الذي أنجبه، والذي أوجده ليضيء
في الكرنك، وقد نصبه ليكون ملك الأحياء، وليعمل ما عمله حضرته، وهو
المنتقم له، والباحث عن الأشياء الممتازة، والعظيم المعجزات، العبقري
في المعرفة، الحكيم في التنفيذ، الماهر القلب مثل «بتاح»، ملك الملوك،
وحاكم الحكام، الشجاع المنقطع القرين، رب الرعب بين سكان البلاد
الجنوبية، والعظيم الخوف حتى نهاية الشمال، ومَن تأتي إليه البلاد كلها
منحنية، ورؤساؤهم يحملون عطاياهم، ملك الوجه القبلي والوجه البحري «عا
خبرو رع» (أمنحتب الثاني) معطي الحياة، السيد المظفر الذي يستولي على
كل أرض، ومَن عظمه «حور» لقوته، وأمراء «المتني» يأتون إليه، وجزيتهم
على ظهورهم، راجين جلالته أن يمنحهم نفس الحياة الحلو، وهذه حادثة
عظيمة لم يُسمَع بمثلها منذ زمن الآلهة، وذلك أن هذه البلاد التي لم
تعرف مصر ترجو الإله الطيب، وأنه والدي «رع» الذي يأمر أن أفعل ذلك،
وأنه هو مصور جمالي، وقد نصبني لأكون حامي بلاده لعلمه بأنني سأقدِّمها
له، وأنه قد وهبني ما معه، وما تضيء عليه عين صله، وكل الأراضي، وكل
الممالك، وكل إقليم، والدائرة العظيمة (المحيط)، وكلها تأتي إليَّ
خاضعة مثل كل فرد من رعايا جلالتي، ابن الشمس «أمنحتب الثاني»، الحاكم
المقدس لطيبة، العائش الخالد، وهو الواحد اليقظ الذي أنجبَتْه
الآلهة.»
الإهداء: «وقد عمله أثرًا لوالده
«آمون»، فأقام له الأعمدة الفاخرة لحجرة المعبد الجنوبية، مغشاة بالسام
الغزير جدًّا لتخليده، ولقد أقمتُ له أثرًا في … وكان أجمل مما سبقه،
وزدت عمَّا كان من قبلُ، ففقت ما عمله الأجداد، ولقد نصبني لأكون سيد
الشعب، وأنا لا أزال صبيًّا في المهد، ومنحني نصفي البلاد، وجعل جلالتي
يتسلم العرش، لأفعل كل جميل لوالدي، ولقد مكثت على عرشه، وأعطاني الأرض
… وليس لي أعداء في كل الأرض.»
إعداد المعبد: «وأقمتُ له قدس
أقداس من الذهب، ورقعته من الفضة، وصنعتُ له أواني عدة، وقد كانت أكثر
جمالًا من النجوم، وبيت ماليته كان يحتوي ذخائر من جزية كل إقليم،
وكانت مخازن غلاله طافحة بالحبوب النقية، مشرفة على الجدران، وأسست له
القرب الإلهية، وأصلحت أشياء من أنجبني لأجل أن يعطي «رع» «أمنحتب
الثاني» حاكم «هليوبوليس» المقدس الحياة والثبات والرضا، مثل «رع»
مخلدًا» (راجع: Breasted, A. R. II, §. 803–6;
Dumichen, “Historische Inschriftens Altagyptischer Denkmaler”;
(Leipzig, 1867), II, p. 38).
(٨-٤) معبد أمنحتب الثاني الجنازي
وقد أقام «أمنحتب» لنفسه معبدًا جنازيًّا في جبانة «شيخ عبد القرنة» بالقرب
من معبد «الرمسيوم»، وقد أعاد نظام هذا المعبد الفرعون «أمنحتب الثالث»؛ ليدفن
فيه ابنه وزوجه «ست آمون».
وقد عُثِر له على تمثال وبعض قطع من التي تُوضَع في الأساس في مكان هذا
المعبد، وقد بقي الترتيب التاريخي متَّبَعًا في إقامة المعابد الجنازية لفراعنة
هذه الأسرة، حتى بناء معبد «أمنحتب الثاني» من الشمال إلى الجنوب، وقد كان
«أمنحتب الأول» عند نهاية «ذراع أبو النجا»، ثم يأتي معبد «تحتمس الأول»
فالثاني، وقد أُقِيمَا في الدير البحري، ثم «تحتمس الثالث» و«أمنحتب الثاني»
و«تحتمس الرابع» و«أمنحتب الثالث»، وكلها يتبع بعضها بعضًا في سلسلة منظمة
متجهة نحو الجنوب حتى «كوم الحيطان» (راجع: L. D. III, Pl. 62.
& Petrie, “Six Temples at Thebes 1896”, Pl. XXIII)،
وقد عُثِر على مواد أساس هذا المعبد (راجع: A. Z, XXXVII. p.
143. & Rec. Trav. XIX, p. 88. & Petrie, “Six Temples” Pl.
V).
(٨-٥) وفي أرمنت
عُثِر على بعض مناظر على قِطَع من الحجر، ذُكِر عليها اسم هذا الفرعون، ومن
بينها قطعة رُسِم عليها القارب المقدَّس في محرابه، وقد نقش عليه «أمنحتب
الثاني»: «إن قلبي فَرِح جدًّا؛ لأني تسلَّمت القربان.» (راجع:
Mond, “Temples of Armant” (Text) p. 174)،
وقد عثر من قبل «بركش» على قطعة من الحجر عليها اسم هذا الملك (راجع:
Petrie, “History”, II, p. 159).
كما وجدت في لوحة نُقِش عليها الجزء الأعلى من نسخة من لوحة «أمدا»، وهي الآن
«بمتحف فينا» (راجع: A. Z. Vol. XL. p. 33)،
والجزء الأسفل منها محفوظ بمتحف القاهرة (Breasted. A. R. II,
§ 790, note. g)، وقد ذُكِر اسم هذا الفرعون على
جدران مقبرة «أماتو» (Baedeker, “Egypt” p.
258)، وقد جاء على لوحة «إلفنتين» زيادة عمَّا جاء في لوحة
«أمدا» تشريعات خاصة بالأعياد المقدسة هناك، وهي: السنة الرابعة: لقد أمر
جلالته بعمل شرع «قلوع» لأجل سياحة أولئك الآلهة القاطنين في «إلفنتين»، على أن
تكون شرعًا كبيرة، كل واحد منها طوله عشرة أذرع بدل أن كان الشراع من قبلُ
صغيرًا يبلغ طوله ثلاثة أذرع، وقد أمر جلالته بإضافة يوم لوالدته «عنقت» لعيدها
النوبي عند سياحتها المسمَّاة «بداية النهر»، والمؤن هي: الخبز والجعة والثيران
والإوز، والخمر والبخور والفاكهة، وكل شيء طيب وطاهر، وهي جزية سنوية زيادة على
ثلاثة أيام العيد الاعتيادية؛ لأجل أن يقام عيدها العظيم لأول الشهر من الفصل
الثالث، مدة أربعة أيام، ويبقى مقامًا وباقيًا؛ ليُعطَى الحياة مخلدًا (راجع:
Breasted, A. R. II. § 798).
(٨-٦) آثاره في إلفنتين
وفضلًا عن اللوحة التي سلف ذكرها، وهي التي وُجِد منها نسختان: واحدة في
«أمدا» والثانية في «أرمنت»، توجد قطعة من الحجر يُفهَم ممَّا جاء عليها أن
الفرعون كان يقوم بأعمال التعمير والإصلاح في معبد هذه البلدة (راجع:
De Morgan, “Cat. Monuments” Vol. I. p.
