عمل الاختصاصيين النفسيِّين الإكلينيكيِّين
إن سُئلنا عما نُريده في الحياة، فسيُجيب أغلبنا ببساطة أننا نُريد أن نكون سعداء أصحَّاء. الأطفال أيضًا يقولون إنهم يُريدون أن يشعروا بالأمان داخل عائلاتهم، وأن يذهبوا إلى المدرسة ويُكوِّنوا صداقاتٍ. ويُضيف أغلب البالغين عدة أشياء عادية إلى حدٍّ كبير؛ مثل أن يَعملوا في وظيفة مثمرة، وربما يُضيفون شريكَ حياة طويلة الأمد وعائلةً، ومكانًا يعيشون فيه، وما يَكفيهم من المال. على الرغم من ذلك، يتبيَّن للكثيرين منَّا أن تحقيق هذه الأمور الحياتية البسيطة ظاهريًّا كثيرًا ما يكون في غاية الصعوبة؛ فالمآسي تحدُث، والأمراض تحلُّ، والعلاقات الأُسرية والحَميمية تنهار، والظروف تتغيَّر، والإحباطات تحدُث. فأن تكون شخصًا سعيدًا مُنتجًا ليس بالأمر السهل، لا سيما في ظلِّ اعتلال الصحة أو صدمة نفسية أو فَقد أو تحديات غير مُتوقَّعة في العمل أو المنزل، أو التعرُّض لانتهاكات أو عُزلة أو اختبار ظروف اقتصادية صعبة على الدوام.
عدد مَن يحتاجُون مُساعدةَ الاختصاصيِّين النفسيِّين الإكلينيكيين
تتفاوَت التقديرات لأعداد من يُمكن أن يستفيدوا من مساعدة الاختصاصيِّين النفسيين الإكلينيكيين. ظل الناس على مدى قرون يَذهبون بمشكلاتهم إلى المعالجين المعترَف بهم اجتماعيًّا؛ كالمُعالجين الإيمانيِّين والعرَّافين ورجال الدين والأطباء. أما الاختصاصيُّون النفسيون الإكلينيكيُّون، فهم مصدر جديد ونادر نسبيًّا؛ ولهذا فإن الوصول إلى الخبراء النفسيِّين ليس متاحًا للكثيرين، رغم أنهم قد يَنتفعون منه. تشير التقديرات إلى أن ثلاثة أرباع من يعانون من مشكلة قابلة للعلاج تتعلق بالصحة النفسية يتلقَّون علاجًا أقل ممَّا يحتاجون إليه أو لا يتلقَّون أي علاج على الإطلاق؛ وأكثر من نصف الأشخاص الذين يذهبون لاستشارة طبيب الأسرة يُعانون من مشكلات نفسية أولية أو مُتفرِّعة عن غيرها. ومن المرجح أيضًا أنَّ معظم من يعانون من حالات صحية معيَّنة كالسرطان وداء السكَّري وأمراض القلب سيواجهون درجة من القلق أو الاكتئاب. وتُشير الاحتمالات إلى أنه في أيِّ لحظة، ثمة شخص من بين كل ثلاثة أشخاص يعيش درجة ما من المعاناة الشعورية، وتبلغ فرصة حدوث مشكلة ما في الصحة النفسية خلال حياة الشخص حوالي ٥٠ في المائة. رغم ذلك كله، لا تلقى الصحة النفسية التركيز نفسه الذي تَلقاه الصحة الجسدية، مما يَعني أن الأموال التي تُنفق على علاج الصحة النفسية أقل بكثير مما يُنفق على علاج الصحة الجسدية، وأن المبالغ التي تُخصَّص لأبحاث الأمراض النفسية أقل بكثير مما يُخصَّص لأبحاث الأمراض الجسدية.
مربع ١: أمثلة للأشخاص الذين يَرِد وصفُهم في هذا الكتاب ممَّن يَطلُبون مُساعدة الاختصاصيِّين النفسيِّين الإكلينيكيين
بولي فتاة في الثالثة عشرة من عُمرها بدأت في التحكُّم فيما تأكلُه بدرجة كبيرة، وصارت تخسر الكثير جدًّا من وزنها؛ وهذا يُقلق أسرتها للغاية. يُواجه ستيف في حياته صعوبات تزداد حدةً وخُطورة؛ فقد تدهورت صحَّته النفسية بعد أن فقَدَ وظيفتَه، ولجأ مرات عديدة إلى طلب الرعاية النَّفسية. روجر وزوجته يتوقَّعان مُستقبلًا تعيسًا عقب إصابته بسكتة دماغية وما تلا ذلك من تدهور علاقتهما. كاسي فتاة تبلغ من العمر خمسة عشر عامًا تُؤذي نفسها جسديًّا، بينما يُحاول ريان وجودي بلا أمل في علاقتِهما مع توم، ابنهما بالتبنِّي البالغ من العمر خمس سنوات. وفي هذه الأثناء، تُساعد سارة فريقَها على العمل بفاعلية أكبر مع الأطفال المعنَّفين، وترغب نيكي في تحسين علاقاتها الشخصية.
وهذا لا يُخفِّف المعاناة الشعورية الحالية للناس، بل له تداعيات هائلة على أوضاعهم الصحية على المدى الطويل. فنحن نجد أنَّ مَن يُعانون من المشكلات النفسية الأخطر على سبيل المثال، يموتون على الأرجح في وقتٍ أبكر من نظرائهم الذين لا يعانون من هذه المشكلات بفترة تتراوح بين ١٥ عامًا و٢٠ عامًا. وثمة نقص في الرعاية المقدمة لحديثي السن؛ إذ تُشير الدراسات في المملكة المتحدة، على سبيل المثال، إلى أن ١٠٪ تقريبًا ممَّن تتراوَح أعمارُهم بين ٥ و١٦ عامًا يعانون من مشكلات في الصحة النفسية، وقليلون جدًّا من بينهم هم مَن يحصلون على خِدمات الصحة النفسية. ويؤدِّي ذلك لا محالة إلى مُعاناة طويلة المدى لربما كان من المُمكن تجنُّبها. وهذا أمر مُؤسِف. فنِصفُ من يُعانون من مشكلات نفسية طويلة المدى بدأت أعراضُها أول مرة فيما بين بداية سنين المراهقة ومُنتصفِها؛ على أننا نفشل في مُعظم الأحيان في تمييز هذه الحالات وعلاجها. وليس الوضع أحسن حالًا على الطرف الآخر من عُمرِ المرء؛ فإدراك الاحتياجات النفسية لكبار السن لم يَبدأ إلا حديثًا جدًّا، وثمة نقص مُقلِق في الخدمات الموجهة لهم خصوصًا.
