المنظر الأول
قاعة في دار ليوناتو
(يدخل ليوناتو وأنطونيو وهيرو وبياتريس وآخرون.)
ليوناتو
:
ألم يحضر الكونت جون العشاء هنا؟
أنطونيو
:
لم أرَه.
بياتريس
:
لشد ما يلوح هذا السيد نكدًا مكتئبًا، ما رأيته مرة إلا أحسست حرقة قلب ساعة
بعد رؤيته.١
هيرو
:
إنه ذو مزاج سوداوي.
بياتريس
:
ما أبدع الرجل الذي هو وسط بينه وبين بنيديك: أحدهما أشبه بصنم لا يتكلم،
والآخر أشبه شيء بالابن الأكبر المدلل لا يكف عن الثرثرة.٢
ليوناتو
:
ليت نصف لسان السنيور بنيديك في فم الكونت جون، ونصف كآبة الكونت جون في وجه
السنيور بنيديك.
بياتريس
:
إن رجلًا كهذا يا عماه، إذا جَمَعَ — إلى ما وصفتُ — ساقًا طيبة، وقدمًا
حسنة، ومالًا في كيسه كافيًا، لظافر بأية امرأة في العالم، إذا استطاع كسب
مرضاتها.
ليوناتو
:
يمين الحق يا ابنة الأخ، لن تصيبي على الدهر كله زوجًا إذا ظل لسانك على هذا
النحو سليطًا.
أنطونيو
:
في الحق إنها ذات لسان مفرط في سلاطته.
بياتريس
:
المفرط في سلاطته معناه أكثر من سليط، وحاشا أن أغض من عطية الله من هذه
الناحية، فقد قيل إن الله يعطي البقرة الشكسة قرنين قصيرين، ولكنه لا يهب
الشكسة أكثر مما ينبغي شيئًا من القرون.٣
ليوناتو
:
ومعنى هذا أن الله لن يعطيك قرونًا ما دمت سليطة أكثر مما ينبغي.
بياتريس
:
هذا يصدق كل الصدق، إذا هو لم يهبني زوجًا، وهي نعمة أشكرها له وأصلي له من
أجلها كل صباح ومساء، رباه إني، لا طاقة لي بزوج ذي لحية، وأوثر الرقاد بين
الأغطية الصوفية من غير ملاءات.٤
ليوناتو
:
قد تقعين على زوج لا لحية له.
بياتريس
:
ماذا أصنع به؟
أألبسه ثوبي وأتخذه وصيفة لي؟ فأما من أوتي لحية فهو أكثر من شاب، وأما من لا
لحية له فهو أقل من رجل، ومن هو أكثر من شاب لا يصلح لمثلي، ومن هو أقل من رجل
لا أصلح أنا له، فالخير لي إذن أن آخذ دراهم معدودات من القرّاد وأستاق قردته
إلى الجحيم.
ليوناتو
:
وهل تدخلين عندئذ الجحيم؟
بياتريس
:
كلاّ … بل أسير بها إلى الباب فيلتقي إبليس بي لديه، ديوثًا شيخًا ذا قرنين،
فيقول لي: «اذهبي بياتريس إلى الجنة، لا مكان هنا للأبكار»، وعندئذ أسلمه
قرودي،٥ وأنطلق إلى القديس بطرس في الجنة فيريني المكان الذي يقيم فيه
العُزَّاب، فنعيش هناك ونمرح ما طال النهار.
أنطونيو
(مخاطبًا هيرو)
:
يقيني أنك ستطاوعين أباك وترضين بولايته.
بياتريس
:
أجل والله، إن واجب ابنة عمي أن تنحني لأبيها أدبًا وتقول: «أبتِ، افعل ما
تشاء»، ولكن ليكن فتًى وسيمًا، وإلا انحنت لأبيها انحناءة أخرى وهي تقول:
«أبتِ، أفعل ما أشاء».
ليوناتو
:
أرجو يا ابنة الأخ أن أراكِ يومًا ذات زوج.
بياتريس
:
حاشا … حتى يخلق الله الرجال من عنصر آخر غير «التراب»، ألا يحزن المرأة أن
تسيطر عليها قطعة من حمأ مسنون؟ أليس أليمًا لها أن تقدم حسابًا عن حياتها إلى
قبضة من تراب جاف؟
كلا يا عماه، لن يكون لي بعل، إن أولاد آدم إخوتي، وفي الحق إنني لأعد الزواج
من ذوي قرابتي إثمًا.٦
ليوناتو
:
تذكري يا ابنتي ما قلته لك، إذا فاتحك الأمير في هذا الأمر٧ فأنت تعرفين الجواب.
بياتريس
:
سيكون الذنب يا ابنة العم ذنب الموسيقى إذا لم تُخطبي في الحين المناسب. فإن
رأيت الأمير ملحفًا ملحًّا فقولي له: إن الاعتدال مطلوب في كل شيء، وانطلقي
بالجواب خطرانًا ورقصًا، واعلمي يا هيرو أن الغزل ثم القران، ثم الندامة، أشبه
برقصات ثلاث، وهي الرقصة الإسكتلندية السريعة الدوامة، والرقصة المتئدة
المتزنة، والخطوات الخمس.٨
فأما الأولى وهي «الخطبة» فحارة عجلى كالرقصة الإسكتلندية، وأما خطوة القران
فمعتدلة كالرقصة الثانية وإن حفلت بكل ما شئت من فخفخة، وحشمة وحفاظ قديم، ثم
تأتي خطوة الندامة فتتخاذل فيها من الرجل الساقان، وتمضيان إلى الرقصة الثالثة
وشيكًا وتتحولان، حتى يتردى الرجل في قبره.
