نور الأندلس
١
من حسنات الحياة زيارة الأندلس، ومن الكفارات عن ذنوب الناطق بالضاد الحج إلى الحمراء، التي قال فيها الشاعر:
ومن حظي أني كنت من الحاجين، زرت تلك البلاد المباركة في موسم ظننته — أولًا — موسم الأعياد، ولكني بعد أن طفت في شوارع سفيليا (إشبيليا العرب) وتنشقت هواء برها، وشممت نفح طيبها، وسمعت حمارها وفلاحها وشريفها يتغنون ﺑ «أندلثيَّا» — وهم يلفظون السين ثاء — ويناجون ربة السرور جودهم ليل نهار، بعيونهم وبأرواحهم الخفيفة ساعة الأشغال، وبالعود والقانون ساعة اللهو والطرب؛ علمت أن عام تلك البلاد موسم، ومواسمها أعوام يتلو الواحدُ الآخر دون انقطاع.
فالأندلس بلاد الرقص والقمار، بلاد الكنائس أيضًا وحرب الثيران. إنما هي قطب السرور في فلك الإسبان بل هي في نظر الأندلسيين بلاد الله وحدها، لا شريك لها في ذا الشرف الفريد، وقد قال أحدُ ظرفائها: «خلق الله العالم في ستة أيام ثم جلس في اليوم السابع في الأندلس ليستريح.»
على أن الزائر لا يرى حتى للخالق تعالى فرصة للسكون أو مجالًا للارتياح، فالكنائس مثل القهاوي والمسارح وبيوت الميسر كلها أبدًا مفتوحة، تمثل فيها الحركة الدائمة، والناس قائمون قاعدون يودعون عيدًا ويستقبلون آخر، ومن غريب الأُمُور ولطيفها أن حيث تكثر الأعياد تقل الصلاة، فالأندلسيون قلما يصلون رغم مواكبهم الدينية العظيمة وموسيقى كنائسهم الرهيبة الفخيمة، وقد يحول ذا الجمال الظاهر في الاحتفالات، دون الصلوات، ولكن هذا بحث آخرُ ما لنا وله الآن، إلا أني أقول قد يستغني المرءُ أحيانًا في الحركة عن البركة؛ إذ لا وقت لمن عيدُهُ دائمٌ أن يُحاسِبَ نفسه، أو يحسد جاره، ولا وقت يضيعه بالتذمر والشكوى.
والذي يخيل لي أن الله بعد أن جلس في الأندلس يستريح باركها ثم هجرها، وأبناء البلاد حتى الآن يعيِّدون كتلاميذ المدرسة عند تغيب المعلم، وما أجمل ما فاح من تلك البركة، وما تجلى وما تجسد في تلك البقعة من الأرض، ففي سمائها وفي شمسها عرش للعيد وهَّاج، وفي بساتينها وفي مروجها حلة للعيد لا تبلى، وفي هوائها جرثومة سحر تدخل قلبك فتشرع ترقص فيه حتى تستهويك وتستغويك فتخف الروح منك إلى نقطة الدائرة في مدينة الطرب والسرور، بل تستوقفك بهجًا، دهشًا، نشوانًا، فتسترسل مثل ابن البلاد، إلى كل من رقص وكل من شاد. وتسير معهم من عيد صغير إلى عيد كبير إلى عيد أكبر إلى عيد الأعياد في الربيع. ولكنك إذا جئت الأندلس من لندرة مثلًا لا من مصر، تتعب من الأعياد وتملها وهم لا يتعبون ولا يملون.
ثلاثة أبواب ينبغي أن تظل مفتوحة في وجه الأندلسي: باب القهوة، وباب اﻟ «كاسينو» وباب الكنيسة، فهو إذا خسر في المُقامرة يؤم الكنيسة أو القهوة حسب ذوقه وإلهامه، ليغير من حظه، ولم أر ما سوى ذلك في تلك البلاد للهرب من الأعياد؛ بابًا مفتوحًا. إلا إذا لجأ السئوم إلى الجبال، أو طفق يركض جنوبًا حتى قادش أو مالقة فيعتصم هناك بالبحر، أو لبس قبع الخفاء الذي يجده في خزانة الغابر من الزمان، فإن فيه باب فرج للمتفرج الغريب. أجل إن في قلب الأندلس ملجأ قَلَّمَا يلجأُ الأندلسيون إليه، هناك مقامٌ لا تُسمع فيه ضجة العيد، ولا تصل إليه أصداء الأغاريد.