115).
وقد وُجِد اسم هذا الفرعون في «سلسلة» (راجع: Baedeker,
“Egypt” P, 258).
وكذلك وصف لنا «بريس دفن» مسلةً يُحتمَل أنها من هذه الجهة
(Revue, Arch. I, Ser. II, 2, p.
730).
وقد جاء اسم هذا الفرعون على جدران معبد الكاب (راجع: A. S.
VI, p. 256).
وعُثِر له على مسلة صغيرة في «أسوان» (راجع: A. S. XXIII, p.
163).
وتوجد نقوش على صخور «أسوان» لكبيرٍ يُدعَى «خع أم واس» (L.
D. III, pl. 63; De Morgan, “Cat. Monuments” I, p. 90,
87).
وكذلك يُوجَد نقشٌ آخَر لعبادة الفرعون والاسم مفقود (Ibid,
I, p. 91, 103).
وفي «سهل» يُوجَد نقشٌ لشخص يُدعَى «بانحي آمون» يتعبَّد لاسم «أمنحتب
الثاني»، وهو موضوع على قاعدة (Ibid, I, p. 95,
160). وفي جزيرة «بجة» بالقرب من «الفيلة» يوجد تمثال ضخم
من الجرانيت في صورة الإله «بتاح»، وعليه اسم هذا الفرعون (راجع:
Champollion, “Notices”, p. 160).
(٨-٧) آثاره في بلاد النوبة
وقد كانت أعمال التعمير في عهد الفرعون قائمة على قدم وساق في بلاد النوبة،
كما كانت في عهد والده «تحتمس الثالث»؛ ففي معبد «كلبشه» يُشاهَد في الردهة
الأمامية للمعبد منظرٌ يُقدِّم فيه الفرعون القربان للإله «مين»، وللإله «مرو
ترو-حور-رع» إله بلاد النوبة (راجع: Champollion, bis. 1.
“Monuments”, p. 54).
(٨-٨) وفي إبريم
يوجد محراب صغير منحوت في الصخر وملوَّن يُشاهَد في أحد مناظره «أمنحتب»
جالسًا في مقصورة وأمامه حامل مروحة من الريش، وحامل مروحة آخر خلفه، وخلف
المقصورة تقف الإلهة «ساتت»، ويأتي أمامها موكب من الرجال يقودون أسودًا وكلاب
صيد وذئابًا، ويمكن قراءة النقوش حتى الآن إذ تذكر لنا ١١٣ ذئبًا (راجع:
Champollion, “Notices” I, p. 84; and Champollion,
“Monuments”. p. 39).
وفي منظر آخَر يُشاهَد الفرعون يقدِّم القربان للإله «خنوم» والإلهة «ساتت»
والإلهة «عنقت» والإله «سبد» والإلهة «حتحور» والإلهة «نخبت» (راجع:
L. D. III, Pl. 63 d).
أما في معبد «أمدا» فتدل الأحوال على أن «أمنحتب» قد أتمَّ نقش المعبد الذي
كان العمل جاريًا فيه في عهد والده، وتشير النقوش إلى اشتراك
٤٠ «أمنحتب» مع والده في حكم البلاد مدة قصيرة؛ إذ نجد بابين على كلٍّ
منهما طغراءا «تحتمس الثالث» و«أمنحتب الثاني» مكتوبين معًا
(L.
D. III, Pl. 65, b, c)، في حين أننا نرى اسم «أمنحتب
الثاني» منفردًا في أماكن أخرى من المعبد
(Ibid. d,
e)، وقد استمر العمل في هذا المعبد حتى السنة الثالثة
عندما جاء الفرعون إلى بلاد النوبة، وأمر بإقامة اللوحة المشهورة التي تحدَّثنا
عنها، وقد جاء فيها عن بناء هذا المعبد، وعن القرب التي خصصت لآلهته ما يأتي:
إنه ملك قلبه ميال لمباني كل الآلهة؛ لأنه يقيم مبانيهم، وينحت
تماثيلهم، والقربان المقدسة التي ترفع من شأنه قد أُسِّست للمرة الأولى
من رغفان وجعة بغزارة، ودجاج بوفرة، بمثابة قربان دائم لكل يوم، وماشية
كبيرة وصغيرة في مواعيدها بدون … وقد أهدى البيت إلى سيده مجهَّزًا بكل
شيء من ثيران وعجول وماشية صغيرة، ودجاج يخطئه العد، وهذا المعبد
مموَّن دائمًا بالرغفان والنبيذ، وقد خُصِّص الدخل للمرة الأولى لآبائه
الآلهة ليراها الأهلون وليعرفها الكل.
إتمام المعبد: تأمَّلْ إن جلالته
قد جمل المعبد الذي أقامه والده ملك الوجه القبلي والوجه البحري «منخبر
رع» (تحتمس الثالث) لآبائه كل الآلهة، وقد أقامه من الأحجار ليكون
عملًا مخلدًا، والجدران التي حوله من اللبن، والأبواب من خشب الأرز من
أحسن نوع تنتجه جبال «لبنان»، ومداخل الأبواب من الحجر الرملي لأجل أن
يبقى اسم والده العظيم ابن الشمس «تحتمس الثالث» في هذا المعبد أبد
الآبدين.
احتفال التأسيس: مدَّ جلالته هذا
الإله الطيب ملك الوجه القبلي والوجه البحري سيد الأرضين «عا خبرو رع»
«أمنحتب الثاني» خيط القياس لكل الآباء (الآلهة)، وأقام للمعبد بوابة
من الحجر الرملي مقابِلة لقاعة الحجرة المقدسة في المثوى المفخم، محاطة
بعمد من الحجر الرملي بمثالة عمل خالد. وقد … موائد عدة عليها أوانٍ من
فضة وبرنز وأعلام قربان (؟) ومواقد وأواني قربان وألواح تقدمة. (راجع:
Breasted, A. R, II. §
793–795).
وفي «وادي حلفا» وُجِد في المعبد المقام من اللبن عمد نُقِش عليها
اسم «أمنحتب الثاني» (راجع: Champollion, “Monuments”,
p. 2–7; Maclver and Woolley, “Buhen”, p. 84, 89, 94, 103,
131).
وفي معبد «قمة» عند الشلال الثاني كان العمل في النقوش التي أمر
بحفرها «تحتمس الثالث» لا يزال مستمرًّا عند موته؛ إذ قد ظهر اسمه في
حين نرى «أمنحتب الثاني» في مناظر يقدِّم قربانًا للإله «خنوم»
و«سنوسرت الثالث» بوصفه إلهًا (راجع: L. D. III, Pl. 64
b, 66).
وكذلك نجد هنا مدخلَيْ بابين أقامهما «أمنحتب الثاني»
(L. D. III. Pl. 67).
وفي معبد «سمنة» نجد اسمه منقوشًا في المعبد (راجع:
Murray, “Handbook” (1880) p.
545).
وفي جزيرة «ساي» sai توجد بقايا
معبد يُنسَب إلى عصر هذا الفرعون (راجع Lepsius,
“Letters from Egypt, Ethiopia and the Peninsula of Sinai”, p.
237)، وقد ذكر معبد «نباتا» عند الشلال الرابع في
نقوش لوحة «أمدا»، بوصفه المكان الذي أُعدِم فيه أحد الأمراء السوريين
السبعة الذين أُعدِموا في «طيبة» وفي «نباتا».