إسهام علم النفس الإكلينيكي
إن كان ثمة شخصٌ ما يُعاني، فمِن المهم بالطبع أن نتحقَّق ممَّا يجري ونبحث سببه. والكثير من المشكلات الحياتية لا تحتاج إلى اختصاصي نفسي، ويُمكن حلُّها بمساعدة عملية من محامٍ أو طبيب أو مُستشارٍ ماليٍّ أو معلم، أو بالحصول ببساطة على المزيد من الموارد، كالمال أو السِّلَع أو فرص الحصول على التعليم أو المعلومات. على الرغم من ذلك، يُمكن للاختصاصيين النفسيين أن يُساعدونا في استكشاف الأشياء غير النافعة أو المربكة أو الهدَّامة التي قد نفعلُها أو نُفكِّر فيها أو نشعر بها أحيانًا. فجوهر عمل الاختصاصي النفسي الإكلينيكي هو التعاون في تقصِّي ما يبدو أنه يُسبِّب لنا معاناة شعورية، والاستكشاف الفاعل لطرق للتعايش معه أو تفهُّمه أو تخفيفه. وتَعتمِد المساعدة المقدمة على فهم الاختصاصي النفسي الإكلينيكي للكيفية التي يتطوَّر بها البشر في المُعتاد ويُصبحون فاعلين، وما يحدث عندما لا يستطيعُون التقدُّم.
كيف يتدرَّب الاختصاصي النفسي الإكلينيكي؛ وكيف يُفكِّر ويفهم الناس؟
يلزم جميع الاختصاصيين النفسيِّين الإكلينيكيِّين أن يحصلوا على مُؤهِّل جامعي في علم النفس الأكاديمي، ليكون بمَثابة الأساس الذي تقوم عليه ممارستُهم الإكلينيكية (تمامًا مثلما ينبغي على الأطباء الحصول على تعليم أساسي في علوم التشريح والفسيولوجيا والكيمياء الحيوية والوراثة، قبل تعلُّم كيفية التشخيص وعلاج الأمراض الجسَدية).
على الرغم من عدم وجود منهجٍ جامعي متَّفق عليه عالميًّا، عادةً ما تُركِّز الدرجات العِلمية في علم النفس على عدد من الموضُوعات المِحورية فيما يتعلق بأداء البشَر وفعاليتِهم. ويشمل هذا التعلُّم والذاكرة (معالجة المعلومات وتخزينها)؛ والإدراك المعرفي (التفكير والتبرير المنطقي)؛ والتواصُل (تطور اللغة لدينا واستخدامها)؛ والدافع والعاطفة (الحالة الشُّعورية)؛ والإدراك الحسِّي (فهمَنا للعالم من حولنا وتأويلَنا إياه)؛ والسلوك الاجتماعي (تفاعُلنا مع الأفراد ومع الجماعات)؛ وعلم الأحياء وعلم وظائف الأعضاء والدماغ (تأثير الجسم على نفسيتنا)؛ والنمو (التغيرات التي نمر بها من الميلاد وحتى الوفاة)؛ والشخصية (اختلافات بعضنا عن بعض). وكل هذه الموضوعات تدعم عمل الاختصاصيين النفسيين الإكلينيكيين في الممارسة العمَلية.
يُعنى التعليم الجامعي أيضًا بتعليم الطلاب كيفية التفكير بشأن الأشخاص وكيفية استِكشاف المزيد بشأنهم. ربما يكون النموذج السائد في أغلب عِلم النفس المعاصر هو نموذج الإنسان باعتباره تجسدًا حيًّا ﻟ «مُعالج المعلومات». في هذا النموذج، يُصوَّر البشر على أنهم وحدات بيولوجية تستوعب، وتتعلَّم، وتُفسِّر، وتعالج، وتتصرَّف، وتُعدِّل، وتتواصَل، وتُولِّد المعاني، لكن ذلك كله في سياق اجتماعي يؤثر بقوة على العمَلية ويُشكِّلها. وباستخدام الأساليب والأفكار العِلمية، يُحاول الاختصاصيون النفسيُّون الإكلينيكيُّون ملاحَظة وفهم البشر بخصوص المسائل المُتعلِّقة بالصحة؛ من خلال تطوير نظريات وفرضيات تُناقش الكيفية التي يُفكر بها الأشخاص ويَتصرَّفون والسبب في هذا، ثم اختبار هذه الفرضيات مِن خلال الملاحَظة أو التجريب. فالحَقائق التجريبية المُستنِدة إلى مُشاهَدات أكثر فائدة من التخمين أو الجدل.
يتَّفق معظم الناس في الوقت الحاضر على أن علم النفس يُصنَّف عِلمًا (حتى وإن كان غير مثالي من هذه الناحية) وأن مُحاولة إجراء البحوث بموضوعية هي أفضل طريقة لاكتساب فهم عميق بدرجة مقبولة للعالم الداخلي للإنسان، والكيفية التي يُمكن بها مُساعدته. على الرغم من ذلك، فالمناقشات كثيرة بشأن مدى انتماء علم النفس إلى العُلوم في الحقيقة، بما في ذلك نطاقه وصلاحيته. ومن هذه المناقَشات النَّقد القائل بأنَّ البشر عاجزون جوهريًّا عن التحلِّي بمهارات العالِم فيما يتعلَّق بدراسة أنفسهم؛ وأنَّ المعايير المُستخدَمة غير كافية حتمًا؛ وأنَّ الأبحاث تُفرط في الاعتماد على المعايير الكمية؛ وأنَّ البشر أساسًا لا يَخضعُون للمُلاحظات أو القياسات العِلمية؛ وأنَّ علم النفس يُركز كثيرًا على الفرد على الرغم من أنَّ العديد من الدوافع التي تُشكِّل سُلوكنا في الواقع هي دوافع خارجية، إما في المجتمع الأوسع أو في التكوين الجيني والحيَوي.
صحيحٌ أن جزءَ المناهج الجامعية لعِلم النفس الذي يتعامل بأكثر طريقة مُباشرة مع المعاناة الشعورية والصحة النفسية يُطلق عليه أحيانًا «علم نفس اللااعتيادي»، لكن المعاناة الشعورية أمر شائع جدًّا في الحقيقة. فكثير من المعاناة التي قد تُصنَّف باعتبارها «لا اعتيادية» تنطوي في الحقيقة على سلوكيات ومشاعر مفهومة تنتج من عمليات نفسية مفهومة، حتى وإن كانت نتائجها سيئة أحيانًا للفرد أو مَن هم حوله. فأن يَرفض رجل مُسنٌّ فجأة أن يُغادر منزله بلا سبب واضح قد يُعدُّ أمرًا غير اعتيادي، على سبيل المثال. لكن هذا السلوك قد يُصبح مفهومًا إن أخذنا في الاعتبار قلقه من أن يتُوه؛ لأنه يعاني من ضعف البصر وصعوبات في الذاكرة (وهو ما لم يخبر أحدًا به لإحساسه بقدر من الخزي ولتناقُص وعيه الإدراكي). وبالمثل، شعورنا بالقلق تجاه نظرة الناس لنا أمر شديد الشيوع، برغم أن القلق الاجتماعي يُعدُّ أحيانًا «غير اعتيادي».
يرى الاختصاصيون النفسيون الإكلينيكيون أن الكثير من السلوكيات التي تُعَد في الكتب، أو في حكم المجتمع كله، سلوكيات غير اعتيادية (مثل الشعور بالقلق، أو سماع أصوات في غياب الآخرين، أو الهلوسة أو الاكتئاب رغم وجود الكثير من الأشياء الطيبة في الحياة ظاهريًّا) هو في الحقيقة أمر يمكن فهمه، إن استكشفنا سياق ذلك السلوك أو الشعور وتاريخه. ويُوضِّح الاختصاصيون النفسيُّون الإكلينيكيُّون أيضًا أننا كثيرًا ما نُحاول أن نُجاري الصعوبات باستخدام استراتيجيَّات كانت مفيدة لنا (أو حتى ضرورية) فيما مضى، لكنها لم تَعُد على الأرجح أفضلَ طريقة للتكيُّف أو أنفع طريقة لتجاوز مشكلة نُواجهها في الحاضر.
