فصل غير ذي أهمية لكنْ ذو صلة
تحقَّقت الآمال الضعيفة التي بناها توم بيدلي بأن تُعفِيَه صداقةً تنشأ بين زبونه الجديد ولوتا شيلر ولو قليلًا من صُحبة السيدة. فبسرعةٍ شديدة بدأ يتَّضح له أن السيد فاندربوي لم يُقاسمه فحَسْب عبءَ تلك العلاقةِ الوثيقة؛ بل في الواقع كان في طريقه إلى إزاحة توم عن مكانته بوصفه الصديقَ الوحيد لها من الرجال. وهذا لا يعني أنها انصرفَت عن توم تمامًا؛ فقد كانت لا تزال مُداومة على زياراتها له في مرسمِه بين الحين والآخر؛ لكن تلك الزيارات كانت تَميل على نحوٍ غريب للغاية إلى التزامُن مع وجود السيد فاندربوي هناك.
لم يكن ثمة غبارٌ على الموقف، أو أيُّ محاولة لمواراته. فلم يُحاوِل الإفريقي المندفعُ المرهفُ الحسِّ أن يُخفي إعجابه بلوتا الحسناء المفعَمة بالحيوية، أو حقيقة أنهما يقضيان أوقاتًا طويلة معًا؛ أما بالنسبة إلى السيدة، فلم تبذل أيَّ عناء لإخفاء تلك العلاقة الجديدة. وهكذا، راقب توم باستمتاع مشوبٍ بالكآبة — مُسترشدًا بنبراس تجرِبته — ظهورَ الأعراض المألوفة؛ ولاحظ أن السيد ويليام فاندربوي قد تَرَقى إلى سَمْت ولقب بيلي — مع الإضافات المعتادة أو بدونها — وأنه لم يعُد مُطالَبًا باستخدام لقب السيدة لوتا شيلر عند مخاطبتها.
كان تقدُّم الصورة الشخصية يسيرُ بوتيرة ثابتة، لكن لكونها صورةً بالحجم الطبيعي تقريبًا وتتضمَّن بعض اللمسات التكميلية، كان تنفيذها يتطلب عددًا كبيرًا من الجلسات، مع أن توم كان غالبًا ما يُوفر الوقتَ بالعمل على رسم اللمسات التكميلية بين الجلسات؛ وعندما شارفَت على الاكتمال، بدأت جودتها تتجلَّى. كانت صورةً رفيعة الذَّوق ومتجانسة. لم تَنطوِ على أي مداهنة. كانت تُجسد الشبهَ بينه وبين صاحبها بصِدق، لكنه كان شبهًا جذابًا إلى حد كبير؛ إذ تُصور صاحب الصورة في أفضل أحواله، وإن كان بها أيُّ نزوع تجاهَ إبراز مواضع الاستحسان لديه، فقد كان ذلك مجردَ انعكاس لموقف توم بيدلي العادي من بَني جنسه لا أكثر.
من آنٍ لآخَر، كانت لوتا تمر بالمرسم (عادة في حوالي الثانية عشرة) كي تتفحَّص وتنقد، وكان توم يستمع إليها باستمتاعٍ فرح. فقد تخلَّت عن هُرائها حول الرسم التصويري والفن التقليدي. لقد صارت الآن فنانةً محافظة تتَّسم بالصراحة والأمانة. وعلى عكس النقَّاد الفنيين الذين كانت تستعير منهم عباراتها «المتحذلقة»، والذين يَعُدون «التشابه المحض» في صورة شخصية أمرًا غيرَ ذي أهمية تُذكَر، صارت تبحث عن التشابه دون سواه، بل إنها عندما شارفت اللوحةُ على بلوغ مرحلتها النهائية، كانت راضية عنها.
سألها فاندربوي بحماس وهما يقفان أمام اللوحة: «أترَين أنها تُشبهني يا لوتا؟ آمُل ذلك، لكن يبدو بها شيء من التزلُّف.»
قالت: «يا لك من أحمقَ ضئيل لا يعرف قيمة نفسه يا بيلي.» (كان طول بيلي دون حذائه أكثرَ من ستة أقدام بقليل.) «فأنت لا تُدرك كم أنت وسيم.»
تهللَت أساريرُه ونظر إليها بابتسامة إعجاب وقال: «عزيزتي، لديَّ استعداد دائم للتعلُّم، وبخاصة منك.»
قالت: «إذن، صدِّقني عندما أُخبرك بأن رجل القضاء الوسيم المرسوم في تلك الصورة هو نسخة مطابقة تمامًا من صديقي بيل، دون أي تملُّق. أليس كذلك يا توم؟»
أجابها: «أظن ذلك. لقد رسمتُه كما أراه ويراه أصدقاؤه، وآمُل أن أكون قد أوفيته حقه بإنصاف.»