(٨-٩) تماثيل أمنحتب الثاني
وُجِد لهذا الفرعون تماثيل ضخمة وأخرى صغيرة الحجم، غير أن عددها كان قليلًا
بالنسبة لما عُثِر عليه لوالده «تحتمس الثالث»، فمن التماثيل الضخمة وُجِد له
واحد أُقِيم أمام البوابة التاسعة في «الكرنك»، غير أنه وُجِد مهشَّمًا، وهو
منحوت من الحجر الجيري الأبيض، وكذلك له جذع تمثال جميل هُشم أنفه وذقنه، عُثِر
عليه في «الكرنك» وهو الآن بالمتحف المصري، والتمثال — الذي في صورة مومية —
الذي عُثِر عليه في «بجة» بجوار «أسوان» نُحِت من الجرانيت الأحمر، وفي المتحف
المصري يُوجَد له تمثال في صورة «أوزير» مصنوع من الجرانيت الرمادي، وقد عُثِر
عليه في «القرنة»، غير أنه ممَّا يُؤسَف له قد ضاع رأسه (راجع:
Petrie History II. p. 161).
ووُجِد له ثلاثة تماثيل راكعة، كل منها يحمل في كلتا يدَيْه إناءً مستديرَ
الشكل يقدِّم فيه قربانًا، واحد منها في «تورين» (راجع:
Lanzone, Catalogue of Turin, 1375)
والتمثالان الآخران، وهما أصغر من الأول محفوظان في متحف «باريس» (راجع:
Cat. Sal. Hist. p. 11)، وفي متحف «برلين»
(راجع: L. D. III, Pl. 70).
وقد عُثِر عليهما في «بني نجع»، وهذا الوضع الفني للتماثيل قد أدخله والده من
قبله على الفن المصري، وقد استعمل كثيرًا في مناظر المقابر التي من هذا العهد،
كما يُشاهَد في إحدى مقابر «القرنة» (راجع: L. D. III, Pl.
63-64).
ووُجِد له تمثال مجاوب (راجع: Budge, “Guide to the Egyptian
Collection”, p. 232)، وهو مصنوع من «الديوريت»، ونُقِش
عليه الفصل السادس من كتاب الموتى (Budge, “History”, IV. p.
71).
وعُثِر له على لوحة في «الأقصر» يُشاهَد عليها وهو يتعبَّد للإله «آمون»
(Wiedemann, “Geschichte”, p. 376)، وكذلك
يوجد له في متحف «باريس» إناءٌ وُجِد في الأساس مصنوع من المرمر، عُثِر عليه في
«طيبة» (راجع: Rec, Trav, XVI, p. 30)، كما
عُثِر له على رأس «بلطة» هي الآن في «المتحف البريطاني» (Budge,
“Guide” p. 232)، وكذلك عُثِر له على قطعة من البساط باسمه
في قبر «تحتمس الرابع» (راجع: Carter and Newberry, “The Tomb
of Thothmes”, IV, p. 143)، وكذلك وُجِد له في نفس هذا
القبر أوانٍ باسمه (راجع: Ibid, p. 18)، وتوجد
له بردية مؤرَّخة بالسنة الخامسة من حكمه، اليوم التاسع عشر من برمودة، وتحتوي
على مدائح «لأمنحتب» الثاني، ويقال فيها إن الإله «شاي» (الحظ) والإله «رننت»
(الطعام) قد نشَّآه وعلَّماه (راجع: Papyrus Rollin, 15, p.
23)، ومن المحتمل أن قطعة الرق التي في «برلين» الخاصة
بتأسس المعبد الذي أقامه «سنوسرت» الأول في «هليوبوليس» من عهد هذا الفرعون،
وليست من عهد «أمنحتب الرابع» (راجع: A. Z. XII, p.
86).
(٨-١٠) جعارين عهد «أمنحتب الثاني»
ظهرت في جعارين هذا الفرعون وتعاويذه خواص جديدة لم تُعرَف في جعارين العهود
السابقة من فراعنة هذه الأسرة؛ إذ نجدها على شكل لوحات صغيرة بيضية الشكل
مستوية السطح على كلا الجانبين مرسوم عليها صور، وقد كثر استعمال هذا الصنف من
الجعارين في هذا العهد والعهد الذي أعقبه، ثم نجده قد اختفى بعد ذلك، وقد كانت
هذه الجعارين تستعمل فصوص خواتم لتلبس مسطحة على الأصبع، وقد كان سبب اختفائها
ظهور استعمال خواتم مؤلَّف كلٌّ منها من قطعة واحدة في عهد «أمنحتب
الثالث».
وفي هذا العهد ظهر كذلك ثانيةً استعمالُ الحليات الرمزية القديمة، التي كانت
تُستعمَل رمزًا يُعرَف بها اسم صاحب الخاتم (راجع: Petrie,
“Scarabs”, 1097).
وكذلك ظهر تقليدها الرخيص، رُسِم عليه صف من الدوائر ذوات المركز الواحد، ومن
خواص جعارين هذا العهد رسم صلين أو أربعة أو ستة حول الطغراء أو التعويذة، كل
منها فوق الآخَر.
هذا وقد استُعمِلت الجعارين لتدل على حوادث تاريخية بكتابة جمل عليها يُقصَد
منها ذلك، ويرجع هذا النوع من الجعارين للملكة «حتشبسوت» التي ابتدعته على ما
يظهر كما سبق ذكره، ومن هذا الصنف الجعران الذي يحدِّثنا عن ولادة هذا الفرعون
في «منف»: ««أمنحتب الثاني» المولود في «منف».» وكذلك الجعران الذي نُقِش عليه
حادث إقامة مسلتين: ««أمنحتب الثاني» الذي أُقِيم له مسلتان في معبد «آمون»»
(راجع: Petrie, “Hist. Scarabs”, (1889). Pl. 36; Hall,
“Scarabs”, p. 161, No. 1634).
وكذلك الجعران الذي نُقِش عليه: «أمنحتب الإله الطيب الأسد على مصر رب القوة
معطي الحياة مثل الشمس.» أو الذي دُوِّن عليه: ««أمنحتب» رب المفاخر في بيت
«آمون».» ونقوش هذه الجعارين تدل على حوادث في عهده لم نصل إلى كنهها (راجع:
Petrie, “History”, II, p. 162. Grenfell, “The Scarab
Collection at Queen’s College, Oxford.” J. E. A. II. (1915) p.
228)، وعُثِر له على جعارين في «موسكو» الآن (راجع:
J. E. A. (1915) p. 238).
وكذلك عُثِر على جعران «لأمنحتب» وأمه «مريت رع حتشبسوت» (راجع:
Mariette, “Abydos”, II, 40. N).
(٨-١١) آثاره الأخرى
وتوجد آثار أخرى نُقِش عليها اسم هذا الفرعون منها:
- (١)
لوحة «نب وع» في العرابة المدفونة (راجع:
Mariette, “Abydos” II. 33
A).
- (٢)
تمثال راكع لكاهن الإله «أنحور» في «العرابة المدفونة»
(Ibid, II, 372).
- (٣)
مجموعة «لخاع أم واس» وزوجه في «متحف الفاتيكان» (راجع:
Wiedemann, “Geschichte”. p.
376)، ومن المحتمل أنه نفس الشخص الذي وُجِد
له نقش على الصخر في «سهل».