خذ على سبيل المثال طالبة كانت فيما مضى تنجح في إخفاء قلقها الشديد من التقييمات المدرسية. ورغم أن مُعلِّمها الجديد مُتفهِّم، فإن طالبتنا قد تُخفي مدى تأخرها الدقيق في إنجاز واجب مدرسي معيَّن. وهذا يحميها من المخاطرة بخوض نقاش غير مُريح على المدى القصير، لكنه يَمنعها أيضًا من فعل أي شيء بنَّاء يحلُّ مُشكلاتها طويلة المدى. وانطلاقًا من هذا المنظور، لا يلُوم الاختصاصيون النفسيون الإكلينيكيُّون الأشخاص على صعوباتهم أو أنماط تكيُّفهم غير النافعة، بل يهدفون للتعاون من أجل فهم هذه المعاناة وتخفيفها لكي يتمكَّن الأشخاص من التعامل مع تحديات الحياة في المستقبل بشكلٍ أفضل.
من أين أتى علم النفس الإكلينيكي ومتى؟ (تاريخ وجيز جدًّا)
لقد تطوَّر علم النفس الإكلينيكي بصفته وسيلة للتعامل مع المعاناة الشعورية بسرعة مذهلة، ولم يزل هذا التطور في ازدياد. فلم يَعُد الناس يفترضون من فورهم أنك لا بدَّ أن تكون مريضًا نفسيًّا أو مجنونًا كي تحتاج إلى مساعدةٍ من اختصاصي نفسي إكلينيكي. ومن حُسن الحظ أن درجة تقبل الجمهور المتزايدة للنَّفع الذي يعود من اكتساب فهمٍ نفسيٍّ للمَشاكل الوجدانية فتَحَ أمامَنا عدة خيارات لحالات عديدة كانت تُعالَج فيما مضى إما بالأدوية أو بإسكاتها أو بإخفائها ببساطة تحت سجادة عدم الاكتراث والحرَج الاجتماعيين. وبشكلٍ عام، تضاءلت وصمةُ استشارة الاختصاصيين النفسيين الإكلينيكيين في السنوات الأخيرة بشكلٍ ملحوظ.
لا يزال علم النفس الإكلينيكي مهنة حديثة كالتخصُّص الأم الذي تفرَّع منه، علم النفس الأكاديمي الذي لم يُقدَّم في صورة لائقة إلا في الجزء الأخير من القرن التاسع عشر. ولم تَرِد أول إشارة ﻟ «الاختصاصي النفسي الإكلينيكي» إلا عام ١٨٩٦، في حين كان أول تطبيق منهجي لما نَعتبرُه الآن مبادئ علم النفس الإكلينيكي في بداية عشرينيات القرن العشرين.
جاء هذا من خلال العمل مع أطفال لدَيهم بعض الاضطرابات، وأعضاء من القوات المسلَّحة أُعفوا من الخدمة عقب نهاية الحرب العالَمية الأولى. وبعد ذلك بدأ الاختصاصيُّون النفسيون الإكلينيكيون يساهمون في تقييم الأشخاص الذي كانوا مَحجوزين حينها في مصحَّات عقلية كبيرة وتصنيفهم. وحتى هذه المرحلة، كان الاختصاصيُّون النفسيون في الحقيقة مجرَّد مساعدين علميِّين للأطباء النفسيين الذين كانوا مسئولين عن النُّزلاء. كان هذا العمل يتمُّ في الأصل بصورة كبيرة لصالح هذه المؤسسات من خلال فرز الأشخاص الذين يُعتقد أنهم يُعانون من مشاكل عقلية أو «تخلُّف» وتصنيفهم. لكن بحلول منتصَف القرن العشرين، بدأ الاختصاصيون النفسيون الإكلينيكيُّون يُقدمون مساهمة أبرز بصفتهم مُعالجين قائمين بذاتهم؛ وذلك من خلال إجراء تقييمات أشمل وأدق.
خلال العقود القليلة التي تلَت ذلك، بدأ الاختصاصيون النفسيون الإكلينيكيُّون الذين يعملون في المصحَّات النفسية يستكشفون إمكانيات تقديم العلاج من خلال تطبيق مبادئ التعديل السلوكي. أدَّى هذا إلى تطوير العلاج السلوكي لحلِّ عدد من المشكلات النفسية (انظر الفصل الثالث لمناقشة أكثر تفصيلًا لما تَعنيه هذه المناهج). وأدَّت الإنجازات التي تحقَّقت في فهم الدماغ وفحصه وتقييمه هي الأخرى إلى تطورات في علم النفس العصبي التطبيقي، ممَّا سمح للاختصاصيين النفسيِّين الإكلينيكيين بالمساهمة في تقييم مرضى الإصابات الدماغية والتلف الدماغي وإعادة تأهيلهم.
كان لتطوير علم النفس المعرفي ابتداءً من الستينيات فما بعدَها تأثير إيجابي هائل على علم النفس الإكلينيكي، فكان مُلهمًا لاستخدام النماذج النَّفسية لفهم مجموعة واسعة من الحالات والمشكلات وعلاجها. وبحلول الربع الأخير من القرن العشرين، كان الاختصاصيُّون النفسيون الإكلينيكيون يُشاركون مشاركة كاملة في الرعاية الصحية النفسية في مختلف مراحل العمر، مستخدمين العديد من التدخلات النفسية التي ترتكز على مجموعة واسعة من النظريات والعلاجات. والآن يعمل الاختصاصيون النفسيُّون الإكلينيكيون في أمكنة عديدة وباستقلال تام، ويُقدِّمون علاجات للكثير من الصعوبات في مجال الصحة النفسية، وهي علاجات تَستنِد إلى الأدلة المُستمَدة من البحوث النفسية. إضافةً إلى ذلك، يُؤدِّي الاختصاصيُّون النفسيُّون الإكلينيكيُّون دورًا مُهمًّا في البحث والقيادة في مجال المُمارسة الإكلينيكية لخدمات الصحة النفسية.
فيمَ يختلف علم النفس الإكلينيكي؟
يتجسَّد جوهر عمل الاختصاصي النفسي الإكلينيكي في استخدام مجموعة أساسية من النَّظريات والوسائل والمهارات (انظر الفصلَين الثاني والثالث) من أجل فهم مَن يَلتمسُون الرعاية الصحية النفسية وتقييم حالتهم ومُساعدتهم؛ وتتمثَّل هذه الفئة بشكلٍ أساسي في الأشخاص الذين يمرُّون باضطرابات نفسية، لكنَّها لا تَقتصِر على ذلك. وعلى عكس الكثيرين ممَّن يعملون في مجال الصحة النفسية (انظر مربع ٢)، يعتقد أغلب الاختصاصيِّين النفسيِّين الإكلينيكيِّين أن المعاناة تنبع من مجموعة معقَّدة من الظروف والعلاقات والأنماط السلوكية (والتي قد تشمل العوامل البيولوجية للفرد أو لا تشملها)، وليس من مرضٍ عقلي له أسس عضوية.
