آدم
آدم
مَتَى يُسْفِرُ الْأُفُقُ الْغَيْهَبُ
وَتَسْمَعُ، يَا رَبِّ، مَا أَطْلُبُ؟
رَأَيْتُكَ قَبْلَ انْهِمَارِ السِّنِينَ
يُؤَانِسُنِي وَجْهُكَ الطَّيِّبُ
وَأَنْتَ قَرِيبٌ إِلَيَّ، قَرِيبٌ
كَنَفْسِيَ مِنِّيَ بَلْ أَقْرَبُ
تُحَدِّثُنِي فَأُحِسُّ وَمِيضًا
تَفَجَّرَ بِي نَبْعُهُ الصَّيِّبُ
وَتَرْمُقُنِي فَيَهُمُّ الْبَيَاضُ
وَيَغْمُرُنِي ضَوْءُهُ الْأَشْنَبُ
الفردوس
وَيَوْمَ وَطِئْتُ الثَّرَى وَوَقَفْنَا
نُسَمِّي بِرَايَاكَ، أَوْ نَنْسُبُ
تَرَنَّحَتِ الْأَرْضُ تِيهًا وَخَفَّتْ
تَبُثُّ الْحَيَاةَ وَتَعْشَوْشِبُ
بِهَا نَشْوَةٌ مِثْلُ مَا بِيَ مِنْكَ
تَجُورُ وَآوِنَةً تَعْذُبُ
وَلَمَّا قَفَلْتَ إِلَى مَا وَرَاءَ الْـ
ـغُيُومِ وَحَجَّبَكَ الْكَوْكَبُ
تَهَاوَتْ عَلَى الْكَوْنِ رِيحُ الْأَسَى
وَهَبَّتْ أَعَاصِيرُهَا الْغُلَّبُ
وَمَرَّتْ أُلُوفُ السِّنِينَ عَلَى
أُلُوفٍ مِنَ الدَّهْرِ لَا تَنْضُبُ
وَأَنْتَ خَفِيٌّ كَأَنَّكَ لَا
تُحِسُّ الْحَنِينَ، وَتَسْتَوْعِبُ
تَرَكْتَ فَتَاكَ وَحِيدًا شَرِيدًا
عَلَى الْأَرْضِ لَيْسَ لَهُ مَأْرَبُ
وَمَا أَرَبِي؟ وَأَنَا الْمُسْتَطِيعُ الْـ
ـقَوِيُّ الْمُطَاعُ الَّذِي يُرْهَبُ
إِذَا شِئْتُ غَيَّضْتُ هَذَا الْفُرَاتَ
وَزَحْزَحْتُ لُبْنَانَ لَوْ أَرْغَبُ
وَأَمْسِ أَمَرْتُ الرِّيَاحَ فَهَبَّتْ
عَلَى الْكَوْنِ صَوَّاحَةً تَنْدُبُ
فَلَمْ أَرَ إِلَّا نُجُومًا تَغُورُ
وَتَهْوِي، وَأُخْرَى بِهَا تُضْرَبُ
وَإِلَّا صَبَاحًا بَكِيًّا ذَرِيًّا
يَنُمُّ بِهِ ضَوْءُهُ الْأَشْهُبُ
وَلَمْ يَقْرَعِ الْأُذْنَ إِلَّا الْعَوِيلُ
يُرَدِّدُهُ الْجَبَلُ الْمُتْعَبُ
وَإِلَّا عَزِيفُ الْغُصُونِ تَحَطَّـ
ـمَ وَالْغَابُ مَجْرُودَةٌ سَيِّبُ
وَإِلَّا هَدِيرُ الْبِحَارِ الْعِمَاقِ
يَجِيشُ بِهِ صَدْرُهَا الْمُغْضَبُ
يَقِينًا إِذَا قُلْتُ لِلشَّمْسِ مَهْلًا
تَنَاهَى عَلَى أُفْقِهِ الْمَغْرِبُ
وَيَخْفِقُ، إِمَّا رَفَعْتُ يَدَيَّ
وَيَنْجَابُ وَجْهُ الدُّجَى السَّبْسَبُ
وَضَعْتُ يَدَيَّ عَلَى الْكَائِنَاتِ
جَمِيعًا فَهُنَّ كَمَا أَطْلُبُ
وبي سأم …
وَبِي سَأَمٌ مِنْ قُوَايَ فَهَلَّا
مُرِيدٌ يُنَازِعُنِي أَغْلَبُ
لَعَلِّي أُحِسُّ جَدِيدًا، وَأَبْلُو
جَدِيدًا مِنَ الْعَيْشِ لَا أَرْقُبُ
أَنَا الْيَوْمَ صِنْوُ الْكَآبَاتِ بَاتَتْ
وَبِتُّ وَصَدْرِي بِهَا مُخْصِبُ
فَمَا لِلسُّرُورِ إِلَى خَاطِرِي
سَبِيلٌ، وَلَيْسَ لَهُ مَسْرَبُ
وَلَسْتُ لِيُؤْنِسُنِي شَادِنٌ
وَلَسْتُ لِيَشْتَاقُنِي رَبْرَبُ
جَعَلْتَ فَتَاكَ شَبِيهَكَ حُسْنًا
فَأَرْهَقَهُ الشَّبَهُ الْمُعْجِبُ
إِذَا مَا ظَهَرْتُ أَرُوعُ السِّبَاعَ
فَلَا تَطْمَئِنُّ وَلَا تَقْرَبُ
كَأَنِّي مَكَانَكَ فِي كُلِّ عَيْنٍ
فَمَنْ ذَا سَمِيرِي، وَمَنْ أَصْحَبُ؟!