ليوناتو
:
إنك لعليمة بفنون الرقص خبيرة يا ابنة العم؟
بياتريس
:
إن لي عينًا حديدية يا عماه، وأستطيع أن أبصر كنيسة على ضياء
النهار.٩
ليوناتو
:
المدعوون يا أخي قادمون، فافسحوا لهم.
(يضع الجميع أقنعتهم على وجوههم.)
(يدخل دون بدرو، وكلوديو، وبنيديك، وبلتازار، ودون جون،
وبوراشيو، ومرجريت، وأرسولا، وغيرهم والجميع مقنعون.)
دون بدرو
:
أيتها السيدة هل تسمحين بأن تخطري مع صديق لك؟
هيرو
:
بشرط أن تخطر برفق، وتنظر بلطف، ولا تقول شيئًا، إنني لك سيرًا وخطرانًا،
وخاصة حين أنسحب.
دون بدرو
:
وأنا في صحبتك؟
هيرو
:
قد أقول ذلك، حين يروقني.
دون بدرو
:
ومتى يروقك أن تقوليه؟
هيرو
:
حين يرضيني وجهك، ويعجبني محياك، وأرجو الله أن لا يكون المزهر
كغطائه.١٠
دون بدرو
:
إن قناعي هو سقف فيلمون. في بيت زفس.
هيرو
:
أولى به إذن أن يكون من قش.١١
دون بدرو
:
اغضضي من صوتك، إذا شئت الكلام في الحب.
(ينتحي بها جانبًا.)
بلتازار
(وهو يراقص مرجريت)
:
أود لو أنك تميلين إليّ.
مرجريت
:
لا أود أن أفعل. وهذا من أجل مصلحتك لأن لي عيوبًا كثيرة.
بلتازار
:
وما هو أولها؟
مرجريت
:
إنني أجهر بصلاتي.
بلتازار
:
هذا ما يزيدني لك حبٍّا … فقد يصيح السامعون آمين.
مرجريت
:
اللهم هبني راقصًا بارعًا.
بلتازار
:
آمين.
مرجريت
:
والله أبعده من عيني إذا انتهى الرقص … أجب يا كاتب.١٢
بلتازار
:
لا كلام عندي … لقد تلقى الكاتب الجواب.
أورسولا
(لأنطونيو وهي تراقصه)
:
أعرفك حق المعرفة، فأنت السنيور أنطونيو.
أنطونيو
:
ثقي أني لست هو.
أورسولا
:
أعرفك بهزة رأسك.
أنطونيو
:
إن شئت الحق قلت إنني أقلده.
أورسولا
:
ما كان في وسعك أن تُجيد تقليد معايبه إلى هذا الحد لو لم تكنه حقًّا. ها هي
ذي يده الخشنة تعلو وتهبط. أنت هو … أنت هو.
أنطونيو
:
ثقي أني لست هو.
أورسولا
:
أقبل! أقبل! أتحسبني لا أعرفك. من حدة ذكائك وفائق فطنتك، وهل في وسع الفضيلة
أن تخفيَ نفسها، هيا قل إنك هو. الفضل ظاهر، فلا مجال لقول قائل.
بياتريس
(وهي تراقص بنيديك)
:
ألا تريد أن تنبئني من قال لك ذلك؟
بنيديك
:
كلا، ومغفرة.
بياتريس
:
أولًا تنبئني من أنت؟
بنيديك
:
لن أنبئك بذلك الآن.
بياتريس
:
إن الذي قال عني إنني متكبرة متعجرفة، وأن نكاتي البارعة مأخوذة من «المائة
نادرة» هو السنيور بنيديك.١٣
بنيديك
:
ومن يكون؟
بياتريس
:
إنني على يقين من أنك تعرفه جد المعرفة.
بنيديك
:
لست أعرفه … صدقيني.
بياتريس
:
ألم يُثر يومًا في نفسك الضحك؟
بنيديك
:
أناشدك من هو؟
بياتريس
:
كيف هذا؟ إنه مهذار الأمير،١٤ وهو مُضحِكُه، سمج، كل موهبته اختراع فريات ووشايات لا تجوز على
عاقل، ولا يستروح إليها غير الفتيان المستهترين، لا يرضيهم منه ذكاؤه وإنما
يثيرهم خبثه، فهو يرضي الناس ويغضبهم، فيضحكون منه ثم يضربونه، وأنا واثقة أنه
بين الحاضرين، وددت لو أنه تعرض لي.
بنيديك
:
سأقول له كل هذا حين أعرفه.
بياتريس
:
أرجوك أن تفعل، وسوف ينالني بنكتة أو نكتتين، وقد لا ينتبه أحد إليها، ولا
يجد من يضحك لها، فتنتابه الكآبة، ويصيبه الغم، وفي ذلك اقتصاد جناح
بطة.١٥
لأن هذا المغفل لن يأكل الليلة. (تعزف
الموسيقى) دعنا نتبع الراقصين الأولين.
بنيديك
:
في كل شيء حسن.
بياتريس
:
أجل، وإذا ساقانا إلى شين تركتهما عند أول منعطف.
(رقص، ثم ينصرف الجمع عدا دون جون وبوراشيو وكلوديو.)
دون جون
:
لا شك عندي في أن أخي مستهام بهيرو وقد انتحى بأبيها ناحية ليتحدث إليه عنها،
وقد رأيت السيدات يتبعنها، ولم يبقَ غير وجه واحد ملثم.
بوراشيو
:
وهو وجه كلوديو، إنني أعرفه من سمته.
دون جون
:
ألست السنيور بنيديك؟
كلوديو
:
أنت تعرفني حق المعرفة، أنا هو.
دون جون
:
أنت يا سنيور صاحب سر أخي١٦ في حبه، إنه بهيرو مغرم كلف، أناشدك أن تُثنيه عن حبها لأنها لا
تساويه مولدًا، ولو قد فعلت، لأديت إليه ما يؤديه الناصح الأمين.