مقامٌ بل مقاماتٌ هي أجمل ما في الأندلس أثرًا وذكرًا، وقد كان لها من السرور أيام زاهرة، ومن الطرب ليال باهرة عاطرة، ومن المجد أعلام وقباب، ومعاهد وأنصاب، ما تبقى منها اليوم غير قصور متهدمة نبتت في جدرانها الأعشاب، ونظم العنكبوت مرثاته فوق النوافذ منها والأبواب. وجلس في عروشها العالية السكون، ودُفن في جناتها المهجورة الشعر والأدب والفنون. وإنك لتسمع؛ لسكونها المهيب وخلوها من الأنس الرهيب هَمْسَ الشمس وهي تتمشى في عرصاتها ووَقْع نقط الندى من أغصان الليمون والرمان، على ورق الورد والبيلسان.
طلول كانت بالأمس معاهد وقصورًا، وقصور كانت يومًا دائرة المجد، وقطب الحبور، في قناطرها وقبابها وأبوابها صناعة دقيقة نادرة، وفي كل رسم من رسومها آية جمال تدهش اليوم أرباب الفن، وفي كل بيت من الشعر على جدرانها درة من المعنى، أو زهرة من التقوى منقوشة في بلاط منقطع النظير لونًا وتذهيبًا.
هذي آثار العرب وقد أمست عروشًا لربة النسيان، ومدفنًا لمجد الزمان، وظلالًا تجلب الأحزان، وعبرة بليغة للإنسان، وهي، وإن كانت كذلك، بهجة للناظرين، ومصدر وحي لأرباب الفنون والمتفننين، ولكن الذكرى، فيا لله من ذكرى تقبض على النفس فتجعلها كالجماد، لله من آثار تبتهج لمرآها العين فيذوب لمعناها الفؤاد، لله من بلد تغنت بمكارمه كل بلاد، لله من عِزِّك يا بن أمية، ومن مجدك يا بن عباد، أي عبد الرحمن والمنصور والمعتمد، من شادوا معاهد العلم والدين. لقد طالما اهتزت النفس لذكر مآثركم وطالما وقفت العين شغفًا عند أسمائكم في التاريخ. ولقد طالما تاقت النفس مني والعين إلى مشاهدة ما تَبَقَّى من تلك الآثار المجيدة، وها قد استُجيبت طلبتي وتحقق أكبر آمالي، فقد وطأت أرضًا عطرتها شمائلُ العرب، وجلت بلادًا عمرتها همم العرب، ووقفت أمام عروش هدمتها عصبية العرب.
سررت أني فزت بمهرب من العيد، فرحت كالهائم أنشد تحف النسيان، بل مخبئات الزمان، وما البادي من أثر غير غلاف لكنز مكنون، يستخرجه العلم، وتجلوه الفنون، فمن قصر إلى برج، ومن برج إلى طلل، ومن طلل إلى متحف، سرت كالهائم الولهان، نسيت العيد في القريب البعيد من الماضي المجيد. فمن اﻟ «هرلدا» أي: المئذنة التي شادها المهندس جابر للخليفة يوسف بن يعقوب، إلى برج الذهب الذي شاده ابن العلاء على ضفة وادي الكبير، ومن البرج إلى القصر الذي لم يزل فيه زاوية عامرة يقيم فيها ملك الإسبان عندما يؤم إشبيلية.
ومن القصر إلى المتحف، وفيه من آثار الفنون والعلم ما يُدهش حتى أربابها، هذه أبواب خلاص من الأعياد … ولكن الفرح بالخلاص لا يلبث أن يزول، فيحل محله كآبة شديدة الوقع تكاد تشابه حزن الحبيب في فراق الحبيب، وفي مشاهدة الطلول والآثار يسترسل المرء الرقيق الشعور إلى مثل هذه العواصف، وقد كمن فيها شبه سرور لا يصانع فيه، ومتى تكاثرت الأحزان واشتدت يقام لها عيد في القلب، فيضحك صاحبها وهو يبكي، ويردد الألحان وهو ينوح.
وقفت في تلك المئذنة القائمة إلى جانب كاتدرائية إشبيليا وهي أعظم كنيسة في أُوروبا خلا كنيسة القديس بطرس في رومية فانكشفت تحت عيني مدينة هي شرقية بل غربية في سطوحها البيضاء، وجاداتها العوجاء، وعرصاتها الخضراء، ومصاطبها الحافلة بالفل والقرنفل والمردكوش، وأهلها السائرون في الأسواق كأنْ لا شغل لهم غير شم النسيم وقطف الزهور، فتراءى لي العيد ثانيةً كأنه يقول، لا مهرب لك مني وأنت في هذه البلاد، فحولت نظري إلى القصر وبستانه الفسيح الجميل، ثم إلى البرج على ضفة نهر الكبير، فساح بي الفكر إلى الشام، إلى الكوفة، إلى الحجاز، إلى الحرمين، جالت بي الأحلام فأدنتني من مجد العرب الغابر بل مثلتْه حيًّا أمامي.