أكَّد رأيَ توم واحدٌ من أصدقاء «بيل» الآخَرين، السيد بولتون على وجه التحديد، الذي كان يزوره من آنٍ لآخر، ويُتابع تطورات العمل بأشدِّ قدر من الاهتمام؛ نوع من الاهتمام الذي يُوليه شخصٌ لشيء يملكه؛ إذ تبيَّن، في الواقع، أنه كان وراء الاتفاق على رسم الصورة بعد تجرِبة الصور الفوتوغرافية ووُجدت أنها لا تَفي بالمراد (فالصور الفوتوغرافية لذوي البشرة الداكنة تجعلهم يبدون بلا أي جاذبية). وجاء التأكيد في مناسبة معينة تجمَّع فيها الأشخاص الأربعة المعنيُّون حول الصورة، التي كانت قد انتهَت عمليًّا الآن، يناقشون مزاياها.
قال السيد بولتون بنبرة المُحاضِر: «أرى أن فن الرسم أشبهُ بقوة خارقة. بالطبع أستطيع أن أرسم رسومات بمقياسٍ نسبي لأستخدمَها في عملي، لكنها تكون مجردَ رسوم بيانية توضيحية. فهي لا تبدو كعناصر حقيقية؛ أما تلك الصورة، إن وقفتُ بعيدًا عنها قليلًا، ونظرتُ إليها وأغمضتُ إحدى عينَي، يُخيَّل لي أني أنظر حقًّا إلى السيد فاندربوي.»
وافقَته لوتا قائلة: «أجل، فهي صورة طبق الأصل؛ تكاد تبدو دقيقةً كصورة فوتوغرافية.»
قال بولتون معترضًا: «أستمحيك عذرًا يا سيدتي، لكنها تفوقها دقةً بكثير. فالمرء لا يُمكنه أن يصل إلى تلك النتيجة بالتصوير الفوتوغرافي.»
«لا أعني الألوانَ بالطبع، بل أعني تصوير الهيئة.»
قال بولتون مصرًّا على رأيه: «لكن يا سيدتي، تلك الصورة تحوي شيئًا أكثرَ من مجرد تصوير للهيئة؛ شيئًا لا يمكن للتصوير الفوتوغرافي أن يبلغه. لقد حاولتُ التقاط بضع صور للسيد فاندربوي عندما كنت أُعلِّمه فنيات التصوير، لكنها كانت قاصرة تمامًا. فقد بدت هيئته فيها مطابقة تمامًا للواقع؛ حتى إنها تصلح لاستخدامها في التعرُّف على هويته على أحسن وجه؛ لكن كان ثمة شيءٌ ما يُعوِزها، وذلك الشيء هو ما قد نُسميه الشخصية. وهذا بالضبط ما تُصوره الصورة الشخصية المرسومة؛ فهي تُصوِّر السيد فاندربوي برُوح شخصيته، بينما الصور الفوتوغرافية مجرد تصوير لهيئته.»
أومأ توم موافقًا. قال: «السيد بولتون مُحق. التصوير الفوتوغرافي يُمكنه أن يُخرِج صورةً طبق الأصل لعنصرٍ ما، كتمثال أو مبنًى لا يتغيَّر شكلُه دومًا. لكن الشخص الحقيقي يتبدَّل بين اللحظة والأخرى. الصورة الفوتوغرافية لا يسَعُها إلا أن تُظهر شكلَ الشخص في لحظة بعينها، لكن الصورة الشخصية المرسومة لا بدَّ أن يتغاضى رسامُها عن عوارضِ اللحظة، ويُفتش عن الشخصية الجوهرية الثابتة.»
بدَت تلك فكرةً جديدة تمامًا بالنسبة إلى لوتا؛ إذ صاحت مندهشة:
«حقًّا! لم يخطر لي ذلك من قبل أبدًا، وأنا آسفة جدًّا كذلك؛ إذ كنت أنوي أن أطلب من السيد بولتون التقاط صورة فوتوغرافية لبيل وهو في وضعية الرسم. لكن إن كانت الصورة الفوتوغرافية لن تُشبهه في الحقيقة، فلا أريدها. لكني أجد ذلك محبطًا جدًّا.»
قال بولتون: «لا داعي للإحباط يا سيدتي. فإن سمح لي السيد بيدلي بالتقاطِ صورةٍ للَّوحة، فسيكون لديكِ صورةٌ مرسومة بكل سمات اللوحة الأصلية عدا الألوان. ستكون نسخة مطابقة.»
تهلَّلَت أسارير لوتا وشكرت السيد بولتون بحرارة شديدة؛ حتى إنها أخبرَته، لدهشته الجمَّة، أنه ظريفٌ للغاية.