كلوديو
:
من أين عرفت أنه يحبها؟
دون جون
:
لقد سمعته يقسم أنه يحبها.
بوراشيو
:
وأنا كذلك، وقد حلف أنه سيتزوج بها الليلة.
دون جون
:
هلم بنا إلى المأدبة.
(يخرج دون جون وبوراشيو.)
كلوديو
(مناجيًا نفسه)
:
هكذا أجبت باسم بنيديك، وإن سمعت نبأ سوء بأذنَيْ كلوديو. إن الأمر مؤكد فإن
الأمير يخطبها لنفسه. إن الصداقة في كل شيء وفية وموضع ثقة إلا في خدمة الحب
وشئونه، ولهذا السبب ينبغي للقلوب المحبة أن لا تستخدم سوى ألسنتها ولتفاوض كل
عين عن ذاتها، ولا تثق بأحد يتولى المفاوضة عنها، لأن الجمال ساحر، لا يلبث
الوفاء حيال فتونه أن يستحيل هيامًا. وأن هذا الحادث ينهض الدليل في كل ساعة
على صحته، ولكني لم أفطن إليه، ولهذا وداعًا يا هيرو … إني عنكِ لمنصرف.
(يدخل بنيديك.)
بنيديك
:
الكونت كلوديو؟
كلوديو
:
نعم. ها أنذا.
بنيديك
:
هلم … ألا تأتي معي؟
كلوديو
:
إلى أين؟
بنيديك
:
إلى أقرب صفصافة١٧ يا كونت، فهناك المكان الذي يليق بك، قل لي في أي شكل تريد أن تضع
إكليلك؟١٨ أحول عنقك كسلسلة المرابي؟١٩
أم حول ذراعك كشارة الضابط؟٢٠
واحدة من اثنتين؛ لأن الأمير قد ظفر بهيرو التي فتنتك.
كلوديو
:
ليفرح بها.
بنيديك
:
ما هذا! إنك لتتكلم بلهجة بائع الماشية الأمين في سوق العجول، ولكن هل كنت
تظن الأمير فاعلًا بك هذا؟
كلوديو
:
إليك عني … أرجوك.
بنيديك
:
وي … إنك الآن تتخبط كالأعمى اصطدم بالعمود، إن الغلام هو الذي سرق لحمك،
ولكنك تصطدم بالعمود.٢١
كلوديو
:
إذا لم تنصرف عني انصرفت أنا عنك (ينصرف).
بنيديك
(لنفسه)
:
وا أسفاه … أيتها الدجاجة الجريح المسكينة … إنها الساعة متسللة إلى العشب
الملتف تخفي جرحها … ولكن سواء عرفتني السيدة بياتريس أو لم تعرفني، مهذار
الأمير٢٢ … ها، ها … لعلي حملت هذا اللقب لأني أخو فكاهة مرح.
نعم، غير أني بذلك أسيء إلى نفسي، ولكني لم أشتهر بهذا، وإنما هي نزعة
بياتريس السافلة، وفطرتها المريرة التي جعلتها تضع العالم كله في شخصها، وتصفني
بهذا الوصف، ولكني سأنتقم منها إذا وجدت إلى الانتقام سبيلا.
(يدخل دون بدرو.)
دون بدرو
:
والآن يا سنيور أين الكونت؟ ألم تره؟
بنيديك
:
يمين الحق يا مولاي … لقد مثلت دور السيدة «شائعة»؛٢٣ فقد وجدته هنا ساهمًا كئيبًا ككوخ الحارس الموكل بأرض صيد٢٤ فأنبأته، وأحسبني أنبأته الحق، إن مولاي ظفر برضى هذه الغانية
الشابة، وعرضت عليه أن يصحبني إلى شجرة صفصاف، لأصنع له إكليلًا من ورقه شأن
الفاشل في حبه، أو لأعدَّ له منها عصا لأنه استوجب الضرب.
دون بدرو
:
الضرب؟ وما الذنب الذي أتاه؟
بنيديك
:
ذنب تلميذ تناهى به الفرح بالعثور على عش عصافير فأراه لصاحبه فسرقه هذا
الصاحب.
دون بدرو
:
هل تعد الثقة ذنبًا؟ إن الذنب ذنب السارق.
بنيديك
:
ولكن هذا هو الذي جرى. العصا أعدت، والإكليل عُقد، ولم يكن هذا عبثًا، فأما
الإكليل فقد كان من الجائز أن يلبسه هو، وأما العصا فلعله منعم بها عليك، لأنك
كما فهمتُ منه سرقتَ عش عصافيره.
دون بدرو
:
سأعلمها الشّدو ثم أردها إلى صاحبها.
بنيديك
:
يمينًا، لقد قلت حقًّا إن تحقق ما تقول.
دون بدرو
:
إن السيدة بياتريس منك غضبى؛ فإن السيد الذي راقصها نبَّأها أنك أخطأت كثيرًا
في حقها.
بنيديك
:
لقد أساءت إليّ إساءة؛ لا يحتملها الصخر، ولو أن سروة لم يبقَ عليها غير ورقة
خضراء لما أطاقت السكوت عليها، إن قناعي نفسه لم يلبث أن دبت فيه الحياة فرد
عليها وكال لها بكيلها.
لقد قالت لي، وهي لا تظن أنني أنا مراقصها: «إنني مهذار الأمير» وإنني أبرد
من لوح ثلج، ومضت ترميني بنكتة في إثر نكتة ببراعة لا يتصورها العقل، حتى لقد
لبثت أمامها كأنني هدف لرمية جيش بأكمله، إن كلماتها كالخناجر وكل لفظة منها
طعنة سنان، ولو كانت أنفاسها في مثل بشاعة كلماتها، لما توانت الحياة لأحد
بقربها، بل لأصابت نجم القطب الشمالي بعدواها، ولست أرضى الزواج بها.