- (٤)
لوحة للكاهن الثاني للفرعون «أمنحتب الثاني» المسمَّى «نفرحبتف»
في المتحف الإنجليزي، وكذلك مخروط له (Mission
Arch. Franç., Caire. VIII, p. 277,
55).
- (٥)
وقطعة من تمثال من الجرانيت لقائد من قواد الفرعون «أمنحتب
الثاني» (راجع: Florence Museum Catalogue, F.
1504).
(٩) الملكة «تاعا»
ذُكِرت هذه الملكة على مجموعة باسمها، واسم ابنها «تحتمس الرابع»، ولقد لُقِّبت
بالأم الملكة والزوجة الملكية، ممَّا يدل على أنها كانت أم «تحتمس الرابع» وزوج
«أمنحتب الثاني» بطبيعة الحال، ولا يمكن أن تكون زوجه؛ لأن أم «أمنحتب الثالث»
معروفة باسم «موت مويا»، كما أنه لا يمكن أن تكون أمًّا ملكية أخرى زوج «تحتمس
الرابع»، وهذا من الأهمية بمكان؛ لأننا نجدها في مقبرة «ثنونا»
(Champollion, “Notices” p. 481)، ولقد لُقِّبت
بالزوجة الملكية فقط، وهي مرسومة مع «تحتمس الرابع»، وقد كان المعتقد أنها كانت زوج
الأخير، وليست زوج والده «أمنحتب الثاني» كما هو الواقع، وقد ذكر ابنها «تحتمس
الرابع» بوصفه ابن «أمنحتب الثاني» في مقبرة «حور أم محب» (Mission
Arch. Franç. V. 434).
وقد كُشِف حديثًا عن بقايا تمثال للملكة «تاعا» في معبد «أمنحتب الثاني»، الذي
وُضِعت فيه اللوحة العظيمة التي شرحناها فيما سبق، والظاهر أن هذا التمثال قد أهدته
«تاعا» لزوجها «أمنحتب» بعد وفاته، والقطعتان اللتان عُثِر عليهما من هذا التمثال
منقوشتان، وقد كُرِّر عليهما ألقاب الملكة، هذا فضلًا عن سطر مهشم نقرأ فيه:
«مقصيًّا عني، ليته يُبعِد عني حزني … تاعا، وليت إلهي المحلي يكون حاميًا لي، وليت
زوجي يكون أمامي، وليته يبعد عني … إلخ.» والواقع أننا نجد بين الكتابات التقليدية
التي نقرؤها في هذا النقش عاطفة من الأحاسيس الإنسانية في الكلمات، التي تتضرع فيها
الملكة للإله ليخلصها من أحزانها وآلامها، وقد عُثِر على قطعة من الخزف (استراكا)
عُرِف منها أن الملكة «تاعا» هي بنت «تحتمس الثالث»، وهذه الاستراكا محفوظة الآن
بمتحف «اللوفر» (راجع: Rec. Trav. XVI. p. 66)،
وكذلك ذُكِرت بوصفها أم «تحتمس الرابع» على تمثال (راجع: Legrain,
“Statues” 42080).
وكذلك وُجِد اسمها على قطعة من إناء (راجع: University
College)، وقد ذُكِر ابنها «تحتمس الرابع» في مقبرة «حور محب»
بأنه ابن «أمنحتب الثاني» (راجع: Mission Arch. Franç. V, p.
434)، وقد شُوهِدت أميرة على حجر «حور محب» على إحدى مناظر
قبره تُدعَى «أمنمأبت»، غير أننا لا نعرف بنت مَن هي؟ لأنه عاش في عهد أربعة
ملوك.
ومن المحتمل أن «أمنحتب» كان له ما يربي على خمسة أولاد؛ لأننا نجد ممثلًا على
جدران قبر مربي «تحتمس الرابع» المسمَّى «حكر إن نحح» (L. D. III.
Pl. 69A) «تحتمس» وهو ولد صغير على حجر مربيه، ومعه أولاد ملك
آخرون، ومما يُؤسَف له أن أسماءهم كلهم كانت قد مُحِيت قصدًا، وسنرى الأسباب التي
دعت إلى ذلك عند الكلام على تولِّي «تحتمس الرابع» الملك بعد وفاة والده.
وقد توفي هذا الفرعون العظيم بعد أن حكم البلاد خمسًا وعشرين سنةً وعشرة أشهر كما
يقول «مانيتون»، وقد أكَّد لنا ذلك ما جاء على الآثار؛ إذ عُثِر على إناء نبيذ معتق
مؤرخ بالسنة السادسة والعشرين من حكم هذا الفرعون (راجع: Petrie,
“Six Temples”, Pl. V).
وقد دُفِن «أمنحتب» في وادي الملوك في قبرٍ نُحِت
٤١ في الصخر، لُوِّن سقفه باللون الأزرق، ورُصِّع بالنجوم الذهبية
المتلألئة، وفي خلال الضجة التي قامت في عهد «رعمسيس التاسع» عن سرقة قبور الملوك
نُهِب قبره (راجع:
A. S. III, p. 115)، غير أن
موميته قد بقيت نحو ثلاثة آلاف سنة تشاطر الملوك الآخرين حظهم إلى عام ١٨٩٨م، بعد
أن نقلت جثثهم في مقبرته في هذه الأثناء، ومن بينهم ابنه «تحتمس الرابع»، وجده
«أمنحتب الثالث»، والفراعنة «سبتاح» و«مرنبتاح» بن «رعمسيس الثاني» و«رعمسيس
الرابع»، ولكن بكل أسف كان نومًا مزعجًا؛ لأن اللصوص قد اقتحموا القبر ونهبوا ما
فيه من آثاث غالٍ كرَّة أخرى، وعندما علم المسيو «لوريه» مدير المتحف المصري وقتئذٍ
من الأهالي بمكان هذا القبر، فتحه ووجد فيه «أمنحتب الثاني» وضيفانه، وقبر هذا
الفرعون يشبه كثيرًا قبر «تحتمس الثالث» والده، ولا يزال في حالة جيدة جدًّا،
وجدرانه مزيَّنة بصور عدة مجاميع من الآلهة، وكذلك نُقِش على الجدار نسخة من الكتاب
الجنازي العظيم المعروف باسم «كتاب ما يوجد في عالم الآخرة»، وقد كانت مومية
«أمنحتب الثاني» عند هذا الكشف لا تزال ثاوية
٤٢ في تابوتها المصنوع من الكوارتسيت (الحجر الرملي) (انظر لوحة
١)، وقد عُثِر معه على مجموعة تماثيل للإلهة «سخمت» و«أنوبيس»
و«أوزير» و«حور» و«بتاح» … إلخ.