عرب الأندلس، عرب الشام، عرب بغداد، عرب الهند، أيعرف بعضهم بعضًا اليوم إذا اجتمعوا في نجد مثلًا أو في الحجاز؟ وأي صلة تصل بين بني عباد في أوج مجدهم وبني أمية، وبين بني العباس، وبين ببر المغول، بل أي صلة تصلهم كلهم بعرب الجزيرة؟ وأية من تلك الدول العظيمة الهائلة يدرك سرها اليوم في اليمن مثلًا، وتحترم شارتها، ويؤمل بتجديد عزها؟ أليس للعرب ما يظهر من الفكر نيرًا إلا إذا احتك بأفكار بعيدة غريبة؟ أَوَلا يثمر النبوغ العربي إلا إذا لقح بنبوغ أجبني؟ هل الفضل أو جُلُّه ببغداد للبرامكة، وبالشام وبيزنطة للرومان، وبالأندلس للفرنجة، وبسمرقند للعجم، وبكشمير للهنود؟ فما السبب إذًا في مجد شاده أولئك العرب الأماجد خارج الجزيرة؟ وما السبب في قِصَر عهده واضمحلاله؟
٢
زرت الأندلس حاجًّا، لا باحثًا منقبًا، وعدت منها وفي نفسي بهجة مَنْ شَاهَدَ أجمل ما في الآثار، وحدِّث أفضل من في الديار، ولا فخر في ما أقول، إنما هي الصدف إن شئت أن تدعوها كذلك، أو الجواذب النفسية إن كنت تعتقد بغير الجاذب الكائن في الأثير. وهاك القصة.
بعد أن شاهدت ما في إشبيليا من الآثار العربية والإفرنجية أيضًا، وأصبحت في محشر من الأعياد، قلت في نفسي: الهرب رأس الحكمة. فسافرت إلى غرناطة، قاعدة الدنيا في ذلك الزمان، وحاضرة السلطان، وقبة العدل والإحسان، وأقمت في القصبة الحمراء أُسبوعًا وددت لو كان أشهرًا، وكان قصدي أن أُقيم ثلاثة أسابيع، لولا دف العيد وزمره.
فقد صدف أن زيارتي كانت في الربيع ولم يكن أهل غرناطة ليقيموا بعد مهرجان أيار، عيد الأندلس العظيم، وهو شبيه بعيد النيروز عند العجم والعرب، وقد يكون أُخذ عنهم، وكنت شاهدت في إشبيليا فاتحة ذا المهرجان الذي يدوم شهرًا كاملًا، وهربت منه كما قلت، ولكن الويل للهاربين، فها إنه لحقني بخيله ورجله، بخيامه ونوباته ومشعوذيه، بأعلامه وراقصاته وأغانيه، وما كنت من النادمين أنتفع بالتجارب المكربة فأسد بالقطن إذني وأعتصم بالقصبة، بل هربت ثانيةً، تركت الحمراء وقصورها، وحيطانها الحافلة بجيد الشعر في مدح ملوكها، وذكر مجالسها، ووصف جناتها وبركاتها:
وسافرت إلى قرطبة، مسقط رأس ابن رشد أبي الولد، لأشاهد فيها الجامع الكبير، الذي شيد في عهد عبد الرحمن الأول مسجدًا صغيرًا، فنشأ والدولة نشوءًا طبيعيًّا؛ إذ أضاف إليه خلفاء عبد الرحمن الأربعة أقسامًا كبيرة، زادت بفخامته وجماله، وهو اليوم كنيسة قائمة على عُمُد الجامع القديم، التي تتجاوز الألف عدًّا.
وصلت إلى قرطبة مساءً، وأنا أحمد الله على خلاصي من المهرجان، لكني ما كدت أنزل من عربة السكة إلا ورب العيد والأغاريد، والكابوس العنيد … لا، لا، هي أصداء من غرناطة لم تزل ترن في أذني. دخلت المدينة مستعوذًا مستسلمًا، فإذا بالأصداء وقد تعاظمت، وبالأصوات وقد تضاعفت وتعددت وتجددت وترددت، لها غنات ولها هدير، غريبة الألحان والأغاني والضوضاء. وقد ملأت الفضاء وحيرت حتى السماء، فلا زئير الأسد وقد خالطها صفير البلابل يشابهها، ولا نهيق الحمير بين صياح الديوك وعجيج الثيران، ولا صدى المدافع وقد تخللها نعيق البوم وعواء الثعالب، ولا الأبواب وقد نفخت فيها القرود، ولا الدفوف في أيدي الجنود السود، بل كلها اجتمعت في قرطبة ضجيجًا، وتصاعدت عجيجًا، كأنها ألحان من الجحيم، أصيبت بمغص أليم، سددت أذني مستغفرًا الله مسترحمًا، فإذا بصوت يهمس فيها: يا هارب، يا جبان، هي نوبات المهرجان.
«عيد بأية حال عدت يا عيد» … ألا مهرب منك في بلاد الأندلس؟ ألا ملجأ للغريب فيها من نعيمك وخمرك، وطبلك وزمرك؟ وقد زاد في الطين بلَّة أن المنازل والفنادق بسبب هذا العيد المبارك، كانت كلها ملآنة، لا غرفة، ولا فرشة، ولا مسند فيها، لا لغريب ولا لنسيب.