سألها بعد أن حصل على الإذن بالتصوير: «بأي حجمٍ تُريدين الصورة يا سيدتي؟»
أجابته: «أريدها صغيرة جدًّا، حتى أتمكَّن من وضعها داخل علبة صغيرة أستطيع حملها معي، أو ربما في دبوس زينة أو دلَّاية أستطيع ارتداءها. هل سيكون ذلك ممكنًا يا سيد بولتون؟»
«بالطبع يا سيدتي؛ لكن إن سمحتِ لي، الدبوس أو الدلاية ليسا مناسِبَين تمامًا لغرضك؛ لأنك عندما ترتدين أيًّا منهما ستكون الصورة ظاهرة للجميع عداك.»
ضحكت لوتا. قالت: «بالطبع، يا لي من غبية؛ وعرضُ الصورة الغالية للغرباء هو بالضبط ما لا أريده. لكن ماذا تقترح؟»
أجاب: «أعتقد أن القلادة المطوية القديمة الطِّراز ستكون الحلَّ الأفضل لمرادك.»
تدخَّل فاندربوي قائلًا: «قلادة مطوية! ما القلادة المطوية؟ عذرًا، لكني مجرَّد إفريقي بسيط جاهل.»
قال بولتون مفسرًا: «القلادة المطوية يا سيدي، هي نوع من الدلَّايات، عادة ما تكون مصنوعةً من الذهب، على هيئة عُلبة مسطحة صغيرة تنفتح بمفصل، وبداخلها إطاران صغيران. أحيانًا كان يوضع في كِلا الإطارَين صورة شخصية، لكن الأكثر شيوعًا هو وضع صورة في أحد الإطارَين، وفي الآخر خصلة من شعر اﻟ… الشخص المختار، مجدولة أو ملفوفة لفَّة صغيرة أو معقودة في شكل حلزوني مسطَّح.»
قَهْقَه فاندربوي بجذل. ثم قال: «تُعجبني فكرة القلادة المطوية تلك، لكني أخشى أنكم ستُواجهون مشقَّة في التعامل مع شعري.»
أجاب بولتون: «على الإطلاق يا سيدي؛ فكل خصلة من خصلات شعرك تتخذ بطبيعتها شكلًا حلزونيًّا يُشبه زنبركَ ساعةٍ صغيرًا. تلك إحدى سِمات العِرق الإفريقي. هل أريك؟»
أخرج من جيبه ملقط ساعاتي ومقصًّا قابلًا للطي، والتقطَ شعرةً من رأس فاندربوي، وقصَّها بعناية، ثم وضعَها على بطاقة بيضاء، ومرَّرها على الحاضرين لتفحصها.
صاحت لوتا بإعجاب: «يا لجمالِها! تبدو مثل زنبرك ساعة صغيرٍ كما قلت. أجل، قطعًا سأحصل على قلادة مطوية.»
قال بولتون مقترحًا: «إن وَدِدتِ إطالةَ الشكل الحلزوني، ليُصبِح ملءَ الإطار، يُمكنك القيام بذلك بسهولة باستخدام شعرتَين أو ثلاث.»
قالت معترضة: «لكن ذلك سيُفسدها، وهي جميلة جدًّا. كلا، أريد زنبركَ ساعة واحدًا صغيرًا مكتمِلًا في منتصف الفراغ. ألا تُوافقني الرأي يا بيل؟»
أجابها بابتسامة عريضة: «بالطبع يا عزيزتي، لا سيما أنها ستظهر سِمَة عِرْقية. لكن كيف ستحصلين على القِلادة المطوية؟ هل ما زالت تُباع في المتاجر؟»
«أعتقد ذلك. لكني لا أريد قلادة تُباع في متجر. ستكون مجردَ شيء بلا روح من صنع الآلات، لا يليق ببيل الحبيب وشعرته الجميلة التي تُشبه زنبرك الساعة. ماذا تقترح يا سيد بولتون؟ أظن أن بإمكانك أن تصنع لي قِلادةً بنفسك، أليس كذلك؟»
«بالطبع أستطيع صُنع قلادةٍ من الناحية التنفيذية. لكني لست صائغَ ذهب. أما التصميم، فلا بد أن يُنفذه فنان. إن وضَع السيد بيدلي تصميمًا لها، سأُنفذه لك بكل سرور.»
«أوه، ولكن ذلك لطفٌ منك يا سيد بولتون! أنت لطيف للغاية حقًّا. أظن أني أشَرت سابقًا إلى أنك ظريف جدًّا.»
أجاب بابتسامة ساخرة نوعًا ما: «أعتقد أنك فعلتِ يا سيدتي، وأنا أشكرك جزيلًا على تلك اﻟ… اﻟ… المجاملة.»