مربع ٢: فيمَ يختلف الاختصاصيُّون النفسيون عن غيرهم من ممارسي الرعاية الصحية النفسية؟
الأطباء النفسيُّون هم أطباء مُتخصِّصون لديهم فهم دقيق للفسيولوجيا والتشريح والكيمياء العضوية والجينات والصيدلة. فهم يَختارون التخصُّص في الصحة النفسية بعد إتمام دراستهم الطبية. وبصفة عامة، يَستخدمون نموذجًا طبيًّا للمرض النفسي؛ أي إنهم يتعامَلون مع وجود ما هو غير اعتيادي أو مزعج من أفكار أو أفعال أو سلوكيات كعَرض لمرض بيولوجي الأصل. وعادةً ما يشمل العلاج أدوية أو تدخُّلات جسدية أخرى، مع إدارة دقيقة من الشخص لنفسه. وبعد مرحلة تقييم الحالة، يزور المريضُ الطبيبَ زيارات مُتابعة تتراوح بين ١٠ دقائق و٢٠ دقيقة في المعتاد.
أما المعالجون النفسيون والمُرشدون النفسيون فهم أشخاص يسعون إلى مُساعدة الآخرين في فهم أنفسهم وعلاقاتهم فهمًا أفضل من خلال الكلام. بعضهم يعمل مع عملائه من خلال بِناء خطط علاجية مصمَّمة حسب الشخص، تركز على التكيف مع المواقف وتغيير السلوكيات أو الخبرات محل الإشكال. ويستخدم آخَرون منهجيات أكثر مُرونةً وانفتاحًا، تهدف إلى زيادة فهم الشخص لنفسه. ولا تتضمَّن هذه العملية وصف الأدوية، وعادةً ما يكون التركيز على الأدلة والأبحاث الأكاديمية أقل. ومن عناصر العلاج والإرشاد النفسي تطوير علاقة مهنية مبنية على الثِّقة بين العميل والمعالج على مدى أسابيع أو شهور، حتى يُمكن استكشاف مُشكلات العميل في سياقٍ آمِن ذي طبيعة شخصانية بقدرٍ كبير. ويُمكن للاختصاصيِّين النفسيين الآخرين أيضًا، كالأطباء النفسيين والاختصاصيِّين النفسيين الإكلينيكيِّين، استخدام هذه الآليات نفسها.
وبالنسبة إلى المُحلِّلين النفسيِّين أو ممارسي العلاج النفسي الدينامي، فهم مُعالجون نفسيون يستخدمون نظرية معينة للعلاج النفسي، مثل نظرية فرويد أو يونج، وهي تضع تركيزًا كبيرًا على آثار تجارب المرء المبكِّرة وتأثيرها على علاقاته اللاحقة. وتعزو أهمية كبيرة أيضًا إلى علاقة العميل بالمعالج في غرفة العلاج (انظر الفصل الثالث أيضًا). يُمكن للعلاج بهذه الطرق أن يكون مفتوح النهاية أحيانًا فيستمر لأعوام عديدة، لكنه قد يكون أقصر من ذلك أيضًا. ويدور العلاج حول مسائل تتعلَّق بالوعي أو باللاوعي، ولا يكون التركيز في العلاج على أعراضٍ بعينها؛ لأنه يستهدف تطوير الذات والاستبصار الذاتي.
أما المعالجون بالعلاج المعرفي السلوكي فيستخدمون أطرًا تَستند إلى الجانب المعرفي (وغالبًا ما تكون مبنيةً على أبحاث تجريبية) من أجل فهم ما أدَّى إلى تكوين الشخص لسلوكيات أو أفكار مضرة للتكيُّف. وقد يلتزم المعالج بدليل إرشادي يَقترح عليه خطوات يتبعها للعلاج تستند إلى أدلة بحثية. ويتضمَّن العلاج بناء العميل لعلاقة قائمة على التعاون مع المُعالج ليُحاولا تجربة طرق جديدة للتفكير أو التصرُّف وتبنِّي بعضها، وغالبًا ما يتم ذلك من خلال عمل ما يُشبه «الواجب المنزلي». ويكون التركيز في الغالب على ما هو هنا والآن، وعلى تخفيف حدة أعراض معيَّنة؛ كتدنِّي المزاج أو الأرق. ويقوم العديد من الاختصاصيِّين النفسيِّين الإكلينيكيين بتضمين بعض هذه الآليات في مُمارستهم العلاجية.
وبخصوص الاختصاصيِّين النفسيِّين في مجالات الطب الشرعي والتعليم والمدارس والتوظيف والرياضة والتمارين والصحة، فجميعُهم اختصاصيُّون نفسيُّون مُؤهَّلون يُطبقون مجموعة من مهارات علم النفس في مساحات عمل مُعيَّنة أو مع مجموعات معيَّنة من العملاء: أي في النظام القضائي الجنائي والمدارس والجامعات ومقرَّات العمل والرياضة والمنظومة الصحية بصُورتها الأوسع على التوالي. تُوجد تشابهات عديدة في هذه الحالة مع علم النفس الإكلينيكي، لكن التركيز في كل تخصُّص منها يكون على تناول احتياجات معيَّنة لمؤسَّسات مختلفة وعُملائها. ويختلف شكل المسار التدريبي للمُمارسين النفسيِّين ومحتواه بما يمكنهم من العمل بكفاءة في مساحةِ تخصُّصهم. وغالبًا ما تكون المؤسَّسات هي ما تطلب مساعدة الاختصاصيِّين النفسيين لا العملاء أنفسهم.
أما الاختصاصيُّون الاجتماعيون والمعالجون في مجال العلاقات الأسرية والزواج، فجميعُهم يُقدمون مساعدة متخصِّصة لعملاء يمرُّون بمختلف المشكلات الاجتماعية ومشاكل العلاقات، من السكن والرعاية الاجتماعية وحتى تفكُّك الزواج أو الأسرة والاحتضان. بعض هؤلاء الاختصاصيِّين النفسيين يستخدمون نماذج نفسية محدَّدة في تدخُّلاتهم العلاجية، كمَن يعملون في ملفِّ التبني أو خدمات الصحة النفسية، بينما يركز آخرون على دعم عملائهم لتخطِّي التعقيدات والمسائل العمَلية في توفير الأمان الاجتماعي.
عندما يلجأ أيٌّ منَّا للمساعدة، يَكون من المفهوم أننا واجهنا مأزقًا من نوع ما في حياتنا، ونحتاج إلى بعض المساعدة في إيجاد طريقة أفضل للتعامُل مع الظروف أو التكيُّف معها. ويأتي دور الاختصاصي النفسي، وهو مُساعدتنا في استكشاف ما يجري في حياتنا وفهم ما قد يَجعل محاولاتنا السابقة في تجاوز الصعوبات غير ناجِحة معنا في الوقت الحالي. ورغم أن الأدوية قد تكون مُفيدةً لبعضِنا فعلًا، فهي ليسَت بالمسئولية الأساسية للاختصاصي النفسي. ذلك أنَّ تدخُّلات الاختصاصيِّين النفسيين الإكلينيكيين تَنطوي في الأغلب على الملاحَظة والحديث والتفكير. وقد يَطلُب الاختصاصيون النفسيُّون من العملاء أن يُراقبوا الأشياء عن كثب في اللحظة الراهنة؛ هنا والآن، سواء داخل الجلسة العلاجية أو خارجها، وربما تتضمَّن التدخُّلات أيضًا تجربة طرق جديدة للتَّفكير والتصرُّف في حياتنا اليومية أو في تعامُلاتنا مع الآخَرين. ومن الضروري لجميع الأطراف، مما قد يَشمل الأسرة أو مقدمي الرعاية، أن يتعاوَنوا معًا لتخفيف المُعاناة أو لتعزيز السلامة النفسية.