حتى ولو أتيح لها كل ما أنعم به على آدم قبل الخطيئة.٢٥
ولو أن هرقل مُني بها لجعلته يقلب على الجمر سفودًا، بل لكسر عصاه ليجعل منها
وقودًا.٢٦
دعنا من الحديث عنها، فإنك لواجدها ربة الجحيم «آتي» القديمة٢٧ في زي حُسْن، وليت الله يقيض لنا عالمًا يبطل سحرها، ويطرد عنا
شرها،٢٨ وما دامت هنا بيننا، فليس من شك في أن المرء ليحيا في الجحيم
هادئًا راضيًا كأنه في الجنة، ويرتكب الناس الخطيئة عامدين، لأنهم يريدون
الذهاب إلى جهنم، فالشر والنكر والفوضى كلها تبع لها وحشم.
دون بدرو
:
حذار — إنها قادمة.
(يدخل كلوديو وبياتريس وهيرو وليوناتو.)
بنيديك
:
ألا تأمرني يا مولاي بتأدية أية خدمة لك في أقصى الأرض، أود لو أُرسلت في
أتفه مهمة تشير بها في الجهة المقابلة لهذه القارة، بل إني لراضٍ أن ألتمس
لسماحتك سواكًا من أبعد ركن في آسيا، أو آتيك بمقياس قدم القس يوحنا٢٩ أو شعرة من لحية الملك تشام٣٠ أو أتولى أية سفارة لك لدى الأقزام،٣١ فذلك عندي خير من التحدث بثلاث كلمات مع هذا العُقاب.٣٢
هل من خدمة أؤديها لك يا مولاي؟
دون بدرو
:
لا شيء إلا رغبة الاستمتاع بمحضرك.
بنيديك
:
رباه. يا سيدي، هذا طعام لا أسيغه، لأنني لا أطيق ذات اللسان.٣٣
(يخرج)
دون بدرو
:
هلمي يا سيدتي، هلمي.
لقد خسرت قلب السنيور بنيديك.
بياتريس
:
لقد أعارنيه يا مولاي منذ هنيهة.
وأديت له الفائدة،٣٤ قلبين اثنين لقاء قلب واحد، يمينًا، لقد أحسنت في قولك يا مولاي
إنني خسرته، فقد كسبه مرة من قبل بنرد مزيف.٣٥
دون بدرو
:
لقد صرعته يا سيدتي … لقد صرعته.
بياتريس
:
ولهذا أود أن لا يفعل هذا بي يا مولاي، مخافة أن أُعد أم الحمقى … لقد جئت
بالكونت كلوديو الذي أوفدتَني للبحث عنه.٣٦
دون بدرو
:
كيف أنت يا كونت؟ وما بالي أراك حزينًا؟
كلوديو
:
لست حزينًا يا مولاي!
دون بدرو
:
ما بالك إذن … أمريض؟
كلوديو
:
لا هذا ولا ذاك يا مولاي.
بياتريس
:
ليس الكونت بمحزون، ولا هو بمريض، ولا هو بمبتهج، ولا هو بموفور العافية،
ولكنه حمض قليلًا كالبرتقالة الأشبيلية.٣٧ وبه شيء من أعراض الغيرة وسماتها.
دون بدرو
:
يمينًا، أيتها السيدة إني لأحسب إشارتك هذه صادقة، وإن كنت أقسم أنه واهم في
تقديره إن كان كذلك. اسمع يا كلوديو لقد خطبت باسمك، وفزت لك بالحسناء هيرو،
وأفضيت بالنبأ إلى أبيها وظفرت برضاه، فعيَّن يوم القران، وأدعو الله لك
بالهناءة.
ليوناتو
:
خذ يا كونت مني ابنتي، ومعها ثروتي، فإن قداسته خطب، والله جل جلاله أمّن على
خطبته.
بياتريس
:
تكلم يا كونت، فهذه فرصتك.٣٨
كلوديو
:
الصمت أكمل بشائر الفرح، ولو وصفت مقدار سعادتي، لأنقصت منها، سيدتي، أما
وأنت لي، فأنا لك، إني لك واهب نفسي، ومغتبط بهذا التبادل.
بياتريس
:
تكلمي يا ابنة العم، وإن لم تقدري، فأغلقي بقبلة فمه ولا تدعيه هو الآخر
يتكلم.
دون بدرو
:
يمينًا، أيتها السيدة لقد أوتيت قلبًا مرحًا.
بياتريس
:
أجل، يا مولاي، وإني لهذا القلب الأحمق لشاكرة، لأنه يأبى إلا أن يبقى أبدًا
في مأمن من الهم، إن ابنة العم تقول له في أذنه إنه يسكن في قلبها.
كلوديو
:
وإنها لتسكن قلبي يا ابنة العم.
بياتريس
:
رب، ألا من زوج!٣٩ أفكل إنسان يدخل الدنيا ما خلاي … لقد لوحتني الشمس،٤٠ فليس لي إلا أن أجلس في ركن أغني واها، ألا من زوج!٤١
دون بدرو
:
يا سيدتي بياتريس إن لك عندي زوجًا.
بياتريس
:
إني لأوثر أن يكون من ذرية أبيك، أليس لقداستك أخ على غرارك، لقد أنجب أبوك
أحسن الأزواج، لو أتيح لفتاة الظفر بأحدهم.
دون بدرو
:
هل ترتضيني يا سيدتي؟
بياتريس
:
كلا يا مولاي، ما لم يكن لي بعل آخر لأيام العمل،٤٢ لأن قداستك أغلى من أن تلبس في كل يوم، ولكنني أستميحك مغفرة فقد
ولدت هكذا، أقول هزلًا، ولا أقول شيئًا ذا معنى.