«لا داعيَ للشكر يا سيد بولتون. والآن يا توم، بخصوص تلك القلادة. هل بإمكانك تصميمُها؟»
أجاب: «أجل. لقد رسمتُ من قبلُ بعضَ التصاميم لأعمال أحد الصائغين، وتصميمُ قلادة بسيطة لن يكون صعبًا، وبخاصة أنني سأتعاون مع السيد بولتون. إن شئتِ، سأرسم لكِ بضع رسومات تجريبية لتطَّلعي عليها، ثم يُمكننا بعد ذلك أن نُناقش مسألة الزخارف التي ستُزينها.»
«أجل، سيكون ذلك لطفًا كبيرًا منك يا توم؛ ولا بد أن تُعلمني بالتكلفة.»
قال فاندربوي: «هذا ليس من شأنك يا لوتا. فستكون هدية منِّي.»
«هذا نبلٌ بالِغ منك يا بيل. بالطبع سيجعلها ذلك أثمنَ بكثير، وسأقبلها ممتنَّة بشرط واحد؛ أن تُصنَع لك قلادة أنت أيضًا، وأن تدَعني أُهديها إليك.»
سألها: «لكن الرجال لا يرتدُون القلائد، أليس كذلك؟»
قال توم: «كانوا يرتدونها قديمًا قبل ظهور ساعات اليد. كانت القِلادة عادةً تتدلَّى من سلسلة الساعة.»
قال فاندربوي: «حسنًا، كما ترون، أنا أحمل ساعةَ جيبٍ متصلةً بسلسلة؛ لأن ساعة اليد لا تُناسب المنطقة الاستوائية؛ لذا أنا أهلٌ للحصول على قلادة مطوية، وأود كثيرًا أن أقتنيَ واحدة بها صورةٌ شخصية للوتا وخصلةٌ من شعرها الذهبي الجميل. هل تَقبلان أيها السيدان بتلك المهمة؟»
أبدى السيدان موافقتهما، في حينِ اعترضَت لوتا قائلة:
«لكن تفويضهما بتلك المهمة ليس من شأنك. إنها من شأني أنا؛ فالقلادة ستكون هديةً مني.»
ابتسم فاندربوي بدماثة. ثم قال: «لقد عُرِضَت المهمة وقُبِلَت دون تحيُّز كما نقول في لغة القانون. أما تلك المسألة الأخرى فلها اعتبارٌ آخَر. والآن علينا أن نُرتب التفاصيل. أريد أن تتضمَّن القلادةُ صورة شخصية وخصلةَ شعر ذهبية. الشعر لن يُمثل صعوبة؛ فهو متوفِّر كما هو واضح. لكن ماذا عن الصورة؟ هل نطلب من السيد بولتون أن يصنع لنا صورة فوتوغرافية صغيرة؟»
صاحت لوتا قائلة: «كلا، وأنا مندهشة لك يا بيل؛ فقد سمعتَ لتوِّك ما قاله هذان الخبيران بشأن الصور الشخصية الفوتوغرافية. كلا، يجب أن تكون صورة مرسومة حقيقية. سأرسمها بنفسي، ثم سأطلب من السيد بولتون العزيز أن يلتقط صورة فوتوغرافية صغيرة للوحة، وأنا واثقة من أنه لن يرفض.»
قال بولتون: «قطعًا لن أرفض يا سيدتي. سيكون ذلك من دواعي سروري، وأرى أن تلك فكرةٌ رائعة للغاية. فستكون تَذكارًا مزدوجًا؛ صورة شخصية لصاحبةِ الهدية، وعيِّنة من صُنع يدها.»
غير أن فاندربوي كان أقلَّ حماسًا. (كان قد رأى «صُنْع يد صاحبة الهدية» دون بولتون.) فقال مقترحًا: «لم لا تَسمحين لي بإسناد مهمة رسم صورةٍ شخصية لك إلى السيد بيدلي.»
أجابته قائلة: «لن تفعلَ شيئًا من ذلك القبيل. القلادة ستكون هديتي إليك وأريد أن تكون الصورةُ الشخصية من صنع يدي.»
لم يَعُد ثَمة ما يُقال. بدا فاندربوي واجمًا بعض الشيء، وشعر توم — الذي لم تسمح له دماثةُ خُلقه أن يُبديَ أقلَّ قدر من التندُّر — بالأسف. فقد لاحت في ذاكرته بوضوحٍ لوحةُ «السيدة العذراء» مُنذِرة بعقَبات مستقبلية وخيبةِ أمل للسيد فاندربوي. غير أنه لم يُعلِّق. فربما يفتح المستقبلُ بابًا ما للخروج من تلك المعضلة.