ومجموعة عظيمة من الأواني المصنوعة من المرمر،
٤٣ وكذلك على تعاويذ من كل نوع، كما وُجِد معه قوسه الجبار الذي كان يفخر
به، وقد نُقِش عليه المتن المشهور: «ضارب سكان الكهوف، وهازم أهل الكوش، ومخرب
مدنهم … وجدار مصر العظيم، وحامي جنوده»، وكذلك عُثِر على أواني أحشائه، وقد تُرِك
جسم هذا الفرعون العظيم إرضاءً لعاطفة كريمة أبداها بعض مَن يقدِّرون عظمة هذا
الفرعون في قبره الأصلي، وفي تابوته الذي أُودِع فيه منذ القِدَم، فلم يُنقَل إلى
«متحف القاهرة»، غير أن هذه المحاولة النبيلة لم تُتوَّج بالنجاح على أية حال؛ لأن
اللصوص على الرغم من الحراسة التي كانت تقوم بها مصلحة الآثار قد اقتحموه في نوفمبر
سنة ١٩٠١، وقد عبث اللصوص بموميته عبثًا مخزيًا في أثناء بحثهم عن الكنوز الموهومة
التي كانوا يظنون أنها معه، ولكن ظنهم قد خاب، فلم يجدوا معه ما يشبع نهمهم، ومنذ
هذا العهد ظلَّ «أمنحتب» ينام في تابوته نومًا هادئًا بقدر ما تسمح به الأحوال في
تلك الفترات، التي كانت تنقطع فيها زيارات السائحين، الذين كانت تستعرض لأنظارهم
جثث الملوك العظام لإشباع رغباتهم الحقيرة، مما لا يدل على حسن ذوق الذين فكروا في
هذه البدعة، ولا الذين استمروا في العمل بها، غير أن أولي الأمر قد فطنوا أخيرًا
بعد النقد اللاذع الذي وجَّهه إليهم العالَم، فأراحوا أولئك الملوك العظام من أعين
النظارة الذين لا يبغون من وراء ذلك شيئًا إلا حب الاستطلاع لا الموعظة الحسنة
(راجع:
James Baikie, “History of Egypt”, Vol. II, p.
159).
(١٠) الموظفون والحياة الاجتماعية في عهد أمنحتب الثاني
(١٠-١) «قن آمون»
كان هذا الموظف الكبير أبًا «لآمون أم أبت» المربية «لأمنحتب الثاني»، وهي
التي قد مثلت في قبر ابنها ترضع أخاه من الرضاعة «أمنحتب الثاني» فيما بعدُ
(Davies, “The Tomb of Kenamon”, p. 19, Pl.
IX)، وألقاب «قن آمون» هي الآتية: الأمير الوراثي وعينَا
ملك الوجه القبلي، وأذنَا ملك الوجه البحري، وحامل المروحة على يمين الفرعون،
ومتكلم «حور» (الملك) ومحبوبه، والمشرف على بقرات «آمون» الجميلة، ومدير البيت
العظيم للفرعون. وقبر هذا الشريف قد نُحِت في جبانة «شيخ عبد القرنة» (رقم ٩٣)
(راجع: Porter and Moss, “Bibliography” I, p.
123ff).
ومن المدهش أن الباحثين قد عثروا على بعض تماثيل مجاوبة له في «شبرمنت»
بالقرب من الجيزة، وقد وُجِدت مدفونة في الرمال، ولم يُعثَر هناك على أثر دفن
معها قطُّ؛ ولذلك فإن وجود هذه التماثيل في هذه البقعة لم يُفسَّر تفسيرًا
مقنعًا حتى الآن (A. S.: XIX. p. 145–149)، وقد
نُقِش على تماثيل المجاوبين هذه الألقاب التالية: أخو مرضعة رب الأرضين،
والمشرف العظيم على البيت، ووالد الإله، ومحبوب الإله، والمشرف على البقرات
الجميلة، المقرب من الإله الطيب، والمشرف على ثيران «آمون»، والمدير العظيم
لدخل بيت الإله الطيب (؟)، وحامل المروحة … إلخ، والكاهن الثاني للإله
«آمون».
وقد كانت مقبرة «قن آمون» ذات شهرة عظيمة لما تحتويه من مناظر جميلة، وأهمها
ما يأتي: منظر فيه «أمنحتب الثاني» تحت مظلته الفخمة ذات السقف المزيَّن بزخرفة
بديعة، وقد جلس يتقبَّل هدايا السنة الجديدة المعروضة أمامه، ويرى أمام الفرعون
مباشَرة تحفة من الذهب مرصَّعة بالأحجار الملوَّنة على هيئة مجموعة من شجر
الدوم، يتسلَّق سيقانها قردة تجني سمارها، وقد رُصِّعت أوراقها بالأحجار
الخضراء، والثمار بأحجار حمراء (راجع: Davies, M. M. A. (1918)
p. 33)، وكذلك نشاهد في مناظر هذا القبر بعض التماثيل
الملكية في محاريب تجرها زحافات، وهذه كانت للفرعون «أمنحتب الثاني» و«تحتمس
الأول» والملكة «مريت رع حتشبسوت» زوج «أمنحتب الثاني»، ويُشاهَد تمثال واقف
للأخير في سفينة الشمس، وتماثيل أخرى له تمثِّله وهو راكع أو جالس أو في صورة
«بو الهول». هذا إلى مجوهرات وأسلحة ودروع كالتي نشاهدها فعلًا مما استخرج من
مقبرة «توت عنخ آمون»، وكذلك نرى مصورًا له مرايا ومراوح وأثاث، وقد حفظ لنا في
منظر صيد مهشم صورة وعلٍ يهاجمه كلب صيد، وتُعَدُّ هذه الصورة من أدق ما خلفه
لنا المصريون في حسن التعبير وصدق التمثيل، ومن بين الدرر التي خلفها المصور
المصري في هذا القبر صورةُ فتاة تضرب على القيثارة، وهي بين أترابها كالبدر في
وسط النجوم (راجع: Wreszinski, “Atlas”, Pl.
298)، ومما يسترعي النظر في مقبرة هذا العظيم أن اسمه قد
مُحِي من كل أرجاء المقبرة، ولم يفلت من الذين قاموا بهذا العمل إلا مرة
واحدة.
(١٠-٢) «وسرحات»
كان «وسرحات» من أكابر رجال الدولة، ويحمل الألقاب التالية: «كاتب الملك،
وطفل الرضاعة، والمشرف على حسابات مدينة الشمال ومدينة الجنوب، والحاجب الأول،
والمشرف على ماشية الإله «آمون»» (A. S. Vol. VI. p.
67)، وقبره في جبانة «شيخ عبد القرنة» (رقم ٥٦)، ويحتوي
على بعض مناظر تعبِّر عن بعض نواحي الحياة المصرية القديمة رُسِمت من غير كلفة
أو مغالاة، بل مثلت أمامنا الحوادث كما كانت تقع كل يوم، ومن بين هذه المناظر
لوحة تمثِّل «أمنحتب الثاني» وهو يُشرِف على تجنيد طائفة من الجنود؛ ليقوموا
بالخدمة في ساحة القتال، وتوزيع جراياتهم عليهم، فنجد وقت الغداء قد حلَّ،
وقُدِّمت مائدة الفرعون له على حدة، وبيده «بلطة» كما يجدر بقائد جيش أن يمسك
بيده.
ونشاهد في حجرة مجاورة ضباطه يتناولون غداءهم، أما عامة الجنود فكانوا مكتفين
بوجبة متواضعة تحوي خبزًا وماءً على الأقل، أما الذين هم أرقى منهم فكان
يُقدَّم لهم بالإضافة للخبز لحم ونبيذ مكان الماء، ويُشاهَد الجنود في الخارج
وقد صفهم ضباطهم في ساحة، وكلٌّ منهم يحمل حقيبته ليضع فيها نصيبه من الخبز،
على أن المجندين الأحداث لم يكونوا قد تلقوا دروسهم في التدريب العسكري؛ ولذلك
لم يكونوا صالحين للظهور في صفوف فِرَق الجيش بعدُ، وقد كانت شعورهم طويلة،
وكان لا بد من حلقها، ومن أجل ذلك نراهم قد جلسوا في الساحة الخارجية ينتظر
كلٌّ منهم دوره ليحلق شعره (انظر لوحة
٣)، وقد كان حلاقو
الكتيبة يقومون بهذه العملية، وقد ظهر على وجوههم ملل الانتظار، وربما أعاد ذلك
إلى ذاكرتهم كل ما يختلج في نفوسهم من يأس وقنوط لتركهم أوطانهم إلى بلاد
مجهولة قد لا يعودون منها قط، وربما لن تسمح لهم الأحوال بالتمتُّع ببلادهم
التي فارقوها عن قريب، ونلاحظ أن أحد الجنود كاد يتفجر بالبكاء، فيهدِّئ أحد
رفاقه المَرِحين ما به من ألم بأن ربت بيده عليه، ونشاهد آخَر يجد عزاءه في أن
يشاطر رفيقًا له كرسيًّا بدون ظهر، فيترك له الآخَر حافة الكرسي ليجلس عليها،
وفي آنٍ واحد يستعمل ظهر رفيقه سنادًا يتكئ عليه.