دون بدرو
:
إن أشد ما يؤلمني أن لا تتكلمي، فإن المرح أليق شيء بك، فأنتِ بلا نزاع
مولودة في ساعة سعد.
بياتريس
:
كلا بلا ريب يا مولاي، فقد كانت أمي تبكي، ولكن كان هناك نجم في السماء يرقص،
ومن تحته جاء مولدي، يا بني العم، متعكم الله بالسرور.
ليوناتو
:
يا ابنة الأخ، هلا عنيت بالأشياء التي قلت لك عنها.٤٣
بياتريس
:
أستأذنك يا عمي، مولاي عن إذنك (تخرج).
دون بدرو
:
يمين الحق، إنها لسيدة خفيفة الروح.
ليوناتو
:
ليس فيها يا مولاي غير قليل من العنصر السوداوي،٤٤ فهي لا تكتئب إلا في المنام، ولا أحسبها حتى فيه بمكتئبة، فقد سمعت
ابنتي تقول: إنها كثيرًا ما حلمت بالبؤس، ثم استيقظت ضاحكة.
دون بدرو
:
إنها لا تطيق أن تسمع أحدًا يتحدث إليها عن الزواج.
ليوناتو
:
بلى … إنها لتستهزئ بكل خُطابها وتردهم بذلك عن خطبتها.
دون بدرو
:
لو تزوجت بنيديك لكانت خير الزوجات!
ليوناتو
:
سبحان الله يا مولاي … لو لبثا زوجين أسبوعًا واحدًا لأدى بهما الحديث إلى
الجنون.
دون بدرو
:
متى تنتوي يا كونت كلوديو الذهاب إلى الكنيسة؟
كلوديو
:
غدًا يا مولاي. إن الزمن يمشي على عكاز، حتى يستكمل الحب مراسمه.
ليوناتو
:
لن يتم هذا قبل يوم الاثنين يا بني العزيز، أي بعد أسبوع، وهي فترة وجيزة
لإتمام كل ما في نفسي تحقيقه.
دون بدرو
:
لا تهزز رأسك هكذا متبرمًا بطول الوقت،٤٥ ولكنني أؤكد لك يا كلوديو أن الوقت لن ينقضي علينا ثقيلًا مضجرًا،
فسأتولى خلاله إنجاز عمل من الأعمال التي فُرضت قديمًا على هرقل،٤٦ وهو تأليف قلبَي السنيور بنيديك والسيدة بياتريس، والوصول بهما إلى
ذروة التعاطف والمودة المتبادلة، وبودي لو يتحقق زواجهما، ولست أشك في تحقيقه،
إذا تيسر لثلاثتكم تقديم المعونة التي سأوجهكم إليها.
ليوناتو
:
أنا معك يا مولاي ولو كلفني ذلك السهر عشر ليالٍ.
كلوديو
:
وأنا يا مولاي.
دون بدرو
:
وأنتِ أيضًا يا هيرو الرقيقة؟
هيرو
:
سأبذل يا مولاي جهدي المتواضع، في معاونة ابنة عمي على الظفر بزوج
صالح.
دون بدرو
:
ليس بنيديك بأقل الرجال صلاحية للزواج،٤٧ وليس الأمل فيه زوجًا أضعف الأمل، وهذا هو كل ما في وسعي أن أمدحه
به.
إنه رجل عريق المحتد وأخو شجاعة مشهودة وأمانة مؤكدة، وسأعلمك كيف تغرين ابنة
عمك بحب بنيديك، وأتولى أنا بعونكما الأمر من ناحية بنيديك نفسه، رغم حاضر
بديهته، وسرعة تأثره، حتى يقع في حب بياتريس، ولو استطعنا ذلك، لما عاد كيوبيد
بعد اليوم نابلًا،٤٨ بل سينقل مجده إلينا فنصبح نحن آلهة الحب وحدنا، هلموا بنا ندخل
لأنبئكم بما عقدت النية عليه.
(يخرجون)
المنظر الثالث
في حديقة بيت ليوناتو
(يدخل بنيديك.)
بنيديك
:
يا غلام!
(يدخل غلام.)
الغلام
:
سيدي السنيور؟
بنيديك
:
على نافذة غرفتي تجد كتابًا، هاته لي هنا في الحديقة.
الغلام
:
أنا هنا الآن يا سيدي.
بنيديك
:
أعرف ذلك، ولكني أريد أن تذهب إلى هناك ثم تعود إلى هنا (يخرج غلام).
إني لفي عجب عاجب، أن أرى رجلًا بدت له حماقة سواه، وبالغ سخفه، في الاستسلام
للحب، وطالما ضحك ساخرًا من حمق الآخرين فيه، كيف يستسلم هو له فيقيم من نفسه
الحجة على حماقته، والدليل على استحقاقه لسخريته، ذلكم هو كلوديو، فقد عرفته لا
يطرب إلا لقرع الطبول وصوت المزمار،٥١ فإذا هو اليوم يؤثر عليهما سماع القربة والطنبور، وعرفته يقطع عشرة
أميال سيرًا على قدميه ليرى لَأَمة٥٢ حسنة، فإذا هو اليوم يقضي عشر ليالٍ ساهرًا يفكر في زي صدار جديد،
وكان فيما مضى الصريح الموجز، يرمي إلى هدفه شأن الرجال الأمين، وديدن الجندي،
فإذا هو يصبح الرجل المتعالم المتأنق٥٣ في حديثه، الحافل القول بأغرب أصنافه، كأن حديثه المائدة المليئة
بأعجب ألوان الطعام وصحافه، فهل أرجو أن أتحول هكذا وأتبدل، وأشهد بعيني ما
تشهده عيناه؟ لا أدري! ولا أظن، وأحسب الحب سيحيلني قوقعة أو يردني حيوانًا،
ولكني أقسم أنه لن يجعلني أبله مأفونًا، قبل أن يتم له تحويلي كذلك. إن في
النساء الحسناء، وأنا الخلي، والعاقلة ولكني لست أرضاها، والفاضلة، وقلبي من
حبها خلاء، فلن تظفر مني بالرضى بنت حواء، حتى تجمع كل هذه الصفات، وتتوافر لها
كل هذه الخلال. لتكن ذات مال، فهذا لا نزاع فيه، وأخت حكمة، وإلا لما رضيتها،
وفاضلة، وإلا لما قبلت مساومة فيها، وحسناء، وإلا لما نظرت إليها، ورقيقة، وإلا
لما دنت مني، ونبيلة،٥٤ وإلا لما كنت حيالها ملاكًا، وحلوة الحديث صاحبة طرب بارعة، شعرها
كما صنعه الله.