بعد بِضعة أيام، وفي الجلسة الأخيرة للرسم، وبعد إضافة بضع لمسات أخيرة لتكون الصورةُ قد اكتملت تمامًا، رافق توم صاحبَها إلى صانع الأطُر كي يُعينه في اختيار إطارٍ مُناسب. بعد أن فرَغا من ذلك الأمر، أخرج توم بضعةَ رسومات أوَّلية رسمها خلال الفترة الماضية تُظهِر تصاميمَ بديلةً للقِلادتَين. كانت القلادة المخصَّصة للصورة الشخصية التي تُصوره واقفًا بيضاوية طويلة نوعًا ما، بينما كانت الأخرى، التي ستُعلَّق في سلسلة ساعته، أصغرَ بدرجة ملحوظة ودائرية الشكل. كان كِلا الشكلَين كانا مرسومَين بعدَّة بدائلَ من التصاميم الزخرفية؛ بمعدِنٍ بسيط منقوش بارز، وبمِينا ملونة، وبأحجار كريمة.
قال توم: «إن كنتَ ستلتقي بالسيدة شيلر فقد يُمكنك أن تُطلِعَها على الرسوم الأولية، وتُناقشها معها، وإن اتفقتما على أن تكون القلادة الصغيرة بالشكل الدائري، فلتُذكِّرها بأن تُصمم صورتها الشخصية بحيث تملأ المساحة الدائرية بحيث لا يكون الرأس أصغرَ من اللازم.»
قال فاندربوي: «سأقابلها بعد نصف الساعة. سنتناول الغداء في مكان اكتشفتُه في سوهو؛ لذا سيكون لدينا فرصة لمناقشة التصاميم. لكني أعتقد أن كِلَينا سيُحب أن يستشيرك في الأمر.»
وافقه توم قائلًا: «أجل، ربما يكون خوضُ نقاش بسيطٍ مفيدًا؛ إذ إن الرسومات الأولية غيرُ واضحةِ التفاصيل. ربما بإمكاننا أن نلتقيَ نحن الأربعة في المرسم بعد أن تنتهيَ السيدة شيلر من رسم صورتها الشخصية، كي نُناقش الترتيبات النهائية.»
قال فاندربوي: «سأقترح عليها ذلك، وسأُبلغك والسيد بولتون عندما تكون الصورة الشخصية جاهزة.» ثم أسرَّ إليه قائلًا: «كنت أتمنى لو أنها وافقَت أن ترسمها أنت. فأسلوبُ عملها لا يبدو لي ملائمًا تمامًا لصورة شخصية؛ لكني بالطبع لستُ أهلًا للحكم. ما رأيك أنت؟»
كانت آراء توم بذلك الصدد قاطعة تمامًا؛ لكن إجابته كانت مُراوغة على نحوٍ رصين.
«أنا لم أرَ من قبلُ صورة شخصية من رسمها؛ لذا لا يُمكنني أن أحكم، لكن لنأمُلِ الأفضل.»
بعد ذلك القول، وبُغيةَ تجنبِ الخوض في موضوع خطير؛ صافحَ فاندربوي بوُدٍّ ومضى كِلا الرجلَين في طريقِه.
حدثَت المقابلةُ بعد نحوِ أسبوع، وكان بولتون هو مَن حدد اليومَ والساعة، وقبل الموعد المحدَّد بقليل، حضر ذلك الحِرَفيُّ الماهر، وشرَع في عمله دون تأخير. أخرج مِن أحد جيوبه العديدة الواسعة كاميرا صغيرةً قابلة للطيِّ، تبيَّن عندما فتحها أنها مجهَّزة بميزانِ استواء وإطار لتحديد المنظر.
قال: «لم أُحضر معي حاملًا لأني فكرتُ أن حامل الرسم سيكون أنسبَ وأكثرَ صلابة. هل بوُسعك إقراضي واحدًا؟»
أجابه توم: «أجل، لديَّ واحد شاغر ثقيلُ الوزن وله قضيبُ رفعٍ ملولب، سيَفي بغرضك على أكملِ وجه. إنه ثابتٌ كصخرة.»
سحبه من مكانه وجرَّه إلى موضع مُقابل للصورة، ثم تولَّى بولتون أمرَه، فوضع الكاميرا على منصته، ومستعينًا بإطارِ تحديد المنظر، ضبط موضع الكاميرا بالنسبة إلى الصورة حتى ملأَت تلك الأخيرةُ فراغَ الإطار بأكمله. ثم ضبط التعريض الضوئي، وكان يلفُّ الفيلم المتعرض عندما دوَّى صوتُ جرس المرسم معلنًا وصولَ الطرفَين الآخرَين للاجتماع. حيَّاهما بولتون بانحناءةِ رأس، لكن بدا له أنَّ مُحيا فاندربوي غاب عنه بَشاشتُه المعتادة؛ بل إن السيد الإفريقي بدا في الواقع متجهِّمًا بوضوح. على الجانب الآخر، كانت لوتا الحسناء المتقلِّبة المزاج في أسعد حالاتها، وبدَت في غاية الرضا والسعادة بنفسها.