فبعد أن جلنا المدينة كلها أو ما تلألأ بالأنوار منها وأجرة العربة تصعد كالزئبق في تموز، والدليل ترجماني يحرك يديه، ويهز كتفيه، شاكيًا آسفًا، بل خجلًا من ضيق بلده في وجه الزائر الكريم، وقفنا عند بوابة كبيرة إلى جانبها مصباح صغير ضئيل، فترجل الدليل وقال كمن أنزل عليه الوحي: «انزل يا (سنيور) انزل، سآخذك إلى بيت عمي وهو بيت يليق بك.»
فنزلت والحقيبة بيدي، وكذلك قلبي، فمشيت وراءه وكان المصباح عند الباب آخر عهدي آنئذ بالنور، مشينا في زقاق ضيق، لا يمكن أن يقع السائر فيه لقرب حيطيه الواحد من الآخر — إلا إذا وقع على وجهه أو ظهره — ومنه إلى ساحة منَّ عليها ببعض النور مصباحٌ في شباك مفتوح، فتنفست الصعداء، ولكننا لم ندخل الساحة إلا لنخرج منها إلى شبه جادة فيها شبه قنديل ظننته لبعده بصيص الحباحب ولم نصل إليه لأتحقق ظني، بل سرنا يمينًا ثم شمالًا إلى زقاق آخر مظلم، وقف الدليل فيه وهلة وقال: أعطني يدك، فأنزلني درجًا درجاته مثل دكات لبنان متهدمة، وهو يقول: لا تخف وصلنا، وأنا أقول في نفسي: إنه رأي غريب، في ما يليق بالغريب، أيقيم عمه تحت الأرض يا ترى؟
نزلنا الدرج دون حادث يستوجب عناية طبيب، فانبسطت أمامنا طريق شع فيها ما كنا نسيناه من حقيقة النور، فمشينا توًّا مسرعين، فإذا هناك مصباح لا ريب فيه فوق باب مفتوح، دخلناه كأنه باب الجنة، وسرنا في فناء الدار، وهي عامرة بالأنوار، وفيها أقفاص تغرد فيها الطيور، ومستنبتات نوَّرت فيها أنواع الزهور، ولكن الدار خالية من الأنس، وقد كان أهلها في المدينة يعيدون، ما سوى رب البيت، وهو شيخ جليل، جاء يتأهل بالغريب وبالدليل.
تكلم الدليل فابتسم الشيخ نسيبه، وسار وهو يشير أن أتبعه، فأدخلني غرفة صغيرة، لا نافذة فيها ولا شباك، إلا أن في بابها — وهو قبالة الحوض في الفناء — ثقوبًا تؤذن بتجديد الهواء، وصوت خرير الماء، وبعد المساومة — لا ضيافة في الأندلس اليوم — سألني الشيخ عن أصلي، فقلت عربي، فهش وبش، ونادى نسيبه، وهو يشير إلى قلبه ويقول: كلنا هنا عرب، إلا أنه تقاضاني أجرة الغرفة ثلاثة أضعاف إكرامًا للعيد، وقبض القيمة سلفًا إكرامًا — على ما أظن — للعرب.
وبعد حديث كان الترجمان صلته، علمت أن الشيخ ممن يعجبون جدًّا بعرب الأندلس، وإنْ كان لا يعرف للضيافة معنًى، ويعرف للمال ألف معنى، فهو في هذا مثل كل الإسبان بل مثل أكثر الأوروبيين اليوم، وهو من القليلين في الأندلس الذين يفرقون بين العرب والمغاربة، أو بين من جاء من بر الشام ومن جاء من إفريقية، فلا يقول: «مورو» إذا أراد أن يقول: عربي، والعكس بالعكس، وهو يفضِّل الأُمويين على سواهم، ويعجب بما كان لقرطبة في عهدهم من الشهرة والمنزلة في العلوم والفنون. وقد أخبرني أيضًا أن له ولعًا في درس الآثار، وبالأخص آثار قرطبة العربية، ودلني إلى بيوت في المدينة، لا ذكر لها في كتاب الدليل حيث تُشاهد فيها أمثال نادرة من البلاط الزليجي، أي المزجج المذهب.
ولم يخطر في بال الشيخ — وكان قد أطلق لِلِّسان العنان — أن قد أكون تعبًا، نعسًا، من السفر والضجر، فقد سُرَّ — ولا شك — بغريب الصدفة، فاسترسل في سروره، ودعاني إلى ردهة الاستقبال ليُريني فيها أثرًا جميلًا، أثرًا مدهشًا، وحقًّا أني انتعشت حالًا بما شاهدت، فتجددت فيَّ الرغبة بالسهر والحديث، كيف لا، والأثر عربيٌّ، ذكرني بما قرأته مرة عن أحد الأولياء، وكان قد مر بالزهراء، قصر المنصور، الذي:
فقال الولي: «يا دار فيك من كل دار، فجعل الله منك في كل دار»، ولم يكن بعد دعوته إلا أيام يسيرة حتى «نهبت ذخائرها، وعم الخراب سائرها.»