من الأمور الجوهرية في ممارسة علم النَّفس الإكلينيكي إعداد خُطَط علاجية وتركيبات فردية منها تُلائم كل فرد، وتستند في الوقت نفسه قدرَ الإمكان على الأفكار والوسائل التي تبيَّنت كفاءتها من خلال الأبحاث؛ أي تكون مدعومة بأساس قويٍّ من الدلائل. غير أنَّ الاختصاصيين النفسيِّين يُدركون جيدًا أيضًا أن المُشكلات لا تحدُث بمعزلٍ إحداها عن الأُخرى، وأنَّ فهم سياق حالة كل عميل أمر في غاية الأهمية. فعلى سبيل المثال، غالبًا ما تكون أفضل طريقة لفَهمِ سلوك الطفل الذي يُوصَف بأنه «صعب» من خلال النظر إلى ردود الأفعال التي يتلقَّاها من المحيطين به، لا من خلال استكشاف الطفل وحده. وربما تكون الأُسرة أيضًا تحت وطأة ضغط كبير؛ قد يعود ذلك لوجود خلافات زوجية أو ديون. لذا يَضمن تدريب الاختصاصيِّين النفسيِّين الإكلينيكيِّين أيضًا معرفتهم بالنظريات المختصة بالأنظمة الاجتماعية والأسرية، إضافة إلى النظريات التي تتعلَّق بأداء الفرد. ومن خلال الربط بين هذه العناصر، يتمكَّن الاختصاصيُّون النفسيُّون من تكييف تدخُّلاتهم لتُلائم شخصًا مُعينًا أو حالة مُعينة، بدلًا من الاعتماد على دليل يُحدِّد لهم ما يجب القيام به بصرف النظر عن الشخص المتفرد وتاريخه الخاص.
الأدوار المتنوِّعة للاختصاصي النفسي الإكلينيكي
عادةً ما تَنطوي المسئوليات التي يقوم بها الاختصاصيون النفسيون السريريون على أداء عدة أدوار مختلفة، وَفقًا لاحتياجات العميل وطبيعة المؤسَّسة التي يعمل فيها الاختصاصي النفسي الإكلينيكي. تتضمَّن هذه الأدوار في المعتاد دور المعالج الفردي، ودور العضو في فريق من الاختصاصيِّين الآخرين الذين يقدمون خدمة لمجموعة معيَّنة من العملاء، ودور الباحث، والمعلم، والمُشرف، والمرشد النفسي والاستشاري. وكثيرًا ما يُوصَف منهج العمل الذي يتبعه الاختصاصيون النفسيون الإكلينيكيون في تأدية هذه الأدوار بأنه دور «العالم المُمارس». ويضاف إلى هذا أهمية التفكُّر في الطريقة التي قد تُؤدِّي إلى نجاح منهج العمل في كل حالة على حِدَة، وأهمية التكيُّف مع هذه الخبرة أو التعلم منها في الممارسة العملية. ويُسمى هذا أحيانًا بدَور «المُمارس المتفكر». وبدمج منهجيتي العمل هاتين معًا يتبلوَر المفهوم الشمولي المُرهق للاختصاصي النفسي الإكلينيكي باعتباره «عالِمًا مُمارسًا مُتفكرًا».
ماذا يعني مصطلح «عالم ممارس متفكِّر»؟
يوضح المثال التالي كيفية عمل الاختصاصي النفسي الإكلينيكي بنموذج العالم المُمارس المتفكر: الخطوة الأولى هي تقييم الصعوبات، ثم تكوين فرضيات عمَّا بدأها، والسبب في أنها لم تزل تُعيق العميل، ثم التدخل لتغييرها؛ ثم ملاحظة أيِّ تغييرات؛ ثم تغيير التدخُّل إن استلزم الأمر وتكرار العمَلية (انظر مربع ٣ الذي يَصف عمل اختصاصيٍّ نفسي إكلينيكي مع فتاة صغيرة تمرُّ بأعراض اكتئاب).
مربع ٣: اختصاصي نفسي إكلينيكي يُساعد فتاة صغيرة تمر بأعراض اكتئاب
كانت كاسي فتاةً تبلغ من العمر خمسة عشر عامًا تُعاني من الاكتئاب، آذَت نفسها مرات عدة بجرح ذراعَيها، وأُحيلت للعلاج النفسي. في البداية، أجرى الاختصاصي النفسي الإكلينيكي تقييمًا للحالة من خلال الحديث مع كاسي وسؤالها عمَّا يحدث معها، ومن خلال سؤالها بأن تملأ عدة اختبارات قياس نفسية (استبيانات) مُصمَّمة لتُبين مشاعرَها وأفكارها. وهذه الاختبارات وفَّرت تقديرًا لمدى تنوع مشكلاتها وشدتها. بعد ذلك، كوَّن الاختصاصي النفسي الإكلينيكي بعض الفرضيات عما قد يكون السبب في شعور كاسي بالاكتئاب وإيذائها لنفسها. ولكي يقوم بهذا، يستند الاختصاصي النفسي الإكلينيكي إلى عدد من المصادر. تتضمَّن هذه المصادر ما نعرفه من الأبحاث عن الاكتئاب وأذى النفس في حديثي السنِّ في العموم، وأي مستجدات في هذا الصدد؛ وخبرة الاختصاصي النفسي العمَلية في العمل مع مُراهِقين فيما مضى؛ والأهم من ذلك تجربة كاسي الفريدة وآراؤها كما تظهر في تقييم الحالة وفحصها. وبعد ذلك، ناقش الاختصاصي النفسي الإكلينيكي هذه الفرضيات مع كاسي واقترح توصيفًا (انظر الفصل الثالث) وخطة محتملة للعلاج.
بموافقة كاسي، شمل العلاج تشجيع كاسي على التعبير عن مشاعرها واستكشاف معتقداتها السلبية عن نفسها. وفي المرحلة الأخيرة بعد عدة أشهر من العلاج، قيَّم الاختصاصي النفسي الإكلينيكي ما إذا كان هذا التدخل فعَّالًا أم لا بأن طلَب من كاسي أن تُعيد اختبارات القياس النفسي ليرى ما إذا كان وضعُها تحسَّن. كما طلب من كاسي أيضًا أن تَصف رأيها في تجربة هذا التدخُّل ومدى فعاليته.