صاحت لوتا وهي تدلف إلى المرسم بخطواتٍ متواثبة: «مرحى! ها هو السيد بولتون العزيز يستغلُّ الوقت مثل بطةٍ منضبِطة، وعلى أتم الاستعداد لبدء العمل.» وصافحَته بحرارة وتابعَت قائلة: «ويا لها من كاميرا صغيرة ظريفة! لكن أليست صغيرة بعضَ الشيء بالنسبة إلى تلك الصورة الكبيرة؟»
«ستكون الصورة الفوتوغرافية صغيرةً جدًّا يا سيدتي، كما تذكرين؛ لا يتجاوز ارتفاعُها بوصة ونصف البوصة.»
«أجل بالطبع. يا لي من غبية. هل ستلتقطُ الصورة الآن؟»
«لقد التقطتُها بالفعل يا سيدتي، وسيسُرني كثيرًا التقاطُ صورة للوحتك عندما تكون متاحة.»
قالت لوتا وهي تفتح حقيبة يدها وتُخرج منها مظروفًا أبعادُه حوالي ثماني بوصات في ستِّ بوصات: «إنها متاحة الآن. لقد صنعت لوحة صغيرة جدًّا كما ترى، لكنِّي أظن أن حجمها سيكون كافيًا.»
أجاب بولتون: «ذلك الحجمُ كافٍ جدًّا؛ إذ يجب تصغير الصورة كثيرًا.»
أخذ المظروف الذي ناولته إياه، وفتح طرَفه، وبحرصٍ أخرج لوحة صغيرة بالألوان المائية مثبَّتة على بطاقة، وهو ينظر إليها بابتسامة إجلال. خرجت وظهرُها إلى أعلى، لكنه قلبها بسرعة، وحينها تلاشت الابتسامة من محيَّاه، ليحلَّ محلَّها الدهشةُ والفزع. لبضع لحظات، وقف متسمرًّا عاجزًا عن النطق، يُحدق في الشيء الذي يحمله في يده في ارتياب. ثم استرقَ نظرة إلى الفنانة، فاطمأنَّ عندما وجدها تُراقبه بابتسامة ماكرة. قال في نفسه إنها مزحة لا محالة، لكنه كان كَتومًا للغاية فلم يُفصِح عن ذلك. وقرَّر أن ينتظر ويدعَ الأمور تأخذ مجراها.
قالت لوتا: «حسنًا يا سيد بولتون، ما رأيك؟»
أجابها بابتسامة حذِرة: «بما أنك سألتني رأيي يا سيدتي، فأنا لا أظنُّ أنك أوفيتَ نفسَك حقَّها.»
سألته: «لكنك لم تكن لتُريدني أن أتملَّق نفسي، أليس كذلك؟»
أجاب: «أوه، كلا يا سيدتي. لكن لم يكن ثَمة داعٍ لذلك. فما كان عليكِ سوى أن تُصوِّري نفسك كما أنت بالضبط لتصنعي صورة شخصية بديعة.»
ضحكت لوتا بابتهاج. «شكرًا لك يا سيد بولتون على تلك المجاملة المُنمَّقة.»
تدخَّل فاندربوي قائلًا: «تلك ليست مُجاملة على الإطلاق. إنَّ السيد بولتون مُحِق تمامًا. ما أردته هو صورة تُشبهك، لكن تلك الصورة لا تُشبهك على الإطلاق. ما كنت لأعرفَها قط. ما رأيك يا سيد بيدلي؟» لكن توم، الذي كان يتطلَّع إلى الصورة من خلف كتف بولتون، ضاهى ذلك الأخير في حذره.
قال: «بالطبع، هي ليست تصويرًا بالمعنى الحرفي. لكن ذلك لم يكن القصدَ منها.»
وافقَته لوتا قائلةً: «بالضبط! فالتشابهُ الجسدي لم يكن هو مَقصَدي. فتلك الصورة الشخصية ليست فنًّا تصويريًّا. إنها عمل فني يُعبر عن الذات.»
استمرَّ الجدال الدائر بين لوتا وفاندربوي لبعض الوقت، واعتراه شيءٌ من الحدة، ناهيك عن المرارة. لكنه لم يُفضِ إلى شيء. فلم تتزعزع لوتا عن موقفها، واضطُرَّ فاندربوي في النهاية إلى التراجع منهزمًا. في تلك الأثناء، وبعد أن أدرك بولتون مذهولًا أن ذلك الشيء غيرَ المعقول يجب أن يُؤخَذ بجِدية، أخذه بجدية، ودون أيِّ تعليق آخَر، علَّقه على الحامل بجوار الصورة الشخصية الأخرى وشرعَ يلتقط الصورة بجدية. بعد أن انتهى وأعاد الصورةَ إلى صانعتها، أُخرِجت الرسوم الأولية للقلادتَين ونُوقشت باستفاضة؛ وكانت النتيجة التي تمَّ التوصُّل إليها هي أن كِلتا القلادتَين ستُزيَّنان بتصميم بسيط مطعم بالمينا، على أن تُترَك التفاصيل للمصمم والمنفِّذ.