وهاك أثر جميل من ذاك الخراب، في تلك الردهة الأوربية الفرش والبناء، على حيطانها الأربعة، زنار من البلاط الزليجي منقوش فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله على نعمة الإسلام …» وكذلك نتف من الشعر مفككة الألفاظ، مقطعة المعنى.
سألني الشيخ قراءتها وترجمتها، ففعلت طاقتي، فهز رأسه أن قال تمام، وسر جدًّا ثم قال: وعندي أثر آخر يدهشك، وحمل القنديل الذي كان على الرف، وخرج من البيت يتقدمنا إلى زقاق خارج الدار، وهناك، في حيط ظاهره قديم، حجرٌ منقوش فيه «رشد» وقد كاد يمحو تلك الأحرف الزمان، فقرأتها مدهوشًا، فهز الشيخ رأسه وقال: لا شك عندي أن هذا بيت آفِروس — أي: ابن رشد — الذي كان يعلِّم الفلسفة في كلية قرطبة.
والأغلب أن بيت الفيلسوف — مثل سائر بيوت كبار المسلمين قديمًا — أُصيب بما أصيبت به قصور السلاطين، فتبعثرت حجارته، ورست في ذا الجدار بعضها، ولكني لم أُحاول أن أزعزع رأي سيدي الشيخ أو أُفسد ظنًّا له فيه فخر وسرور، فقلت: وهل هذه الدار قديمة، فقال: الغرفة التي تنام فيها هي أقدم ما في الدار بناءً، وهذا الحائط من حيطانها.
عدت إلى غرفتي وأنا لا أدري أني درت مع الشيخ حولها، فدخلتها والدهشة تملك نفسي، والهواجس تتجاذب الفكر مني والخيال، نعم، إن ما شاهدته لتافه جدًّا بالنسبة إلى الفخامة والعظمة في قصور إشبيليا وغرناطة، ولكن العين لا ترى ما تراه النفس، وقلما تحسب للرؤيا حسابًا، إن حجرًا منقوشة فيه ثلاثة أحرف عربية لَشِبْهُ نافذةٍ في غرفة صغيرة أرتني بل قربت مني ذلك العهد القديم المجيد.
وما المانع أن يكون هذا البيت بيت ابن رشد؟ أو هو — على الأقل — في الحي الذي أقام فيه، بل في مركز بيته الأصلي بالذات، وما المانع أن تكون هذه الغرفة — وهندستُها عربيةٌ — غرفةَ ابن رشد الخصوصية؟ أصغاث أحلام. قد يكون الحجر من حجارة قبر ابن رشد، فالإفرنجة هدموا وبعثروا حتى قبور المسلمين! اعترتْني الرعشة من ذي الذكرى، فاستعذت منها بغيرها، قد يكون هذا الأثر من الكلية التي كان يعلِّم فيها، حَسَنٌ، وقد يكون من نصب أُقيم له بعد موته، هذا أحسن، وإن كان لا يثبته التاريخ.
في كل حال وجدت نفسي تلك الليلة في دار لم تزل الروحُ العربية حيةً فيها، تلك الروح الخالدة في الشعر وفي العلم وفي الفنون، تلك الروح الحافلة بمصابيحَ من النور كابن رشد، والإدريسي، وابن العوام أبي ذكريا، والخلف أبي القاسم، وابن زيدون، وابن الخطيب، وأصحاب الموشحات وغيرهم من نوابغ الأندلس.
وها إن آثارهم أمست في كل دار من دور أعدائهم الفرنجة، وهم أو أبناؤهم اليوم من أشد المعجبين بهم. ففي قلب الأندلس روح العرب خالدة، ولكن مُلْكًا شيدوه أمسى أثرًا من الآثار، ومجدًا أقاموه استحال طللًا من الأطلال، ومعاهد علم أسسوها لم يبق منها حجرٌ على حجر، إلا ما استقر، بعد انفجار بركان التعصب، في حائط جديد، أو في بيت حقير مجهول.