ها … ها هو ذا الأمير، والسيد «الحب»٥٥ قادمان، فلأختبئ في الخميلة (يختبئ).
(يدخل دون بدرو وكلوديو وليوناتو.)
دون بدرو
:
تعالَ بنا ألا تستمع لهذه الموسيقى؟
كلوديو
:
بلى، يا مولاي الكريم، ما أسجى الليل!
كأنما قد سكت عن عمد، ليزيد اللحن حسنًا وانسجامًا.
دون بدرو
:
أرأيت أين اختبأ بنيديك.
كلوديو
:
ليكن يا مولاي، أما والموسيقى قد انتهت، فليأذن للثعلب الصغير بهذه
التافهة.٥٦
(يدخل بلتازار والموسيقى.)
دون بدرو
:
هلم يا بلتازار، أسمعنا هذه الأغنية مرة أخرى.
بلتازار
:
أي مولاي الكريم، لا تكلف صوتًا قبيحًا كصوتي، أن يسيء إلى الطرب أكثر من
مرة.٥٧
دون بدرو
:
إن إنكار المرء لفضله ودعواه الجهل بأحسن ما فيه، لهما دائمًا خير برهان على
عظم شأنه، وجلال قدره، فغنِّ ولا تدعني أكرر السؤال، وأردد الخطبة.٥٨
بلتازار
:
سأغني ما دمت قد تحدثت عن الخطبة، فكم من خطيب شرع في خطبة فتاة لا يحسبها
خليقة به، ولكنه يمضي في تشبيبه، ويقسم أنه الصب المستهام.
دون بدرو
:
أناشدك أن تغني، أو إن أبيت إلا المضيّ في المُحاجَّة، فلتكن حججك
أنغامًا.
بلتازار
:
ألقِ بالك إلى هذا قبل أن أنطلق بأنغامي، إذ ليس فيهن نغمة جديرة
بالملاحظة.
دون بدرو
:
يا عجبًا، إن كلامه هذا «دندنة» في ذاتها ونغمات، فهو لا يكف عن ذكر الأنغام
ولا يقول شيئًا.
(يبدأ بلتازار النغم.)
بنيديك
:
يا لجلال النغم وسحر الأوتار، هذه روحه قد بدأت تفتن، أليس عجيبًا أن تكون
لأمعاء الضأن القدرة على اجتذاب الأرواح من أعماق الأجسام.٥٩
بلتازار
(الأغنية)
:
أيتها الغيد اكففن عن التأوّه والتنهيد،
فدَيدن الرجال، الخداع والضلال،
قدم لهم في البحر، وقدمْ في البر،
ولا نبات عندهم إلى آخر الدهر.
حسبكن تحسّرًا وتنهيدًا، واتركنهم وشأنهم،
وابتغين لهوًا ومرحًا وانثنين عن أناشيد الحزن،
إلى أغاني الأفراح، والطرب.
حسبكن ترنمًا بالأناشيد النكدة الثقيلة،
كذلك كان غدر الرجال من الأزل،
منذ خلق الصيف مورقًا وارف الظل،
وإذن تحسرا … إلخ …
دون بدرو
:
يمين الحق، إنها لأغنية حسنة.
بلتازار
:
والمغني رديء يا مولاي.
دون بدرو
:
كلا، كلا … يمينًا، إنك لتغني غناءً حسنًا ينتقل من نغمة إلى نغمة.
بنيديك
:
لو كان كلبًا وعوى هذا العواء، لشنقوه، أرجو الله أن لا يكون صوته القبيح
نذيرًا بسوء، ووددت لو أني سمعت الغراب الأسحم، وإن جاء الطاعون في إثره
يدْهم.
دون بدرو
:
أتسمع يا بلتازار؟
أرجوك أن تأتينا بموسيقى بديعة، لأننا نريدها مساء غد، تحت شرفة مخدع الحسناء
هيرو.
بلتازار
:
سآتي بخير ما أستطيع يا مولاي.
دون بدرو
:
افعل … مع السلامة (يخرج بلتازار).
أقبل يا ليوناتو، ما الذي نبأتنيه اليوم.
أقلت إن ابنة أخيك بياتريس تحب السنيور بنيديك؟
كلوديو
:
أي نعم … لنتقدم بحذر … إن الطائر جاثم مطمئن،٦٠ ما كنت أحسب يومًا أن هذه السيدة ستحب أحدًا.
ليوناتو
:
ولا أنا — وأعجب العجب أن يشغفها السنيور بنيديك حبًّا، وهي تبدي له في
الظاهر أشد المقت.
بنيديك
:
أممكن هذا؟ أتهُب الريح من هذه الناحية؟
ليوناتو
:
يمين الحق يا مولاي، إني لفي حيرة، لا أدري كيف توليه هذا الحب الشديد، إن
هذا الأمر يتجاوز حدود المعقول.