قالت لوتا وهي تدسُّ «صورتها الشخصية» في حقيبة يدها: «هذا كل شيء على ما يبدو.»
قال بولتون مُذكِّرًا إياها: «عدا خصلتَي الشعر يا سيدتي. إن سمحتما لي بأخذ عينة من الشعر لكلتا القلادتَين، فسأتمكَّن من متابعة العمل دون أن أُزعجكما مرةً أخرى.»
من جيوبه التي لا تنضب، أخرج ظرفَي بذور وملقطًا ومِقصًّا قابلًا للطيِّ، ووضعهم جميعًا على الطاولة. بدأ بفاندربوي، ففصل إحدى خصلات شعرِه الشديدة التجعُّد، وقصَّها من منبتها، ثم وضعها على الفور داخل أحدِ الظرفَين، وكتب عليه بعد أن أحكم غلقه «السيد دبليو فاندربوي».
راقبَته لوتا وعلى وجهها ابتسامة، وأثنَت على حرصه.
«سيكون الأمر مربكًا بعض الشيء إن احتفظت معك بظرفَين غيرِ معنونَين، فلا تستطيع التمييز بينهما. والآن، ما مقدار ما تُريد من شعري؟ أرجوك ألا تُغالي. فلا يُمكن أن أدعَك تترك لي رُقعة خاليةً من الشعر.»
قال بولتون مطمئِنًا إياها: «قطعًا لا يا سيدتي. اثنتا عَشْرة شعرةً ستكفي، ولن تُلاحظي غيابها أبدًا.»
وعلى سبيل التأكيد، عدَّها واحدة واحدة، ثم جمع الخصلة الصغيرة وقصَّها بالقرب من منبتِها. بعد أن برَم الخصلة صانعًا منها خيطًا مبرومًا بغير إحكام، لفَّها بعناية ووضعها في المظروف، ثم أغلقه وكتب عليه «السيدة لوتا شيلر».
بهذا انتهَت الإجراءات، وبعد أن وضع بولتون المظروفَين الثمينَين في محفظة جلدية متينة، ودسَّ تلك الأخيرة في جيب داخلي فضفاض، نهضت لوتا والسيد فاندربوي معًا كي يستأذنا للرحيل، وبعد أن صافحا السيد بولتون، اصطحبهما مُضيفهما إلى الخارج.
عندما عاد الأخير للمَرسم، وجدَ شريكه جالسًا لقاءَ الساعة ينظر إليها بتركيز شديد على ما يبدو. التفتَ عندما دخل توم، وحدَّق فيه قاطبًا حاجبَيه، وصاح في جدِّية:
«ذلك أمرٌ من أغرب ما يكون يا سيدي.»
سأله توم وهو ينظر إلى الساعة دون أن يرى فيها أيَّ شيء غير عادي: «أيُّ أمر؟»
«أقصد تلك الصورة الشخصية للسيدة شيلر يا سيدي. أنا مذهول للغاية. في البداية افترضتُ أنها مُزحة.»
ابتسم توم وعقَّب قائلًا: «لكن فاندربوي لم يَفترض ذلك.»
«قطعًا لم يفعل. لكن، هل تفهم الأمر يا سيدي؟ لقد بدَت لي بالضبط كتلك الصور الشخصية التي كنت أرسمها أنا وغيري من الأطفال حين كنت في العاشرة. لكني أظنُّ أني مخطئ حتمًا. هل أنا مُخطئ يا سيدي؟»
أجابه توم: «كلا، أنت مُحق تمامًا.»
قال بولتون معترضًا: «لكن السيدة شيلر رسَّامة مُحترِفة حسَبما فهمت. هل تُجيد الرسم بالرَّصاص أو الألوان حقًّا؟»
«إن أردتَ رأيي يا بولتون، فسأقول لك إنها لا تستطيعه. هي ترسم بتلك الطريقة لأنها لا تُجيد غيرها.»