فما السبب يا ترى في سقوط ذلك المُلْك الذي شَعَّتْ أنواره في ظلمات أُوروبا كنجوم البادية في الدجى؟ وما السبب في اضمحلال أركانه وأصوله؟ ما السبب في زوال مجده، وفي قِصَرِ أمله وعهده؟
أقفلت الباب ونزعت ثيابي وأنا هدفٌ لمثل ذي السؤالات ثم أطفأتُ الشمعة وسرت إلى السرير هائجَ النفس، أُعللها بالنوم، ولكني توسدت الأرق، وأنا أسمع خرير الماء في فناء الدار، وأرى منعكسًا على الحائط نقطًا من النور الذي دخل مكسرًا من ثقوب الباب. وما هي إلا هنيهة حتى بدأت تلك النقط تمتد فاتصل بعضها ببعض وأصبحت كالدائرة وهي ترتج وتتحرك على الحائط، نهضت من السرير لأرى ما في الدار، أو من فيها، فتحت الباب وخرجت مستكشفًا فإذا هناك مستنبتات الزهور والشاذروان والأقفاص والعصافير فيها نائمة، ولا نور غير ما يشع من المصباح في الإيوان، عدت إلى غرفتي، وأنا أظن أن ما بدا لي إنما هو وهم مني أو خدعة البصر كما يقال، فإذا بالنور، بعد أن أقفلت الباب قد أحاط بالكرسي كالهالة واستحال دفعة واحدة شخصًا هيوليًّا، بل رأيت جالسًا أمامي شيخًا جليلًا يشبه الشيخ صاحب البيت إلا أنه لابس جبة وعمامة.
ذعرت لأول وهلة وهممت بالخروج، فسارع مطمئنًا وقال باللغة العربية: السلام عليكم، فقلت: ورحمة الله وبركاته، أيتفضل سيدي الشيخ باسمه الكريم، فقال: ابن رشد يدعو لكم بالخير وطول البقاء.
– أبو الوليد؟
– أبو الوليد ابن رشد بعينه.
– ولمَ استحققت من فضلكم ذي الزيارة؟
– فكرت يا ريحاني، وحرت، وسألت، فجئت أجلو فكرك، وأُزيل حيرتك، وأُجيب سؤالك.
– غمرتني والله بفضلك.
– الفضل لذويه أرباب الفكر والرؤيا، ولست اليوم منهم.
قال ذلك وهو يهز برأسه كمن تهيجه فتؤلمه الذكرى.
– ولكن زيتك يا سيدي لم يزل يحرق في مصابيحهم.
– نعم في مصابيح الفرنجة، لا مصابيح العرب، والسبب في ذلك أن قد امتزج بزيتنا شيء من الماء، كثير من الماء، ولم يحسن العرب تصفيته مثل الفرنجة، أجل، قد خالط علومنا كثير من الخرافات والتقاليد والأوهام، نظرنا إلى العالم خلال ستار هو الإسلام، كان شفافًا باهرًا في الأحايين كحالة قرطبة في عهد بعض الأمويين، فترائت لنا أشياء من حقيقة الوجود والكون طلية بعضها، وبعضها غامضة أو مقطعة، فاستخدمنا منها ما استطعنا، وأهملنا منها — كرهًا أحيانًا وجهلًا في الأحايين — ما خالف قواعد الدين، لا يخدعنك ما تقرؤه في التاريخ عن تساهل الخلفاء في الأندلس وحلمهم، فإنهم — ما خلا اثنين أو ثلاثة — آثروا الملك على العلم، والسيادة المطلقة على الحرية والعدل، وكان أكثر العلماء والشعراء يأتمرون بأمرهم فيتزلفون إليهم، فجاء علمهم ناقصًا بل مزيجًا من العلم والخرافة والخيال.
وكان الفيلسوف الحقيقي مكروهًا فجارى حينًا، ودارى أحيانًا؛ اتقاء سيادة مطلقة، جائرة، عمياء، ولا شك أنك تعلم ما كان من إحراق الكتب في هذه المدينة في عهد المنصور، ثم في عهد أولئك البرابرة المرابطين، حتى إن أحد قضاة قرطبة، ولا أشرف بالذكر اسمه، أصدر فتواه بإحراق كتب الغزالي، وحرَّم قراءة (إحياء العلوم والدين) مع أن الغزالي من أكبر المزَّاجين، هذه أحد الأسباب في سقوط الملك العربي في الأندلس.
وهناك أسبابٌ أُخرى منها ما ذكره عرضًا المؤرخون، فاذكر — رعاك الله — أن في أوائل الفتح، أي: منذ دخول طارق إلى مجيء عبد الرحمن الأُموي، كان الخليفة في الشام يعين عامله على الأندلس حينًا، وحينًا يجيز لوالي إفريقية أن يعين من يريد من رجاله. فكان العامل تارةً من قبل الخليفة رأسًا، وطورًا من قبل واليه في إفريقية، وطورًا من قبل نفسه.