أما المجند الذي يقوم له الحلاق بإصلاح شعره للمرة الأولى في حياته، فقد
تحمَّلَ بصبر إجراء تلك العملية الشاقة في نظره، فيشاهد الحلاق عندما أراد أن
يُصلِح من شعره الغزير قد ربط شعره الكثيف، وأخذ في صفه خصلة خصلة، بفصل الشعر
إلى غدائر صغيرة، وجعلها تثبت على رأسه بوساطة نوع من الدهن، وهذا كان أول درس
يتعلمه الجندي الجديد في النظام الحربي، وهو شيء محبَّب للضباط الذين كانوا
يحتمون أن تظهر كل جنودهم بمظهر واحد، غير أن الجندي كان لا يروقه هذا النظام
لانعدام حريته وشخصيته. حقًّا إن هذه الصورة قد رُسِمت بشكل خشن، غير أن ذلك لم
يُخْفِ ما تحويه من حياة في باطنها، فإذا قرنا بين أولئك المجندين المحزونين،
وكل منهم قد دُفِن تحت عبء من الهموم، وبين فِرَق الجنود المدرَّبين الذين
نشاهدهم في أعلى الصورة القائمة يمشون في صفين ليتسلموا جراياتهم من الخبز؛
لوجدنا في الحال الفرق بين الجنود القدامى والجدد (راجع:
Wreszinski, “Atlas”, Pl. 168; M. M. A. (1926); Pp. 13-14,
fig. 11).
ولدينا منظر آخَر نشاهد فيه تسجيل الماشية وكيها، وهي الماشية التي كان
«وسرحات» مشرفًا عليها للإله «آمون»، كما نشاهد منظر صيد تنبعث منه الحياة
والحركة، وفيه يطارد «وسرحات» بسرعة فائقة في عربته حيوانات الصحراء المختلفة،
ويُلحظ أن جوادي عربة «وسرحات» قد مثِّلَا هنا بدقة عظيمة، وكذلك نجد في قبره
منظرًا مزخرفًا يمثله يصطاد هو وأسرته الطيور والبط في البطاح (راجع:
Wreszinski, ibid, Pl. 183).
(١٠-٣) «رع» الكاهن الأول
كان «رع» يشغل وظيفة الكاهن الأول للإله «آمون» في معبد «تحتمس الثالث»
المسمى «المعطي الحياة»، وكذلك كان الكاهن الأول «لآمون» في المعبد المسمى
«زسرست» (الفاخرة المكانة)، ويقع في الجزء الجنوبي من جبانة «طيبة»، وقد أقامه
«تحتمس الثالث» لهذا الإله (Schafer, “Egypt. Insch. Mus.
Berlin”, II. p. 220; Gauthier. “Dict. Geog”. II. p.
133)، وقبر هذا الكاهن يقع في جبانة «شيخ عبد القرنة» (رقم
٧٢)، وأهم منظر في هذه المقبرة هو منظر صيد للفرعون «أمنحتب الثاني»، يُشاهَد
فيه وهو يطارد الحيوانات الوحشية ممتطيًا عربته ومفوقًا سهمه نحوها، ورسم
الفرعون في هذا المنظر يشبه في تفاصيله المنظر الذي شاهدنا فيه نفس الفرعون
يصوِّب سهامه نحو هدفه النحاسي، ويُرَى فيه رسم «حور إدفو» محلِّقًا فوق رأس
الفرعون حاميًا إياه، كما يُشاهَد رمز الحياة «عنخ» قابضًا بمظلة خلف جلالته،
وكذلك نرى نعامات وسط الأعشاب المزهرة، وفي وسط الطرق الصحراوية الملتوية وهي
ترخي لسيقانها وأجنحتها العنان، كما كانت كلاب الصيد تطارد وعلًا وتحضره … إلخ.
وكان في ركاب الفرعون ثلة صغيرة من الجنود يحملون الأقواس والسهام والدروع
والأعلام الحربية، وفي عودته نشاهد رجالًا يحملون الطراد التي أصابتها سهام
الفرعون وأتَتْ بها الكلاب.
أما المتن الذي يفسِّر هذا المنظر فإنه مهشم، ولكن يُفهَم منه أن مكان هذا
الصيد والقنص كان على ما يظهر الضفة الغربية من النيل، وأن ما غنمه الفرعون في
هذا اليوم يُعَدُّ بالآلاف، وقد أهداه الفرعون ضحيةً لمعبد والده الجنازي. ولما
كان «رع» هذا هو الكاهن الأول لهذا المعبد كما ذكرنا، فإن ذلك كان يُعَدُّ من
البراهين على وجود هذا المنظر في هذه المقبرة، وهذه الصورة التي ظهر فيها
«أمنحتب الثاني» تُعَدُّ فريدةً بين مناظر القبور الخاصة، كما أنها من الصور
التي تقدِّم لنا برهانًا جديدًا على مهارة هذا الفرعون في هذا الميدان، فقد كان
بطلًا من أبطال الصيد، كما كان من أعظم الملوك غرامًا بالرماية، ومنقطع القرين
في إصابة الهدف (راجع: Davies, M. M. A., (1935) p.
49-50).
(١٠-٤) «سن نفر»
كان «سن نفر» من أصحاب المكانة العالية بين رجال الدولة في ذلك العهد، لما
كان له من صلات أسرية ونفوذ بوظائفه الهامة التي كان يشغلها، فقد كان يحمل لقب
الأمير الوراثي، وعمدة المدينة الجنوبية (طيبة)، والمشرف على مخازن غلال
«آمون»، والمشرف على ثيران «آمون»، والمشرف على زرَّاع أملاك «آمون»، ووالد
الإله ومحبوبه، والمشرف على بقرات «آمون رع» الجميلة، والمشرف على حقول «آمون»،
وقد كان أخو «سن نفر» عمدة المدينة والوزير المسمَّى «آمون أم أبت»، وقبره في
جبانة «شيخ عبد القرنة» (رقم ٢٩)، وكان «سن نفر» قد تزوَّجَ من ثلاث سيدات كنَّ
جميعًا مرضعات ملكيات، وهن: «سناي» مرضعة الملك، ولها تمثال عُثِر عليه في
«خبيئة الكرنك» (Legrain, ibid, No. 42126)، ثم
«سن أم أعح» المرضعة العظيمة للفرعون «أمنحتب الثاني» (Rec.