«ولكنه أمر عجيب يا سيدي. إن لم يكن باستطاعتها الرسمُ بالرصاص أو بالألوان، فكيف تتمكَّن من مُمارسة مهنة الرسم؟»
أجابه توم: «لا أعرف إن كان يصحُّ وصفُها بممتهِنةٍ للفن. فهي لم تَبِع أيًّا من أعمالها أو تَعرِض أيًّا منها من قبلُ. وعادةً ما يعني المرء بعبارة «مُمتهِن للفن» فنانًا يكسب عيشَه من أعماله. مع ذلك، ثَمة رسَّامون أعمالُهم ليست بأفضلَ من أعمالها يعرضونها بل ويبيعونها. بإمكانك أن ترى أعمالهم في المعارِض الفنية الغريبةِ الأطوار العديدة التي تُقام من حينٍ لآخر في لندن. تلك هي الوسيلة التي تَستوحي بها السيدةُ شيلر أفكارَها. لقد ذهبَت إلى أحد تلك المعارض الغريبة التي يُروِّج لها الصحفيُّون الفنيون، وخطَر لها أن تلك الأعمال تبدو سهلةَ التنفيذ لدرجة أنها قرَّرت أن ترى ما إذا كانت تستطيع الإتيان بمثلِها. فحاولَت، ووجدَت أنها تستطيع ذلك. وهذا أمر طبيعي. فأيُّ شخص يستطيع ذلك؛ حتى إن كان طفلًا، بل حتى بعض الأطفال يُمكنهم الإتيانُ بأفضلَ منه بكثير.»
«لكن هل ثَمة من يأخذ تلك الأعمالَ على محمل الجِد؟»
صاح توم: «على محمل الجد! عزيزي بولتون، عليك أن تقرأ ملاحظاتِ النقاد الفنيِّين عليها، وتُشاهد أولئك الأغبياءَ الذين يودُّون أن يعتقدهم الناس «رفيعي الثقافة» وهم محتشدون في تلك المعارض الفنية، يُحدقون فيما يحسَبونه أحدثَ ابتكارات الفن التقدمي فاغرين أفواهَهم. لكن إحقاقًا للحق، هم نادرًا ما يشترون أيًّا من تلك الأعمال.»
«وماذا عن الفنانين الذين يصنعونها يا سيدي؛ هل هم مُدَّعون أم مجرد أشخاص مهووسين؟»
أجابه توم: «من الصعب تحديدُ ذلك. لقد كان الفنانون الحداثيون الأوائلُ لديهم هوَسٌ بَحْت، بل إن بعضهم كانوا مختلِّين عقليًّا بلا أدنى شك. لكن في وقتنا الحاليِّ يستحيل الحكم. أتدري يا بولتون، مُضرَّة ذلك هي أنك بمجرد أن تتقبَّل أعمالًا رديئة طفولية همجية باعتبارها أعمالًا فنِّية أصيلة، فأنت بذلك تفتحُ الباب على مِصراعَيه أمام المدَّعين.»
«وماذا عن السيدة شيلر يا سيدي؟»
«حسنًا، لقد قابلتَها بنفسك يا بولتون. هي قطعًا ليست مختلَّة، وقطعًا لا تُجيد الرسم؛ وانطباعي هو أنها تُدرِك ذلك كما نُدركه أنا وأنت. أما دافعها للاستمرار في الادِّعاء، فلا يعرفه سواها.»
تأملَ بولتون في هذه الإجابة لبرهة؛ ثم طرح سؤالًا آخر.
«أنا في حيرة يا سيدي بشأن علاقتها بالسيد فاندربوي. فهي كما فهمتَ امرأةٌ متزوِّجة؛ لذا فتلك العلاقة ليست لائقةً بأيِّ حال من الأحوال. لكنِّي أشعر أنَّ ثمة أمرًا غيرَ حقيقي بشأنهما. يُخيَّل للمرء من تصرفاتهما أنهما صديقان مقرَّبان، إن لم يكونا حبيبَين بالفعل، وأنا مُتيقِّن أن ذلك هو شعور السيد فاندربوي حقيقة. لكن لديَّ شكوكي بشأن السيدة؛ وإن كانت مدَّعية في جانبٍ ما، فبوُسعِها أن تكون كذلك في غيره. لكني مثلك؛ لا أستطيع تصوُّر دافعٍ للاحتيال. بالطبع السيد فاندربوي رجل ثري، لكنِّي بطريقةٍ ما، لا أشكُّ في أنها تُحاوِل انتزاع أيِّ أموال منه. ولكن لا يُمكنني التوصلُ إلى أي دافع آخَر. حقيقة، أنا لا أفهم الأمر برُمَّته.»
سأله توم: «هل ثمة داعٍ لفهمه؟ إنه ليس من شأننا كما تعلم.»
«ليس ثمةَ داعٍ عدا أن السيد فاندربوي صديقي، وهو رجل غاية في الاحترام وجديرٌ بالحب. لا أحب له أن يَنخرطَ في أي مُنغِّصات.»
وافقه توم قائلًا: «أنت مُحق تمامًا يا بولتون، لكنِّي لا أرى أن بوُسعك أيَّ شيء عدا مراقبتهما بعينٍ متحفِّظة؛ وهذا ما يبدو أنك تفعلُه بالفعل.»
بتلك الملاحظة، انتهى النقاش، ونقَل طرَفاه اهتمامَهما إلى الرسومات الأولية والتباحثِ بشأن التفاصيل الفنِّية المتعلقة بفنِّ صياغة الذهب.