لَكَ الْمَجْدُ! كَيْفَ خَلَاصِيَ مِنِّي
وَمِمَّا أُحِسُّ وَمَا أَحْسَبُ؟
الربيع
مَالَتِ الْأَرْضُ بِالْهَوَى مِنْ جَدِيدِ
وَسَرَى الْبَوْحُ فِي الرُّبَا وَالصُّرُودِ
فَعَلَى كُلِّ نَسْمَةٍ بَثُّ شَكْوَى
وَحَنِينٌ مِنْ مُدْنِفٍ مَعْمُودِ
فِي خَرِيرِ الْغُدْرَانِ لَهْفَةُ مُشْتَا
قٍ مُعَنًّى، وَفِي وُجُومِ الْبِيدِ
وَلَّهَ الْحُبُّ أَفْؤُدَ الطَّيْرِ فِي الْغَا
بِ وَأَغْوَى حَتَّى قُلُوبَ الْأُسُودِ
فَأَغَانِي الْهَوَى تَرَدَّدُ فِي الْأَوْ
دَاءِ وَالسَّهْلِ، وَالرُّبَا، وَالْجُرُودِ
بَيْنَ كَرَّاتِ بُلْبُلٍ مُطْمَئِنٍّ
وَشِكَايَاتِ رَبْرَبٍ مَفْئُودِ
وَتَعِلَّاتِ مُورِقٍ يَتَثَنَّى
وَنَفَاثَاتِ نَادِيَاتِ الْوُرُودِ
هَذِهِ زَفَّةُ الرَّبِيعِ انْتِبَاهٌ
مِنْ سُبَاتٍ وَصَحْوَةٌ مِنْ جُمُودِ
فَالضِّيَاءُ الدَّفِيقُ مِنْ كُلِّ صَوْبٍ
يَتَرَامَى عَلَى الْغُصُونِ الْغِيدِ
يُنْبِتُ اللَّوْنَ حَيْثُ يَسْقُطُ فَالْأَلْـ
ـوَانُ وَهْجٌ مِنْ خَيْطِهِ الْمَمْدُودِ
وَإِذَا آدَمٌ يُرَاقِبُ حَيْرَا
نَ انْدِفَاعَ الْقُوَى، وَبَعْثَ الْوُجُودِ
آدم
أَيُّ شَيْءٍ، تُرَى، يُعِيدُ إِلَى النَّهْـ
رِ انْطِلَاقَ الْمِيَاهِ بَعْدَ رُكُودِ
وَيَذُرُّ الْعَبِيرَ فِي وَرَقِ الزَّهْـ
ـرِ وَيُغْرِي الطُّيُورَ بِالتَّغْرِيدِ؟!
شِئْتَ مَا شِئْتَ أَنْتَ، فَانْدَفَعَ الْكَوْ
نُ وَلِيدًا عَلَى غِرَارِ وَلِيدِ
أَنَا وَحْدِي نَبَوْتُ عَنْ سُنَنِ الْأَرْ
ضِ وَعَنْ كُلِّ مُحْدَثٍ مَوْجُودِ
لَا شَبِيهًا وَلَا مَثِيلًا أُلَاقِي
لِيَ، فِي عَالَمِ الطَّرِيفِ التَّلِيدِ
وَشِتَائِي صِنْوٌ لِصَيْفِيَ أَبْقَى
فِيهِمَا وَاحِدًا صَلِيبَ الْعُودِ
فَكَأَنَّ الزَّمَانَ لَيْسَ زَمَانًا
يَبْتَلِينِي بِمَا بِهِ مِنْ عُهُودِ
الْبَرَايَا، مَا مِلْتُ يُبْدِينَ مِنْ دُو
نِي جَبِينًا مُعَفَّرًا فِي الصَّعِيدِ
فَخُذِ السَّطْوَةَ الَّتِي بِيَ، وَاسْمَحْ
تَبْتَدِرْنِي الدُّنْيَا بِغَيْرِ السُّجُودِ