Trav. XX. p. 211–223)، و«سنت نفر» مرضعة الفرعون ومغنية
«آمون» (Rec. Trav. ibid. P, 215)، ومع كل ذلك
كانت زوجه المحبَّبة إليه هي «مريت» إحدى مغنيات «آمون»، وهي التي كانت تُرسَم
معه في غالب الأحيان (Ibid. p. 220)، ويُعرَف
قبر «سن نفر» في أيامنا هذه بقبر العنب، ويقع في «جبانة شيخ عبد القرنة» (رقم
٩٦)، ويرجع السبب في هذه التسمية إلى رسم كرم عنب على سقفه، والجزء الأعلى من
جدرانه ملوَّن بألوان جميلة (Rec. Trav. Ibid p. 211–223; XXI.
p. 127–133, 137–149. & XXII. P, 83–97).
منظر عيد الحصاد
ويحتوي القبر كذلك على منظر كبير يظهر فيه مخزن غلال الإله «آمون»، التي
كان يشرف عليها «سن نفر» (راجع:
Davies M. M. A. (1929) p.
41 ff. fig. 8)، وهذا المخزن يشمل مساحة عظيمة مسورة
يصل إليها الإنسان من بوابة ضخمة نُقِش عليها ألقاب «أمنحتب الثاني»،
ويُشاهَد بعد المدخل مباشَرةً سلم يصعد فيه إلى ممر مرتفع قد كُدِّست
الغلال على جانبَيْه في أكوام هرمية الشكل، يدل عليها قمتها التي عُمِلت
على هيئة مثلث أسود اللون؛ ليحاكي قطعة البازلت التي تنتهي دائمًا في قمة
الهرم الأصلي، وهذا السلم يكتنفه شرفه نُحِت فيها ثعابين ضخمة. ويُلاحَظ
أنه يوجد أكبر كومة في هذا المنظر، وهي التي يصل إليها الإنسان بسلم طوار
مثل عليه الفرعون «أمنحتب» يحرق بخورًا، ويقدِّم قربانًا محروقًا على مائدة
قربان صغيرة، كما يُشاهَد ثلاثة خدم يصعدون إلى هذا الطوار ليحضروا
قربانًا، وكذلك يُشاهَد على كلا جانبَيْ كومة الحبوب جزارٌ يذبح ثورًا،
وبالقرب من المدخل المؤدي إلى مخزن الغلال أُقِيم جوسق صغير يحتوي على جرار
مزيَّنة بأكاليل، وقد لُوحِظ وجود مناظر مثل هذا المنظر جميعه في عدة مقابر
في هذه الجبانة، منها: مقبرة «ماحو» (رقم ١٢٠)، ومقبرة «خنمس» (رقم ٢٥٣)،
ومقبرة «أمنمحات سورر» (رقم ٤٨)، والآن كيف نستطيع أن نفسِّر سلسلة هذه
المناظر المتكررة، والتي على ما يظهر تمثِّل نفس الرواية في الحياة القومية
المصرية؟ فالمخازن الضخمة هي بلا نزاع ملك ضياع الإله «آمون»، وعلى ذلك
يمكننا أن نخمن أن الفرعون يحتفل بشعائر عيد الحصاد، وذلك بتقديم الشكر
للإله «آمون» الذي أُقِيم في مخازنه الضخمة الاحتفال بالعيد (انظر لوحة
٤)، على أنه لدينا معلومات عن موضوع الحصاد
وشعائره من مصادر أخرى؛ ففي مقبرة «خع أم حات» (رقم ٥٧) نشاهد صاحب المقبرة
يقدِّم قربانًا محروقًا للإلهة «رنوتت»، التي مُثِّلت في صورة امرأة برأس
حية، جالسة على عرش ترضع طفلًا هو إله الحبوب الصغير المسمى «نبري»، ويحمل
اسم الملك الحاكم «أمنحتب الثالث»، وتقول النقوش المفسرة لهذا المنظر: ««خع
أم حات» يقدِّم كل الأشياء الطيبة الطاهرة للإلهة «رنونت» سيدة مخزن
الغلال، في اليوم الأول من الشهر الأول من فصل الصيف (الشهر التاسع من
السنة)، وهذا اليوم هو يوم ولادة «نبري».»
ويُلاحَظ أنه في القبور المعاصرة مثل مقبرة «أمنمحات سورر» (رقم ٤٨) وقبر
«زسر كارع سنب» (رقم ٣٨) — وسنتكلم عنهما فيما بعدُ — أن صورة «رنوتت»
مصحوبة بالتاريخ: اليوم السابع والعشرون، الشهر الثامن (وهو يوم الحصاد على
حسب ما جاء في مقبرة رقم ٣٨)، ومن ذلك نعلم أن عيد الحصاد لا بد كان يظل
عدة أيام، ففي اليوم الأول كانت تمسح الأراضي المزروعة قمحًا بوساطة موظفين
حتى يمكن تقدير المحصول، وعلى حسب ذلك يُجبَى الخراج، وبعد ذلك يُضم القمح،
ويُدرس ثم يُذرى في اليوم الأول من الشهر الجديد، ويُقدَّم للآلهة الخاصة
بالحصاد (راجع: J. E. A. Vol. VIII p.
236)، وفي حالة الأفراد كانت الإلهة «رنوتت» بطبيعة الحال
تتقبَّل الصلوات والدعاء في أثناء عيد الحصاد، ولكن لما كان هذا العيد يمس
كل الأمة؛ فلاحها والفرعون وحكومته، فقد كان من الضروري أن يستعطف في هذه
الحالة الإله الأعظم الذي يحكم العالم؛ ولذلك نرى في قبر «سن نفر» كما نجد
في مقبرتَيْ «ماحو» و«خنمس» أن الإله الذي كان يقرب إليه هو «آمون»، أما في
مقبرة «أمنمحات سورر» فلم يُعيَّن فيها الإله، ولكن كون الفرعون يشاهد فيها
يضحي في مكان مكشوف وأمام نافذة مكشوفة، يوحي بأن الإله المقرَّب إليه هو
إله الشمس، والشعيرة التي كان يؤديها الملك في هذه المناظر كانت شكرًا
للخالق لأجل الحصاد، أو قربانًا للإله «آمون» بمثابة نصيبه من الحصاد، كما
يُلحَظ ذلك من الخراج الذي كان يحدد له في اليوم السابع والعشرين من الشهر
الثامن، ويحتمل وجود حفلات أخرى في الأيام الثلاثة التالية التي تنتهي في
اليوم الرابع، الذي يكون في اليوم الأول من الشهر التاسع، وهو اليوم الذي
كان على ما يظهر بعد يوم ميلاد الملك الزراعي، وبذلك كان يوجد الملك مع ابن
آلهة الحصاد كما يوجد مع ابن الشمس في السماء (الملك)، وهكذا كان الفرعون
بوصفه ابن الإله «رع» وابن إله الحصاد يُعَدُّ وسيطًا سريًّا لعطايا الشمس
والأرض لأبناء مصر.
ومما يُؤسَف له أننا لا نعرف أي حادثة من أسطورة إله الشمس أو أسطورة
الإله «أوزير» تمثِّل لنا حوادث هذا العيد، غير أن الإعداد المتبع الذي
يُتَّخَذ لإعداد هرم من القمح، وهو عمل كان يتطلب عدة أيام في شغل متواصل
لتجهيزه؛ يوحي بأنه كانت تقوم أحداث كثيرة أكثر ممَّا دُوِّن أمامنا في هذه
المناظر السابقة.