صحيحٌ أن الاختصاصيِّين النفسيِّين الإكلينيكيين مُلتزمون باتباع المنهجيات التي تُعضِّدها الأدلة (لا الآراء أو الأقاويل أو التقاليد)، لكن دَور العالم المُمارس لا يعني معاملة الشخص الآخر ببرُود أو بلا مشاعر، كما في التجارب العِلمية العادية. حقيقة الأمر أنَّ التدخلات النفسية تكون أكثر فعالية عندما تستند إلى علاقة شخصية قائمة على الدفء والثِّقة والسرية والاحترام المتبادَل بين الاختصاصي النفسي والعميل، وعندما يشعر مَن يطلب المساعدة بالأمان الكافي لكي يفصح عن معلومات شخصية أو يخوض مخاطرة إجراء تغييرات. فأحد الأدوار المهمَّة للاختصاصي النفسي تتمثل ببساطة في توفير ملاذ آمن وفرصة لعملائه ليتخفَّفوا من معاناتهم، لكي يكشفوا عن مشاعرهم التي طالَما تجنَّبوها. والأرجح أنَّ استخدام كلمة «ببساطة» هنا تَبخس هذا الجانب من عمل الاختصاصي النفسي الإكلينيكي حقه بشكل كبير.
ومن الأجزاء الجوهرية أيضًا في دور العالم الممارس المتفكِّر الالتزام بالتقييم. هذا يعني التقييم بموضوعية قدر الإمكان سواء أنجح التدخل أم لا. وإذا لم ينجح، فثمة احتمال أن تكون الفرضية الموضوعة لتفسير الصعوبات غير دقيقة بما يَكفي. وحينها يتفكَّر الاختصاصي النفسي الإكلينيكي في السبب، وعادةً ما يكون ذلك بجمع المزيد من المعلومات ومُناقشتها مع العميل. ربما كان سبب مُعاناة كاسي (انظر المثال في مربع ٣) يرجع في الحقيقة إلى شيء من قَبيل سابقة من التعدِّي الجنسي، والتي لم تشعر هي في البداية بالأمان الكافي لتُفصح عنه. إن كان الأمر كذلك، فسيُؤدي هذا إلى تشكيل فرضية بديلة، وربما مُراجعة خطة العلاج أيضًا. ويُمكن تكرار هذه العملية حتى تُحلَّ مشكلة العميل.
وللجانب «المتفكِّر» في مفهوم «العالم الممارس المتفكر» تبعات عديدة. فإضافة إلى تخيُّر العلاج أو النظرية المناسبَين لاحتياجات المريض بعناية، على الاختصاصي النفسي الإكلينيكي أيضًا أن يراعي الخلفية الثقافية للعميل ويتكيَّف معها. هذا لا يعني أنَّ الاختصاصي النفسي لا بد أن يحيط عِلمًا بجميع الثقافات. وإنما يحتاج لأن يستعدَّ لأن يكون مُتفتِّح العقل ويُعبِّر عن فضوله المشبع بالاحترام تجاه مُعتقَدات العميل. بهذا الشَّكل يستطيع الاختصاصي النفسي الإكلينيكي أن يتجنَّب التصرُّف بطرق قد تتعارَض مع رؤية ثقافية مُعيَّنة للعميل. على سبيل المثال، توجد فروقات بين مختلف الجماعات الثقافية حول أنسب الطرق للتعامل مع الموت والفقد. ولا بد أن يُؤخذ هذا بعين الاعتبار عند العمل مع شخص من ثقافة أخرى فُجع بفقدِ عزيز، لكَيلا يُكوِّن الاختصاصي النفسي افتراضات ساذجة عما ينبغي أن يَحدُث عند وفاة شخص.
ومن النقاط الوثيقة الصِّلة الأخرى، أنه ينبغي على الاختصاصيِّين النفسيين الإكلينيكيين ألا يفترضوا وجود جانب واحد لأيِّ قصة، بل يجب أن يحترموا أن المعاناة النفسية تنتج عادةً عن أسباب عديدة، ولا يُوجد منظور واحد يُمكن رؤية الأمور من خلاله. فلن يكون من المفيد مثلًا أن «يلوم» الاختصاصيُّ النفسي الإكلينيكي أحد الوالدَين على سلوك طفلِه أو «يلوم» الطفل، بل سيُحاول أن يفهم ما يتسبَّب في شقاء الأسرة، بما في ذلك الوالدان والطفل وغير ذلك من العوامل المؤثِّرة التي تكمن خارج الأسرة. ومن هذه العوامل مُشكلات كالسكن أو الفقر أو البطالة أو تعرض الأسرة لعنصرية؛ وكلٌّ منها قد يكون جزءًا من المشكلة، وإن لم يكن لها أصلٌ نفسي أو عقلي على وجه التحديد. فبصفة أساسية، يُعَد الاختصاصيُّون النفسيون الإكلينيكيُّون أقل اهتمامًا بالحقائق (بتعريف المحامي أو المُحقِّق على سبيل المثال) وأكثر اهتمامًا بتجربة الأشخاص الذاتية، و«حقائقهم»، وما تُمثِّله الحياة لهم، بصرف النظر عن كيفية إدراك الآخرين واستيعابهم لذلك.
يتمثل المعنى الأخير ﻟ «العالم المُمارس المتفكِّر» في أنَّ الاختصاصيِّين النفسيِّين الإكلينيكيِّين مُلتزمون بملاحظة التأثير الكُلي لعمَلِهم، فيستكشفون بالتفصيل ما ساعد العميل وما لم يُساعدْه، لأنَّ ما تعلَّموه في علاج شخصٍ محدَّد أو تقييم حالته قد يُفيدهم في مُساعدة آخَرين يمرُّون بصعوبات مُشابهة في المستقبل. وأحيانًا يُشارك الاختصاصيون النفسيون الإكلينيكيُّون في دراسات موسَّعة، وقد يكون ذلك من خلال توفير معلومات عن نتائج العلاج في تجربة على مُستوى البلد لفعالية نوعية جديدة من العلاج. أو ربما يَجمعون على نحو منهجي معلومات عن جانب صغير معيَّن من خدمة محلية، مثل دراسة تأثير اختيار كلمات خطاب التعيين على عدد الأشخاص الذين سيَحضرون في أول يوم عمل. في كل الحالات، يُحاول الاختصاصيون النفسيُّون الإكلينيكيون باعتبارهم علماء مُتفكِّرين أن يظلوا دائمًا مُنفتِحين للاستفادة من التعقيبات والآراء ولاحتياجهم إلى التطوير المِهَني المُستمر، فيُحصِّلوا معرفةً أكبر من خلال المزيد من التدريب والدِّراسة.
الإشراف والمسائل الأخلاقية
جميع الاختصاصيِّين النفسيِّين الإكلينيكيِّين يَهدفون إلى بناء موقف مِهَني إيجابي مبنيٍّ على الاحترام تجاه عُملائهم، ولذلك يُكرِّسون وقتًا للتفكُّر في أي مشاعر شخصية (سواء كانت سلبية أو إيجابية أكثر من اللازم) قد تُعيق وجود علاقة مهنية سوية. ولمساعدتهم على ذلك، يتلقَّى الاختصاصيون النفسيون الإكلينيكيون إِشرافًا مُنتظمًا، وهو ليس عملية تُلقي توجيهاتٍ عما يجب فعله من شخص أرفع درجةً، بل فرصة للتحدُّث عن الصعوبات والإشكالات مع زميلٍ قديرٍ ذي خبرة أكبر. يسعى المشرفون إلى توفير ملجأ آمِن يُمكن فيه للاختصاصي النَّفسي الإكلينيكي أن يَستكشِف معهم أي صعوبات أو إشكالات قد تطرأ في عملِهم (انظر أيضًا الفصل الرابع).