دون بدرو
:
لعلها تتظاهر.
كلوديو
:
محتمل، جائز.
ليوناتو
:
بالله … تتظاهر … ما أحسب في الدنيا عاطفة مزيفة هي أدنى إلى العاطفة الصحيحة
مما تبديه.
دون بدرو
:
وأي أعراض الحب هي كاشفة؟
كلوديو
:
أصلِحْ الطعم في الشِّص، فإن هذه السمكة ستقضمه.
ليوناتو
:
أتسألني عن الأعراض يا مولاي؟ إنها سوف تدهشك، ألم تنبئك ابنتي كيف كان
ذلك؟
كلوديو
:
لقد نبأتني حقًّا.
دون بدرو
:
كيف … كيف … أناشدكما، فقد أدهشتماني، لقد كنت أظن أن عواطفها مستعصية على
هجمات الحب وطعناته.
ليوناتو
:
لم أكن لأتردد يا مولاي في القسم بذلك، وبخاصة نحو بنيديك بالذات.
بنيديك
:
كنت أحسبها خدعةً ومكرًا، لولا أن المحدث بهذا هو ذلك الشيخ الأشيب، والمكر
لا يمكن أن يجتمع مع هذا الوقار الطاهر.
كلوديو
:
لقد وقع الصيد في الفخ، فلا تدعوه يفلت منه.
دون بدرو
:
وهل كاشفتْ بنيديك بحبها؟
ليوناتو
:
كلا، وقد أقسمت أنها لن تفعل، وهذه هي محنتها.
كلوديو
:
حقًّا إنها لكذلك، فقد حدثتني ابنتك. أنها قالت لها: «أأنا التي طالما سخرت
منه حين لقيته، أكتب إليه بأني أحبه؟»
ليوناتو
:
هذا هو ما تقوله الآن، حين بدأت تكتب إليه، فهي تنهض عشرين مرة في الليل،
فتكتب وهي في جلبابها، حتى تملأ صفحة كاملة، لقد حدثتنا ابنتي عن هذا
كله.
كلوديو
:
أما وقد ذكرت الصفحة «المليئة»، فلا أزال أذكر فكاهة مليحة قالتها لنا
ابنتك.
ليوناتو
:
آه، حين فرغت من كتابتها، وقرأت الصفحة التي «ملأتها». خُيل إليها أن بنيديك
وبياتريس في الفراش فوق «ملاءتها».٦١
كلوديو
:
هذه هي النكتة بالذات.
ليوناتو
:
لقد مزقت الكتاب إربًا، وسخرت من نفسها كيف لم تستحِ أن تكتب مثله، إلى رجل
تعرف أنه سوف يستهزئ بها، وأنثنت تقول، إنني أقيسه «بما كنت أنا في مثل هذه
الحال فاعلته» فلو كتب إليّ هكذا لسخرت منه، وإن كنت أحبه.
كلوديو
:
ثم تخر راكعة على ركبتيها … باكية، ناشجة. تدق صدرها بكفها، وتقتلع شعرها،
وتضْرع، وتلعن، وتنادي، أي بنيديك الجميل «اللهم ألهمني الصبر».
ليوناتو
:
هذا هو ما تفعله كما علمتُ من ابنتي، حتى لقد بلغ من فرط جنّتها، وأثر النوبة
العنيفة التي انتابتها، أن بدأت ابنتي تخشى أن تُلحق بنفسها أذًى بليغًا في
أثناء نكبتها وهذا صحيح.
دون بدرو
:
يحسن أن يعرف بنيديك هذا الأمر بأية وسيلة أخرى، ما دامت تأبى أن تكاشفه
به.
كلوديو
:
وما النتيجة، فلسوف يتخذها هُزءًا، ويزيد في تعذيب المسكينة طغيانًا
وبغيًا.
دون بدرو
:
لو فعل؛ لكان من الخير أن نشنقه شنقًا. إنها لفتاة حسناء حلوة. وفاضلة فوق كل
شبهة.
كلوديو
:
وحكيمة إلى أبعد حدود الحكمة.
دون بدرو
:
هي كذلك إلا في شيء واحد، وهو حب بنيديك.
ليوناتو
:
إن الحكمة يا مولاي والعاطفة، تتنازعان وتضطرمان في هذا البدن الغض، ولدينا
الأدلة المتوافرة على أن العاطفة هي المنتصرة، وإني لها لمحزون، ولي العذر،
لأني عمها وولي أمرها.
دون بدرو
:
ليتها وهبتني أنا هذا الحب الجنوني، إذن لاطَّرحتُ كل اعتبار وجعلتها نصف
نفس. أرجوك أن تنبئ بنيديك وتعرف ما هو قائل.
ليوناتو
:
هل تظن أن في ذلك نفعًا؟
كلوديو
:
إن هيرو تظن أنها ستموت لا محالة؛ لأنها تقول إنها ستقضي إذا هو لم يحبها،
وستموت قبل أن تعلن حبها، وستفضل الموت إذا هو فاتحها على الإقلال من مألوف
سخريتها منه.
دون بدرو
:
تحسن صنعًا؛ لأنه من الجائز إذا هي عرضت عليه حبها أن يسخر منه؛ لأن الرجل —
كما تعلمون جميعًا — ذو نفس هازئة ساخرة.
كلوديو
:
إنه مثال الرجل المستقيم الفاضل.
دون بدرو
:
إن له في الحق مظهرًا جميلًا يستهوي النفوس.
كلوديو
:
وإني لأشهد أمام الله أنه لرجل كريم.
دون بدرو
:
إنه لتبدو عليه في الواقع مخايل الحكمة، وتنبثق منه شرارة ذات بريق يشبه
الذكاء.
كلوديو
:
وأنا أعدّه شجاعًا باسلًا.