وهذا ما مكن في الطامعين بالملك روح القومية أو العصبية، وهي جرثومة خطل جاءت من الشام، فنخرت في عرش السلطان فزعزعته ثم هدمته. فلا الدين، ولا اللغة، ولا الخطوب السياسية، أزالت شيئًا من العصبية أو لطَّفت في الأقل سورتها. وقد كنا في ذلك الزمان نظن أن لا خير في العصبية التي لا تكون اللغة أو الدين ركنًا من أركانها، لا خير فيها لشعب ناهض، نشيط، طامع بالسيادة والاستيلاء، ولكننا نعلم اليوم أن الأديان في الملك كالقبائل في البادية، تولد تلك الروح الخبيثة المحدودة النظر والغاية، تلك الروح التي لا ترى في غير شئونها، وفي غير إيمانها، وفي غير عاداتها وتقاليدها، وبكلمة، في غير دائرتها المحدودة الصغيرة؛ ما يستحق الذكر والاهتمام، بل ما يستحق غير الازدراء والكره، والذم والاضطهاد. فلا خير في العصبية دينية كانت أو جنسية.
– وهل يرى سيدي الأستاذ خيرًا في عصبية كبرى تجمع بين عصبيات أكثر الناطقين بالضاد مثلًا؟
– إذا كان ذلك ممكنًا فهو غير مستحسن اليوم وغير مفيد بل قد يضر ضررًا جسيمًا، ففي ضخامة الملك العربي استبداد (قابل بين حكم الخلفاء الراشدين وبين بني العباس مثلًا أو بني أمية) وفي الاستبداد جهل، وفي الجهل حيف على العلم والعلماء؛ ذلك لأن العرب بل المسلمين لم يزالوا في دائرة من الدين ضيقة، لا يخترق النور من الخارج أو من الداخل حدودَها الكثيفة. وأميرهم العالم العامل بعلمه لا يرضي العامة، وأميرهم الجاهل لا يرضي الخاصة المفكرة، فلا يستطيع والحال هذه الحكم إلا بالقوة القاهرة، والقوة القاهرة عيب وظلم قبيحٌ في هذا الزمان.
قلت: وهل لعرب الجزيرة أملٌ بالترقي والتمدين؟
فقال: لا أمل؛ ما زالت العصبية أساس أعمالهم السياسية والدينية، فالعصبية من أهم الأسباب في سقوط العرب في الأندلس، وفي الشام، وفي العراق، وفي الهند، قد جاءوا هذه البلاد مثلًا ومعهم نزعاتهم اليمنية والمضرية، والعبسية والشامية، وما مر عشرون سنة عليهم حتى اشتعلت الحرب بين قحطان ومضر وكانت أول حرب أهلية في الأندلس، وأخذت هذه الروح — روح العصبية — تمتد بامتداد الملك، فكان ملكًا واهيًا متزعزعًا، تفككت أوصاله، واستقل بالحكم رجالُه، فكان في «ألمرية» ملك، وفي «مرسيا» آخر، وفي غرناطة سلطان، وآخر في «إشبيليا»، وهم يتقاطعون ويتطاحنون، فجاء يوسف بن تاشفين البربري فاغتنم فرصة خلافهم ونزاعهم فسَادَ. ثم اعترى قوم يوسف ما اعترى سلفاؤه فاستعان أهل البلاد ببعضهم على بعض فتغلبوا عليهم وسادوا. وكذلك كان في دولة المغول في الهند، فإن نزعاتهم القومية تغلبت عليهم فمهدت السبيل لتغلب أمراء الهند على ملكهم العظيم القصير العهد.
وأطرق الشيخ عندئذ ثم قال: إن للعرب فضلًا لا يُنكر — وإن بالغ الناس بذكره — وقد سمعتك تسائل نفسك سؤالات يشتمُّ منها نكران هذا الفضل، أنت مصيب في قولك إن نبوغ العرب قلما يثمر إلا إذا احتك بنبوغ أجنبي، ولكن هذا الاحتكاك لم يذهب بمزية النبوغ العربية، بل أظهرها جلية، قوية، نيرة، مشعشعة، فاختفت في نورها الباهر مزية النبوغ الأجنبي، اختفت ولا عجب إلى حين؛ لأن نور العرب شديد الاحتراق، جميل الأشعة، سريع الانطفاء، ولكن الصبغة العربية أو مزية النبوغ الخاصة بالعرب إنما هي ثابتة في الصناعات والفنون.
فإذا كان للرومان فضل في تدمر ولبيظنطية فضل في الشام، ولبني ساسان والبرامكة فضل في بغداد، وللفرنجة فضل في قرطبة، وللهنود فضل في كابول، فذلك لأن النبوغ العربي بعث ما دفن من علومهم وفنونهم، فأضاءها وأحياها، وأعاد إلى مدنياتهم مجدها، وقد تجلبب جلبابًا عربيًّا فخيمًا. وبكلمة أخرى: إن النبوغ العربي استولى في الماضي على النبوغ الأجنبي فاستخدمه وانتفع به، وهو اليوم واقف بين قوات من النبوغ الأوروبي عظيمة لا يستطيع الاستيلاء عليها.
– وهل يستطيع الانتفاع بها مع حفظ المزية العربية فيه؟
– نعم، إذا كان العرب يدركون أسباب سقوطهم في الماضي فيتقونها، ويجتنبونها.