جميع الاختصاصيِّين النفسيِّين الإكلينيكيِّين المُقيَّدين مهنيًّا مُلزَمون باتباع المدوَّنة الأخلاقية التي تقرها الهيئة التي تَقيَّدوا فيها. في المملكة المتَّحدة، تتمثَّل هذه الهيئة في «مجلس مِهَن الصحة والرعاية الطبية»، والذي يُنظِّم استخدام لقب اختصاصي نفسي إكلينيكي، ويُلزم المُقيَّدين فيه بالاطِّلاع على المستجدات. وفي الولايات المتحدة، تتجسَّد هذه الهيئة في «الجمعية النفسية الأمريكية»، ومجلس اختصاصيي علم النفس التابع لها والموجود في كلِّ ولاية، وهي تُصدِر تصاريحَ ممارسةِ المِهنة للمُقيدين، ومتطلبات بالتعليم المُستمر ليَبقى المعالجون على اطِّلاع بالتحديثات في المجال. وقد صُمِّمَت هذه المدوَّنات الأخلاقية إضافةً إلى منظَّمات مِهَنية كالجمعية النفسية البريطانية، لتعزيز المعايير العالية لدى أعضائها ولحِماية العملاء.
على سبيل المثال، تَقضي مُدوَّنة الأخلاقيات والقَواعد السلوكية للجمعية النَّفسية البريطانية بأن يُعامل الاختصاصي النفسي الإكلينيكي الجميع على قدَمِ المُساواة بصرف النَّظر عن العمر أو الجنس أو الوظيفة أو التوجُّه الجِنسي أو لون البشرة أو غير ذلك. فالمسئولية المِهَنية الرئيسة لدور الاختصاصي النفسي الإكلينيكي هي تعزيز استقلالية الأشخاص ما أمكن ذلك؛ وذلك حسب مجموعة القيم والأولويات الخاصة بكلِّ عميل على حدة. ما نعنيه بهذا أنَّ احتياجات العميل — لا المعالج — وخياراته وقيمه هي ما يجب أن تحدِّد ما سيَجري.
ينبغي على الاختصاصيين النفسيين ألا يستغلُّوا علاقة الثقة الوطيدة التي غالبًا ما تتكوَّن بينهم وبين عملائهم من أجل منفعتهم الشخصية أو لتحقيق مكاسب مادية تتجاوز الأتعاب المهنية المتفق عليها. ومن المُهمِّ أيضًا ألا يفرض الاختصاصيون النفسيُّون الإكلينيكيُّون آراءهم الخاصة ولو قليلًا على الأشخاص الذي يَعملون معهم. فقد يكون الاختصاصي النفسي الإكلينيكي نفسه غير مؤمن بمعتقد ديني معيَّن، أو قد يكون عضوًا مُلتزمًا في كنيسة أخرى، لكن يجب عليه رغم ذلك أن يحترم مُعتقدات الشخص الآخر الدينية. وعلى هذا كله، لا يَنبغي على الاختصاصيِّين النفسيين أن يتصرفوا بما يتعارَض مع ضميرهم أو أخلاقياتهم الذاتية (انظر مربع ٤).
مربع ٤: اختصاصي نفسي إكلينيكي يواجه مُعضلة أخلاقية
ذات مرة، طُلِب من مايك، وهو أحد زملائنا، أن يُقدم العلاج النفسي لبيل، وهو رجل يمر بقلق حاد عند أدائه مهامَّ مُعيَّنة في محل عمله. وقد وصف بيل شعوره بخفَقان ونوبات هلع تعُوقه تمامًا في المنزل قبل أن يشرع في مهامِّه، وأراد مساعدة نفسية للتحكم في قلقه. بدا هذا طلبًا معقولًا، فهذه هي الأمور عينها التي يُمكن لعالم نفسي إكلينيكي مساعدة الشخص فيها. كان مايك في بداية وضع خطة علاج لبيل، عندما طلب من بيل مزيدًا من التفاصيل عن العمل الذي يقوم به. اتَّضح أن بيل كان جزءًا من عصابة من لصوص المنازل، وأنه كان يشعر بالقلق قبل اقتحامه منازِل الآخَرين! أخبرنا مايك أنه شعر أنه من الأنسب أخلاقيًّا رفض تقديم العلاج النفسي لبيل فيما يخصُّ قلقَه قبل ارتكاب السرقات.
العمل مع الزملاء والأنظمة
رغم أنَّ بعض الاختصاصيِّين النفسيين الإكلينيكيين يعملون بصورة مستقلَّة تمامًا (كمَن يشتغلون في العيادات الخاصة مثلًا) ويُديرون قائمة عملائهم الخاصة، لكن مُعظم الاختصاصيين النفسيين الإكلينيكيين يعملون في منظَّمات الرعاية الصحية في ترابط وثيق مع اختصاصيين آخرين، كالأطباء النفسيين وأطباء المخ والأعصاب والمعالجين المهنيين ومعالجي إعادة التأهيل والاختصاصيِّين الاجتماعيين والمعالجين النفسيين والتمريض النفسي. ويترتَّب على هذا ثلاثة أمور.
أولًا، يحتاج الاختصاصي النفسي الإكلينيكي إلى التحلِّي بالقُدرة على التعاون الوثيق مع زملائه الذين تلقَّوا تدريبات مختلفة، بما يَحملونه من آراء وافتراضات مُغايرة تمامًا بشأن أفضل الطُّرق للتعامل مع العملاء. ويستلزم هذا من المعالج مرونةً ومهاراتِ تواصُل جيِّدة، وتقديرًا لأهمية العمل الجماعي وإدراك أن وجهات النظر المختلفة تُوجد معًا في أغلب الأحيان.
ثانيًا، يعني المجال الضيق نسبيًّا لمهنة الاختصاصي النفسي الإكلينيكي أننا كثيرًا ما نضطر للعمل من خلال أفراد آخرين من طاقم العمل، لنُساعدَهم في تقديم التدخل النفسي بدلًا من أن نقوم بذلك بأنفسنا. ويُسمَّى هذا أحيانًا ﺑ «العمل غير المباشر». ويُمكننا أن نرى مثالًا على ذلك في اختصاصي نفسي يعمل داخل جناح نُزَلاء قسم الأمراض النفسية ويُطوِّر برنامجًا يساعد طاقم العمل على تشجيع مريضة تُعاني مُعاناة هائلة لتأخذ دواءها بدرجة أكبر من الانتظام أكثر (كجزء من خطة تُتيح لها أن تخرج من المستشفى في النهاية.) لكن الأطباء والممرضات هم من سيُنفِّذون هذه الخطة في الحقيقة. أو في اختصاصي نفسي (عضو في فريق متخصِّص في العمل مع أسر الحَضانة المؤقَّتة) يُقدم مساعدة عظيمة لأسرة صعبة بشكل غير مباشر من خلال مساعدة الفريق في التفكر بوضوح فيما يحدث داخل الأسرة. وقد يدعم الاختصاصي النفسي أيضًا أفراد طاقم العمل الذين يُلاقون صعوبة في العمل مع الطفل أو الأسرة. ومن الأمثلة الأخرى اختصاصي نفسي إكلينيكي (يعمل في دارٍ لرعاية المسنين يبدو على نُزلائها أعراض اكتئاب وانسحاب) يُشجِّع المُمرضات على تغيير ترتيب الكراسي في منطقة الجلوس؛ حيث تُوجد في صفوف (ممَّا يصعب على النُّزلاء التحادُث معًا) لتوزيعها في مجموعات صغيرة؛ فتشجع الحوار بينهم. وبِناءً على هذا، قد يُعزز الاختصاصي النفسي الإكلينيكي السلامة النفسية لكبار السن من خلال تغيير سلوك طاقم العمل وأفكارهم بكَفاءة أكبر ممَّا كان سيتحقَّق من عملهم مع العملاء مُباشرةً، كلٍّ على حدة.