وفي منظر آخَر في هذا القبر نشاهد هدايا أول السنة الفاخرة التي قدَّمها
«سن نفر» للفرعون؛ إذ تقول النقوش عنها: «إن عمدة المدينة الجنوبية (طيبة)
«سن نفر» محضر هدية السنة الجديدة، وهي بوابة الأبدية، ونهاية الزمن
الخالد، هذا إلى كل الأشياء المهداة الجميلة التي قدَّمها لجلالته بمثابة
بركة شاملة» (راجع: Dàvies, M. M. A. (1928) p. 46. Fig.
6).
والهدايا التي يقدِّمها شبه الهدايا التي قدَّمها «قن آمون» السابق
الذكر، غير أنها ليست عديدة مثلها.
(١٠-٥) «باسور»
كان «باسور» هذا رجل حرب ويحمل الألقاب التالية: رئيس الرماة لرب الأرضين،
وطفل الرضاعة،
٤٤ رئيس رماة جلالته، وتابع جلالته، والمقرَّب كثيرًا من رب الأرضين،
وقبره في «جبانة شيخ عبد القرنة»، وقد مثل فيه وهو يقدِّم للفرعون طاقةَ أزهار
(راجع:
Piehl, A. Z. Vol. XXI. p. 135. (12b,) & L. D,
III. Pl. 274).
(١٠-٦) «مري»
كان «مري» من أكبر رجال الدولة في عهد «أمنحتب»، فقد كان يحمل الألقاب
التالية: الكاهن الأكبر للإله «آمون»، والأمير الوراثي، والمشرف على أرض الجنوب
والد الإله في المكان العظيم (؟).
وربما يرجع الفضل في تقليده هذه المناصب العالية إلى أنه كان ابن المربية
العظيمة لرب الأرضين المسمَّاة «محناي»، وتدل الكشوف الأثرية على أن هذا الكاهن
كان له قبران اغتصب أحدهما من «آمون نزح» السالف الذكر (رقم ٨٤) في «جبانة شيخ
عبد القرنة»، والثاني في هذه البقعة كذلك (رقم ٩٥)، وهذا قد أقامه لنفسه (راجع:
Porter & Moss, ibid, I. p. 113 &
125)، وفي القبر الأخير يشاهد ممثلًا مع والدته يتقبَّل
القربان، وفي منظر يشاهد موسيقيًّا كامل العدة من آلات وراقصات
(Champollion. “Monuments”, CLXXV)، وكذلك
نشاهد في قبره منظر صناعة العربات (Wreszinski, Pl.
307)، وصناعة المعادن والأواني (Ibid. Pl.
59) في مصانع الإله «آمون».
(١٠-٧) «آمون أم أبت»
كان «آمون أم أبت» وزير الفرعون «أمنحتب الثاني»، ويُحتمَل أنه هو الذي حلَّ
محل «رخ مي رع» بعد عزله، وقبره موجود في جبانة «شيخ عبد القرنة»، وقد ذُكِر
كذلك في قبر أخيه «سن نفر» المشرف على غلال «آمون» (Porter
& Moss ibid, I. 65-66)، وكان «آمون أم أبت» يحمل
الألقاب التالية: الأمير الوراثي، والسمير والوحيد، والقاضي لقلب سيده (؟)،
والمقرَّب إلى ملك الوجه القبلي في القصر، الثابت الحظوة، والدائم الحب، عمدة
المدينة، والوزير عمدة المدينة الجنوبية، ومدير بيت الفرعون «أمنحتب الأول»،
ومدير عبيد الملك «تحتمس الأول»، والمشرف على كهنة «أحمس نفرتاري»، والكاهن
الأكبر للإله «آمون» في «الكرنك» (Weil “Viziere” p.
78-9)، ويحتوي قبر «آمون أم أبت» على مناظر ونقوش تشبه
مناظر الوزير «رخ مي رع»، بما فيها صورة العصي التي قيل عنها خطأ إنها إضمامات
جلد نُقِش عليها القانون (راجع رخ مي رع)، ومعظم جدران مقبرته قد نُزِعت عنها
نقوشها ومناظرها (Davies, “Five Theban Tombs”, p. 16. Note.
4)، ومما هو جدير بالذكر هنا أن هذا الوزير كان يتقلَّد
وظائف جنازية في مقابر ملوك الأسرة الثامنة عشرة.
(١٠-٨) «نب أم كمت»
كان هذا الجندي من أتباع الفرعون الذين يسيرون في ركاب سيدهم أينما ذهب برًّا
وبحرًا، وفي كل الصحراوات، وكذلك كان يُلقَّب المقرَّب العظيم لرب الأرضين،
والممدوح من الإله الطيب، ورئيس الإصطبل، وحامل المروحة، وقبر هذا الجندي في
«الخوخة» رقم (٢٥٦) (راجع: Porter and Moss, ibid, Pl.
161).
(١٠-٩) «سوم نوت»
كان هذا الموظف كذلك من خدم الفرعون الذين يسيرون في ركابه، ويحمل الألقاب
التالية: تابع خطوات الفرعون في كل أرض صحراوية في الجنوب والشمال، وساقي
الفرعون، طاهر اليدين (Wreszinski, ibid. Pl.
295). والظاهر أن معظم مناظر قبر هذا الموظف كانت تنصب على
تمثيل مهام عمله بوصفه «ساقي الفرعون»؛ إذ نشاهده يشرف على تحضير أنواع عدة من
الشراب (راجع: Ibid. 295–7).
وفي مشهد آخَر نراه يعرض طعامًا شهيًّا قُدِّم على مائدة صغيرة (راجع:
Ibid. Pl. 297)، وكذلك يوجد منظر آخَر لصيد
الطيور والسمك في البطاح، ولكنه لم يتم، ولا نزال نرى المربعات التي وُضِعت
لإتمام المنظر على الجدار.
(١٠-١٠) «تحوتي»
مدير بيت الكاهن الأول للإله «آمون»، وكاتب الملك، وقبره في جبانة «شيخ عبد
القرنة» (رقم ٤٥)، وقد اغتصبه شخص يُدعَى «تحوت أم محب» الذي كان يحمل لقب رئيس
صناع الكتان الجميل (؟) لضياع «آمون»، ومن المحتمل أن الأخير عاش في عهد
«رعمسيس الثاني»، وقد وضع اسمه على صور صاحب المقبرة ومعظم مناظرها، وأهم منظر
يسترعي النظر مشهد وليمة جلس إليها ضيفان، ويُلحظ أن السيدات يقدِّم بعضهن لبعض
أزهارًا لشمها، في حين نشاهد فتيات رشيقات يساعدنهن في تجميل أنفسهن، وتقديم
النبيذ لهن (Porter and Moss, Ibid, p. 78; Wreszinski. Ibid.
Pl. 169).
(١٠-١١) «تحوتي نفر»
يمتاز قبر تحوتي نفر كاتب الفرعون بأنه يحتوي بعض مناظر شيقة للغزل والنسيج
(Roth, “Ancient Egyptian and Greek Looms”, p. 12. Fig.
9)، وقبره في جبانة شيخ عبد القرنة (رقم ١٠٤).
(١٠-١٢) «وبن سنو»
هذا الأمير ابن الفرعون «أمنحتب الثاني»، أي إنه كان أخًا «لتحتمس الرابع»،
وفضلًا عن لقبه ابن الفرعون من جسده، فإنه كان يحمل لقب المشرف على الخيل
(Gauthier L. R. II. p. 289-290)، ولا نزاع
في أن هذا اللقب كان يحمله ابن ملكي يشعر بأنه كان يُعَدُّ من الألقاب العالية
في الدولة.