دار النساء
فلما وصل الأمين إلى تلك الباحة، تقدم كبير الخصيان السود بين يديه فوسع له ستارة من الديباج الموشى مُعلَّقة على الباب المؤدي إلى دار النساء، فدخل ومشى في الدهليز، ودعا الفضل وجعفرًا فتبعاه وخطواتهم لا يُسمع لها وقع؛ لأنهم سائرون على طنافس كثيفة الوبر من صنع طبرستان، فلما انتهوا من الدهليز الثاني أشرفوا على حديقة فيها الأزهار والرياحين، ووراءها دار النساء (الحريم)، يُصعد إليها بست درجات من الرخام الأحمر، وعلى بابها ستارة ثمينة من الديباج سماوية اللون، عليها كتابة بطراز القصب هذا نصها — وهي من شعر حاتم الطائي:
وهي تشير إلى رغبة صاحب هذا المنزل في السخاء. وكان الأمين كثير السخاء، وكان رئيس الخصيان ماشيًا بين أيديهم، فلما أقبلوا على ذلك الباب تقدم ووسع الستارة بيده، فدخل الأمين ورفيقاه إلى قاعة كبيرة أشبه شيء بقاعة الاستقبال، في كل من جانبيها باب يؤدي أحدهما إلى مساكن النساء، والباب الآخر إلى مجالس خاصة هي قاعات، لكل قاعة منها فرش خاص بلون خاص. ولم يكن غرض الأمين الذهاب إليها، وإنما أراد الخروج إلى المصطبة وراء تلك الدار. وكان الفضل وابن الهادي حالما دخلا تلك القاعة سمعا ضرب العيدان على غير نظام؛ إذ كان أصحابها يُسَوُّونها وهم وراء الجدران، ولكنهما لبثا ينتظران ما يفعله الأمين. والقاعة المشار إليها مفروشة بالأرمني من الحرير المزركش، وفي جدرانها صور بعض ملوك الفرس والروم على أفراسهم، وبينها صور بعض حيوانات البر والبحر. وقد صُنع كثير من هذه الصور ووشي بالذهب أو بالعاج على ألواح من خشب الأبنوس، وعلق بعضها على الجدران بمسامير من الذهب، وعلى أبواب القاعة من الداخل ستائر معلقة بمسامير ضخمة من الفضة، وفي أرضها بساط واحد، ربما بلغت مساحته عشرين ذراعًا في عشرين، وحولها مما يلي الجدران وسائد مستديرة من ريش النعام مغشاة بالإِبْرَيْسَم الموشَّى، وفي زواياها مناور من الفضة توضع فيها الشموع للإضاءة في الليل.
فكان الغلمان يدخلون أفواجًا وشعورهم مسترسلة جدائل مفردة ومزدوجة، وفي أيديهم الدفوف أو المزاهر أو العيدان يدقون ويغنون، والأمين يطرب لكل صوت ويقهقه ولا يطلب شرابًا؛ لأنه ينوي الشرب في المصطبة.