ليوناتو
:
أؤكد لك أنه في مثل شجاعة «هكتور»٦٢ وبسالته، أما في تدبير الاشتباكات والمشاجرات؛ فلك أن تقول إنه
الحكيم، لأنه إما أن يتحاشاها بفطنة بالغة، أو يتولاها بخشية أقرب ما تكون لها
خشية المسيحيين المؤمنين.
ليوناتو
:
إذا كان حقًّا يخشى الله، كان حتمًا الوديع المسالم، أما إذا هو لم يجنح إلى
السلم، فلا مفر له من الدخول في الشجار وجلًا مرتجفًا.
دون بدرو
:
هذا هو ديدنه، لأنه يخاف الله، وإن لم يبدُ ذلك عليه للنكات والأمازيح الجافة
التي يرسلها. إنني ليحزنني حظ ابنة أخيك. أنذهب لنبحث عن بنيديك لكي ننبئه
بحبها.
كلوديو
:
ينبغي أن لا تخبره بذلك يا مولاي، ولندعها تتغلب عليه بحسن تفكيرها.
ليوناتو
:
كلا، هذا غير جائز. فقد ينهك الصبر عليه فؤادها أولًا.
دون بدرو
:
حسن ما قلت، ولنسمع من ابنتك ما هي فاعلة بعد، ولندع الأمر في سبيله حتى يهدأ
قليلًا، إنني أحب بنيديك حقًّا، وبودي لو يعود إلى نفسه فيبلوها، حتى يتبين إلى
أي حد، هو غير خليق بسيدة طيبة مثلها.
ليوناتو
:
مولاي، ألا نمضي، إن العشاء قد أُعد.
كلوديو
:
إذا هو لم يشغف بها حبًّا بعد هذا، فلن يصدق يومًا ظني.
دون بدرو
:
لندع الشرَك على هذا النحو منصوبًا لها، وهذا هو ما نحن تاركوه لابنتك
ووصيفتها تدبرانه، وستكون التسلية الممتعة حين يعرف كل منهما شغف صاحبه، بودي
لو أرى هذا المشهد، إنه سيكون تمثيلًا بالإشارات لا بالكلام. دعونا نوفدها
لتدعوه إلى العشاء.
(يخرج دون بدرو وكلوديو وليوناتو.)
بنيديك
(يتقدم من مخبئه)
:
لا يمكن أن يكون هذا خدعة، فقد كان الحديث جادًّا. وقد عرفوا حقيقة الأمر من
هيرو، ويبدو لي أنهم على الفتاة مشفقون والظاهر أن حبها بلغ نهاية المدى … إنها
تحبني … يا لله!
لا معدى عن تبادل الحب والاستجابة له، وقد سمعتهم يلومنني وينتقدون مسلكي،
ويقولون إنني سأروح المزهو المتكبر، إذا لمحت الحب من جانبها منبعثًا، ولقد
قالوا أيضًا إنها لتؤثر الموت على إظهار حبها، ولكني لم أفكر يومًا في الزواج،
ولا ينبغي لي أن أبدو صلفًا متكبرًا، إن السعداء من يسمعون معايبهم فيستطيعون
إصلاحها، وهم قائلون إن السيدة حسناء، وهذا صحيح، وإني لشاهد لها بالحسن غير
منكر؛ وفاضلة، وهذا حق لا أكذبه؛ وأريبة عاقلة، إلا في حبي، ولكن يمين الحق، إن
حبها لي لا يزيد في حكمتها، ولا يضيف شيئًا إلى فطنتها، ولا هو بحجة بالغة على
حماقتها؛ لأنني سأتناهى في حبها، وأمعن في الكلف بها، ولعلي مستهدف لشيء من
النكت وقليل من السخرية، لأنني كثيرًا ما سخرت من الزواج واستزريته، ولكن ألا
تتغير الشهوة إلى الطعام، وتقبل أحيانًا أو تنصرف. فقد يحب الرجل أكل اللحم في
شبابه. فإذا تقدمت به السن لم يعد يطيقه، فهل ترى هذه النكت والأمثال،
والفكاهات التي لا ضرر فيها، صارفة المرء عن سبيله، عادلة به عن رغبته وهوى
نفسه. كلا، يجب أن يعمر العالم بالناس، وحين قلت إنني أوثر أن «أموت» أعزبَ، لم
أكن أدري أنني «سأحيا» حتى أقترن … ها هي ذي بياتريس قادمة … وحق هذا النهار
إنها لحسناء، وإني لألمح بعض أمارات الحب عليها.
(تدخل بياتريس.)
بياتريس
:
أُوفِدت على كره مني لأدعوك إلى العشاء.
بنيديك
:
أشكرك أيتها الحسناء بياتريس على تجشمك هذا التعب.
بياتريس
:
لم أتكبد في سبب شكرك لي تعبًا، أكثر من تكبدك أنت في شكري. ولو كان في مجيئي
إليك تعب لما جئت.
بنيديك
:
هل سرَّتْك إذن الوفادة إليّ؟
بياتريس
:
أجل، كسرورك من تناولك مدية ووخز غراب بسنانها … ألا رغبة لك في الطعام يا
سنيور …؟ طاب يومك (تخرج).
بنيديك
:
ها …! «لقد أوفدت إليك على كرهٍ لأدعوك إلى الطعام»، إن هذا القول منها يحمل
معنيين. ثم قولها لم أتكبد في سبب شكرك لي تعبًا أكثر مما تتكبده أنت لشكري،
يعني أن أي تعب أتكبده في سبيلك لسهل هين كالشكر … وإذا أنا لم أشفق عليها، كنت
وغدًا دنيئًا، وإذا أنا لم أحبها كنت يهوديًّا … فلأذهب لأظفر بصورتها.
(يخرج)