تاريخ سوريا
في معجم ياقوت وجغرافية أسطرابون ودليل السياح شيء من تاريخ نهر الكلب وأشياء من أساطيره المستغربة، وفي أثرٍ مشهور هناك خلاصة تاريخ سوريا القديم والحديث، خطته يد الزمان على فم المضيق الذي أذل ملوك الأرض وسمع صليل الرماح لجيوش مصر وبابل وآشور، وهناك أيضًا من آثار الطرق والأقنية الرومانية، ومن الكتابات الفينيقية والمسمارية واللاتينية، ومن رسوم للملوك والآلهة منقوشة في الصخور، ما يهم علماء الآثار فيجيئون من أقاصي البلاد ليحلوا رموزها ويكشفوا أسرارها، وهي تلذ للسياح فيزورونها ويكبرونها ولا يفهمون منها سوى ما يردده الترجمان والدليل.
أما كاتب هذه السطور وهو لبناني ابن اليوم فلا يهمه من أخبار الماضي وآثاره إلا ما يُنير منها ظلمات زماننا الحاضر، فقد زار نهر الكلب أول مرة ووقف عند آثاره وكتاباته كسائر السياح دون أن يحل شيئًا من رموزها غير ما يحله الكتاب والدليل، وأكثر السياح، وكاتب هذه الأسطر كان يومئذ من الأكثرية، يتطلعون إلى الأطلال والأنصاب تطلع العين إلى القمر، ولكنه كفر عن زيارته الأولى بزيارة ثانية فرَاقَهُ من جميل الأزهار وطيِّب النبات حول آثار النهر القديمة، ومن فصاحة المشهد الطبيعي فوقها؛ ما لا يستطيع قراءته غير الشاعر ولا يحل رموزه غير الله.
وبالقرب من النهر شمالًا قد شاهد وهو عائد إلى بيروت أثرًا ينسي السوري كونها حمارًا أو عالمًا أو شاعرًا أو أجيرًا، أثرًا حديثًا يذكره بماضي بلاده البعيد وبماضيها القريب، ولا فرق يذكر بين الاثنين، أجل، إن في ذا الأثر تاريخ سوريا القديم والحديث، سوريا سبية الأمم، سوريا أمة الشرق والغرب، سوريا نهب الملوك الفاتحين، سوريا حاملة نير الأجانب والغرباء. لقد كتب شلمنصر سفرًا من تاريخك ما بقي منه غير أثر طمسه الزمان، ثم جاء رعمسيس وأوريليوس وأنطونيوس وبلدوين وسليم الفاتح فكتبت سيوف جيوشهم أسفارًا، ولم يبق منها غير ما يهم الأثريين والسياح.
سوريا، أمي! أيكتب تاريخك بسنابك الخيل وبرماح الفرسان، فيمحي جيش اليوم ما خطه جيش الأمس، ويمزق جيش الغد ما سطره جيش اليوم؟
سوريا، أمي! متى يكتب أبناؤك أول صفحة من تاريخك الجديد؟