– وهل لسيدي الشيخ أن يذكر غير ما ذكر من أسباب السقوط؟
– قد أشرت إلى العصبية الدينية فأزيدك إيضاحًا، واعلم — رعاك الله — أني أتكلم الآن كمسلم، وإن كنا في العالم الخالد مجردين تمامًا من صبغات الأديان كلها، أتكلم الآن كمسلم؛ لأني لم أزل أذكر القوم الذي كان الجسد منهم وأقام بينهم فترة من الزمان، ولم أزل أنظر إلى تلك الذاتية — الذاتية الإسلامية، الذاتية الفانية — كمن ينظر إلى خيال الحبيب في بحيرة الذكرى، على أني لو عدت اليوم إلى بلد الحبيب فلا أظنني أكون من الراغبين به، الناظرين إليه بعين الإعجاب.
لا يدهشنك ما أقول؛ فإن الإسلام اليوم لم يزل كما كان يوم كنت أُعلِّم الفلسفة في كلية قرطبة إسلامًا في الدين، وإسلامًا في السياسة، وإسلامًا في الاجتماع، وإن النبي محمدًا لَأول من شاد العصبية العربية على هذه الأركان الثلاثة، فكان منها أن الخليفة رفع صولجانه فوق الأرض ومده إلى السماوات، وفي تقليده السلطتين السياسية والروحية أُفسدت الواحدة وأسيء استخدام الأخرى.
وهذا الخلط في الأحكام، مثل الخلط في العلوم يبدو القبيح فيه أولًا فينمو سريعًا فيفسد الصحيح، والغريب العجيب أنه لم يقم في الإسلام حتى الآن من أشار إشارة إلى أن النبي محمدًا لو سُئل في ذا الخلط لَمَا كان عنه اليوم راضيًا.
قلت: وهل يرى فضيلة الشيخ في كنه الدين خلاصًا للناس من صبغات الأديان وسيادات الدنيا الدينية؟
فقال: إن نظر الإنسان محدود، وكذلك نظر الأرواح. على أن أفقنا أوسع جدًّا من آفاق الأحياء حتى الصالحين منهم المقربين، فالمسافة بين جرم وآخر عندنا كالفرسخ مثلًا عندكم، ويصح هذا القياس في المعنويات أيضًا؛ لذلك أقول — إجابة سؤالك: إن كل ما ظهر في العالم حتى اليوم من حقائق الدين والسياسة والاجتماع إنما هو خاضعٌ لناموس التحول والانقلاب، وإن شئت قل ناموس النشوء والارتقاء، وهذا الناموس صحيح قويم في الطبيعيات وفي الاجتماعيات وفي الروحيات أيضًا، صحيح قويم على قدر ما نرى الآن، وقد يسلك بنو الأرض وكل حيٍّ فيها سبيله ألفًا بل ألوفًا من السنين فيصلون — إذ ذاك — إلى حيث ينتهي سبيل النشوء، ويبتدئ سبيلٌ آخرُ قد يكون أوسع منه وأطول.
وبكلمة أخرى: إن الله — سبحانه — لا يكشف لسكان الأرض من أسرار الوجود إلا ما كان موافقًا لحال الإنسان الروحية والمادية، وأن كشف الستار يكون بالنسبة إلى الرقي في الحالين. وبكلمة أوضح: إنه تعالى مقيمُ الحدود وعالم بها، فلا يقدم لكم في الأرض من حقائقه دفعة واحدة إلا ما تستطيعون هضمه واقتباسه، فلو علمتم مثلًا ما قد يكون حال البشر بعد ألف سنة لما كنتم بذا العلم راضين، سَرَّ أو أساء؛ لأنه إذا أُنبئتم بسوء المستقبل أسأتم إلى الحاضر في استرسالكم إلى الشهوات واللذات فتفسدون حسناته الحقيقية على قلتها ففي كلتا الحالتين إذن لا تكون النتيجة حسنة ولا تكونون إذا تبصرتم راضين، وحالنا نحن في عالم الأرواح شبيه نوعًا بحالكم، إلا أن حدود الإدراك عندنا أبعد جدًّا من حدودكم.
لذلك أقول إن ناموس النشوء والارتقاء اليوم أمامكم وحولكم وفوقكم وفيكم، فادرسوه وافقهوه، وانتفعوا به، ولا تمددوا أيديكم إلى الستار، ستار الأسرار، إذا رأيتموه يتحرك، بل كونوا متيقظين، متبصرين، راغبين بكل مظهر من مظاهر الحقيقة والوجود، تائقين إليها، وانبذوا من ثمار البارح ما لا يليق بمائدة اليوم. والسلام عليكم.
وما كاد ينهي كلامه حتى زال النور دفعة واحدة، إلا نقطًا كانت تهتز فوق كرسي فارغ، وقد انعكست على الحائط خلال الثقوب في الباب.