ثالثًا، العمل مع أيِّ منظَّمة (كبيرة كانت أو صغيرة) يَستلزِم شيئًا من الاهتمام بطريقة عمل المنظَّمة. ولا مفر من أن يتطلَّب هذا حضور اجتماعات وقراءة وثائق رسميَّة وما إلى ذلك، والتعامُل مع قدر من البيروقراطية. لكنه يُوفر كذلك فرصًا لتشكيل المنظَّمة وإحداث تغييرات بنَّاءة فيها. فعلى سبيل المثال، يُطوِّر الكثير من الاختصاصيين النفسيين الإكلينيكيِّين مهارات إدارية وقيادية تساعدهم على تدعيم الرعاية النفسية داخل مؤسَّستهم. وقد اتخذ بعضُهم أدوارًا قيادية وتركوا بصمةً كبيرةً في طريقة سير المنظَّمة بأكملِها، وذلك على سبيل المثال من خلال تشجيع إحدى المُستشفيات على الاهتمام بدرجة أكبر كثيرًا بآراء عُملائها بشأن الطريقة التي يجب أن تُنظم بها الخدمات.
أين يعمل الاختصاصيون النفسيون الإكلينيكيون؟
ببساطة شديدة، يَعمل الاختصاصيُّون النفسيون الإكلينيكيون في المكان الأنسب لعُملائهم. قد يعني هذا مثلًا الجُلوس على حافة السرير في جناح نزلاء مُزدحِم داخل مستشفيات أو دور لرعاية المُحتضرين إن كان العميل يحتاج إلى رعاية نفسية عقب دخوله إلى المستشفى لحالة طارئة. وقد يعني إيجاد مكان داخل إحدى دور الرعاية أو دور الإيواء؛ حيث ربما يكون التعامُل مع العميل برفقة أعضاء آخرين من طاقم العمل. وصحيحٌ أنَّ بعض الاختصاصيِّين النفسيين الإكلينيكيِّين يزُورون العملاء في بيوتهم، لكن أغلب العملاء يَحضُرون للخدمات النهارية بالمُستشفيات أو العيادات الخارجية؛ ومن ثَم سيزُورون الاختصاصي النفسي الإكلينيكي في غرفته الخاصة، وهو المكان الأنسب لخَوض نقاشات بخصوصية. وبالنسبة إلى الاختصاصيين الإكلينيكيِّين الذين يعملون مع الأطفال أو حديثي السن، فهم غالبًا ما يستخدمون غرفًا مُريحة أو مناطق مليئة بالألعاب والصور، في حين قد تحضر الأسر في قاعات معدة خصوصًا تُستخدم فيها المرايا أحيانًا لتَسمح لعدد من الاختصاصيين النفسيِّين الإكلينيكيين بالعمل معًا.
يمكن إقامة الجلسات الجماعية داخل إطار المستشفيات أو داخل المدارس ومكاتب الخدمة المُجتمعية ومباني الكنيسة. وقد يكون الاختصاصي النفسي الإكلينيكي جزءًا من خدمة ميدانية تعمل مع العميل في المكان الذي يُريحه؛ وليكن مقهًى على سبيل المثال، أو مقعدًا في الحديقة يجلس فيه الاختصاصي النفسي مع مُراهِق شديد التخوف من الاقتراب أكثر من ذلك من العاملين في مجال الصحة. أما الاختصاصيون النفسيون الذين يُمارسون دورهم في عملٍ خاصٍّ عادةً ما يَستخدمون مكتبا خاصًّا بهم إما داخل عيادة خاصة أو داخل جناح من الغرف، قد يَتشاركونه مع ممارسين نفسيين آخَرين. ومؤخرًا، أصبح من الممكن أيضًا إجراء الجلسات من خلال الهاتف أو خدمة سكايب عندما لا يكون العميل قادرًا على زيارة الاختصاصي النفسي بشخصه أكثر شيوعًا (انظر الفصل ٧).
زيارة الاختصاصي النفسي الإكلينيكي
توجد طرق عديدة يُمكن للمرء من خلالها الوصول إلى اختصاصيٍّ نفسيٍّ إن كان يحتاج إلى مساعدة نفسية. إذا كان الاختصاصي النفسي الإكلينيكي يُمارس دوره من خلال عيادة خاصة ويقدم خدماته للعامة مباشرة، فيُمكن للشخص أن يتصل بالعيادة لتحديد موعد الزيارة. ولربما يروج الاختصاصي النفسي لنفسه بإضافة بيانات اتصاله لدليل مهني، مع توضيح مؤهلاته وأتعابه وطريقة عمله والنظريات التي يستخدمها والمجالات التي يتمتَّع فيها بخبرة خاصة. على الرغم من ذلك، فكثيرًا ما يكون انتشار بيانات اتصال المعالجين من خلال توصية عملاء آخرين سبق أن وجدوه مفيدًا لهم.
إذا كان الاختصاصي النَّفسي لصالح عيادة مجتمعية أو في منظومة رعاية صحية، فسيكون أغلب عملائه محالين إليه عن طريق مُتخصِّص آخر؛ كالأطباء والممرضين واختصاصيي دُور الرعاية والمدرسين والاختصاصيِّين الاجتماعيِّين (وإن كانت بعض المؤسَّسات تَقبل الإحالة الذاتية للعملاء). وسيكون مَن أحال العميل قد سبق أن قابَلَه بالفعل وقد يَقترح على الاختصاصي النفسي الإكلينيكي نوع المساعدة التي يعتقد أن العميل بحاجة إليها، أو قد يَطلب مساعدته في مشكلة بعينها. ويمكن للاختصاصي النفسي أن يكون جزءًا من فريق متعدِّد التخصصات — كأن يكون مثلًا جزءًا من فريق لعلاج اضطرابات الأكل، أو وحدة تقييم للأطفال قبل سن المدرسة، أو وحدة لإعادة التأهيل — فيُصبح عمله جزءًا من خدمة متكاملة قياسية.
وفي الجزء المُتبقِّي من هذه «المقدمة القصيرة جدًّا» سنُوضِّح العناصر الأساسية التي يَنطوي عليها الجانب العمَلي من الاختصاصي النفسي الإكلينيكي في أدوارِه المتنوِّعة؛ سواء بصفته معالجًا أو باحثًا أو مُدرِّسًا أو مُشرفًا أو مديرًا لجهة معيَّنة. لكننا سنبدأ أولًا بأن نُلقي نظرة على نوعيات الأشخاص الذين قد يَطلُبون مساعدة الاختصاصي النفسي الإكلينيكي ويَستفيدون منها.